مع تغير الأوضاع الأمنية الداخلية في سوريا بعد إعادة انتشار القوات الروسية وانسحاب أعداد كبيرة منها، تواجه البلدانُ المجاورة لهذا البلد تحدياتٍ جديدة؛ إذ حذَّر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مطلع شهر يونيو الحالي من تصعيدٍ محتملٍ للتصدي للاضطرابات الأمنية على حدود بلاده الشمالية، إثر انسحاب القوات الروسية من سوريا. واتُهمت إيران منذ فترة طويلة بضلوعها في تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية، وأشارت آخر التقارير في هذا الصدد إلى تزايد محاولات التهريب في السنوات الثلاث الماضية بعد أن أمسك النظام السوري بزمام الأمور في المناطق الجنوبية من سوريا بموجب اتفاق التسوية الذي أُبرم في عام 2018م. وأعرب المتحدث العسكري الأردني العقيد مصطفى الحياري مؤخرًا عن قلقِه البالغ من عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية-الأردنية وتنامي الدور الإيراني في هذا المجال.
وأفصح مسؤولون أردنيون في يناير 2022م، عن تغيير في قواعد الاشتباك الحالية على طول الحدود السورية-الأردنية من أجل ردع التهديدات الخطيرة التي يتعرَّض لها الأمن الوطني الأردني. وأوضح العقيد الحياري، أن «عمليات التهريب تتم من 3 – 4 مجموعات، وكل مجموعة تتألف من 10-20 شخصًا، وتُقسم هذه المجموعات إلى فئات، حيث تعمل فئة على الاستطلاع، المراقبة، وفئة تعمل على تشتيت جهود المراقبة لنشامى القوات المسلحة، وفئة أخرى تنتظر الفرصة المناسبة لتقوم بعمليات التهريب». كما أعرب المسؤولون الأردنيون عن استيائهم من غياب التعاون والاستجابة من جهاز مكافحة المخدرات السوري على الرغم من إبلاغهم السلطات السورية عن الارتفاع المُقلق في عمليات التهريب خلال الأشهر الأخيرة. وفي هذا الصدد قال مدير مديرية أمن الحدود في القوات المسلحة الأردنية العميد أحمد خليفات: «كانت مطالبنا دومًا، أن تؤدي قوَّاتهم واجباتها، لكن لم نلمس حتى الآن أنَّ لنا شريكًا حقيقيًا في حماية الحدود».
وكثَّفت الأردن جهودها لكبح التهديدات الناجمة من عمليات التهريب، حيث تمكَّنت من ضبط أكثر من 20 مليون قرص من الكبتاغون منذ يناير 2022م. ويُظهِر هذا الرقم ارتفاعًا كبيرًا، مقارنةً بمجموع المضبوطات التي بلغت 14 مليون قرص في عام 2021م، ويسبب الكبتاغون أو «كوكايين الفقراء» الإدمان بدرجات عالية إذ يدخل في تركيبته مادة «الفينيثيلين» الممنوعة في العديد من البلدان. وتُشير بعض التقارير إلى أنَّ حجم تجارة الكبتاغون قد وصل إلى 5 مليارات دولار أمريكي في عام 2021م، مما يعكس حجم المخاطر الصحية والأمنية الكبيرة التي تهدد دول الشرق الأوسط بسبب الكبتاغون. ودعى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال جلسة حوارية في المنتدى الاقتصادي العالمي/ دافوس، لضرورة التوصل إلى حل سياسي في سوريا، للتصدي للتحديات الإقليمية، وذكر بالتحديد مكافحة تهريب المخدرات قائلًا: «الأردن هي المحطة الأولى في تهريب المخدرات؛ إذا نجحوا (بتهريبها) في الأردن، تأتي بعدها السعودية وعلى نفس المنوال من السعودية إلى الكويت ثم العراق وإلى أماكن أخرى». ثمة أسبابٌ عِدة تقف وراء تزايد عمليات تهريب المخدرات في المنطقة.
أولاً: حسب تقارير عديدة، أصبحت لبنان وسوريا دولتان تعتمدان اعتمادًا كبيرًا على تجارة المخدرات بسبب اندلاع الحرب وانهيار الاقتصاد. وفي لبنان على سبيل المثال، توجد وحدات لإنتاج الكبتاغون في المناطق التي تقع تحت سيطرة حزب الله مثل سهل البقاع، حيث تحظى مجموعات تهريب المخدرات العاملة في لبنان وسوريا بدعمٍ كاملٍ من حزب الله المدعوم إيرانياً. ثانيًا: الأضرار الكبيرة التي لحقت بصناعة الأدوية في سوريا بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي أدى إلى انتعاش تجارة المخدرات غير المشروعة التي استقطبت المحبطين والعاطلين عن العمل من الكيميائيين السوريين. ثالثًا: توقف الدعم المالي الإيراني لميليشياتها في المنطقة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، ولتعويض هذا العجز المالي كثفت ميليشيات إيرانية مثل حزب الله من عمليات تهريب المخدرات بدعم من النظام السوري لشراء الأسلحة ودفع أجور المقاتلين والعاملين معهم. وقد صرَّح مسؤولون أردنيون مؤخرًا، أن القوات المسلحة الأردنية قتلت 4 مهربين في مواجهة على طول الحدود الأردنية–السورية، مضيفين مقتل قرابة 40 مهربًا وجرح المئات منهم منذ بداية العام 2022م. وكان معظم هؤلاء القتلى من البدو الرُحل الذين توظفهم الجماعات المدعومة من إيران في عمليات تهريب المخدرات. ومع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلدان التي مزقتها الحروب، تستغل الميليشيات المدعومة إيرانيًا عوز هذه الشعوب لكي توظفهم في عمليات التهريب التي تديرها. رابعًا: اعتمدت الحكومة السورية على وسائل غير مشروعة لتوليد مصادر دخل تتصدى بها للأزمة الاقتصادية في البلاد، فقد كشف تقرير استقصائي حديث، ضلوع نظام الأسد بقوة في تجارة المخدرات المُصنعة كيميائيًا، وأوضح التقرير أن تلك التجارة أصبحت بمثابة المصدر الرئيس للدخل للمساعدين النافذين والمقربين من الرئيس السوري. كما كشف تحقيق سابق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أن معظم إنتاج وتوزيع المخدرات تشرف عليه «الفرقة الرابعة المدرعة» في الجيش السوري.
وتستخدم الميليشيات المدعومة من إيران المدن السورية القريبة من الحدود مثل درعا والسويداء لتهريب المخدرات حيث يصبح التهريب بعد ذلك أسهل عبر الحدود. وتُهرب حبوب الكبتاغون المصنعة في لبنان وسوريا عبر الحدود البرية إلى المملكة العربية السعودية والأردن، وأيضًا وعبر البحر إلى دول أخرى في الخليج وأوروبا. وذكر وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان اليمنية نبيل عبد الحفيظ في بيان له، أن «فيلق القدس الإيراني هرَّب المخدرات إلى الحوثيين الذين هرَّبوها بدورهم إلى دول مجاورة أخرى». وفي الختام، يُشكل تهريب المخدرات تحديًا كبيرًا لدول المنطقة ويتطلب منها ومن دول العالم أيضًا اتخاذ خطوة حاسمة لردع الجماعات المدعومة إيرانيًا والمستمرة بتهديدها الأمن في المنطقة. وبلا شك فإن التنسيق الإقليمي ضروري هنا لمعاجلة وردع عمليات تهريب المخدرات، خصوصًا تلك التي تقوم بها الجماعات المدعومة إيرانيًا فقد صعَّدت من عملياتها بتهريب كميات كبيرة في خضم أزمة السيولة المالية، وتحول أنظار المجتمع الدولي عن الشرق الأوسط إلى الساحة الأوكرانية.