بسبب انزعاجها من المستويات العالية من حالة عدم المبالاة في المجتمع الإيراني، كشفت وزارة الداخلية الإيرانية مؤخرًا عن نتائجَ تستند إلى مجموعة من المؤشّرات، التي عكست استياءً واسعَ النطاق، لدى أعداد كبيرة من الإيرانيين، الذين يطالبون بالتغيير؛ بسبب الظلم الكبير القائم في البلاد.
ووَفقًا لنائب وزير الداخلية الإيراني ورئيس منظمة الشؤون الاجتماعية تاجي رستم أفاندي، لدى الشعب الإيراني رغبةً متزايدة في إحداث تغيير جوهري. وأضاف رستم أفاندي أنَّ الشعب الإيراني يريد نظامًا علمانيًا غير ديني. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ نصف سكان إيران يتجنبون الدين و32% فقط يعُدون أنفسَهم مسلمين شيعة، على الرغم من أنَّ الغالبية العظمى منهم قد ولدوا لآباء شيعة.
وتشير الأرقام المذكورة أعلاه إلى أنَّ التلقين العقائدي والتطبيق الصارم للقوانين الإسلامية، خاصةً فيما يتعلق بالنساء، أدى إلى نتائج عكسية فظيعة؛ لذا تتوقع وزارة الداخلية أن توجّه النساء الضربة الأولى ضد النظام السياسي الإسلامي الإيراني، إزاء الظلم الشديد والتمييز الذي يتعرضنَ له.
وتُظهِر المؤشّرات المنشورة كذلك رغبةً متزايدة لدى جميع الإيرانيين، للمشاركة في أعمال احتجاج متواترة؛ لكسر الأعراف الاجتماعية. وكانت الصعوبات الاقتصادية هي السبب الرئيس للاحتجاجات، التي عمت أرجاء البلاد؛ حيث تزايدت فيها الشعارات المناهضة للحكومة على مدى السنوات الخمس الماضية، ونجَم عنها سقوط آلاف القتلى والجرحى، كما تتزايد احتجاجات العمال والنقابات باستمرار.
ومع ذلك، يعتقد علماء الاجتماع في إيران، أنه حتّى الاحتجاجات أصبحت بلا معنى في إيران؛ نظرًا إلى أنَّ المزيد والمزيد من الإيرانيين يبحثون عن طرق جديدة للتعبير عن قيمهم المناهضة لتوجهات الحكومة، ولاسيَّما في الملاعب الرياضية والمدارس والكليات والمناسبات الاجتماعية؛ كحفلات الزفاف والجنازات. وفي الوقت نفسه، فإنَّ الرغبة في الهجرة عالية جدًا، بينما يميل الإيرانيون القانطون في البلاد أكثر إلى الاحتجاج والمطالبة بوقف القمع الأمني، الذي يرونه «وحشيًا».
وفي الوقت نفسه، تتزايد معدلات الانتحار وتعاطي المخدرات، بمعدلات مقلقة، في إيران. سنويًا، يحاول ما يقرب من 100 ألف إيراني الانتحار، ويموت 60 ألفًا من جرعات زائدة من المخدرات. وأصبح الإدمان على الكحول مشكلةً خطيرة في إيران، ولاسيَّما مع وجود نسبة 10% من الإيرانيين يشربون الكحول. وأصبح الشرب عادة، كما هو الحال في الغرب بين الطبقات الوسطى. وَفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز»، نسبة المدمنين على المشروبات الكحولية في إيران هي أكثر بكثير من دول ذات الاستهلاك المفرط للكحول، مثل روسيا وألمانيا.
ويعتقد ما يقرب من 45% من الإيرانيين، أنه لا الشعب ولا الحكومة يتبعان قوانين البلاد، ويقول 50% إنَّ مستويات العدالة والمساواة منخفضة. وتشير الأرقام إلى أنه على مدار ثلاث سنوات، تضاعفَ عدد الفقراء في إيران، ويعيش 20 مليونًا تحت خط الفقر، بينما يعيش ربع السكان مهمّشين في ظروف صعبة، أو بدون مأوى. ووَفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية، يعيش حوالي 11 إلى 13 مليون إيراني على هامش المجتمع، في ملاجئ غير قانونية، أو دون المستوى المطلوب.
ولقد أجبر التوزيع غير العادل للدخل، واستيلاء كبار المسؤولين الحكوميين على الأراضي، وتهميش المجتمعات الفقيرة، الإيرانيين على البحث عن قبور فارغة، كمأوى لهُم. وفي الوقت نفسه، ضاعت مئات المليارات من الدولارات من ثروة إيران؛ نتيجةَ الفساد على مدى السنوات القليلة الماضية، بينما يدير المسؤولون الحكوميون شبكات بناء مساكن تبلغ قيمتها 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما يعادل تقريبًا ما تساهمُ فيه عائدات النّفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي.
ويمكنُ للعامل الإيراني الآن شراء متر مربع واحد فقط من الأرض؛ للسكن من دخله السنوي. لكن المسؤولين الحكوميون الجُدد المقربون من الرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد علي خامنئي، وكذلك رئيس بلدية طهران الحالي علي رضا زاكاني، لديهم خُطط لإجبار الفقراء المهمّشين في مناطق الضواحي على الخروج من ملاجئهم المؤقتة، التي هي دون المستوى؛ للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وبناء مجمعات سكنية؛ لجني مزيدٍ من الأرباح.
وتلقي وزارة الاقتصاد الإيرانية اللوم على العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، بأنها السبب في استياء الرأي العام ومعدل التضخم الأخير البالغ 45% في البلاد. ومنذ أن تولّى رئيسي الرئاسة في أغسطس 2021م، ارتفع معدل التضخم الشهري، إذ يبلغ معدل التضخم الشهري الآن 45.8% في المناطق الريفية، و41.8% في المناطق الحضرية.
كُل الدلائل السابقة تشير إلى نفاد صبر الشعب الإيراني من تحقيق التغيير المنشود، وأنَّ المجتمع الإيراني يقترب بسرعة نحو نشوب أزمة.
