أهمية زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو

https://rasanah-iiis.org/?p=28983

أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان زيارة إلى موسكو، مؤخرًا، حيث التقى بنظيره الروسي سيرجي لافروف؛ لبحث المفاوضات النووية، والعلاقات الثنائية، والتطورات على الصعيد الإقليمي في سوريا وأفغانستان. رافق عبد اللهيان في رحلته المبعوث الإيراني الخاص لأفغانستان كاظمي قُمي، ومدير عام أوراسيا في وزارة الخارجية الإيرانية علي رضا حقييان، والمدير العام لجنوب آسيا في الوزارة نفسها سيد رسول موسوي، ومسؤولون إيرانيون آخرون. ويأتي الاجتماع الأخير في خضم الصراع الأوكراني-الروسي الجاري، ويعكس التفاعلات الوثيقة بين موسكو وطهران، في العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والعسكرية بالغة الأهمية.

قُبيل زيارة عبد اللهيان، أكد مسؤولون إيرانيون من جديد استعداد بلادهم للعب دور الوسيط لحل النزاع الأوكراني، بينما ادّعى البعض بأن وزير الخارجية الإيراني كان يحمل  أثناء زيارته رسالة من زعيم أوروبي إلى روسيا. وقال عبد اللهيان عقب الاجتماع مع المسؤولين الروس: «إن بعض الأطراف الغربية ترغب أن تؤدي طهران دورًا فعّالًا في حل الأزمة الأوكرانية. لذلك، فإن أحد الأهداف الأساسية من هذه الزيارة هو حل الأزمة الأوكرانية، من خلال إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات». وعلى العكس من ذلك، وحسب ما أفادت به بعض التقارير الاستخباراتية، فإن طهران زوَّدت روسيا بمسيّرات عسكرية لنشرها في أوكرانيا. والجدير بالذكر هُنا، أن المرشد الإيراني علي خامنئي برَّر خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران في يوليو من هذا العام، العدوان الروسي على أوكرانيا.

وعلى خلفية العقوبات المفروضة موسكو، صرَّح لافروف بأن روسيا وإيران نجحتا في تعزيز التجارة الثنائية بينهما. وحسبما أفادت به التقارير الأخيرة، فإن التجارة الثنائية بين البلدين قفزت إلى أكثر من 40% خلال النصف الأول من عام 2022م، متجاوزةً 2.7 مليارات دولار. وعلاوةً على ذلك، يجري العمل الآن على تسهيل المعاملات المالية بين الأفراد والشركات في كلا البلدين، من خلال دمج نظام الدفع الروسي «مير» مع نظام «شتاب» المصرفي الإيراني. وفي مؤتمر عُقِد في موسكو، قال لافروف عقب الاجتماع، إن موسكو وطهران تعملان على إبرام «معاهدة اتحادية» ستكون ذات «أهمية إستراتيجية» و«ستحدد المبادئ التوجيهية الأساسية؛ من أجل مواصلة بناء النطاق الكامل للعلاقات الروسية-الإيرانية في العقود المقبلة». وقال لافروف أيضًا: «إن روسيا تدعم انضمام إيران كعضو دائم في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وستُوقِّع مذكرة بالتزامات إيران تجاه المنظمة في «قمة منظمة شنغهاي للتعاون»، في سبتمبر، بمدينة سمرقند الأوزبكية»، وأعرب لافروف عن دعمه لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وقال إن روسيا ستعمل على مواءمة موقفها إزاء هذه المسألة، بالتوافق مع الالتزامات الإيرانية.

تُجسِّد زيارة عبد اللهيان الأخيرة إلى موسكو، أربعة اعتبارات إيرانية وروسية هامة. أولاً: خلقت الحرب في أوكرانيا بعض التقاربات الفورية وطويلة المدى لروسيا وإيران، خصوصًا في مجال الدفاع والفضاء. وحسب ما أفادت به التقارير الأخيرة، إيران مهتمة بشراء طائرات مقاتلة من طراز Su-35  من روسيا؛ من أجل تحديث أسطولها القديم والمتهالك للقوات الجوية. ثانيًا: يُعَدّ التعاون في مجال الطاقة بين إيران وروسيا عنصرًا بالغ الأهمية في العلاقات بينهما، فقد أبرمت «شركة النفط الوطنية الإيرانية» و«غازبروم» الروسية مؤخرًا مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار، كجزءٍ من خطة طويلة الأمد لتأسيس منظمة للغاز الطبيعي مشابهة لـ «أوبك». وفي حال تشكَّلت مثل هذه المنظمة، بمشاركة قطر، فإن موسكو وطهران ستكونان قادرتين على ممارسة تأثيرات كبيرة على الإمدادات والأسعار في سوق الطاقة، لاسيّما أن  الدول الثلاث تشكل قرابة ما نسبته 60% من احتياطات الغاز العالمية. ثالثًا: تشعر روسيا بالقلق إزاء التطورات الداخلية في سوريا، وأبدت تخوُّفها من الوضع الأمني في أفغانستان بعد سيطرة «طالبان» على الحُكم، خصوصًا بعدما أعلن تنظيم داعش في خراسان مؤخرًا مسؤوليته عن انفجار قنبلة بالقرب من السفارة الروسية في كابول، أسفرت عن مقتل ستة أشخاص على الأقل بينهم دبلوماسيان روسيان. رابعًا: بذلت كلٌّ من روسيا وإيران جهودًا حثيثة من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما؛ إذ تُفيد بعض التقارير إلى أن منطقة تتارستان الروسية تتطلع الآن إلى زيادة تجارتها مع إيران، عبر الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، وعبر بحر قزوين. ويربط الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب بين أوروبا وآسيا، ويعزِّز الشحن العابر إلى دول آسيا الوسطى وروسيا. إلا أن السكك الحديدية للممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب لا تعمل بكامل طاقتها؛ بسبب القيود المالية المفروضة على إيران.

وأخيرًا، من المرجَّح أن تستمر إيران وروسيا في زيادة تعاونهما في قطاع الطاقة، وتعزيز التجارة الثنائية بينهما، على الرغم من العقوبات والضغوطات الغربية، وقد يلجأ الطرفان إلى تنسيق ثنائي وثيق في بعض الشؤون الإقليمية، مثل أفغانستان وسوريا، حيث تتلاقى مصالح البلدين حول العديد من القضايا.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير