تواجه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تحدياتٍ كبيرةٍ بسبب تعثُر المفاوضات النووية على إثر خلافاتها مع طهران، إذ أعرب العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عن استيائهم حول كيفية تسيير إدارة بايدن المحادثات النووية، مِمّا دفع مجلس الشيوخ لإصدار مشروعٍ غير ملزمٍ يقفُ ضد أي اتفاقٍ نووي لا يتضمن معالجة سلوك إيران في المنطقة وبرنامجها للصواريخ الباليستية.
أما رد طهران فعكس موقفها المتصلب وعدم نيتها الاستجابة إلى مثل تلك الشروط. ومن زاوية أخرى، كشف التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنّ مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران تجاوز الحد المسموح به بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة بأكثر من 18 مرة.
وأشار التقرير أيضًا إلى استمرار عرقلة إيران تحقيقات الوكالة حول آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في 3 مواقع لم تُعلن عنها إيران. وتُشير هذه التطورات إلى حجم التحديات التي تواجه بايدن من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي.
وقد أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي هذا المشروع بأغلبية 62 صوتًا بمَن فيهم 16 ديمقراطيًا. وقد قدم السيناتور الجمهوري جيمس لانكفورد، تقريرًا لمجلس الشيوخ، أكد فيه على ضرورة عدم تقديم الإدارة الأمريكية تنازلاتٍ جوهريةٍ لإيران، ولاسيّما مطلبها بشطب الحرس الثوري الإيراني من لائحة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وعلق رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوب مينينديز على التصويت للمشروع قائلًا: «هذا تعبيرٌ قويٌ عن مشاعر الجميع، وعن القلق الذي يساور أعضاء مجلس الشيوخ بخصوص سعي إيران للحصول على سلاحٍ نووي، ومن واجبنا منع إيران من تحقيق ذلك». وبتصويت 86 عضوًا مقابل 12، أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح مشروعٍ قدمه السيناتور تيد كروز، الذي نص على «ضرورة استمرار العقوبات على البنك المركزي الإيراني والحرس الثوري الإيراني للحد من التعاون بين إيران والصين». وقال السيناتور كروز خلال خطابه «قد رفضت إدارة بايدن فرض عقوباتٍ نفطيةٍ على إيران، مِمّا سمح لها ببيع أكثر من مليون برميل من النفط يوميًا، وجُلها للصين».
ثمّة عدة عوامل من المُرجّح أن تؤثر حاليًا على مسار المحادثات النووية وإمكانية التوصل إلى اتفاق، أوّلًا: يبدو أنّ واشنطن ونظرًا للمؤشرات الأخيرة ستذهب لسيناريو التخلي عن إحياء الاتفاق النووي بسبب عدم رغبة الرئيس جو بايدن بشطب الحرس الثوري الإيراني من لائحة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية، ويعني هذا السيناريو، أنّ العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني ستظل قائمةً، مِمّا سيُكبد إيران مزيدًا من الخسائر؛ نظرًا لما يقوم به الحرس الثوري من دورٍ اقتصادي محوري محليًا وخارجيًا، سواء داخل المنطقة أو خارجها. ثانيًا: لجأت إيران ولفترةٍ طويلةٍ إلى تصعيد التوترات في المراحل الحرجة من المحادثات، وبات هذا التصعيد سمةً جلية تمتاز بها إستراتيجية الابتزاز الإيرانية، من أجل كسب مزيدٍ من النفوذ أو إحراز تنازلات على طاولة المفاوضات، إذ شنّت إيران هجمات تستهدف المصالح الأمريكية وتهدد الأمن البحري في فترات حاسمة من المحادثات. ولكن لا تزال فاعلية إستراتيجية الابتزاز هذه غير واضحة إلى الآن في ظل الضغوطات الشديدة التي تواجه إدارة بايدن، والغضب المتصاعد من الحزبيين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ حول تفاصيل ومسار المحادثات النووية مع إيران. ثالثًا: لم تتمكن الحكومة الإيرانية من تخفيف وطأة المخاطر الاقتصادية وإنعاش الاقتصاد الإيراني الذي شهد ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية وتضخمًا، وتأخرًا في دفع مستحقات المعلمين، مِمّا أدى لاندلاع احتجاجاتٍ واسعة النطاق ردد فيها عديد من المتظاهرين «الموت» للرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد الإيراني علي خامنئي. ومن المُرجح أن تقوم إيران ببعض التدابير البسيطة من أجل التخفيف من حِدة الغضب الشعبي المتنامي ضد النخبة الحاكمة، ولكن تبقى استمرارية وفعالية مثل هذه الإجراءات موضع شك؛ نظرًا للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجها إيران الآن.
وتزيد حالة الجمود المخيمة على المحادثات النووية في فيينا من الضغوطات على الحكومة الإيرانية؛ فلا سبيل للخروج من هذا الأزمة الاقتصادية إلّا بتخفيف العقوبات المفروضة على البلاد. وقد تلجأ إيران إلى زيادة صادراتها النفطية إلى دولٍ مثل الصين وفنزويلا في محاولةٍ منها لتخفيف حِدة الغضب الشعبي، وفي هذا الصدد، تُشير بعض التقارير إلى قيام إيران بزيادة صادراتها النفطية غير الشرعية دون أن تخشى من أي عواقب. وفي خضم الصراع في أوكرانيا من المرُجح أن تتأثر صادرات إيران النفطية إلى الصين، إذ تشير التقارير إلى سعي الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على النفط الروسي، الأمر الذي سيدفع الصين إلى شراء النفط الروسي الرخيص بدلًا من النفط الإيراني. وهنا علَق عضو مجلس إدارة مُصدري النفط والغاز والبتروكيماويات الإيراني حميد حسيني، بأنّ «دخول النفط الروسي إلى الأسواق سوف يُهدد صادرات النفط الإيرانية». وقد يدفع هذا السيناريو إيران إلى الموافقة على إحياء الاتفاق النووي وإبداء بعض المرونة، للتخفيف من حِدة الضغوط المحلية وحماية نظامها السياسي المتداعي.
وعلى خلفية هذه التفاعلات، قام كبير المفاوضين النوويين في الاتحاد الأوربي إنريكي مورا، بزيارة إلى طهران، حيث قدم خلالها مسؤولون إيرانيون مقترحًا لمورا بــ «أفكار قد نُوقشت سابقًا»، ويشمل قضايا أخرى ذات أولوية لا تتمحور حول الحرس الثوري.
وأكد مصدر في طهران، أنّ «الحكومة الإيرانية لن تستأنف المحادثات النووية ما لم تقدّم الولايات المتحدة ردًا واضحًا على مقترحها الأخير لمورا».
وقال المصدر الإيراني «على إدارة بايدن أن تقرر؛ لا يمكنها أن تبقى حائرةً ما بين سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب، وما ردده الرئيس بايدن أثناء حملته الانتخابية». وأضاف المصدر نفسه: إنّ «الأمريكيين بارعين في المبالغة في تبسيط القضايا المعقدة وإخراج الأمور من سياقها، مِمّا يخلق مزيدًا من الانقسامات حول الاتفاق النووي، ولكن إدارة بايدن تحاول الحصول على حصتها من الكعكة وتناولها، ولكن ذلك غير ممكن». وفي ظل هذه التطورات، من المرجّح ألّا تقدّم الولايات المتحدة ردًا على المقترح الجديد، ما سيدفع طهران لمواصلة مساعيها للتوصل إلى اتفاق نووي حسب شروطها، من خلال الضغط على واشنطن لتقديم المزيد من التنازلات، وتحريض الأوروبيين على الأمريكيين، وفي الوقت نفسه، مواصلة العمل مع حلفائها وشركائها لتوسيع آفاق تجارتها للتحايل بشكل أكبر على العقوبات الأمريكية الصارمة.