خلال لقاء المرشد الأعلى علي خامنئي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة طهران التي عُقِدَت في 19 يوليو 2022م، عبَّر عن دعم ومساندة روسيا في حربها على أوكرانيا، معتبرًا أنها خطوة ضرورية؛ لأن الطرف الآخر كان سيُبادر بالحرب تحت ذرائع مختلفة عاجلًا أم آجلًا. هذه القراءة الخامنئية للحرب الروسية-الأوكرانية تُبيِّن نزعة إيران الهجومية في سياستها الخارجية، التي أدَّت إلى توتُّر عَلاقتها مع جيرانها، وفي حال استمرَّت طهران في هذا النهج الهجومي، فإن ذلك سيعمق الاضطرابات وعدم الاستقرار الأمني في المنطقة.
في تقدير خامنئي أن الحرب الروسية على أوكرانيا وقائية؛ لحماية نفسها من خطر «الناتو» الذي بات يهدد أمنها القومي من خلال نهجه التوسعي واقترابه من حدودها، خصوصًا في ظل وجود نخبة سياسية حاكمة في كييف تتبنّى أيديولوجيا معادية لروسيا. انطلاقًا من هذا التقدير، فإنه بالنسبة إلى هذا التصوّر من حق روسيا شنّ الهجوم العسكري على أوكرانيا لحماية نفسها من خطرٍ يداهمها. تقابل هذا المنظور قراءةٌ أخرى من الزاوية الأوكرانية ترى أن أوكرانيا دولة ذات سيادة، وأن حكومتها تتمتع بالشرعية المنبثقة من عملية انتخابية، ولها الحق في عقد التحالفات التي تخدم مصالحها وأمنها القومي، وأن اتجاهها نحو حلف الناتو والاتحاد الأوروبي هو نتيجة لمخاوفها من التوسع الروسي، الذي أكده الرئيس بوتين في كثير من التصريحات منذ تولِّيه الحكم، ولا سيّما حديثه عن ضرورة عودة روسيا إلى الساحة الدولية، كما كانت أيام الاتحاد السوفييتي، وأثبت ذلك من خلال توسُّعه على حساب الدول المجاورة، كما حصل مع جورجيا في 2008م، وأيضًا ضمّه لشبه جزيرة القرم، التي كانت تابعة للدولة الأوكرانية في 2014م.
بالعودة إلى ما ذكره المرشد الأعلى وإسقاطه على السياسة الخارجية الإيرانية، فإنها تعتقد أن ما تنتهجه الدول العربية، خصوصًا دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، من مقاربات سياسية وعسكرية لحماية أمنها القومي، ما هي إلّا استعدادات للحرب عليها، لذلك عليها امتلاك كل وسائل القوة لمنع أي هجوم محتمل عليها، أو تبادر هي بالهجوم لتأمين نفسها. لكن بالعودة إلى التاريخ القريب، يُلاحَظ في مختلف المحطات أن إيران هي التي كانت تبادر بالهجوم على دول الإقليم، وتعمل للتوسع على حسابها من خلال تصدير الثورة، فالسلوك الخارجي الإيراني هو المتسبب في زعزعة أمن واستقرار المنطقة. وحسب المقاربة الإيرانية، فإنها لها الحق في شنّ هجمات وقائية على الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان ولبنان عن طريق الوكلاء، والتحالف مع روسيا ضدها لطردها من سوريا، كما صرَّح بذلك خامنئي لبوتين في اللقاء المشار إليه أعلاه. لكن حينما تعمل الدول الأخرى على حماية نفسها من المخاطر التي تتسبب فيها إيران بنزعتها الهجومية هذه، تصبح في العُرف الإيراني دولًا معادية ومهدِّدة لأمن إيران والمنطقة، والبديل الذي تطرحه هو توافق أمني تكون فيه هي المسيطر والمهيمن على الإقليم، إحياءً للأمجاد الفارسية الإيرانية، تمامًا كما يحاول بوتين إحياء أمجاد الاتحاد السوفييتي.
يمكن التسليم جدلًا أن النزعة الهجومية التي انتهجتها إيران منذ اليوم الأول للثورة كانت لخوفها من الولايات المتحدة، وقد أسهمت في ذلك خبرة الانقلاب على رئيس الوزراء الأسبق محمد مصدق في خمسينيات القرن الماضي، والتحالف الإستراتيجي الذي كان قائمًا بين أمريكا والشاه، غير أن التطوّرات اللاحقة في المنطقة، خصوصًا تلك التي أعقبت حرب الخليج الثانية، أثبتت أن إيران تمارس سلوكًا هجوميًّا، وأنها تسعى للهيمنة والسيطرة على جيرانها، لعله ليس آخرها الهجمات التي تشنّها ميليشيات تابعة لإيران في سوريا على الأردن، كما صرح بذلك مؤخرًا الملك الأردني.
يتضح مما سبق، أن السياسة الخارجية الإيرانية تتّسم فعلًا بالنزعة التوسعية، بدليل تأييدها للغزو الروسي لأوكرانيا، وتغيير الوضع القائم في الدول، والتوافق على شرعنة التوسع الجيوسياسي في خرق واضح للقانون الدولي، الذي لا يجيز التوسع الجيوسياسي. وإذا كانت إيران تريد الاستقرار للمنطقة، وبناء عَلاقات حُسن جوار، فإنه يجب عليها أن تُحدِث قطيعة مع كل مظاهر النزعة الهجومية بالكف عن تأسيس ودعم الميليشيات الطائفية، التي تعمل على إضعاف الحكومات المركزية وزعزعة أمن واستقرار الدول، ودفعها نحو الهشاشة والانهيار. فمستقبل الأمن والاستقرار في العراق حاليًّا، على سبيل المثال لا الحصر، مرهون بقرار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني لقادة الميليشيات العراقية التابعة له، والقوى السياسية الموالية لإيران في الإطار التنسيقي، فهؤلاء أولويتهم هي خدمة المصالح الإيرانية، وقد وضعوا العراق على حافة الحرب الأهلية، وليست لديهم مشكلة في دفع بلادهم نحوها إذا ارتأت طهران ذلك.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد