العَلاقات الإيرانية-اليابانية في ظلّ نفوذ الولايات المتحدة

https://rasanah-iiis.org/?p=26718

منذ الثورة الإيرانية عام 1979م، سعت اليابان دائمًا إلى تحقيق التوازن بين تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة من جهة، وتعزيز مصالحها في مجال الطاقة مع طهران من جهة أخرى. على سبيل المثال، في أزمة الرهائن الإيرانية من 1979م إلى 1981م، لم تتوقف اليابان قَطّ عن شراء النفط الإيراني من الأسواق الفورية، على الرغم من معارضة واشنطن. وعلاوةً على تأمين واردات النفط من الخليج، تعتمد إستراتيجية اليابان الجديدة في الشرق الأوسط على تحويل سياستها الإقليمية في منطقتَي المحيط الهندي والمحيط الهادي إلى سياسة عالمية. وفي منظور الإستراتيجية اليابانية الجديدة، يُعَدّ استقرار الخليج مصلحة أساسية لطوكيو، بالإضافة إلى ضرورة مشاركتها الفعّالة في المنطقة، على ضوء خطط الولايات المتحدة للانسحاب منها. وفي يناير 2021م، اعتمدت طوكيو على دول الخليج في 90% من وارداتها من النفط الخام، و46% من المملكة العربية السعودية، و30% من الإمارات العربية المتحدة، و8% من قطر، و6% من الكويت. كما استوردت اليابان 5% من نفطها الخام من إيران، قبل عقوبات فرضتها إدارة ترامب على طهران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في 2018م، كما استوردت اليابان نصف مليون برميل من النفط الخام يوميًّا على مدار 2006م.

من وجهة نظر إيران، سياستها تجاه اليابان مماثلة لسياستها تجاه الأوروبيين. لذلك يرى صنّاع القرار الإيراني في الحوار الثنائي مع طوكيو ورقة دبلوماسية للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران. وقد لعب العامل الأمريكي دورًا حاسمًا في العلاقات الإيرانية-اليابانية، ولعبت طوكيو أيضًا دورًا مهمًّا في ظل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على الرغم من أن ذلك كان يتوافق مع سياسات مختلفة نوعًا ما تجاه طهران. وفي عهد ترامب، حاولت إدارة رئيس الوزراء الإيراني السابق شينزو آبي التوسط بين الولايات المتحدة وإيران، لكن جهودها فشلت لأن كلا الطرفين رفض اقتراحها بمقايضة الحبوب الأمريكية بالنفط الخام الإيراني. وفي يونيو 2019م، وخلال اجتماع آبي مع المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في طهران، ضربت طائرة إيرانية مسيرة ناقلات يابانية، اشتعلت النيران في إحداها، وجرى إجلاء البحّارة من السفينة. كان آبي في طهران لنقل رسالة من واشنطن حول استعداد الرئيس دونالد ترامب لبدء محادثات مباشرة مع إيران.

ومن وجهة نظر إيران، كانت هناك فرصة جديدة مع تغيير الإدارة الأمريكية في واشنطن، لا سيما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سبق أن صرّح خلال حملته الانتخابية عن نية إدارته اتباع نهج جديد تجاه إيران، والابتعاد عن نهج المواجهة الذي اتبعه الرئيس السابق ترامب. يوفر هذا النهج الجديد لإيران فرصة لإلغاء العقوبات، وتحسين وضعها الاقتصادي الداخلي. ومثل ما حدث في عهد ترامب، لعبت اليابان دورًا مهمًّا في نقل الرسائل، وسدّ الفجوة بين الجانبين. وفي أغسطس 2021م أثارت زيارة وزير الخارجية الياباني توشيميتسو موتيجي إلى طهران جدلًا في وسائل الإعلام الإيرانية، بشأن دلالاتها على علاقة طهران بالولايات المتحدة، إذ طرحت صحيفة «أفتاب يزد» الإيرانية اليومية خلال زيارته هذا التساؤل: «هل وزير الخارجية الياباني مبعوث أمريكي؟».

ولا تزال المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة خطًّا أحمر بالنسبة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي. ومع ذلك فإنّ الحكومة الإيرانية حريصة على الاستفادة من جهود الوساطة، سواء كانت من أطراف أوروبية (لا سيّما تلك التي قامت بها سويسرا وفرنسا)، أو يابانية، للحد من تأثيرات العقوبات الأمريكية على اقتصاد البلاد. ويحاول كل من الوسطاء اليابانيين والأوروبيين خلق ظروف مواتية لبدء محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة. ومن وجهة نظر الوسطاء فإنه يمكن لهذه القناة الدبلوماسية المباشرة أن تحسّن أداء المحادثات الدولية في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وتسهم أيضًا في تطوير إطار إيجابي لاستئناف التبادل التجاري بين اليابان وإيران من جهة، والدول الأوروبية وإيران من جهة أخرى.

ويروِّج «المتشدّدون» الإيرانيون لفكرة أن طهران لا تأمل -حتى لو جرى التوصل إلى اتفاق نووي جديد-رفع الغرب العقوبات عنها والعودة إلى الاستثمار في الأسواق الإيرانية، وكذلك إحياء الروابط المالية والدولية معها. ويوظف الدبلوماسيون الإيرانيون هذا التشاؤم من أجل إظهار أن المواقف الدبلوماسية الغربية تشكل عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق نووي جديد. من جهة أخرى، ترحب طهران بجهود الوساطة من القوى الوسطى مثل اليابان وفرنسا، إذ ترى طهران الجهود الدبلوماسية اليابانية والفرنسية مؤشرًا يدل على تطوراتها النووية المهمة وموقفها التفاوضي القوي. وعلينا هنا أن نتذكر أن في عام 2012م عدّ الدبلوماسيون الغربيون تخصيب اليورانيوم الإيراني حتى درجة نقاء 60%خطًّا أحمر، ما أثار دعوات لاتخاذ إجراء عسكري ضد محطات إيران النووية.

يبدو أن زيارة وزير الخارجية الياباني هذا العام كانت أكثر نجاحًا بكثير من جهود الوساطة التي قامت بها طوكيو في عام 2019م، ويرجع ذلك إلى أن إيران اليوم بحاجة إلى أن تكون أكثر مرونة للتعامل مع أوضاعها الاقتصادية المتدهورة. لم تكن مهمة وزير الخارجية الياباني التوسط بين واشنطن وطهران وحث الأخيرة على تهدئة التوترات الجيوسياسية فحسب، بل كانت أيضًا لمناقشة الوضع المضطرب في أفغانستان مع الحكومة الإيرانية بعد سيطرة حركة طالبان على كابول. وتتشارك الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى الهند نفس المخاوف مع إيران فيما يتعلق بالتقلبات الحاصلة في أفغانستان. وتُعَدّ اليابان من أكبر الجهات المانحة للمفوضية لدعم اللاجئين الأفغان في إيران، بالتنسيق مع «مكتب شؤون الأجانب والمهاجرين» الذي يعمل تحت إشراف وزارة الداخلية الإيرانية.

أخيرًا وليس آخرًا، قدّمت اليابان لإيران منحة مساعدة بقيمة 695 مليون ين (نحو 6.3 مليون دولار)، لتعزيز قدراتها الصحية والطبية لمكافحة جائحة فيروس كورونا، كجزء من إستراتيجيتها للقوة الناعمة. كما دعمت اليابان إيران بإرسالها نحو 3 ملايين جرعة من لقاحات «إسترازينيكا» اليابانية الصنع في يوليو 2021م، عندما كانت البلاد تمرّ بموجتها الخامسة من الوباء.

من المهمّ أن تستمر دول مثل اليابان، حليفة الولايات المتحدة، في التواصل مع إيران لضمان بقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة، كما كانت خلال فترة رئاسة ترامب. وقد قدّمت اليابان مثل عدد من الدول الأوروبية مساعدات مالية وطبية لإيران خلال جائحة فيروس كورونا. ولدى اليابان وأوروبا رغبة قوية في تهدئة التوترات في الشرق الأوسط، وتوسيع العلاقات الثنائية مع إيران، لا سيما في مجال الطاقة. علاوةً على ذلك، تحرص إيران على الاستفادة من عروض الوساطة اليابانية، لأنها على الرغم من أنها ليست من الدول الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني فإنها تبدو مستعدة للتحدث مع جميع الأطراف المشاركة في الاتفاق. ومع ذلك، توجد عقبة واحدة حاسمة في تطور العلاقات الثنائية بين طهران وطوكيو، ألا وهي الأصول الإيرانية المجمدة في البنوك اليابانية إزاء العقوبات المالية الأمريكية على إيران. وكثيرًا ما دعا الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اليابان إلى فك تجميد الأصول الإيرانية المودعة في البنوك اليابانية. وعلى الرغم من هذه العقبة، فإنّ أفضل ما قد يُفسِّر تطلعات اليابان إلى التقارب الاقتصادي مع إيران هو مخاوف طوكيو بشأن الهيمنة الاقتصادية الصينية داخل السوق الإيرانية. تأمل اليابان، بصفتها المنافس الإستراتيجي لبكين، في أنّ أيّ صفقة مستقبلية لحلّ معضلة إيران النووية ستمهّد الطريق أمامها للتنافس اقتصاديًّا مع الصين على العقود المربحة، والوصول إلى موارد الطاقة الإيرانية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير