محادثاتٌ غير مثمرة بين «طالبان» وجبهة المقاومة الوطنيّة في أفغانستان تخدمُ مصالح إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=27323

كما كان متوقعًا، لم يثمر الاجتماع النادر والمباشر بين حركة «طالبان» وجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية بقيادة أحمد مسعود، إلَّا أنَّ نجاحَ إيران في ترتيب لقاء في التاسع من يناير، كان مفاجأة. أجرى محافظ هرات السابق محمد إسماعيل خان وزعيم الإخوان المسلمين مولوي حبيب الله حسام، محادثاتٍ مع وفد «طالبان». وسبق أن قامت روسيا وباكستان بمحاولات وساطةٍ مُمَاثلة بين الفصائل الأفغانية المتصارعة، لكن دون تحقيق أيّ انفراجة. ومنذ سيطرة حركة «طالبان» على كابول في 14 أغسطس 2021م، وسقوط وادي بنجشير في أوائل سبتمبر، لم تتوقّف هجمات استهداف مسؤولي الحركة بين الحين والآخر؛ لكن لم تتكبد «طالبان» أيّ خسائرَ كبيرة، على الرغم من حقيقة أنها تعارضُ بشدّة حكومة ذات قاعدة أوسع أو متعدّدة الأحزاب.

وقاد وزير خارجية «طالبان» بالوكالة أمير خان متقي وفدًا إلى طهران في 08 يناير، حيث ركزت المحادثات على التجارة والنّفط والعبور وأمن الحدود، والمشاركة مع الجهات المعنيّة الأخرى. وكان متقي قد التقى بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وكذلك مع المبعوث الخاص للرئيس الإيراني إلى أفغانستان حسن كاظمي قمي. وبقيَت الأضواء مسلطةً على الاجتماع الأفغاني، ولم يُعلَن سوى القليل عن نتيجة محادثات طهران وكابول.

ومنذ فراره من وادي بنجشير في سبتمبر، توجه مسعود إلى طاجيكستان، لكنه استمر في التنقل بين دوشانبي ومشهد، بينما مكث إسماعيل خان في طهران، التي تلقّى فيها تعليمه المبكر منذ حوالي عقدين من الزمن. ولطالما اعتمدت إيران على الأسرة الطاجيكية-السنية-الأفغانية من وادي بنجشير. وكان أحمد شاه مسعود يتمتّعُ بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني. وبعد اغتيال مسعود في عام 2001م، عزز قاسم سليماني وإسماعيل قاآني، الذي كان مسؤولًا عن باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى في ذلك الوقت، العلاقات مع أشقاء مسعود وابنه الصغير.

وعلى الرغم من أنَّ محاولة الوساطة لم تُفضِ إلى نتائجَ مختلفة كثيرًا عن الماضي، إلَّا أنَّ قدرة إيران على إجلاس متقي وبعض الشخصيات الأفغانية المعارضة على طاولة المفاوضات، تكشفُ عن نجاحها الكبير في التواصل مع أفغانستان. وعندما سيطرت «طالبان» على وادي بنجشير في 06 سبتمبر 2021م، ردت طهران بغضب؛ إذ اتهمت وزارة الخارجية الإيرانية ووسائلُ الإعلام الحكومية، باكستان بإرسال دعمٍ عسكري إلى الوادي، الذي كان آخر منطقة سقطت في يد «طالبان». إلَّا أنَّ إسلام آباد وقيادة «طالبان»، نفتا تلك المزاعم.

لقد ظلت علاقة إيران بـ «طالبان» مشوبةً بالعديد من التوترات، وقليل من التحسّن، وأودى القتال العنيف الأخير على طول الحدود الإيرانية-الأفغانية بحياة العديد من الجنود، قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار. ولا تزال إيران حذرةً من حركة «طالبان» السنية، التي تتمتّعُ بعلاقات وثيقة مع باكستان المجاورة، وتربطها معتقدات سنية مشتركة مع تركيا ودول الخليج. من ناحيةٍ أخرى، تعتمد كابول على طهران في النّفط والغاز والكهرباء والتجارة.

ومن خلال الحرص على أن تتضمّن زيارة وزير الخارجية الأفغاني لقاءً مع زعيم جبهة المقاومة الوطنية، فإنَّ إيران أكدت بهذا على أهميتها بالنسبة لأفغانستان، وكذلك بالنسبة لأصحاب المصلحة الخارجين من البلاد. على سبيل المثال، لم تتضمّن دعوة النرويج لوزير الخارجية الأفغاني أيّ تعاطي مع شخصياتٍ أفغانية معارضة. ولم تكُن الدولة الإسكندنافية تنوي الإدلاء ببيانٍ سطحي، أو الإشارة عن ذلك، لكنها أرادت فعليًا مساعدة أفغانستان في التغلب على مشاكلها، إذ ركزت الاجتماعات على احتياجات البلاد والمخاوف الغربية بشأن حقوق الإنسان. والسؤال المهم هو: ما إذا كان لإيران نفوذٌ كافٍ على «طالبان» لترتيب جهود متابعة الوساطة. إلَّا أنَّ احتماليَّة حدوث ذلك ضئيلة، فمنذ زيارة طهران، تدَّعي جبهة المقاومة الوطنية أنها هاجمت مواقع «طالبان» في وادي بنجشير، بينما اعترفت بفقدان قائد بارز أيضًا.

بالنسبة لحركة «طالبان»، فإنَّ الاعتراف بحكومتها من قِبَل الدول المجاورة لأفغانستان أو من الغرب، ليس بالغَ الأهمية، طالما أنها لا تتكبد خسائرَ كبيرة. وسافر مسؤولون من «طالبان» إلى العديد من العواصم المهمة، وحتّى الآن جرى التعامل معهم وَفق البرتوكول الدبلوماسي الكامل. أما روسيا، التي زُعِم أنها زودت جماعة مسعود بالسلاح، فإنها تتصرفُ بصورة أكثر براغماتية، كما هو حال دول الجوار لأفغانستان في آسيا الوسطى، بمَن فيها طاجيكستان، أما الهند فقد امتنعت حتّى الآن عن تأجيج المقاومة المسلحة ضد «طالبان».

والأهم من جهود الوساطة، هو تصوير إيران على أنها «صديقة» لأفغانستان، وأنها تدعمُ السلام والاستقرار في البلاد. ولا تشعر إيران بالقلق من جماعة الهزارة الشيعية الموالية للخميني فحسب، بل أيضًا من نفوذ باكستان، أو الدول السنية الأخرى، مع أفغانستان ذات الغالبية السنية. وهنالك أيضًا هدفٌ خلف العلاقات الإيرانية-الأفغانية، وهو روايتها المتعلقة بالطريقة التي من الممكن أن تضرّ بها العقوبات الأمريكية الناس العاديين.

وقد صرّح قادتها، وكذلك وسائل الإعلام، مرارًا وتكرارًا أنَّ طهران لن تكون قادرةً على استقبال المزيد من اللاجئين الأفغان، أو استضافة الموجودين حاليًا، إذا لم تُرفَع القيود الاقتصادية عن البلاد قريبًا. وبالفعل، بالكاد تمنع طهران الأفغان من محاولة العبور إلى تركيا للتوجّه إلى أوروبا. إنَّ «طالبان»، تمامًا كإيران، تتصرفُ ببراغماتية وسط عزلتها العالمية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير