الصواريخ الفرط صوتية في الحرب الأوكرانية.. هل تغيِّر قواعد اللعبة الإستراتيجية في العالم؟

https://rasanah-iiis.org/?p=28665

مقدّمة

استخدم الجيش الروسي في غزوه لأوكرانيا مختلف صنوف الأسلحة البرية والجوية والبحرية، ونفَّذ عمليات قصف مدفعي وصاروخي مكثَّف للمدن والبلدات، إلَّا أنَّ الصواريخ الباليستية والكروز وفرط الصوتية كانت الأبرز، وشكَّلت بالفعل أيقونة هذه الحرب، خاصةً عندما نعلم أنَّ روسيا تمتلك أكبر مخزون من الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز المتنوعة، والأكثر عددًا في العالم. تضمَّنت الهجمات الأولية الروسية مزيجًا من صواريخ كروز، التي أُطلِقت من السفن، وصواريخ إسكندر الباليستية قصيرة المدى الدقيقة نسبيًا. هذه الهجمات الباليستية تُستخدَم على الأرجح في الموجة الأولى في حالة نشوب حرب، وذلك في ضرب الدفاعات الجوية والقواعد الجوية القريبة، وغيرها من الأهداف. وعلى الرغم من إطلاق القوات الروسية ما يفوق 2503 صواريخ على أوكرانيا، منذ بداية الغزو الروسي الشامل وحتى نهاية يوليو 2022م، إلَّا أنَّ روسيا لم تُظهِر قدراتها الجوية والصاروخية الكاملة بعد، وستزيد على الأرجح موجات الضربات في الأيام المقبلة؛ لإضعاف الدفاعات الأوكرانية الباقية.

في هذه الدراسة، سنستعرض أهم الصواريخ الباليستية التي استخدمت في الحرب الأوكرانية، ومواصفاتها، وكيفية أدائها، وسنتناول أيضًا كيف مثَّلت تكنولوجيا الصواريخ فائقة السرعة طفرةً عسكريةً هائلة، تسعى جميع الجيوش حول العالم لاقتنائها، حيث يستطيع الصاروخ الذي تفوقُ سرعتُه سرعة الصوت 6 مرات، الوصول إلى أبعد نقطة في العالم في غضون ساعة فقط؟ وسنستشرف التوقعات حول قدرة مثل هذه التقنية الفرط صوتية في التأثير على مستقبل الحروب، وفي تغيير اللعبة الإستراتيجية في العالم؟.

أوّلًا: الصواريخ الباليستية في إستراتيجية موسكو العسكرية

يرجع أصل تسمية الصواريخ الباليستية إلى المصطلح الإنجليزي «Ballistic»، إذ تعني تحرُّك الصاروخ في الفضاء تحت تأثير الجاذبية فقط بعد خروجه من الغلاف الجوي، بواسطة محرك الدفع الخاص به. يمكن لمن يمتلك الصواريخ الباليستية تحقيق هدفين معًا، أولهما: ضرب أهداف معادية بعيدة المدى وتدميرها، والهدف الثاني: يمثّل وسيلةَ ردع وضغط سياسي عالمي. تمتلك الدول الكبرى منصات إطلاق متعددة، سواءً من قواعد أرضية، أو من غواصات وسفن أو من وطائرات، تعمل محركاتها بالوقود الصلب أو السائل المخلوط بالأكسجين، وتحمل بعض الصواريخ رأسًا حربيًا واحدًا، بينما يمكن لأخرى أن تحمل عدَّة رؤوس حربية، يمكن لكلٍّ منها إصابة هدفٍ مختلف، إضافةً إلى قدرة بعضها على حمل رؤوس نووية.

أثبتت الصواريخ مجددًا أنها من القدرات العسكرية الإستراتيجية للدول، خصوصًا التي تستهدف الأماكن البعيدة، التي قد لا تصلها القاذفات الجوية؛ بسبب بُعد الأهداف، أو مخاطر الطيران، أو توفُّر دفاعات جوية مقابلة. أضِف إلى ذلك، قدرة بعض هذه الصواريخ على إصابة الأهداف بشكل دقيق، لما تحملُه من تقنيات عالية، وقوة تدميرية فائقة؛ ما يجعل خطرها يفوق التوقعات. تُعَدّ الصواريخ العابرة للقارات من أخطر الصواريخ الباليستية في العالم، ولا تمتلكها إلا دولٌ قليلة، تمكِّنها من ضرب أيّ مكان على سطح الأرض من البر والبحر.

وتُعتبر روسيا دولةً رائدة فيما يتعلق بالصواريخ الباليستية الفتاكة؛ نظرًا لأن عقيدتها العسكرية ترتكز على مبدأ قوة النيران وكثافتها، بما يجعل منها مصدر قلق خارجي للغرب.في العقدين الثاني والثالث من القرن الحادي والعشرين، خضعت قوات الصواريخ الإستراتيجية للاتحاد الروسي للتحديث لتكون قويةً وحديثة، ولضمان قدرتها على الردع، ومواجهة انتشار أنظمة الدفاع الصاروخي لمنظمة حلف شمال الأطلسي.

بحسب معلومات موقع «Missile threat» الأمريكي، المختصّ بجمع معلومات موثوقة عن الصواريخ الباليستية في جميع أنحاء العالم والأنظمة المصممة للدفاع ضدها، تشكِّل القوات الصاروخية الإستراتيجية الروسية عنصرًا مهمًا في إستراتيجية موسكو العسكرية. يستمر برنامج التحديث الكبير في روسيا بإنتاج أنواع جديدة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز بقدرات جديدة مهمة، منها دقة التوجيه، وحجم الدمار، وبقوة هي الأكبر في العالم. تضم الترسانة الصاروخية الروسية 24 نوعًا، تمثِّل عمادًا رئيسيًا لقوة الردع الإستراتيجي[1]. (انظر الجدول 1).

 جدول (1): أنواع الصواريخ الروسية

Missile NameClassRangeStatus
Kalibr (SS-N-30A)LACM1,500 – 2,500 kmOperational
3M-54 Kalibr/Club (SS-N-27 “Sizzler”)ASCM220 – 300 kmOperational
Iskander (SS-26 “Stone”)SRBM500 kmOperational
9M729 (SSC-8)GLCM2,500 kmOperational
AvangardHGV6,000+ kmIn development
Kh-101 / Kh-102ALCM2,500 – 2,800 kmOperational
Kh-47M2 KinzhalALBM1,500 – 2,000 kmOperational
Kh-55 (AS-15 “Kent”)ALCM2,500 kmOperational
OTR-21 Tochka (SS-21 “Scarab”)SRBM70 – 120 kmOperational
P-800 Oniks/Yakhont/Bastion (SS-N-26 “Strobile”)ASCM300 kmOperational
Zyb (SS-N-6 “Serb”)SLBM2,400 – 3,200 kmObsolete
R-29 Vysota (SS-N-18 “Stingray”)SLBM6,500 kmOperational
Shtil (SS-N-23 “Skiff”)SLBM11,000 kmOperational
R-36 (SS-18 “Satan”)ICBM10,200 – 16,000 kmOperational
Granat (SS-N-21 “Sampson”)Cruise Missile2,400 – 3,000 kmOperational
RS-24 Yars (SS-27 Mod 2)ICBM10,500 kmOperational
RS-26 RubezhICBM/IRBM2,000-5,800 kmIn development
RS-28 SarmatICBM10,000+ kmIn development
Pioneer (SS-20 “Saber”)IRBM5,000 kmObsolete
Bulava (SS-N-32)SLBM8,300 kmOperational
Topol (SS-25 “Sickle”)ICBM11,000+ kmOperational
Topol-M (SS-27 Mod 1)ICBM11,000 kmOperational
R-11 (SS-1 “Scud)SRBM190 – 550 kmObsolete
UR-100 (SS-19 “Stiletto”)ICBM10,000 kmOperational
Source: CSIS, missile threat, Missiles of Russia, https://bit.ly/3O87uxV

تتألف القوات الصاروخية الإستراتيجية الروسية الحالية، من قيادة قوات الصواريخ الإستراتيجية المرابطة في بلدة فلاسيخا بضواحي موسكو، و3 جيوش صاروخية متألفة من فرق صاروخية، بالإضافة إلى ميدان تجارب إطلاق الصواريخ «كابوستين يار» بمقاطعة أستراخان، وميدان التجارب في كازاخستان، ومحطة الاختبارات في شبه جزيرة كامتشاتكا، ومعهد البحوث العلمية الرابع المركزي، و4 مؤسسات تعليمية بما فيها أكاديمية بطرس الأكبر في موسكو وفرعاها في كلٍ من سيربوخوف وروستوف، ناهيك عن معامل الإصلاح والمستودعات والقواعد[2].

يوجد لدى الروس قاذفات صواريخ متعددة من طراز «غراد» و«سميرش» (تورنادو) و«أوراغان» (إعصار) و«سارمات»، و«يارس»، و«أفانجارد»، وهي في غاية الخطورة بالنسبة للعدو المحتمل. كذلك من أبرز الصناعات الإستراتيجية الروسية صاروخ «سكيف» القادر على البقاء في حالة الانتظار في أعماق البحر أو المحيط، وفي اللحظة المناسبة يُعطى أمرُ إطلاق النار، حيث يمكنُه أن يقضي على الأهداف البحرية والأرضية. هذا الصاروخ يحلُّ محلَّ الغواصات في الأماكن التي قد تُعتَبر خطرًا عليها ويمكن كشفها وضربها.

تبقى درةُ تاج الجيش الروسي في هذا المجال، المركبة الانزلاقية فرط الصوتية «أفانجارد» Avangard، القادرة على حمل رأس نووي والتحليق بسرعة تصل إلى 20 ماخ (33 ألف كلم/ساعة) ومدى يبلغ أكثر من عشرة آلاف كيلومتر، ويمكنها تغيير مسارها وارتفاعها بشكل غير متوقع[3]. ومنظومة أفانجارد متصلة بصاروخ باليستي، وتنفصل مركبةُ الانزلاق عن الصاروخ على ارتفاع 100 كيلومتر تقريبًا، ثم تقوم بالمناورة نحو هدفها. إذ إن هذه الصواريخ الروسية الباليستية العابرة للقارات الفائقة الصوتية، تجمع بين السرعة العالية والقدرة على المناورة السريعة والقدرة على التخفي، بما يجعل من الصعب جدًا مواجهتها من قِبل الأنظمة التقليدية المضادة للصواريخ[4].

أعلن قائد قوة الصواريخ الإستراتيجية الأمريكية العقيد الجنرال سيرجي كاراكاييف، في 05 يونيو 2022م، أنَّ مركبات الصواريخ الانزلاقية «أفانجارد» دخلت الخدمة في ديسمبر 2019م، وأنَّ روسيا حاليًا تمتلك فوجيْن من هذه الصواريخ، وهي في حالة تأهب واستعداد قتالي. وصرَّح بأنه «من وجهة نظر تأثير الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية على هذا السلاح، لا تُوجد قدرة لدى الغرب على مواجهته حتى الآن»[5].

طوَّرت روسيا صواريخ «أفانجارد»، ردًا على تصاعُد التحديثات التي أجراها حلف الناتو على دفاعاته الصاروخية، وتنامي نشرها في كلٍ من البحر وشرق وأوروبا، لذا فإنه من المتوقع أن تبقى في الخدمة في روسيا لعقود عديدة مقبلة على أقل تقدير.

تُعَدّ الحرب الروسية-الأوكرانية هي الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي لعبت فيها الصواريخ الباليستية دورًا رئيسيًا في المعركة. إنَّ الغزو الروسي لأوكرانيا تحوَّل إلى أكبر ساحة اختبار للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، في الحرب الحديثة. تضمَّنت إستراتيجية الصواريخ الروسية استخدام الضربات الباليستية Iskander-M وOTR-M وصواريخ «كاليبر» Kalibr البحرية. كذلك صواريخ «كينجال» Kinzhal الأسرع من الصوت، وأنظمة الدفاع الساحلية التي تهاجم أهدافًا أرضية مثل Bastion وBal[6].

ثانيًا: صواريخ «إسكندر» الباليستية قصيرة المدى

من أبرز الصواريخ التي ظهرت في الحرب الأوكرانية صواريخ تُسمَّى «إسكندر» المتحركة قصيرة المدى (500 كلم)، التي دخلت الخدمة في القوات المسلحة الروسية منذ عام 2006م، ويمكنها حمل رؤوس حربية تقليدية أو نووية. صاروخ «إسكندر» مصمم لتدمير أهداف كأنظمة الصواريخ والمدفعية، ومرابض الطائرات والمروحيات في المطارات، ومراكز القيادة ومراكز الاتصالات، إضافةً إلى المباني الكبيرة والمنشآت المحصنة، ويحمل رأسًا متفجرًا بقدرةٍ تدميرية هائلة.

تحوي هذه الصواريخ مفاجأةً، في كونها مزودةً بأجهزةٍ قادرة على خداع رادارات الدفاع الجوي والصواريخ الحرارية. يُناور الصاروخ خلال مساره للتهرُّب من الرادارات المعادية، ومع رمي الأشراك الخداعية خلال تحليقه، سيكون اعتراضه أشبه بالمستحيل لمنظومات الدفاع المعادية. هذه الأشراك الخداعية، مهمتها استنساخ إشارة الرادار المعادي، وإعادة إصدارها بمعلومات خاطئة؛ لخداع رادار وصواريخ العدو الموجَّهة راداريًا. إضافةً إلى أنَّ الصاروخ يحتوي على طلاء خفي؛ ما يعني أنه غير مرئي تقريبًا للرادار، بما يجعله قادرًا على المناورة أثناء الطيران[7].

وتمتلك روسيا ضمن منظومة إسكندر الصاروخية عدَّة نُسَخ أشهرها «إسكندر- إم»، و«إسكندر- أي»، والأخير متاح للتصدير من قِبل الشركة المصنعة، كما تتضمَّن المنظومة نُسَخًا أخرى مطورة منها «إسكندر- كي»، و«إسكندر- إم إس»، وغيرها. استخدمت روسيا الصاروخ «إسكندر-إم» في الحرب ضدَّ أوكرانيا، بوصفه الطراز الوحيد من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى المستخدم فعليًا في الخدمة العسكرية.[8]

استخدم الروس صواريخ إسكندر للمرة الأولى في حرب جورجيا عام 2008م، أما في الحرب الأوكرانية فنشرت روسيا صواريخ من هذا النوع في منطقة بيلغورود أوبلاست الروسية على بعد 60 كم من الحدود الأوكرانية. هذه الصواريخ استخدمت في تدمير مستودع كبير للذخيرة تابع للقوات الأوكرانية، في كراماتورسك شمالي مدينة دونيتسك، ومنظومة «توتشكا» الصاروخية وصواريخ دفاع جوي من طراز «بوك» الأوكراني، واستهداف 10 نقاط لحشد العسكريين والآليات القتالية الأوكرانية، وغيرها[9]. (انظر الشكل 1).

شكل (1): صواريخ «إسكندر Iskander» التكتيكية

المصدر: موقع روسيا اليوم، https://bit.ly/3zMa5co

ثالثًا: صاروخ «كاليبر كروز»

دخل صاروخ كاليبر M14 Kalibr (NATO: SS-N-30A) 3 الخدمةَ في عام 2015م. وهو سلاحٌ دقيق، ويملك قوةً تدميريةً هائلة، يبلغ طول الصاروخ 6.2 م، ورأسه الحربي يزن 450 كجم؛ شديد الانفجار، ومن المحتمل أن يكون ذا قدرة نووية. تحتوي بعض الإصدارات على مرحلة دفع ثانية تبدأ فيها السرعة الأسرع من الصوت في المرحلة النهائية من طيران الصاروخ؛ ما يقلل من الوقت الذي يجب أن تتفاعل فيه أنظمة الدفاع الجوي، بما يجعلها غير قادرة على اعتراضه. تأتي فئة صواريخ كاليبر في عدَّة نُسَخ، منها ما يُطلَق من السفن، ومن الغواصات، ومن الجو، وبإمكانه تدمير أهداف على بُعد يتراوح من 1500 إلى 2500 كيلومتر[10]. (انظر الشكل 2).

شكل (2): صاروخ «كاليبر كروزKalibr »

Source: CSIS DEFENSE PROJECT, MISSILE THREAT, Missiles of Russia, https://bit.ly/3bsLLSK

في أكتوبر 2015م، أطلقت روسيا 26 صاروخًا من طراز كاليبر SS-N-30A على القوات المناهضة لنظام الأسد في سوريا. تم إطلاق هذه الصواريخ من سفن تابعة للبحرية الروسية في بحر قزوين، بما في ذلك فرقاطة من طراز Geperd، وثلاث سفن روسية أصغر من طراز Buyen-M corvette. قطعت هذه الصواريخ مسافة حوالي 1800 كيلومتر، قبل أن تصل إلى أهدافها[11].

وفي أوكرانيا، استخدم الجيش الروسي هذا الصاروخ لقصف المنشآت العسكرية الأوكرانية ولضرب المباني الحكومية في كييف وخاركيف، واستهداف البُنية التحتية العسكرية. في 24 مارس، أطلقت السفن الروسية من البحر الأسود وابلًا من ذخائر كاليبر داخل أوكرانيا؛ ما أدَّى إلى تدمير أكبر موقع لتخزين الوقود العسكري المتبقي بالقرب من كييف، وفقًا لوزارة الدفاع الروسية[12].

كجزء من العملية العسكرية الخاصة، وجَّهت القوات المسلحة الروسية ضربةً أخرى بأسلحة بحرية عالية الدقة إلى منشآت البُنية التحتية العسكرية للجيش الأوكراني، وأطلق طاقم فرقاطة أسطول البحر الأسود أربعة صواريخ كاليبر كروز من البحر الأسود، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف في يوم 19 يونيو: إنَّ صواريخ كاليبر الروسية عالية الدقة أصابت مركز سيطرة للقوات الأوكرانية بالقرب من قرية شيروكايا داشا في منطقة دنيبروبتروفسك؛ ونتيجةً لذلك، قُتِل أكثر من 50 ضابطًا في الجيش الأوكراني. كذلك دمَّرت صواريخ كاليبر عشرة مدافع هاوتزر من طراز M777 من عيار 155 ملم، وما يصل إلى 20 مركبةً قتاليةً مدرَّعة، كان الغرب قد زوَّدَ أوكرانيا بها في الأيام الأخيرة على أراضي نيكولاييف[13].

كشف الرئيس التنفيذي لمجموعة أنتي- ألماز الروسية Almaz-Anteya Group، يان نوفيكوف، أنَّ مجموعَته تعمل على تطوير «نسخة محسَّنة» من صاروخ كروز كاليبر، وقال نوفيكوف إنهم يخططون لتحسين أداء طيران الصاروخ؛ كي يمتلك فعاليةً قتاليةً كبيرة، بما «يجعلُه متفوقًا بشكل كبير على الجيل الحالي»[14]، وبهذا المدى، فإنَّ الصاروخ يمكن له الوصول إلى سواحل الولايات المتحدة الأمريكية. (انظر الشكل 3).

شكل(3): صاروخ «كاليبر» يمكنه تهديد الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية

Source: CSIS DEFENSE PROJECT, MISSILE THREAT, Missiles of Russia, https://bit.ly/3bsLLSK

رابعًا: الصواريخ الفرط صوتية: «كينجال» نموذجًا

كشفت الحرب في أوكرانيا عن أنَّ الصواريخ الباليستية فائقة السرعة، قد تغيِّر قواعد اللعبة في حروب المستقبل. تمثِّل تكنولوجيا الصواريخ فائقة السرعة طفرةً عسكريةً هائلة تسعى جميع الجيوش حول العالم لاقتنائها، حيث يستطيع الصاروخ الذي تفوق سرعتُه سرعةَ الصوت، الوصول إلى أيّ نقطة في العالم، في غضون ساعة فقط.

تعتمد هذه الصواريخ إلى حدٍ بعيد على تقنية استخدام صواريخ باليستية عابرة للقارات، أو طائرات مقاتلة؛ لإعطاء دفعة قوية للصاروخ الفائق السرعة، وكان يُعتقَد أنَّ الولايات المتحدة والصين قد قطعتا خطوات كبيرة في هذا المجال وسبقتا روسيا، لكن تبيَّن من استخدام صاروخ «كينجال» Kinzhal الروسي فرط الصوتي في أوكرانيا، أنَّ روسيا سبقتهما في هذا المجال، حيث استهدف هذا الصاروخ الروسي مناطق في أوكرانيا، فيما يُرجَّح أن يكون أول استخدام لهذه الصواريخ الفرط الصوتية خلال نزاع بين الدول.

والأسلحة فرط-صوتية هي أسلحة يمكنها التحرك بسرعة تزيد عن سرعة الصوت بخمسة إلى ستة أضعاف، أيّ تقطع ما يصل إلى 1.6 كيلومتر في الثانية؛ وهكذا يتم تمييز «الصاروخ الفرط صوتي» عن الصاروخ الباليستي البحت، الذي يُمضي معظم رحلته خارج الغلاف الجوي. ومن حيث السرعة الفائقة، تظل موسكو متقدمةً بخطوة على منافسيها.

يوجد نوعان أساسيان من صواريخ «هايبر سونيك»؛ صاروخ كروز الذي تشغِّله المحركات، وصاروخ انزلاقي يُدفَع بسرعة عالية بالاعتماد على تدفُّق الهواء ثُم يدخل الغلاف الجوي ويصل لهدفه. تتضمَّن ترسانة روسيا من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعةَ الصوت، مركبات انزلاقية تفوقُ سرعةَ الصوت من طراز «أفانجارد» Yu-71 الذي سبق الحديث عنه، وصاروخ «كينجال» الذي يُطلَق من طائرة من الجو.

وبحسب تقرير صدر مؤخرًا عن خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي، فإنَّ ألمانيا وأستراليا والهند واليابان وفرنسا يعملون على تطوير الصواريخ فائقة الصوت، بينما أجرت إيران وإسرائيل وكوريا الجنوبية أبحاثًا أساسية بشأن هذه التقنية. كما تعمل الصين جاهدةً على تطوير هذه التقنية، التي ترى أنّها أساسية لحمايتها من التقدم الذي حقَّقته الولايات المتحدة في مجال الصواريخ الخارقة لجدار الصوت وتقنيات أخرى، حسب تقرير خدمة الأبحاث[15].

بإمكان الصواريخ فائقة الصوت التحليق بسرعة تتجاوز ستَّ مرات سرعةَ الصوت، على غرار الصواريخ الباليستية التقليدية القادرة على حمل أسلحة نووية، غير أنَّ الصواريخ الباليستية تحلِّق على ارتفاعٍ عالٍ وبشكلٍ مقوَّس لبلوغ هدفها، فيما تحلِّق تلك الصواريخ فائقة الصوت ضمن مسارٍ منخفضٍ في الجو؛ ما يعني أنها تبلغ الهدفَ بشكلٍ أسرع. ويمكن إطلاق الصواريخ فائقة الصوت من منصات متعددة، سواءً من البر عبر قاذفات صواريخ، أو من البحر عبر غواصات أو سفن، أو من الجو عبر قاذفات إستراتيجية[16]. من أهم ما يميز تلك الفئة من الصواريخ أنها قادرة على المناورة، وهو أمرٌ يجعل تعقُّبه واعتراضهُ أكثرَ صعوبة. كما أنَّ مكمَن الخطر فيما يتعلق بتلك الصواريخ، هو عدم القدرة على معرفة إن كان صاروخ العدو يحملُ رأسًا تقليديًا أم نوويًا.

وبعد استخدام صاروخ «الكينجال»، ويُطلق عليه أيضًا Dagger ومعناه «الخنجر»، في أوكرانيا، أثار ضجةً في الغرب وشكَّل عاملَ رعب، إذ ما فتِئَت الصحُف الغربية وخبراء «الناتو» يرسلون التحذيرات من قدرات هذا الصاروخ، وخطورته على الأمن الأوروبي؛ وبالفعل يمكن تفسير استخدام روسيا لهذا السلاح، بأنها أرادته ليس فقط لإحداث تدمير في القدرات الأوكرانية، وإنما أبعد من ذلك كي يكون عامل ردعٍ للغرب. فاستخدام «كينجال» لا يمنح روسيا تفوُّقًا إستراتيجيًا مباشرًا في أوكرانيا، بقدر ما يعزِّز العاملَ النفسي وينتج الثقة بالذات الوطنية للأُمة الروسية، في دفع موسكو بأحد أبرز إنتاجاتها ذات القوة التدميرية إلى المعركة، أيّ بمعنى أنَّ له تأثيرًا في مجال الدعاية النفسية لإرعاب الخصوم، خاصةً عندما يُدرك الخصم الأوروبي والأمريكي أنَّ هذا الصاروخ قادرٌ على الإفلات من أنظمة الدفاعات الجوية، مثل الدرع الأمريكية المضادة للصواريخ في أوروبا.

أعلنت وزارة الدفاع في موسكو أنَّ الجيشَ الروسي أطلقَ صاروخًا باليستيًا تفوقُ سرعتُه سرعةَ الصوت، ودمَّر مخزنًا كبيرًا للأسلحة تحت الأرض غرب أوكرانيا، في منتصف مارس. وهو ادّعاءٌ أكَّده لاحقًا المسؤولون الأمريكيون لشبكةCNN ، في أول استخدام معروف لصاروخ «كينجال» الذي يتم إطلاقه من الجو، على الأرجح بواسطة طائرة حربية من طراز MiG-31. ووفقًا للمسؤولين الروس، يمكن أن يصل هذا الصاروخ إلى هدف يصل إلى 2000 كيلومتر، وتصل سرعته إلى أكثر من 6000 كم/ساعة[17]. (انظر الشكل 4).

شكل (4): صاروخ «الكينجالKinzhal »

Source: Theaviationist, https://bit.ly/3yNLbZF  

في مارس 2022م، أكَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن استخدامَ روسيا لصاروخ «كينجال»، ووصفه بأنه «سلاحٌ ساحق.. يكاد يكون من المستحيل إيقافه». كذلك قال مسؤولون أوكرانيون إنَّ قاذفةً روسية أطلقت ثلاثة صواريخ «كينجال» على مدينة أوديسا الساحلية جنوب أوكرانيا ليلَ الإثنين 09 مايو 2022م[18].

وبدلًا من استخدام صاروخ باليستي لإعطاء الدفع للصاروخ الجديد، استخدمت روسيا طائرة ميغ 31 الفائقة السرعة والقادرة على التحليق لارتفاعات عالية. بعد وصول الطائرة إلى ارتفاع شاهق، حيث تكاد تنعدم المقاومة، قامت بإطلاق الصاروخ الذي بدأت محركات الدفع فيه بالعمل بعد ثوانٍ، وتصل سرعة الصاروخ إلى عشرة أضعاف سرعة الصوت (سرعة الصوت تساوي 1235 كم/ساعة).

إنَّ صاروخ «كينجال» هو صاروخ باليستي جوي مشتق من صاروخ أرض-أرض (SS-26). يُطلَق الصاروخ من طائرة، وبعد إطلاقه سيتبنَّى إما مسارًا باليستيًا، أي مسارًا يخرج من الغلاف الجوي، أو بدلًا من ذلك، مسارًا شبه باليستي، على سبيل المثال، مسارًا في الغلاف الجوي. الصاروخ شبه الباليستي يصل إلى أعلى نقطة له في الغلاف الجوي، ثُم يبدأ في الهبوط البطيء نحو هدفه.

بدأت دراسات التصميم الأولى لـ«كينجال» في أواخر التسعينات أو أوائل القرن الحادي والعشرين، ثُم مرَّ بمرحلة تطوير بين عامَي 2012 و2020م. الصانع الرئيسي للصاروخ هو الشركة الروسيةKBM ، التي تقع في كولمانا. حاليًا، يتم تثبيت الصاروخ على طائرة MiG-31K، لكن هناك مساعٍ حول تكييفه مع القاذفة Tu-22M3، بالإضافة إلى القاذفة الإستراتيجية Tu-160. يُقال إن اختبارات الطيران على MiG-31K بدأت في ديسمبر 2017م، وكشف فلاديمير بوتين رسميًا عن وجود «كينجال» في خطابه بتاريخ 01 مارس 2022م، حيث قدَّم ستة أنظمة أسلحة جديدة، بما في ذلك «كينجال»[19].

وصف العديد من المراقبين استخدامَ صاروخ «كينجال» من قِبَل القوات الروسية في مارس 2022م ضدَّ أهداف برية أوكرانية، بأنه أول استخدام عملي لما يُسمَّى بصاروخ «فرط صوتي كينجال» يُقدَّر طوله الإجمالي بين 7.70م و 8م، ويبلغ قطره 0.92 م، ويتراوح وزنه بين 500 و700 كجم. لا يتم فصل الرأس الحربي عن جهاز الدفع، لذلك يبقى الصاروخ كاملًا حتى الاصطدام. مزود بنظام التوجيه بالقصور الذاتي مع تسجيل القمر الصناعي «جلوناس»، كما أنَّ لديه نظام توجيهٍ كهربائي ضوئي و/أو رادار يمنح الصاروخ دقة رؤية تصل إلى بضع عشرات من الأمتار[20].

رغم القدرات الفائقة لهذا الصاروخ، إلَّا أنَّ المصادر الأمريكية تُشكِّك في دقة هذه الصواريخ، وفي حجم المخزون منها. تُقدِّر المصادر الأمريكية، وهو مالم يتم الاعتراف به من قِبَل روسيا، أنَّ معدل فشل بعض الصواريخ الروسية المُوجَّهة بدقة يصل إلى 60%. مهما كانت أسباب ذلك، الحرب الإلكترونية الأوكرانية، أو فشل الإطلاق، أو جودة الإنتاج المنخفضة، أو الظروف الجوية، أو مشكلات الصيانة، فإنَّ معدل الفشل المُرتفع يعني أنه يجب إطلاق المزيد من الصواريخ على هدف واحد. في هذه الحالة، يُصبح حجم مخزون الصواريخ الإجمالي عاملًا مهمًا للحفاظ على وتيرة العملية، والحصول على النتائج المرجوَّة. في 24 أبريل، أفادت منظمة الأبحاث بيلينغكا  (Bellingcat)أنَّ روسيا استخدمت على الأرجح 70% من مخزونها من الصواريخ الدقيقة[21].

في الحقيقة، يعتقد العديد من المحللين الغربيين أنَّ العقوبات الغربية تعني أنَّ روسيا ستُكافح لاستبدال احتياطاتها من الصواريخ الدقيقة، نظرًا لمتطلباتها الدقيقة وتكلفتها المرتفعة. على وجه الخصوص، تتطلَّب أنظمة التوجيه الخاصة بالصواريخ الدقيقة أشباه موصلات وترانزستورات غير مصنَّعة في روسيا وليست متوفرة من الصين، وفقًا للخبير لويس الذي قال: «ما لم يخطط الروس له مسبقًا هو تخزين الذخائر أو الإلكترونيات الدقيقة الغربية، أو زيادة الإنتاج قبل الحرب، بما يعني أنه سوف ينفد الغاز عندما يتعلق الأمر بالذخائر الموجهة بدقة»[22].

ومن الجدير بالذكر أنَّ ملامح سباق التسلُّح في مجال الأسلحة فائقة الدقة قد بدأ منذ عدَّة سنوات، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في فبراير 2019م، انسحابها من معاهدة الصواريخ الموقَّعة مع روسيا، بحجَّة انتهاك روسيا للاتفاقية التي استمرَّت 30 عامًا[23]، وقد أيَّد حلف شمال الأطلسي قرارَ واشنطن في حينه، كما أُنشِئت قيادةٌ جديدة بمسمى القوة الفضائية Space force، من ضمن مهامها تتبُّع الصواريخ الباليستية والطوافة[24]، وأُدرِجت ميزانيةٌ سنوية لتطوير صواريخ فائقة السرعة[25].

خامسًا: الصواريخ الباليستية الأوكرانية

من جانبها، فأوكرانيا لا يمكن مقارنتها بروسيا فيما يتعلَّق بالقدرات الصاروخية، كون جيش أوكرانيا يعتمد على الإرث السوفيتي من قاذفات الصواريخ ومدافع «الهاوتزر» المتعددة التي يمتلكها الجيش الروسي. إلَّا أنَّ أهم ما يمتلكُه الجيش الأوكراني هي صواريخ «توشكا يو» Tochka-U الباليستية قصيرة المدى، ويبلغ مدا الصاروخ نحو 70 كيلومترًا بالنسبة إلى النسخة A، ويصل إلى 185 كيلومترًا في النسخة C، وتمّ صنعُه ليحلَّ محلَّ سلسلة صواريخ «فروج-7» الروسية غير الموجَّهة.

يُعتَبر التوشكا صاروخًا عنقوديًا، يفتح في الهواء، وينثُر ذخائره فوق مساحة كبيرة، فتنفجر حين وصولها إلى الأرض، ويمكن استخدام الصاروخ لشنِّ ضربات دقيقة على أهداف تكتيكية للعدو، مثل مراكز التحكم والجسور ومرافق التخزين وتجمعات القوات والمطارات. كما أنه صاروخٌ محمَّلٌ على منصة صواريخ متنقلة من طراز TEL قبل إطلاقه، ويستخدِمُ نظامَ الملاحة بالقصور الذاتي والتوجيه الرقمي. وعلى الرغم من أنَّ إنتاجه بدأ منذ 45 عامًا، فإنَّ النظام الصاروخي «توشكا»، وفقًا لخبراء عسكريين، هو حاليًا أحد أكثر الأنظمة فاعليةً من فئته، وحسب وزارة الدفاع الروسية استخدمت القوات الأوكرانية هذه الصواريخ التكتيكية لقصف المنشآت المدنية ومواقع البُنية التحتية الحيوية في دونيتسك ولوغانسك في الشرق الأوكراني[26]. (انظر الشكل 5).

شكل (5): صواريخ «توشكا يوTochka-U» الباليستية

المصدر: سكاي نيوز العربية،https://bit.ly/3wk1qe4

وفي وقتٍ سابق، ذكرَ مكتب المدعي العام في لوغانسك، أنَّ قوات الأمن الأوكرانية هاجمت قرية سفاتوفو بنظام الصواريخ التكتيكية «توشكا»[27].

وفي سبيل تعزيز قدراتها الصاروخية من الأسلحة الغربية لمواجهة روسيا، زوَّدت الولايات المتحدة حتى الآن أوكرانيا بنظام صواريخ عالي الحركة يُسمَّى «هيمارس» HIMARS، وهو نظام صواريخ مثبَّتٌ على شاحنة، ويمكن أن يحمِل حاويةً بها ستة صواريخ. تم استخدام «هيمارس» من قِبَل الجيش الأمريكي في أفغانستان، وفي العراق لاستهداف تنظيم داعش.  يمكن للنظام إطلاق صاروخ متوسط ​​المدى يُصيب أهدافًا إلى مسافة تصل لحوالي 70 كم، لكنه قادرٌ أيضًا على إطلاق صاروخ بعيد المدى يصل إلى حوالي 300 كيلومتر[28]. (انظرالشكل 6).

شكل (6): نظام الصواريخ المدفعية الأمريكي عالي الحركة «هيمارس HIMARS»

Source: The guardian, https://bit.ly/3b2rK5H

نشرَ الجيش الأوكراني ما لا يقل عن ثمانية أنظمة «هيمارس» HIMARS على الخطوط الأمامية في قتاله مع القوات الروسية، ودرَّب الجيشُ الأمريكي 200 أوكراني على استخدام النظام، وسيرفعُ التعهدُ الأمريكي الأخير العددَ الإجمالي لأنظمة «هيمارس» إلى 16. بالإضافة إلى ذلك، نشرت أوكرانيا ميدانيًّا 6 أنظمة صواريخ «هيمارس» متوسطة إلى بعيدة المدى من ألمانيا وبريطانيا[29].

يحاول القرار الأمريكي بشأن أنظمة الصواريخ تحقيقَ توازن بين الرغبة في مساعدة أوكرانيا في مجابهة المدفعية الروسية، في وقتٍ لا تتوفر أسلحةٌ تسمح لأوكرانيا باستهدافٍ دقيقٍ للغاية للمواقع الروسية الحرجة في العمق الروسي؛ لإحداث توازن في الحرب واستنزاف الروس؛ وبالفعل تُشير تقديرات المخابرات الأمريكية إلى أنَّ القوات الأوكرانية استخدمت نظام «هيمارس»؛ للقضاء على أكثر من 100 هدف روسي «عالي القيمة»، منها تدمير مستودعات للذخيرة ومراكز للقيادة والسيطرة، والشبكات اللوجستية، والمدفعية الميدانية، والدفاعات الجوية[30]. يحاول الروس التخفيفَ من هذه الآثار، من خلال عدد من الوسائل: التمويه، والحركة، وتغيير المواقع.

الخلاصة

من دروس الحرب الأوكرانية، اتَّضحت أهمية الصواريخ الباليستية بكافة أنواعها في إلحاق أضرار بالخصم، وتدمير بعض مراكز ثقلِه الإستراتيجية وبُنيته التحتية، دون الاضطرار إلى خوض عمليات عسكرية برية كبيرة تسبِّب خسائر كبيرة في الأرواح، أو استخدام القوات الجوية بكثافة لتجنُّب الخسائر التي قد تنتج من اعتراضها من قِبَل الدفاعات الجوية أو الأرضية. كذلك، ظهرَ استخدام الصواريخ كأداة ردع للخصم وإظهار القوة، ووسيلة لزيادة تكلفته الإجمالية للحرب.

لكن رغم القيمة النسبية التي حقَّقتها حربُ الصواريخ في الحرب الأوكرانية، إلَّا أنَّ الصراعَ سلَّط الضوء أيضًا على سلبيات الاعتماد الكامل على القوات الصاروخية، إذ تُظهِر التجربةُ الروسية أنَّ الضربات الصاروخية الروسية أو الأوكرانية لم تؤثر بشكلٍ حاسم في مسار الحرب، وكانت غير كافيةٍ لتأمين نصرٍ عسكريٍ حاسم، أو الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها بما يخلق نتيجةً سياسيةً مواتية.

تبقى النقطةُ الجديدةُ والمثيرة في هذه الحرب، هي استخدام الصواريخ الفرط صوتية، كصواريخ «كينجال» لأول مرة في تاريخ الحروب؛ ورغم أنها باهظة الثمن، ومِن غير المحتمل إنتاجها بكميات كبيرة، إلَّا أنَّ الدول ذات الصناعات العسكرية المتقدمة بما في ذلك روسيا والصين والولايات المتحدة وكوريا الشمالية ستزيدُ من استثماراتها في تطوير المركبات الانزلاقية HGV))، التي تُعَدّ عاليةَ المناورة، ويمكنُها الطيران بسرعة تفوقُ سرعةَ الصوت، ويمكنُها تعديل مساراتها والارتفاع للطيران، ولا تلتقطها الرادارات، ويصعُب على المضادات الأرضية كشفها واعتراضها.

بالتالي، سيكون عنوانُ المرحلة القادمة من سباق التسلُّح بين الدول العظمى، هو التركيز على إنتاج الصواريخ الفرط صوتية، وفي ذات الوقت السعي لتطوير دفاعات جوية لمواجهتها. حاليًا، تعمل الصين على إنتاج الصاروخ (دي إف-26)، وهو سلاحٌ متعدد الأغراض يصل مداه إلى 4000 كيلومتر، بينما تطوِّر الولاياتُ المتحدة أسلحةً تهدف إلى التصدِّي لهذه الصواريخ. كذلك تعمل تايوان واليابان على تعزيز قدراتهما الصاروخية والنُّظم الدفاعية المصمَّمة للتصدِّي للتهديدات الصاروخية الصينية، بينما بدأت كوريا الجنوبية في تطوير صواريخ باليستية مختلفة بعيدة المدى عالية الدقة وشديدة القوة للتصدِّي لترسانة كوريا الشمالية المتنامية.

تمتلكُ كلٌّ من الولايات المتحدة وروسيا نُظُمَ إنذارٍ مبكر على متن الأقمار الاصطناعية، تستطيع رصدَ القوة الحرارية الهائلة الناجمة عن مرحلتَي احتراق وتزلج المركبة الحاملة للصاروخ خلال خط تحليقها في الفضاء الخارجي، لكن تقنية الرصد لا يواكبها توفر نُظُمٍ دفاعية مضادَّة للصواريخ للتعامل مع تلك الأجسام الطائرة؛ بسبب سرعتها وقدرتها على المناورة ومسار طيرانها. بدأت الولايات المتحدة في تطوير نهجٍ متعدد الطبقات للدفاع ضدَّ الأسلحة التي تفوق سرعةَ الصوت، والتي تشمل مجموعةً من أجهزة الاستشعار في الفضاء والتعاون الوثيق مع الحلفاء الرئيسيين، لكن من المحتمل أن يكون هذا النهج مكلفًا للغاية، ويستغرق تنفيذه سنواتٍ عديدة.

من جانبها، تراقبُ إيران النجاحَ النسبي للقوة الصاروخية الروسية في غزوها لأوكرانيا، بما يجعلُ طهران تطمئن أنَّ قرارها كان صحيحًا في جعل الصواريخ ركيزةً لإستراتيجيتها للرَّدع في السنوات الأخيرة. ربما هذه الحرب جعلت من طهران أكثرَ ثقةً في القيمة العملياتية لصواريخها، في ظل ضعف قوتها الجوية، وقد سبق لإيران استخدام قوتها الصاروخية لتحقيق قوة ضغط إستراتيجية، وكان هذا أكثر وضوحًا في استخدام طهران لصواريخها الباليستية لضرب مواقع «داعش» شرق سوريا في عام 2017م، ومعاقل الجماعات الكردية في العراق عام 2018م، وقاعدة عين الأسد الجوية الأمريكية في عام 2020م، ومركز المخابرات الإسرائيلي المزعوم في أربيل في عام 2022م، يُضاف إلى ذلك الصواريخ التي تزوِّدُ بها جماعةَ الحوثي لاستهداف الأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية والإمارات.

في كل الأحوال، ستبقى خطورة الصواريخ الباليستية التقليدية قائمة، إلَّا أنَّ الخطرَ الأكبر يكمُن في التقنيات الفرط-صوتية التي أظهرتها الأزمةُ الأوكرانية، والتي يُحتملُ أن تأخذَ العالم إلى ثورةٍ جديدة قد تُغيّر من قواعد لعبة الحرب، ومن شكل الصراعات المستقبلية، ليس فقط لأنَّ هذه الصواريخ غير المسبوقة تُصيب أهدافها بدقةٍ متناهية، لكن أيضًا -وهذا هو الأهم- لأنه لا تُوجدُ دفاعاتٌ ضدَّها حتى الآن في أيّ دولةٍ حول العالم. هذا يعني أننا أمامَ فشلٍ لنظرية الردع التي شكَّلت صمامَ أمان خلال الحرب الباردة، بما يضعُ مُتَّخذي القرارات السياسية والعسكرية في الدول العظمى أمامَ اتخاذ قرارات للمبادرة إلى شنّ الضربة الأولى، باستخدام الصواريخ الفرط صوتية لشلِّ حركةِ وقدرات الخصم.

وحيث أنه لا يُوجد -حتى الآن- اتفاقٌ دولي أو تعاونٌ حول كيفية ومتى يمكن استخدام هذه الصواريخ ذات التقنيات فائقة السرعة، والحدّ من خطورتها، ولا تُوجد خططٌ أو مبادراتٌ لبدء هذه المناقشات، وليس هناك ضوابط لتصدير هذه التقنيات والحدّ من انتشارها، فإنَّ المجتمعَ الدولي سيكون خلال العقد القادم، أمامَ سباقٍ فعلي في السعي إلى امتلاك هذه الأسلحة، بما سيخلُّ -حسب تقديرنا- بالتوازنات العسكرية الحالية، وبمفهوم اللعبة الإستراتيجية العالمية، وبمفهوم الردع التقليدي، وبالتالي؛ فنحنُ أمامَ مهددٍ جديد للأمن والاستقرار الدوليين على المدى المتوسط والبعيد.


[1]CSIS, missile threat, Missiles of Russia, August 10, 2021, accessed August 7, 2022, https://bit.ly/3O87uxV

[2] Military Wiki, Strategic Missile Troops, November 2014, Accessed: 25 July 2022, https://bit.ly/3RZQsEf

[3] CNN, Brad Lendon, What to know about hypersonic missiles fired by Russia at Ukraine, May 10, 2022, accessed August 7, 2022,  https://cnn.it/3P6foYn

[4]The National Interest, Peter Suciu,  Russia’s Hypersonic Avangard ICBMs Pose an Unprecedented Threat to America, 14 February 2021, Accessed: 27 June 2022, https://bit.ly/3QJqlRs

[5] Military watch, Russian Strategic Forces’ Second Regiment of Avangard Intercontinental Range Hypersonic Gliders Prepares For Combat Alert, 6 June 2022, Accessed: 4 julley2022,  https://bit.ly/3bNA5dz

[6] Hindustan Times, Kinzhal Hypersonic to Iskander missiles: List of weapons Russia is using to pound Ukraine, Mar 20, 2022, accessed August 7, 2022, https://bit.ly/3JyL8UM

[7]  ستيب نيوز، روسيا تبدأ استخدام الصواريخ المرعبة… «ذو القرنين والخنجر» يمكنها حمل رؤوس نووية ولها ميزات لا تقهر، (20 مارس، 2022م)، تاريخ الاطلاع: 07 أغسطس 2022م، https://bit.ly/3A13bj8

[8] العين الإخبارية، صواريخ إسكندر الروسية.. ترسانة موسكو «المرعبة» للغرب، (15 مارس 2022م)، تاريخ الاطلاع: 21 يوليو 2022م، https://bit.ly/3yZtIvu

 [9]  رؤيا الإخباري، روسيا تنشر «قذائف الرعب» على حدود أوكرانيا، (23 مايو 2022م)، تاريخ الاطلاع: 19 يونيو 2022م، https://bit.ly/3OtbB7A

[10] Navy Recognition, Russian Navy ready to launch 24 Kalibr cruise missiles on Ukraine from Black Sea, 20 May 2022, Accessed: 26 June 2022, https://bit.ly/39X8PZl

[11] CSIS DEFENSE PROJECT, MISSILE THREAT, Missiles of Russia, August 10, 2021, accessed August 7, 2022, https://bit.ly/3bsLLSK

[12] The defense post, Inder Singh Bisht, Russia Developing Upgraded Kalibr Cruise Missile, 4 may2022, Accessed: 26 June 2022, https://bit.ly/3HSjC3w

[13] TASS Russian new agency , Russian defense ministry posts video of Kalibr missile launch at Ukraine’s army targets, 19 Jne2022, Accessed 26 June 2022,  https://tass.com/defense/1468161

[14] The defense post, Inder Singh Bisht, Russia Developing Upgraded Kalibr Cruise Missile, 4 may2022, Accessed: 26 June 2022, https://bit.ly/3HSjC3w

[15]Congressional Research service, Hypersonic Weapons: Background and Issues for Congress, May 17 2022, Accessed: July 21 2022,  https://bit.ly/3v46OlJ

[16]  MILITARY NEWS , Air Force Tests Hypersonic Missile Amid Fears About Russia and China’s Advances, 17 MAY 2022, Accessed:  21 July  2022, https://bit.ly/3cwwhO0

[17] BBC News, Paul Kirby, Russia claims first use of hypersonic Kinzhal missile in Ukraine, 19 March  2022, Accessed: April 11 2022, https://bbc.in/3Li4eOl

[18] CNN, Brad Lendon, What to know about hypersonic missiles fired by Russia at Ukraine, 10 may 2022, Accessed:12 may 2022, https://cnn.it/3L5xSWL

[19] Fondation pour la recherche stratégique,  Stéphane Delory, Christian Maire, Missiles hypersoniques : le cas du Kh-47M2 Kinjal.

[20] Fondation pour la recherche stratégique, , Stéphane Delory, Christian Maire, Missiles hypersoniques : le cas du Kh-47M2 Kinjal,  6 April 2022, Accessed :27 juin 2022, https://bit.ly/3xU9QJW

[21] The defense review, Russia has used up nearly 70% of its high-precision missiles, 26 April 2022, Accessed: 21 July 2022,  https://bit.ly/3v5PPzd

[22] The Moscow Times, James Beardsworth, Is Russia Running Low on Missiles?, 17 may 2022, Accessed: 21 July 2022, https://bit.ly/3BNKgtE

[23] U.S. Department of Defense, U.S. Withdraws From Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty, august, 2, 2019, accessed, august 7 2022, https://bit.ly/3vNctwF

[24] Wall Street Journal, The U.S. Space Force Is Your Eye in the Sky, June 8, 2022, accessed August 7, 2022, https://on.wsj.com/3Q81Blk

[25] MILITARY NEWS, IBID.

[26]  سكاي نيوز العربية، الصاروخ الروسي «الفتّاك».. هل دخل ساحة حرب أوكرانيا؟، (03 أبريل 2022م)، تاريخ الاطلاع: 12 مايو 2022م، https://bit.ly/3wk1qe4

[27]  RT، أسقطتها الدفاعات الجوية جميعًا.. القوات الأوكرانية تطلق 3 صواريخ “توشكا أو” على لوغانسك، (27 مايو 2022م)، تاريخ الاطلاع: 03 يونيو 2022م، https://bit.ly/3P4eZpH

[28] The guardian, Peter Beaumont, US to send advanced rocket systems to Ukraine as Russia tightens grip on Sievierodonetsk,1 June 2022, Accessed; 24 July 2022, https://bit.ly/3b2rK5H

[29] V.A, Jeff Seldin, US Sending Ukraine More Advanced Rocket Systems; Fighter Jets Under Consideration ,22 July 2022, Accessed: 24 July 2022,  https://bit.ly/3J15DZM

[30]  المرجع السابق.

د. أحمد بن ضيف الله القرني
د. أحمد بن ضيف الله القرني
نائب رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية