المرجعية العُليا ما بعد السيستاني.. ومستقبل الحوزة

https://rasanah-iiis.org/?p=27764

مقدمة

تُعَدّ مسألة خلافة المرجع الأعلى في الحوزة الشيعية أمرًا بالغ التعقيد والحساسية، لأنّ عوامل كثيرة تدخل في تحديده، عوامل داخلية حوزوية، وأخرى خارجية دينية وسياسية، ذلك أنّ رجل الدين الذي يتبوأ منصب «المرجعية العليا» عادة لا يقتصر دوره على ما هو دينيّ فحسب، بل يشمل جوانب سياسية واجتماعية، حتى لو لم يكن قائلًا بالولاية المطلقة، مما يمنح المنصب أهمية قصوى، وترقبًا من الفاعلين السياسيين إقليميًّا ودوليًّا.

وإذا كان يصعب التنبؤ باسم المرجع القادم، بعد المرجعية الحالية لآية الله علي السيستاني الذي تجاوز العقد التاسع من عمره، فإنّ استقراء التجربة التاريخية، وتتبُّع معايير المرجعية وشروطها والفاعلين من رجال الدين والدول، يفككان جزءًا كبيرًا من تعقيدات المشهد الحالي، ويُحيلنا إلى التفكير في مصير المرجعية الدينية في النجف.

وفي هذه الدراسة نسعى للإجابة عن عدد من الأسئلة المتعلقة بمستقبل المرجعية، ومستقبل موقفها السياسيّ، ومآلات حفظ الإرث الحوزويّ على مستوى التقليد، ثمّ عَلاقتها بالجوار عمومًا وبالدولة الإيرانية على وجه الخصوص، وموقع إيران في عملية اختيار المرجع.

أولًا: مدخل في تاريخ الخلافة المرجعية

بالنظر إلى الفرق بين المرجعية الشيعية بصفتها مؤسسة دينية وغيرها من مؤسسات دينية في العالم، فإنّ تصدُّر المرجع الشيعي لا يكون بالانتخاب ولا بالتعيين، بل عن طريق المشاع والشهرة، ومقبولية من حواضن التقليد، وترميز من جماعات المصالح العلمائية والاقتصادية وجماهير العامّة. وليس الحديث هنا عن أيّ مرجع، فالتصدر للمرجعية الدينية يزعمه كثير من رجال الدين، حتى إنّ في قم والنجف وكربلاء ومشهد وطهران ولبنان، بل وبعض بلدان الخليج العربي، مئات المَراجع، لكن الحديث عن المرجعية العليا التي يقلّدها أغلبية الشيعة، وتحوز أكبر قدر من حصّة المال الشيعي، فالتصدر لتلك المرجعية العليا أمر يحتاج إلى شروط خاصة وعوامل عديدة. وهو نظام يسمّيه علي الوردي بنظام «الغربلة الاجتماعية»، ويقول: «إذا مات المرجع السابق حصل التنافس بين المجتهدين الذين يلونه في المنزلة، وهذا التنافس قد يقصر أو يطول حسب اختلاف الظروف، وكثيرًا ما ينحصر بين اثنين منهم، إذ يكون لدى كل واحد منهم عدد من المقلدين قريب مما لدى الآخر، وحينذاك تشتد المنافسة بينهما، وتتخذ أنماطًا وصورًا شتى، ولا يستطيع أحدهما أن يحصل على المرجعية العامة إلا بعد أن يموت منافسه»[1].

ويرى البعض أن هذا النظام المرجعي كفل استقلالية للفقيه الشيعي عن الحكومة (شيعية كانت أو سنّية)، مما ينعكس على الفتوى والصناعة الأصولية، والعلاقة مع العامة/ الجماهير، كما ذهب رشيد رضا ومطهري وغيرهما[2]. لكن لهذا النظام سلبيات، أهمها تبعية الفقهاء للعامة، وخشيتهم من مواجهة الموروث القلق، فيخشى المرجع في كثير من الأحيان الاشتباك مع المبتدعات والخرافات والموروثات غير العادية، خوفًا من تحوُّل العامة إلى المَراجع الآخرين، وبتعبير الوردي: «إنّ المقلّدين أكثرهم من العامة، ومن طبيعة العامة أنهم يتمسكون بالخرافات والأباطيل ويحسبون أنها هي الحق الذي لا شك فيه، وقد يلجأ بعض المجتهدين إلى استرضاء العامة وإلى موافقتهم على خرافاتهم وأباطيلهم حتى لا ينفضّ العامة عنهم»[3].

وقد لاحظ ذلك مرتضى مطهري (ت: 1979م/ 1399هـ)، الذي يخبرنا بأن الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسِّس حوزة قم تراجع عن قرار تدريس اللغة الإنجليزية في الحوزة وبعض العلوم التمهيدية الحديثة بسبب اعتراض العامة عليه، وتحذيرهم إياه، قائلين له: «إنّ الأموال التي يدفعها الناس بصفتها حقوقًا شرعية ليست للإنفاق على تدريس الطلاب لغة الكفار»[4]. ورأى الحائري أن الحوزة معرضة للإفلاس والتفكيك فتخلى عن قراره، ولذا ذهب مطهري إلى أن بعض رجال الدين مصابون بمرض «الاتجاه نحو العوام»، وبالتالي إذا كان الفقهاء قادرين على معارضة انحراف السلطة في بعض الأحيان فإنهم مضطرون إلى استقطاب ولاءات الناس الممولين، ويرى ذلك «نقطة ضعف» في المرجعية الشيعية[5].

ولم يكن الفقيه الشيعي بعيدًا عن السلطة السياسية كما تذهب تلك المقولات السابقة، فالتعامل «الكتلوي» مع التراث السياسي الشيعي لا ينضبط منهجيًّا، فكما وجد القطيفي الذي رفض جرايات السلطة، وجد أيضًا الكركي الذي قبلها ونظر إليها، وقد فصّلنا الحديث عن ذلك في موضع آخر[6]. وفي العصر الحديث وجدنا تدجينًا من السلطة الإيرانية والولي الفقيه لعامة الفقهاء، لا سيما أولئك الذين يعيشون تحت سلطته وقبضة أجهزته الأمنية.

وحاصل القول أنّ النظام المرجعي يختلف عن كل المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي. نعم، ربما اقترب الأزهر من هذا النظام في عصر ما قبل الدولة الحديثة، وتحديدًا قبل دخول نابليون بونابرت (ت: 1821م/ 1236هـ) القاهرة، وتأميم الباشا محمد علي (ت: 1849م/ 1265هـ) للشأن العام ومنه المشهد الديني في مصر. لكن بقيت اختلافات جوهرية بين المؤسستين، أعني الأروقة الأزهرية والمؤسسة الحوزوية، فإنّ شيخ الأزهر لم يكن كالمرجع الشيعي الأعلى، بل كان منصبه تشريفيًّا وإداريًّا وعلميًّا، ولم يكن من شرطه الأعلمية على غرار المذهب الشيعي، بل انحصر في الشافعية برهة من الزمن[7]. لكن المرجعية السنّية وبغضّ النظر عن الأزهر كانت فاعلة في فترة ما، فجلال السيوطي (ت: 1505م/ 911هـ) يرجع الخلاف بينه وبين معاصره السخاوي (ت: 1497م/ 902هـ) إلى التنافس بينهما على ميراث تركة ابن حجر العلمية، أي في التصدر والانفراد بالمرجعية السنّية[8]. وتذكر كارين أرمسترونغ أن الحجة الغزالي (ت: 1111م/ 505هـ) كان «مرجعية دينية عُليا في عصره»[9]. وعلى كلٍّ، فإنّ رجال الدين تكتنفهم العوارض البشرية مثل سائر البشر، وبدهي أن يتنافسوا على التصدر والحيازة، بيد أن غياب القواعد الكلية والقوانين التي يتحاكم إليها يزيد المسألة تعقيدًا.

ثانيًا: شروط التصدر للمرجعية

وضع الفقهاء والأصوليون الشيعة شروطًا عدة، ينبغي توفرها في من يتصدر للمرجعية العليا، بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف حوله، وسنقف مع أهمها:

1- الأعلمية والشياع:

ويُعرف هذا الشرط، كما يذهب آية الله السيستاني، عن طريق الثقات من أهل الخبرة والاستنباط المطلعين، ولو إجمالًا، على مستويات مَن هُم في أطراف شبهة الأعلمية في الأمور الدخيلة فيها[10].

ويدخل في هذا السياق وصية المرجع السابق لأحد العلماء من بعده، وتُعَدّ الوصية شهادة بالاجتهاد والأعلمية والخلافة. وحدث ذلك مع الشيخ الأنصاري (ت: 1864م/1280هـ) عندما أوصى له الشيخ محمد حسن النجفي (ت: 1850م/ 1266هـ).

وتُعرَف الأعلمية كذلك بطريق الشياع بين أهل العلم والعامة، فيشيع بينهم أن الأعلم هو فلان، كما حدث مع المرجع السيستاني المعاصر، عندما روَّج له بقوة صهره ووكيله العامّ جواد الشهرستاني، وغيره من رجال الدين، مثل محمد باقر الأيرواني، ومحمد حسين فضل الله، الذي انفرد لاحقًا بمرجعيته وبمنهجه الإصلاحي الخاص. كذلك أوصى بعض المَراجع مقلديهم بتقليد السيستاني بعد وفاتهم، مثل الشيخ محمد علي الآراكي (ت: 1994م/ 1415هـ)، والسيد محمد الروحاني (ت: 1997م/ 1418هـ)، والسيد محمد رضا الكلبايكاني (ت: 1993م/ 1414هـ)، وغيرهم[11].

وقد حصر بعض فقهاء الشيعة الأعلمية في الفقه والأصول، في حين توسع آخرون وجعلوها في جميع المعارف الدينية لا خصوص مسائل الحلال والحرام، وما يسمى بالأحكام العملية المصطلح عليها في الحوزات العلمية بالفقه[12]، وبالتالي فإن معايير الأعلمية مختلف عليها بين فقهاء الشيعة، ما بين موسِّع ومضيِّق.

ومسألة شهادة أهل الخبرة بأعلمية فلان من المَراجع ليست بعيدةً عما قرره أبو إسحاق الشاطبي (ت: 1388م/ 790هـ) على مستوى الفقه السنّي، أنه لا يُشهد للعالِم بالاجتهاد إذا لم يشهد له بالاستحقاق «أهل الرتبة»[13]. وهو أيضًا ما قرره الخطيب البغدادي (ت: 1069م/ 462هـ) من قبل، منعًا لتسوُّر العِلم ممن ليس له بأهل، فجعل للإمام/ الخليفة أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، ثم جعل طريق معرفة ذلك الإمام بسؤال أهل العلم في وقته، والمشهورين من فقهاء عصره، ويعوّل على ما يخبرونه من أمره[14]. لكن جلال السيوطي (ت: 1505م/ 911هـ) له رأي آخر، فلم يجعل تحديد الأعلمية وتوفر الاجتهاد في يد رتبة أهل الفن فقط، بل وسع منها ليشرك طلبة العلم والعامة، فيقول في الرد على أحد خصومه: «ثم إنك تدّعي منصب العلم غصبًا، لا قامت لك عليه حجة ولا بانت لك فيه محجة. قل لي: أين تصانيفك التي طبقت الآفاق؟ أين فتاواك التي ملأت بطون الأوراق؟ أين أماليك المعنعنة بالأسانيد ذات الاتساق؟ أين دروسك التي خضعت لها الأعناق؟»[15].

والحقيقة أن للعامة دورًا كبيرًا في اختيار العالم وتصدره والحكم بكفاءته، ولا يمكن نزع هذا الحق منهم، لأنه أولًا حق شرعي وعرفي، وثانيًا هو أمر واقع، لا غنى عنه ولا يمكن تجاوزه. وعند الأصوليين تفصيل يضيق المقام عن طرحه هنا.

2نسج شبكة العلاقات:

لا تبدو الأعلمية عاملًا وحيدًا ليتبوأ المجتهد المرجعية الدينية، فضلًا عن الانفراد بها، بل ثمة عوامل أخرى، شخصية وسياسية واقتصادية. فشبكة العلاقات التي ينسجها رجل الدين من حوله مهمة لتعزيز شرعيته بين الجماعة العلمائية، ومثاله ما جرى من ترويج لمرجعية السيستاني من قِبل مؤسسة الخوئي، إذ أسهمت المؤسسة في ترسيخ مرجعيته في العالم الشيعي[16].

وقد اتُّهم المرجع محسن الحكيم (ت: 1970م/ 1390هـ) بالاستعانة بأبناء منطقته، طرف العمارة في النجف، واستعماله أشقياء المحلّة ليتمكن من التصدُّر والتسيُّد على بقية المَراجع المعاصرين له. لكن هذا إذا سلّمنا به لا يمنع أن الحكيم كان متمكنًا في الدرس الأصولي، وبالتالي فإنّ الشخصنة وشبكة العلاقات لا تجديان نفعًا مع قليل العلم ذي البضاعة المزجاة[17]، بيد أن أمورًا مثل شبكة العلاقات والعشيرة والقبيلة والأتباع تُحدِث فرقًا عند تزاحم المرجعيات وتنافسها.

3- البُعد السياسي:

لم تكن السياسة بعيدة عن مسألة تصدُّر المَراجع والتأثير في عملية الاختيار، فبعد وفاة البروجردي (ت: 1961م/ 1380هـ) ترددت أنباء عن مساندة الشاه الإيراني للمرجع الحكيم في التصدر للمرجعية. وكان البروجردي المرجع الأول للشيعة في العالم، فأراد الشاه أن ينقل ثقل المرجعية من قم إلى النجف، حتى يتخفف من عبئها ويتخلص من مركزية رجال الدين، فأرسل رسالة إلى السيد محسن الحكيم قال فيها: «حجة الإسلام محسن الطباطبائي الحكيم دامت بركاته، النجف. لقد آلمنا كثيرًا خبر رحيل حسين الطباطبائي البروجردي، وبهذه المناسبة نعزّي معاليكم والحوزة، ونسأل الله القادر تعالى أن يقوي شوكة الإسلام وعظمته المتزايدة. الشاه»[18]. وردّ عليه الحكيم برسالة أخرى.

كذلك فإن القيادة الإيرانية اضطرت في أثناء الثورة وبعدها إلى القفز على نظرية الأعلمية، فبعد نجاح الثورة مباشرةً تصدَّر الخميني للمرجعية والولاية وجرى تجاوز الثلاثي الحوزوي الكبير (كلبايكاني، وشريعتمداري، ومرعشي نجفي)، وربما برَّر البعض ذلك بكاريزمية الخميني وقيادته للثورة، وجهوده السابقة ضد الشاه، لكن بعد وفاته كان من المفترض أن تؤول القيادة إلى المرجعية العليا الممثلة في ذلك الوقت في مرجعية آية الله كلبايكاني، لكن النظام الإيراني آثر احتكار القيادة السياسية في شخص محسوب على الثورة وأحد المقربين من الخميني. أو بعبارة أوضح، لم يكن النظام الإيراني على استعداد أن يعطي المرجعية الدينية/ الحوزة زمام قيادة الدولة الإيرانية، ومن ثم فإن كل ما دار من تنظير وتفلسف حول الولاية العامة للفقيه جرى القفز عليه بتولية «حجة الإسلام» علي خامنئي (الذي لم يصل حينئذ إلى رتبة آية اللهـ) خلفًا للخميني[19].

تاريخيًّا لم تكن السياسة بعيدة أيضًا، فقد دعمت السلطة الصفوية مرجعية الشيخ الكركي (ت: 1534م/ 940هـ) على حساب مَراجع آخرين رفضوا ممارسة السياسة في ظل غياب المعصوم.

4-التمرد على الأعلمية:

انتقد عدد من فقهاء الشيعة شرط الأعلمية، وهي عندهم نظرية خلافية لا إجماعية، إذ لم تكن موجودةً في العصر الشيعي الأول، ولم تكن مُتداوَلة قبل العصر الصفوي وبداية تمركز المؤسسة الدينية الشيعية. فالمرجع محمد حسين فضل الله يقول في نقد الأعلمية: «إنني لا أقول باشتراط الأعلمية في المجتهد الذي يرجع الناس إليه في التقليد، لأنه لا دليل في نظري على شرط الأعلمية، بل صح عندي أن الشرط هو الاجتهاد والخبرة المنطلقة من الممارسة الطويلة، كما أنني لا أرى واقعية للأعلمية، فليس في العالم كله في أي علم من العلوم من يمكن أن يشار إليه بأنه أعلم الناس جميعًا في هذا المجال أو ذاك، وقد يجري التفاضل بين مجتهد وآخر في بعض العناصر والخصائص التي يتميز بها في اجتهاده أو ما إلى ذلك»[20]. وحسب المرجع الديني كمال الحيدري فإنّ الشياع ليس دليلًا على حجية الشيء، وشهرة مرجع ما ليست دليلًا على أعلميته[21]. كذلك انتقد الحيدري عدم وجود معايير ثابتة لتحديد الأعلمية، فهناك عشرات الألوف من العلماء ومئات المَراجع، ومن المُحال أن يتتبع أهل الخبرة والثقات مشاريع وطروحات كل هذا العدد من المَراجع والحكم على رسائلهم العلمية[22].

ويبدو أن الخلاف نظريّ، لأن المَراجع عمليًّا لا يمنعهم أحد من التصدر، حتى مع وجود مرجع أعلى مشهود له بالأعلمية والكفاءة.

5- دعم التجار ورجال الأعمال:

للتجار دور مهمّ في الحياة السياسية، وكذلك في المشهد الديني والحوزوي، وهم منذ النشأة الأولى للحوزة عامل رئيسي في اختيار المرجع، وجزء من نظام الغربلة الذي يفرز المتصدر للمرجعية، ويحدد الأعلمية. وقد أشار هاشمي رفسنجاني (ت: 2017م/ 1438هـ) إلى دور التجار في اختيار المرجع بعد وفاة البروجردي (ت: 1961م/ 1380هـ)، فالحاج أبو القاسم كوهبابي، مرجع وجهاء البازار، كان بعبارة رفسنجاني «مؤثرًا في اختيار المرجع، لأن إيفاء الحقوق كان يثير من قريب أو من بعيد اهتمام عامة الناس والطلبة، ويجذب الشخصيات الدينية»[23]. وبعد وفاة البروجردي أرسل كوهبابي الحقوق باسم المرجع الحكيم، مما أسهم أيضًا في تعزيز مرجعية الحكيم.

وكان للتجار دور كبير في أحداث «ثورة التنباك»1891م، والثورة الدستورية، وكان المَراجع حريصين على اجتذاب رؤوس التجار إلى جانبهم[24]. وعندما رفض العامة والتجار الكبار تدريس اللغة الإنجليزية في حوزة قم زمن مؤسِّسها الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، تراجع عن تدريسها خوفًا من تفكك الحوزة وانهدامها[25].

ويبقى للتجار ورجال الأعمال في عصرنا دور كبير، ولكن حصلت تحولات في العائلات المرجعية وهيكلة الدولة الحديثة، فمسألة الأموال لم تعُد منحصرة في التجار الكبار، بل هناك مؤسسات اقتصادية، وشركات محلية ودولية، وفاعلون من الدول والأفراد والجماعات، إضافة إلى تمركز رؤوس الأموال في العائلات المرجعية أيضًا، وقدرتها على تأسيس مؤسسات مالية تدرّ دخلًا دائمًا على الحوزة والمرجعية، وبالتالي فإن دَوْر التاجر لم يعُد كما كان في السابق.

إذًا فعملية اختيار المرشد لا تستند فقط إلى الكوابح الداخلية، كالأعلمية والتقوى والورع، بخلاف من زعم هذا[26]، بل ثمة كوابح خارجية، وفاعلون متعددون، ينبغي ملاحظة مصالحهم وتوجهاتهم وعلاقاتهم.

ثالثًا: خلافة المرجعية.. الآليات والقواعد الحاكمة

لإدراك طرق انتقال المرجعية الدينية من مرجع إلى آخر، ينبغي أن نقف مع التجارب التاريخية التي تدل على كيفية الانتقال وطرقه وشروطه. فمنذ فترة الشيخ الأنصاري (ت: 1864م/ 1281هـ) الذي اشتُهر بـ«الشيخ الأعظم»، والذي انفرد بالمرجعية الشيعية وأسهم في تأسيس مدرسة أصولية لا تزال مستمرة ومهيمنة على الدرس الأصولي الحوزوي حتى اليوم، توجد تقاليد حوزوية في كيفية تصدر المَراجع، وهي وإن لم يُنَصّ عليها ولا توجد مدونات أو دساتير أو قوانين إلزامية بها فإنها باتت عرفًا حوزويًّا لا يمكن تجاوزه أو العمل بضديته.

1- بين كاشف الغطاء وصاحب الجواهر:

في النصف الأول من القرن التاسع عشر، اشتدت المنافسة بين الشيخ حسن كاشف الغطاء (ت: 1846م/ 1262هـ) والشيخ محمد حسن صاحب كتاب «جواهر الكلام» (ت: 1849م/ 1265هـ)، وبعد موت كاشف الغطاء انفرد صاحب الجواهر بالمرجعية، لكنه سرعان ما مات بعد قرينه بأربع سنين. وقد أوصى قبل موته بالمرجعية من بعده لأحد تلامذته، وهو الشيخ مرتضى الأنصاري (ت: 1864م/ 1280هـ)، ولا يُدرى على وجه التحديد أسباب هذه الوصية، دون ترك الأمر لعموم الشيعة، كما هو معمول به[27].

2- مرجعية الأنصاري وخليفته:

بعد وفاة الشيخ الأنصاري تصدَّر للمرجعية اثنان من تلامذته، الأول هو الميرزا محمد حسن الشيرازي (ت: 1895م/ 1312هـ)، وهو المرجع الشهير في أحداث «ثورة التنباك». والثاني هو السيد حسين الكوه كمري (ت: 1882م/ 1299هـ). لكن الشيرازي اشتُهر وتفرَّد بالمرجعية نظرًا إلى تأخر وفاته بعد الكوه كمري، إضافة إلى مرض الكوه كمري قبل وفاته ببرهة من الزمن، وعجزه عن الاستمرار في التدريس. أيضًا انفرد الشيرازي بالمرجعية لما اكتسبه من مكانة وشعبية بسبب دعمه للجماهير في كثير من المواقف، مثل الغلاء الشديد سنة 1871م الذي واجهه بتوزيع المواد الغذائية على الناس، ثم موقفه من «ثورة التنباك» 1891م، إضافةً إلى رفضه الخروج لاستقبال الشاه ناصر الدين عند زيارته للعراق سنة 1870م، قائلًا: «أنا رجل درويش، ما لي وللملوك؟»، وبعد إلحاح وافق أن يجتمع به في «الحرم العلوي»[28].

وقد يكون العامل السياسي أسهم في ترسيخ مرجعية الشيرازي، فعلاقته بالشاه، رغم فتوى التنباك، كانت جيدة، ولم يكن ثوريًّا حاسمًا، ولذا أرسل إليه جمال الدين الأفغاني رسالة شديدة، يمكن القول إنها رسالة توبيخية، لسكوته ومداهنته الشاه[29]. وفي نفس الوقت كانت علاقته جيدة بالعثمانيين، الذين منعوا الاعتداء على زوار الشيعة في سامراء بغية تحييد الإنجليز من جانب، والإيرانيين من جانب آخر، والحفاظ على علاقة جيدة مع المرجع الشيعي الكبير.

3- انقسام المرجعية بعد الميرزا الشيرازي:

وبعد وفاة الشيرازي ورثه في زعامة سامراء ابنه علي أغا الشيرازي (ت: 1936م/ 1355هـ)، وبقي بعض تلاميذ الشيرازي في سامراء، لكنّ الأكثرين رحلوا إلى النجف بعد وفاة شيخهم، مثل تلميذه محمد كاظم الخراساني، الآخوند الخراساني (ت: 1911م/ 1329هـ)، ومحمد كاظم اليزدي (ت: 1919م/ 1337هـ). وصارت إليهم المرجعية بعد فترة[30].

وتصدَّر الآخوند الخراساني بعد وفاة الميرزا حسين الخليلي (ت: 1908م/ 1326هـ)، الذي تُوفي وله من العمر 95 سنة، وكان قرينًا للميرزا الشيرازي في العمر والدراسة. لكنه بقي في النجف ولم يهاجر إلى سامراء مثل الشيرازي، وكان الشيرازي يحيل إليه بعض الفتاوى، وتلك الإحالة تُعَدّ إشارة إلى أن المرجع الأعلى يرشح المُحال عليه لخلافته، ويعتبره التالي له مباشرة في المقام العلمي. وكان الخليلي من المناصرين للدستورية برفقة تلاميذه[31].

وبعد وفاة الخليلي تصدَّر الآخوند لكنه لم ينفرد بالمرجعية، فمرجعتيه لم تكن عامة، بل كانت نخبوية، بخلاف منافسه محمد كاظم اليزدي، الذي قلده أكثر العوامّ والتفّوا حوله، وانعكس هذا الخلاف على الموقف من الدستورية[32]. كان الآخوند الخراساني وبعض تلامذته (أبرزهم النائيني) من الداعمين للحركة الدستورية، لكن كاظم اليزدي وتلامذته كانوا ضد الحركة الدستورية، وبالتالي انسحب الخلاف بينهما من المستوى السياسي إلى المستوى الحوزوي والشخصي، وصل إلى درجة الاعتداء والتكفير المتبادل. وكانت الغلبة مرة لهذا الفريق وتارة لذاك، فعندما أقصى الدستوريون الأتراك السلطان عبد الحميد عن الحكم سنة 1909م، شعر كاظم يزدي وجماعته بخيبة أمل بسبب تقارب الدستوريين النجفيين مع الأتراك، وبالتالي تهميش اليزدي وجماعته[33].

لكن الآخوند الخراساني تُوفي عام 1911م، فانفرد اليزدي بالمرجعية، وحاول بعض تلامذة الآخوند ورفاقه مثل الشيخ مهدي الخالصي (ت: 1963م/ 1343هـ)، والشيخ محمد تقي الشيرازي (ت: 1920م/ 1338هـ)، مواصلة طريق الآخوند، لكن مرجعية كاظم يزدي كانت أقوى وأشمل، لا سيما بعد إعدام الشيخ فضل الله النوري، ثم هزيمة الثورة الدستورية في إيران، وتراجع بعض فقهاء الدستورية خطوة إلى الوراء، مثل النائيني الذي تخلص من كتابه «تنبيه الأمة».

إذًا بعد وفاة الشيرازي لم تعُد المرجعية مركزية في يد شخص واحد، بل منقسمة بين خصوم حوزويين، بسبب مواقف سياسية وشخصية، لا علمية صرفة.

4- بين النائيني والأصفهاني:

بعد وفاة محمد كاظم اليزدي (ت: 1919م/ 1337هـ) انفرد محمد تقي الشيرازي بالمرجعية، لكن سرعان ما رحل بعد عام واحد من وفاة اليزدي، فانتقلت المرجعية إلى شيخ الشريعة فتح الله الأصفهاني (ت: 1920م/ 1339هـ)، لكنه تُوفي أيضًا في نفس العام، فاشتد الصراع على المرجعية بين الميرزا النائيني (ت: 1936م/ 1354هـ) وأبي الحسن الأصفهاني (ت: 1946م/ 1365هـ)، ثم كانت الكفة لصالح الأصفهاني على الرغم من مكانة النائيني وموقعه في الحوزة[34]. لكن بقي النائيني فاعلًا ونشطًا في الحياة السياسية والدينية في العراق خاصةً، والبيت الشيعي عامةً، فكان يطلق على الأصفهاني والنائيني والشهرستاني لقب «المجتهدون الثلاثة»[35].

5- مرجعية محسن الحكيم:

بعد وفاة الميرزا النائيني (ت: 1936م/ 1354هـ)، وهو أستاذ محسن الحكيم، ثم وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني (ت: 1946م/ 1365هـ)، توسعت دوائر التقليد للسيد محسن الحكيم، لا سيما بعد طبع رسالته «منهاج الصالحين»، وكان من أقرانه حينئذ الشيخ محمد كاشف الغطاء (ت: 1954م/ 1373هـ)، والشيخ محمد رضا آل ياسين (ت: 1950م/ 1369هـ)، والسيد حسين الحمامي (ت: 1959م/ 1378هـ)، والسيد حسين البروجردي (ت: 1961م/ 1380هـ)، وآية الله عبد الهادي الشيرازي (ت: 1962م/ 1381هـ)[36].

انفرد البروجردي بالزعامة الدينية بعد وفاة أبي الحسن الأصفهاني، وانتقل معه ثقل المرجعية إلى قم. لكن عادت مرة أخرى إلى النجف بعد وفاة البروجردي، عندما أرسل الشاه رسالة تعزية إلى السيد محسن الحكيم، فُهِمَت على أنها اعتراف بمرجعية الحكيم[37]، فتفرد الحكيم بالمرجعية.

6- مرجعية الخوئي:

بعد وفاة محسن الحكيم أراد البعض نقل المرجعية إلى ابنه الأكبر آية الله يوسف الحكيم (ت: 1990م/ 1410هـ)، لكنه رفض وأغلق باب بيته اعترافًا بمرجعية الخوئي (ت: 1992م/ 1413هـ)، واكتفى بإمامة الجماعة فقط[38]. فتفرد الخوئي بالمرجعية، وإن نازعه فيها السيد محمود الشاهرودي (ت: 1976م/ 1396هـ)، إلى أن استقرَّت له.

وكان الخوئي من الرافضين لولاية الفقيه، وكانت بينه وبين النظام الإيراني توترات، إذ أراد النظام الإيراني إخضاع جميع فقهاء الشيعة لولاية المرشد الإيراني (الخميني في ذلك الوقت). وتعرض الخوئي ومدرسته لعمليات تسقيط وتشويه ممنهجة من قِبل الإيرانيين. فكما أن النظام الإيراني في الداخل عمل على تحجيم مَراجع كبار مثل شريعتمداري وكلبايكاني ومرعشي نجفي، ليتفرد الخميني بالمرجعية، فإنه حاول تكرار نفس الأمر في الخارج، ومن هنا بدأ الصراع الإيراني النجفي الذي استمر حتى اليوم.

7- مرجعية السبزواري وخلافة السيستاني:

بعد وفاة المرجع أبو القاسم الخوئي، حل بعده عبد الأعلى السبزواري (ت: 1993م/ 1413هـ)، الذي قلدته الجماهير العريضة من الجماعة الشيعية في العراق وإيران وغيرهما، بيد أنه مات بعد وفاة الخوئي بشهور. ولم يكن السبزواري تلميذًا من تلامذة الخوئي، بل كان تلميذًا للميرزا النائيني، فكان قرينًا لمحسن الحكيم والخوئي معًا[39].

وبعد وفاة السبزواري لا يمكن القول إنّ السيستاني تفرَّد بالمرجعية، إذ دارت منافسة بين جماعة، منهم السيستاني ومحمد الصدر (ت: 1999م/ 1420هـ) ومرتضى البروجردي (ت: 1998م/ 1418هـ) والميرزا علي الغروي (ت: 1998م/ 1418هـ)، فكانت مرجعيةً جماعيةً إلى حدٍّ كبير، فتُوفي هؤلاء وبقي السيستاني معتكفًا حتى سقط نظام صدّام فتفرد بالمرجعية[40]. وكان موقفه سلبيًّا من ولاية الفقيه مثل أستاذيه الخوئي والحكيم، وردد دائمًا مقولات في الفقه السياسي مثل «مقبولية المؤمنين» و«الدولة الدستورية» و«سيادة الدولة»، ونحو ذلك من مقولات ديمقراطية حديثة.

رابعًا: المرجعية والسياسة.. الترقب الإيراني

ليس معروفًا على وجه التحديد كيف سيكون اختيار المرجع القادم في عالم الحداثة والتطور التقني والتكنولوجي، لا سيما أن خلفاء السيستاني كبار في السن، وبعضهم تُوفي قبله، مثل المرجع محمد سعيد الحكيم (ت: 2021م/ 1442هـ)، الذي كان أبرز مرشح للمرجعية بعد السيستاني.

أما اليوم فلا توجد مرجعيات متقاربة في أعداد المقلدين والموارد، ومن ثم فإن نظام الغربلة الاجتماعية الذي قال به الوردي قد يحتاج إلى وقت طويل جدًّا كي يفرز مرجعًا دينيًّا نجفيًّا على غرار السلسلة النجفية منذ عهد الأنصاري حتى السيستاني. وهذا لا ينافي تصدُّر مرجع كبير مثل الشيخ بشير النجفي (ت: 1942م/ 1361هـ)، أو الشيخ إسحاق الفياض (ت: 1930م/1348هـ)، لكن ستكون مرجعية كليهما أو أحدهما أشبه بمرحلة انتقالية بسبب كبر سنّهما، كما كان في فترة مرجعية السبزواري بعد الخوئي. لكن السؤال المهم في هذا السياق هو: أي دور إيراني محتمل في عملية اختيار المرجع القادم؟

  1. إيران وحدود الضغط:

للغربلة الاجتماعية في فترة ما بعد السيستاني معوقات، فإيران باتت تدخلاتها قوية ومؤثرة في الشأن العراقي عمومًا، والديني على وجه الخصوص، وبالتالي لا يتوقع أن يتصدر مرجع من المَراجع بصورة مستقلة ما لم يلقَ قبولًا إيرانيًّا، أو على الأقل لن يكون عليه إجماع، فتؤول الأمور إلى التنازع والاشتباك والتشظي الفكري، لأن بيئة حواضن التقليد متشظية هي الأخرى، ومنقسمة بين ما هو عربي-عراقي، وما هو إيراني.

وثمة احتمال آخر، وهو أن تحسم إيران مسألة المرجع، إما بتهميش النجف، ومركزية قم والولي الفقيه، وإما بتلميع وترميز مرجع نجفي تابع لخطها، يَدين بالولاء للولي الفقيه. وهناك مَراجع كثر مثل كاظم الحائري، ينتمون إلى النجف ظاهرًا ولا يرون إشكالًا في اعتقادهم بولاية الفقيه المطلقة، مما يلزم منه عمل المرجع النجفي تحت ولاية الولي الفقيه ووصايته، ولا شك أن هذا خيار إيراني واحتمال قد يُلجأ إليه. لكن نسبة نجاحه غير متيقنة، إذ في المشهد تداخلات وتعقيدات لا يمكن التنبؤ بمآلاتها.

يبقى خيار آخر عقلاني أمام صانع القرار الإيراني، وهو أن يقوِّي النجف ويُعزِّز استقلاليتها بما يحفظ سمعة الحوزة والمذهب، ويُبقي على الإرث الشيعي والقوة الناعمة للمذهب، دون تسييس يذهب بتاريخ الحوزة، وإبقاء خيارات تقليدية أخرى أمام الحواضن المتمردة على الولي الفقيه، أو التي لا ترتاح للسير في ركابه.

ولكن لا نتوقع لجوء إيران إلى مثل هذا الخيار العقلاني، ذلك لأنه احتكاري واستلابي، يؤمن بالحسم والمغالبة لا المشاركة، يرى في نفسه أساس المذهب، ويرى أن قم هي الأصل والنجف طارئة عليها، إضافة إلى أن الولي الفقيه يؤمن بشمول ولايته حتى تعمّ الفقهاء الأقران، وبالتالي فإنّ الحديث عن الخيار العقلاني في ظل وجود النخبة الدينية الولائية المحافظة أمر مستبعَد، واحتمال ضئيل.

2- إيران وفرض الأمر الواقع:

إذا أردنا أن ندرك محددات الإستراتيجية الإيرانية في العراق، فهي تقوم على بُعدين متوازيين، الأول هو التغلغل حوزويًّا، في ما يشبه التغلغل الناعم عبر رجال الدين الموالين، وإقناع طلاب الحوزة بالقراءة الولائية، وهو ما فصّلنا احتمالاته آنفًا. والثاني هو التغلغل عبر تخليق ميليشيات مسلحة تفرض سياسة الأمر الواقع، دون التفات إلى مصلحة الدولة أو اندماج في مؤسساتها الرسمية. وهذه القوة الخشنة تجاوزت مرجعية السيستاني نفسه حينما رفضت الاندماج الكامل والولاء التام للدولة العراقية والجيش العراقي، فقد طالب السيستاني مرارًا وتكرارًا بحصر السلاح بيد الدولة، لدرجة أنه ألحّ على هذا المطلب حتى في لقاء الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني به في مارس 2019م، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ومن غير المتوقع أن يحدث بعد وصول إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم في طهران، باعتباره أحد صقور النظام الإيراني ومن الداعمين لتصدير الثورة وتمدد هيمنة الولي الفقيه.

فالأدوات الإيرانية تنسف مرجعية السيستاني بفرض الأمر الواقع، مع إبراز قدر كبير من الاحترام في الوقت ذاته، لكن دون إعلان الولاء له بالتزام تقليده، وتلك الميليشيات المكونة لـ«الحشد الشعبي» تقلد في أغلبها مرجعية خامنئي، بخلاف ما يزعمه البعض أن «الحشد الشعبي» يستمد شرعيته من السيستاني (الذي هو الرقيب الوحيد المؤثر في تصرفات الحشد)، وهذا يشكّل مبالغة وتعميمًا في غير محلهما، بل إنّ التيار الصدري الذي هو أقرب إلى النجف والمرجعية العراقية من «الحشد» لا يمكن وصفه بهذه الصفات، باعتبار الخلاف التاريخي السياسي والفقاهي بين الصدريين والسيستاني[41].

خامسًا: ضد الولي الفقيه.. الفاعلون والمستقبل السياسي

كان السيستاني ولا يزال حتى اللحظة حائلًا دون ولوج العراقيين في عمق الصراع الإيراني-الأمريكي، وحصنًا منيعًا ضد التدخلات الإيرانية في العراق، بدعوته الدائمة للدولة الوطنية والدستورية، ورفضه لولاية الفقيه وشموليتها الجغرافية والمذهبية، وقوله بالسيادة الشعبية ومقبولية المؤمنين، ومشاركته في «الحشد الشعبي» ببعض الألوية الحوزوية. كل ذلك أدى إلى كبح إيران أو عرقلة تمددها في العراق والنجف على النحو الذي كانت تريده. ولذا فإنّ الإيرانيين، في مرحلة ما بعد السيستاني، لا يريدون تكرار نموذج الخوئي وتلميذه السيستاني، ويقلقهم وجود مرجعية نجفية قوية تناهض أو حتى توازي المرشد الإيراني، حتى لا تتأثر شمولية الولاية، وحتى تخضع الجماعة الشيعية لولاية الولي الفقيه، وتسهل مشاريع تصدير الثورة. وبعبارة أخرى فإنّ إيران تريد التمدد في الفراغ السياسي العراقي، ويصير لها ثقل سياسي واقتصادي وأمني، لكنها حتى الآن ترى أن فشلها في استلاب النجف وإخضاعها لسلطة الولي الفقيه يكبح جهودها، ويحُول دون إنفاذ مشروعها الأيديولوجي، ويعطي المناهضين مساحة للتوسع الإيراني من القوميين والعلمانيين وبعض الشيعة، للتحصن بالنجف ومواقفها، وبالتالي يصعب نزع القداسة الدينية منهم، أو تكفيرهم وتشويههم باسم المذهب، لتترُّسِهم بالحوزة النجفية واستدلالهم بها[42]. ومن المرجح أن لا يُحدَّد مرجع بعينه بعد وفاة المرجع الحالي آية الله السيستاني، وقد يأخذ هذا الأمر فترة حتى تحدث عملية الغربلة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أي حتى يحدث التدافع ويأخذ قسطه ومجراه. وفي نهاية الأمر إما سينفرد مرجع بالمرجعية من قلب النجف، وإما سينفرد مرجع مدفوع من فاعلين آخرين من خارج النجف كإيران، وإما سيتصدر عدد من المَراجع كما حدث في التاريخ الشيعي. لكن وبغضّ النظر عن الأسماء المرشحة للتصدر، فهل يمكن للنجف أن تتحول إلى ولاية الفقيه؟ وعلى التسليم بإمكانية ذلك، فهل ستكون تابعة لولاية الفقيه الإيراني، أم ستخلق ولاية فقيهٍ نجفيٍّ مستقلٍّ عن القرار الإيراني، فيصير لدى الجماعة الشيعية وليَّان فقيهان؟

1- مقتدى الصدر والولاية المؤجلة:

لا يمكن في هذا السياق أن نغفل دور التيار الصدري، وزعيمه مقتدى الصدر (1974م/ 1394هـ)، الذي يتخذ من النجف مقرًّا له، والذي سيكون له دور حاسم في اختيار المرجع القادم. لكن لا يمكن الجزم بقدرة التيار وزعيمه على دعم مرجع من داخل التيار، فلم يعُد للتيار مَراجع كاريزماتية شعبوية بعد مقتل الصدرين الأول والثاني، لكن مقتدى الصدر لا يقدم نفسه زعيمًا سياسيًّا فحسب، بل رجلَ دين، ويصف نفسه -حتى الآن- بـ«حجة الإسلام والمسلمين»، ويحضر دروس الخارج عند أكثر من مرجع في قم، ويدلي برأيه في الأمور الفقهية، واشتبك مع بعض المَراجع سابقًا مثل كمال الحيدري، وكاظم الحائري، الذي قلّده في فترة من حياته، وغيرهما. وبالتالي فإنه ليس من المستبعد أن يعلن الصدر نفسه مرجعًا، لكن مثل هذا الإعلان وهو لم يصل بعدُ إلى العقد الخامس من عمره صعب جدًّا، ولم يحدث في التاريخ الشيعي المعاصر. أيضًا فإنّ محاولة تفرُّده بالمرجعية ستقابل بموجات تسقيط وتشويه من قِبل الإيرانيين أولًا، وبعض العائلات النافذة العراقية ممن يناصبون الصدريين العداء ثانيًا. وليس معروفًا على وجه اليقين ما حقيقة شبكات الصدر الاجتماعية اقتصاديًّا ومذهبيًّا، وعلاقته بالتجار والفاعلين في النجف، لكن في كل الأحوال فإنه من المستبعد أن يكون الصدر وتياره العريض في منأى عن عملية اختيار المرجع القادم، سواء بالدعم المباشر لأحد المرجعيات الصدرية، أو بدعم مرجع من خارج آل الصدر كمرحلة انتقالية إلى أن يتأهل الصدر فقهيًّا وحوزويًّا، أو لمحاولة الابتعاد بالمرجعية عن الحضن الإيراني.

2- الميليشيات والتمدد في الفراغ الحوزوي:

يخشى كثيرون تمدد الميليشيات الشيعية وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي (الولائيون) في الفراغ الذي قد ينتج مع رحيل المرجع الحالي آية الله السيستاني. والإيرانيون اليوم، وإن كانوا يعادون مرجعية السيستاني فإنهم يدركون أنها المرجعية الأكبر والأشمل في العالم الشيعي، وتلقى دعمًا واحترامًا ملحوظًا من الفاعلين الإقليميين والدوليين، بل ومن بعض الأديان والمذاهب الأخرى، وبالتالي فلا يُقْدِمُون على المساس المباشر بها، ويكبحون ميليشياتهم عن الاشتباك المباشر مع المرجعية. وكل هذه الاعتبارات ستتبدد برحيل آية الله السيستاني، والفراغ الذي قد يطرأ على النجف، مما يتيح للميليشيات والأحزاب الولائية زيادة نفوذها السياسي والعسكري، بل المذهبي أيضًا، وفي أسوأ السيناريوهات قد تخرج الصراعات المكتومة بين الميليشيات والفصائل عن السيطرة وتؤدي إلى حرب بينها، في ظل عدم وجود مكابح حوزوية تسيطر على مقاليد الأمور.

في المقابل، ثمة سيناريو آخر، وهو رحيل المرشد الإيراني علي خامنئي قبل آية الله السيستاني، وفي هذه الحالة قد يُنزَع الغطاء الديني عن تلك الميليشيات، وينشأ الفراغ الحوزوي والمذهبي في طهران لا في النجف، لأن استقرار المرجعية الدينية لأي مرشد إيراني يحتاج إلى وقت، بخلاف قيادته السياسية.

3- الفاعلون المحليون والعوائل الكبرى:

ويُراد بالفاعلين الحوزويين المحليين بعض البيوت النافذة في النجف وبعض المؤسسات والشخصيات والهياكل، مثل: بيت السيستاني، خصوصًا ابنه الأكبر محمد رضا الذي يلقى احترامًا كبيرًا داخل البيت الشيعي. ومؤسسة الخوئي القوية والنافذة والقادرة على نسج العلاقات الدولية للحوزة. وعائلة الحكيم، القوية في النجف، إضافة إلى الصدريين كما ذكرنا آنفًا. ونلحظ أن كل هؤلاء غير راضين عن التدخلات الإيرانية، ويريدون «نجفًا مستقلًّا»، لكن بينهم أيضًا خلافات داخلية على التصدُّر والانفراد بالمرجعية.

4- خلفاء السيستاني وثقافة الدستورية:

إنّ أكبر تحدٍّ تواجهه النجف ليس الإرث الحوزوي على مستوى الدرسين الفقهي والأصولي، لأنه لا خلاف يُذكر بين المدرستين في هذا الجانب إلا انشغال قم بالفلسفة والأصول، وانشغال النجف بالفقه مع نزعة أخبارية ظاهرة في بعض المدارس، بيد أن التحدي الأكبر هو مدى اعتقاد المرجع القادم بالنظرية السياسية والثقافة الدستورية النجفية. هل سيعتمد المرجع القادم الإرث السياسي النجفي؟ وهل سيقدر على مناهضة المشروع الإيراني في العراق أم سيخضع له؟ لا سبيل إلى إجابات قاطعة لتلك الأسئلة، بسبب تعقُّد المشهد الشيعي والعراقي، ووجود فاعلين في الداخل والخارج، سياسيًّا وحوزويًّا واقتصاديًّا، وستختلف الإجابات والنتائج حسب المتصدر للمرجعية، وحسب مآلات الصراع الإيراني-النجفي، وبالتالي تبدو اللحظة فاصلة في تاريخ الجماعة الشيعية، فكل من خامنئي (1939م/ 1358هـ) والسيد السيستاني (1930م/ 1348هـ) قد تقدم في العمر، ومن ثم فإن تضخيم العامل الإيراني دون ملاحظة العوارض التي قد تطرأ على شكل النظام الإيراني ونخبته الدينية بعد وفاة خامنئي لن يؤدي إلى نتيجة مُرضية، فالتغيير قد يطرأ على قم لا النجف، وقد يطرأ على كلتيهما. فالأمر إذًا متعلق بمستقبل النظام السياسي الإيراني، وكذلك مستقبل النظام السياسي العراقي الذي قد يكون مستقبلًا عامل قوة لاستقلال حوزة النجف، وقد يكون سببًا في هشاشتها.

ليس الهدف من هذه الدراسة تحديد أسماء بعينها بقدر ما يعنيها التركيز على المنهج والقواعد الحاكمة في عملية خلافة المرجع الديني. ومع ذلك فيمكن الحديث عن بعض أبرز المرشحين لخلافة السيستاني، إذا لم تحدث تحولات كبرى أو تدخلات من فاعلين تغير الحسابات والظواهر المستقرة.

ومن أبرز المرشحين للسيستاني ابنه محمد رضا السيستاني، وهو مجتهد ومشهود له بالكفاءة، وتتردد أنباء عن تدخلاته في المشهد السياسي لتحجيم النفوذ الإيراني، ومن المرجح أن يلقى دعمًا قويًّا من العائلات الدينية والنافذة في النجف، ومن جموع طلبة العلوم الدينية في الحوزة، بيد أنه قد يؤجل مرجعيته حفظًا لسمعة المرجعية خشية أن تُتهَم بالتوريث، كما فعل ابن الخوئي من قبل.

كذلك من المرشحين السيد رياض الحكيم، وهو الابن الأكبر للمرجع محمد سعيد الحكيم (ت: 2021م/ 1442هـ) الذي كان مرشحًا لخلافة السيستاني، لولا كِبر سنّه وموته المفاجئ، لكن ابنه رياض الحكيم أحد المجتهدين، وهو يدير مكتب والده في قم بإيران، ويدرس بحث الخارج، وقد تدعمه عائلة الحكيم وتدفع به نحو المرجعية. وهناك من ينافسه داخل العائلة، مثل السيد حسين الحكيم، وهو رجل دين وفقيه نجفيّ له مقبولية واسعة داخل العائلة أيضًا.

ومن المرشحين أيضًا آية الله الفياض، وآية الله بشير النجفي، وكلاهما مع آية الله سعيد الحكيم وآية الله السيستاني أُطلق عليهم مصطلح «الأربعة الكبار». ودائمًا ما كان يُتوقَّع خلافة السيستاني من قِبل أحد الثلاثة، بشير النجفي، وسعيد الحكيم، والفياض. فمات سعيد الحكيم، وبقي الفياض وبشير النجفي، لكنهما بلغا من الكبر عتيًّا. وعلى التسليم بتصدرهما أو تصدر أحدهما فسيكون تصدرًا مرحليًّا ومؤقتًا كما حدث في مرجعية السيد السبزواري، بعد وفاة الخوئي.

وهناك أيضًا محمد باقر الأيرواني (1949م/ 1368هـ)، الذي افتتح ديوان «براني» في النجف، وقد اختار ديوانه في مكان ذي دلالة تاريخية، فقد كان مكتبًا للمرجع السيد عبد الهادي الشيرازي (ت: 1962م/ 1382هـ). ويُعَدّ بحث الخارج للأيرواني من أكثر دروس الخارج حضورًا واهتمامًا من طلبة الحوزة، وهو من تلامذة باقر الصدر، والخوئي، والسيستاني، مما يجعله في مواجهة ولاية الفقيه[43]، بيد أن صعود الأيرواني لهرم المرجعية يحتاج إلى دعم مباشر من المجتمع النجفي، والجماعة الشيعية، والفاعلين الحوزويين، مثل مؤسسة الخوئي، وبيت السيستاني، وعائلة الحكيم. وهذا غير مستبعد، لا سيما أن الأيرواني كان من المروجين لأعلمية أستاذه السيستاني، وفي نفس الوقت فإن تجاهل بشير النجفي والفياض أمر مستبعد.

ويبقى احتمال آخر عن إمكانية تحوُّل ثقل المرجعية إلى إيران، كما حدث بعد وفاة البروجردي وتحولها إلى النجف، أو بعد وفاة الأصفهاني وتحولها إلى قم. كانت إيران تسعى إلى تخليق مَراجع موالين لها في قلب النجف، مثل محمود هاشمي شهرودي الذي تُوفي عام 2018م، والآن يمكن طرح أسماء مثل كاظم الحائري. وقد يكتفي الإيرانيون ببعض المَراجع الموالين في النجف، وقد يسعون إلى تحول المرجعية بأكملها إلى قم، وتحديدًا إلى المرشد الإيراني ليتصدر المرجعية الشيعية دون منافس، وهذا سيناريو معقد وليس سهلًا تمريره، كما تقرر آنفًا.

5- هل تتلاشى الحوزة؟

التفت البعض قديمًا إلى بزوغ نجم الحوزة وتوسعها إبان الثورة الدستورية في إيران، ودور فقهاء الدستورية فيها، ومن قبلها أحداث «ثورة التنباك»، ثم أفولها مرة أخرى بعد تأسيس البرلمان وانتقال شرعية الحكم إلى البرلمان وعامة الناس والجيش والمؤسسات، فـ«لم يكن الحكم الجديد المستند إلى دستور وبرلمان منتخب بحاجة إلى تزكية هذه الحوزة، لذلك تراجع دورها إلى موقف العزلة والانزواء»[44].

بناء على هذا، فهل يمكن القول إنّ الحوزة قد تنحسر مكانتها بعد رحيل المرجع السيستاني، لا سيما إذا تحولت الدولة العراقية إلى دولة مدنية دستورية، أو إذا تحولت إيران إلى دولة دستورية مدنية؟ لو سلمنا بحدوث هذا التحول في إيران أو العراق، وهو أمر مستبعد في المديات المنظورة لعدة عوامل، دينية ومجتمعية وسياسية، فإنه لا يمكن أيضًا تجاوز الحوزة تمامًا، بل سيكون لها دور فاعل كبقية أدوار المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، كـ«الأزهر» و«الزيتونة» ودور الإفتاء في الدول الإسلامية، وهو دور معزز لشرعية السلطة السياسية، ويأخذ دور حارس الشريعة ضد العلمنة الشاملة، لا سيما في ما يخص قوانين الأحوال الشخصية ونحو ذلك. ومع ذلك فانحسار الحوزة لا يمكن من الناحية العملية، حتى مع وجود تيارات مجتمعية قوية تتبنى العلمانية أو مناهضة للحوزة، لأن الدين فاعل رئيسي في المنطقة عمومًا وفي المجتمع الشيعي على وجه الخصوص.

خاتمة

نخلص مما سبق إلى أن نظام المرجعية معقد جدًّا، وأن داخل الحوزة وخارجها فواعل تتحكم أو تسهم في تحديد أعلمية المرجع الأعلى، دون تنسيق في الغالب بين تلك الفواعل، بل أحيانًا تكون متدافعة ومتباينة في توجهاتها.

ولا غرو من ترقب الإيرانيين للحظة ما بعد السيستاني، في محاولة للهيمنة على النجف واستلاب استقلالها التاريخي ومركزيتها في العالم الشيعي لصالح قم، أو بعبارة أدق: لصالح سلطة الولي الفقيه، لأن قم ما عادت كقم الأولى، بل أُمِّمَت هي الأخرى بعد عام 1979م، وباتت أداة من أدوات السلطة السياسية بعد أن كانت في بعض المراحل مكبحًا من المكابح الخارجية للسلطة السياسية.

ولا يمكن بحالٍ التنبؤ بمآلات المرجعية العليا ومصاير الفاعلين فيها، للتعقيد والتشابك الذي يعتريها، والتداخل بين ما هو ديني وسياسي واقتصادي، وتضارب مصالح الفاعلين إقليميًّا ودوليًّا. حتى مع وجود إرادة لبعض الدول أو الأحزاب في تنصيب بعض المَراجع الموالين لهم، فإن المسألة في نهاية الأمر سترجع إلى عملية الغربلة الاجتماعية، ولا شك أنها تحتاج إلى وقت، لكن مع ذلك فإن الحواضن الاجتماعية محكومة هي الأخرى بالخضوع لإعلام وفاعلين ورموز، قد تكون حقيقية وقد تكون موجهة، وبالتالي فإن بعض الدول والفاعلين يسعى للاستثمار في تلك الحواضن الشعبية التي تمثل حواضن التقليد الحوزوية.

في كل الأحوال، ثمة تقاليد حوزوية متوارثة وراسخة، يمكن أن تكون بمثابة القواعد الحاكمة لعملية اختيار المرجع الأعلى وبزوغه من بين الأقران والمتنافسين، ما لم تستجدّ أمور تغيّر قواعد اللعبة.


[1] علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، مجلد 3، بيروت: الوراق للنشر، 2007م، ص109-110.

[2] محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده، القاهرة، وزارة الثقافة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012م، ص68. ومرتضى مطهري، الثورة والدولة، بيروت: دار الإرشاد، 2009م، ص49.

[3] علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، مجلد 3، ص110.

[4] مهدي جهرمي ومحمد باقري (جمع وتصنيف)، نقد الفكر الديني عند الشيخ مطهري، فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2011م، ص109-110.

[5] المرجع نفسه، ص109-110.

[6] محمد الصياد وسليمان الوادعي، اللاهوت السياسي الشيعي، الرياض: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، 29 سبتمبر 2021م، تاريخ الاطلاع: 02 فبراير 2021م، https://bit.ly/3Da9lwK.

[7] عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق عبد العزيز جمال الدين، مجلد 6، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2012م، ص50-686.

[8] جلال الدين السيوطي، مقامات السيوطي (مقامة طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة، تحقيق سمير الدروبي، مجلد 1-2، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الذخائر 164، 2007م، ص399-766.

[9] كارين أرمسترونغ، موجز تاريخ الإسلام، ترجمة: أسامة شفيع السيد، الدوحة: منتدى العَلاقات العربية والدولية، 2021م، ص105.

[10] حيدر حب الله: معايير الاجتهاد ومفهوم الأعلمية، مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 7-10، 2008م. وراجع: السيد محمد الروحاني: المسائل المنتخبة 10، والسيد علي خامنئي: منتخب الأحكام 10، والسيد السيستاني: المسائل المنتخبة، مسألة 16، ومسألة 17، تاريخ الاطلاع: 15 مارس 2022م، https://bit.ly/3JibYiT.

[11] علي مظلوم، المرجعية الشيعية في العراق.. البنية الاجتماعية والثقافية وآليات التكيف، مجلة الدراسات الإيرانية، العدد 11، أبريل 2020م، ص119.

[12] الموقع الرسمي لمكتب المرجع الديني السيد كمال الحيدري، الاستفتاءات، تاريخ الاطلاع: 15 مارس 2022م، https://bit.ly/3MWgHsL، الفريق الأول الذي حصر الأعلمية في القدرة على معرفة الأحكام العملية أو الحلال والحرام إنما قصد الاجتهاد المتجزئ، في حين نظر الفريق الآخر الذي جعلها في عموم المعارف الدينية إلى الاجتهاد المطلق.

[13] الإمام أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، مجلد 3، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب 2006م، ص60.

[14] الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، بيروت: دار ابن حزم، 2014م، ص376.

[15] مقامات جلال الدين السيوطي، ص399.

[16] لندا س. والبرغ، الأعلم بين الشيعة.. دراسة في مؤسسة مرجعية التقليد، ترجمة هناء خليف، بيروت: المركز الأكاديمي للأبحاث 2017م، ص408. وعلي مظلوم، المرجعية الشيعية في العراق، ص120.

[17] علي مظلوم، المرجعية الشيعية في العراق، ص120.

[18] محمد السلمي، ومحمد الصياد، الفقيه والدين والسلطة.. جدلية الفكر السياسي الشيعي بين المرجعيتين العربية والإيرانية، الرياض: مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية (سابقًا)، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، 2017م، ص178.

[19] محمد الصياد، نظرية الأعلمية في الفكر الشيعي وأزمة اختيار الولي الفقيه، الرياض: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 18 يوليو 2018م، تاريخ الاطلاع: 09 فبراير 2022م، https://bit.ly/3rCysoA.

[20] صحيفة عكاظ، محمد حسين فضل الله في أولى مكاشفاته: ولاية الفقيه نظرية لا يراها أكثر فقهاء الشيعة، 20 فبراير 2008م، تاريخ الاطلاع: 09 فبراير 2022م، https://bit.ly/3Dd8pIN.

[21] السيد كمال الحيدري: كيف نحدّد المرجع الأعلم؟، يوتيوب، 02 مارس 2016م، تاريخ الاطلاع: 09 فبراير 2022م، https://bit.ly/3HDzZ3j.

[22] السيد كمال الحيدري، مَن الأعلم في الأمّة؟، يوتيوب، 08 أغسطس 2012م، تاريخ الاطلاع: 09 فبراير 2022م، https://bit.ly/3uD5Ygo، وراجع: محمد الصياد، نظرية الأعلمية في الفكر الشيعي وأزمة اختيار الولي الفقيه.

[23] رفسنجاني، حياتي، بيروت: دار الساقي، 2012م، ص49.

[24] مجموعة من المؤلفين، البازار.. السوق في التراث الإسلامي، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي 2012م، ص166-172.

[25] مهدي جهرمي ومحمد باقري (جمع وتصنيف)، نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضى مطهري، ص109-110.

[26] المجلس الأطلسي، عباس كاظم وباربارا سلافن، ما بعد السيستاني والخامنئي.. خلافة وشيكة ستشكل الشرق الأوسط، يوليو 2019م، تاريخ الاطلاع: 14 فبراير 2022م، https://bit.ly/3JomEMC.

[27] الوردي، لمحات اجتماعية، مجلد 3، ص112.

[28] جودت القزويني، المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية، بيروت: دار الرافدين، 2005م، ص217. والوردي، لمحات اجتماعية، مجلد 3، ص113.

[29] محمد رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده، ص56.

[30] جودت القزويني، المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية، ص222.

[31] توفيق السيف، ضد الاستبداد، ص65.

[32] المرجع نفسه، ص67.

[33] القزويني، المرجعية الدينية العليا، ص235.

[34] حيدر نزار، المرجعية الدينية في النجف ومواقفها السياسية في العراق (1958م-1968م)، بيروت: مؤسسة التاريخ العربي، 2010م، ص24.

[35] علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، مجلد 6، ص244-271. وراجع: علي المؤمن، المرجعية الدينية الشيعية بعد السيستاني والخامنئي، 08 سبتمبر 2021م، تاريخ الاطلاع: 14 مارس 2022م، https://bit.ly/3i2Pg2j.

[36] رشيد الخيون، الإسلام السياسي بالعراق.. الشيعة، أبوظبي: مركز المسبار، 2013م، ص71.

[37] رفسنجاني، حياتي، ص48.

[38] رشيد الخيون، الإسلام السياسي بالعراق، ص123.

[39] رشيد الخيون، الإسلام السياسي بالعراق، ص132.

[40] المرجع نفسه، ص132.

[41] محمد الصياد، ما بعد السيستاني وخامنئي، الرياض: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 26 ديسمبر 2019م، تاريخ الاطلاع: 02 فبراير 2022م، https://bit.ly/3uogGaf.

[42] Qassim Abdul-Zahar and Mariam Fam, Aging Shiite cleric a Powerhouse in Iraq.. What Comes after?, AP News, (Feb. 18, 2020), Accessed on: March 02, 2022, https://bit.ly/3Bwai2t.

[43] Abdullah F. Alrebh, Will Sistani be the Last Legend? The Challenge of Succession and the Future of the Marj’aiyyah, Middle East Institute, (Sept. 28, 2021), Accessed on: March 05, 2022, https://bit.ly/3Lxxfqn.

[44] جودت القزويني، المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية، ص237.

د.محمد السيد الصياد
د.محمد السيد الصياد
باحث متخصص في الدراسات الفكرية والأيدولوجية بـ «رصانة»