الاحتجاجات الإيرانية.. الأبعاد والتداعيات

https://rasanah-iiis.org/?p=29010

مقدِّمة

في أعقاب الإعلان عن مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عامًا)، اندلعت الاحتجاجات التي شهدتها المدن الإيرانية في 18 سبتمبر 2022م، بعد أن ألقت شرطة الأخلاق القبض عليها واقتادتها إلى مركز شرطة، بزعم ارتدائها الحجاب بصورةٍ خاطئة أثناء وجودها في العاصمة طهران بصُحبة عائلتها. وعلى الرغم من أن الشرطة قد أعلنت أنها قد تعرَّضت لنوبة قلبية ونشرت فيديو من داخل الحجز لتأكيد هذه الرواية، غير أنه من الواضح أن الفتاة قد تعرضت إلى الاعتداء؛ ما أدى إلى وفاتها، وهو الأمر الذي تأكد من الصور المنتشرة للفتاة داخل المستشفى الذي توفيت فيه، وكذلك من التصريحات التي أدلى بها ذويها بعد تسلُّمهم الجثة، التي أكدوا خلالها أن الجثة كان عليها آثار اعتداءاتٍ وتعذيب تعرَّضت لها قبل وفاتها، وهو ما كان الشرارة التي تسبَّبت في انطلاق موجةٍ جديدة من الاحتجاجات في عددٍ من المدن الإيرانية وصولًا إلى طهران.

والواقع أن هذه التطورات جاءت في ظل بيئةٍ داخلية محتقنة على خلفية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المضطربة، وجاءت في ظل تراجُع شعبية حكومة رئيسي التي لم تستطِع أن تُوفي بوعودها للمواطنين بعد عامٍ من وصولها إلى السلطة في أغسطس 2021م، وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات قد تبدو محدودةً مقارنةً باحتجاجات الوقود في 2019م واحتجاجات 2017/2018م، اللتين عمَّتَا معظم مدن إيران وكان لهُما طابعٌ شعبي، غير أنها تعكس الطابع الديني والاجتماعي للعملية الاحتجاجية في إيران، وتعكس كذلك اتساع نطاق حالة الغضب والاحتقان الجماهيري والشعور بالحرمان والظلم، كما تعكس الفجوة المتّسعة بين النظام وهُويّته التي يحاول أن يفرضها من خلال القمع، والمجتمع الذي يتطلَّع إلى تحسين شروط حياته على المستويات الاجتماعية والثقافية والتحرر من قيود الدولة خصوصًا في فرض نمطٍ معين من السلوك والمظهر على حياتهم الخاصة.

يحاول هذا التقرير أن يستكشف أبعاد هذه الاحتجاجات ونتائجها، من خلال تشريح البيئة التي اندلعت فيها هذه الاحتجاجات، ولاسيّما الجانب الديني والاجتماعي الذي بدا وثيقَ الصلة بالشرارة التي اندلعت على أثرها العملية الاحتجاجية، فضلًا عن الأبعاد السياسية والاقتصادية، وكذلك سمات العملية الاحتجاجية وحجم انتشارها وطبيعة المطالب والشعارات التي رفعها المحتجون، وحجم المشاركة فيها، والفئات المشاركة..، كما يرصد التقرير طريقة تعاطي السلطة مع الاحتجاجات سواءً من خلال الاحتواء أو القمع، وردود الفعل الدولية، وذلك للوصول إلى دلالات وتداعيات هذه الاحتجاجات على المشهد الإيراني الداخلي.

خريطة (1): مناطق الاحتجاجات

أوّلًا: سياسات «متشدِّدة» ومجتمع مُحتقِن

على الرغم من أن مقتل مهسا أميني كان الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات في عددٍ من المدن الإيرانية وصولًا إلى طهران، غير أن ثمّة عوامل أخرى حفّزت هذا التحرك يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو الآتي:

1. توجًّهات دينية وثقافية «متشدِّدة» لحكومة رئيسي: تعود جذور هذه الأزمة إلى اجتماع رئيسي بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للثورة الثقافية، عندما وجَّه في يونيو 2022م بإجراء التنسيق اللازم بين الهيئات والمؤسّسات الثقافية والتنفيذية لتنفيذ قرار البرلمان وقرار المجلس الأعلى للثورة الثقافية لعام 2005م بشأن الحجاب والعفة، وذلك في إطار مقاومة الهجوم الممنهج للنيل من ثقافة المجتمع وطابعه الثوري من قِبَل القوى الخارجية المعادية، ويعود التشدُّد في ذلك إلى «إستراتيجيات تنمية ثقافة العفة»، التي تبناها النظام في عام 2004م أثناء ولاية الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، إذ يُعَدّ هذا القرار الأساس القانوني لتشكيل دورية الإرشاد أو شرطة الأخلاق، وهي الجهة التي أخذ يتزايد دورها ونشاطها، لاسيّما تجاه النساء، حتّى وصلت حد نشر سبعة آلاف عنصرٍ سري للنهوض بهذه الخطة الأخلاقية والتي على رأسها الالتزام بما سُمِّي بالحجاب الإسلامي بشكل كامل.

بالتزامن مع ذلك، أشار أمين هيئة إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمد صالح هاشمي غلبايغاني في يوليو 2022م، إلى أن العفة والحجاب رمزٌ للمواجهة بين الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية، قائلًا: «إنّنا إنْ هدمنا هذا الجدار، فإن باقي جدران النظام ستنهار»، وطلب رئيس لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إيران، كاظم صديقي، الحكومة أولًا بالالتزام بقرار العفة والحجاب من خلال إصلاح لباس موظفيها، ثُم الذهاب إلى السوق والنقابات لتنفيذه، وعلى الفور أعلنت وزارة الداخلية لجميع المؤسّسات تعميم «الحجاب والعفة»، وأعلنت بدء تنفيذه في الدوائر الحكومية، وبدأت بعض الجهات الحكومية اتخاذ إجراءاتٍ من أجل الفصل بين الجنسين في أماكن العمل، ووضع شروط للاختلاط فيما يتعلق بملابس النساء، بهذا حازت شرطة الأخلاق غطاءً دينيًّا وسياسيًّا من أجل تكثيف نشاطها، وبالتالي؛ كثفت من انتشارها في مختلف مدن إيران في الشوارع ومراكز التسوق، وبدأت في تعقّب النساء المخالفات للقواعد.

ومنذ بداية هذا العام 2022م وحتّى الآن، برزت احتجاجاتٌ على تعامل الحكومة مع غير المحجبات، وصلت لدرجة إهانة المرشد الإيراني، أو خلع الحجاب علانيةً في الميادين والطرقات، كان آخرها وفاة مهسا أميني، على يد قوات الأمن. وجاءت تلك الاحتجاجات ردًّا على ما سمّته الحكومة برنامج العفاف والحجاب، والتي تسعى لفرضه على المجتمع، وهو برنامج يُشدَّد الرقابة على النساء والمؤسّسات حتى لا يُسمح لامرأة غير محجبة، أو ترتدي حجابًا سيئًا، أن تكون حاضرةً بصورة طبيعية في المؤسّسات العامة، حيث وجد المجتمع نفسه في مواجهةٍ مع سياسةٍ قمعية لفرض ثقافة ومظاهر معينة على المجتمع النّسوي، وهو ما فجَّر موجةً من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن نزعة لتحدي السلطة في الشارع.

2. إخفاق سياسي بعد عام من الحُكم: تتّصل حلقة الاحتقان تلك بالأوضاع السياسية المتأزمة في ظل إخفاق حكومة رئيسي في الوفاء بوعودها بعد عامٍ من وصولها إلى السلطة على مستوى الداخل والخارج، حيث تزايدت الانتقادات لأداء وزرائه، وبدأ «الإصلاحيون» في توجيه سهامِ نقدهم لشخص رئيسي وحكومته في التعاطي مع الأزمات الداخلية، فضلًا عن قلة الخبرة في التعاطي مع الملفات الخارجية ولاسيّما فيما يتعلق بالتعثّر في المفاوضات الخاصة بإحياء الاتفاق النووي، ومِن ثَمَّ استمرار الضغوط الأمريكية على إيران، وعودة الولايات المتحدة لتكثيف العقوبات، في الوقت نفسه، لم تحقّق سياسة حل مشكلات إيران بعيدًا عن الاتفاق النووي الأهداف المرجوة منها، ومِن ثَمَّ تتراجع شرعية حكومة رئيسي، وهي الحكومة التي جاءت إلى السلطة في ظل مشاركةٍ انتخابية هي الأضعف منذ الثورة.

3. وضعٌ اقتصادي ومعيشي متردٍّ: يلعب العامل الاقتصادي دورًا مهمًا في تفسير سرعة الاحتقان الداخلي واشتعاله مع أيّ محرك، حيث تفاقمت الأزمات الاقتصادية والمعيشية بإيران في الوقت الراهن وأبرزها: رفع الدعم، والبطالة، والتضخم الكبير والمستمر، والعجز المالي للحكومة، وهو ما تجلَّى خلال الأشهر الأربعة الماضية في رفع حكومة رئيسي الدعم عن الدولار المخصَّص لاستيراد السلع الغذائية الأساسية، فتسبَّب القرار في ارتفاع أسعار الغذاء في إيران بدرجةٍ غير مسبوقة على مدى عقود، واقتربت الزيادات السعرية عامةً من 70%، بل تضاعفت أسعار بعض الأغذية الرئيسية، والتي تشكِّل المكوِّن الأساسي لطعام الفقراء ومحدودي الدخل، الذين هُم نسبة كبيرة من الشعب تزيد عن ثُلثي الإيرانيين.

كما يواجه جيل الشباب من الجامعيين تحديدًا تحديَ ندرة فرص العمل أو نِسبًا مرتفعة من البطالة، علاوةً على غلاء المعيشة ورفع الدعم عنهم. ولعبت العقوبات الأمريكية دورًا كبيرًا في الأمر، فعلى الأقل هناك عاطلٌ من كل ثلاثة متعلمين. والمشتغل منهم لا يكفيه دخله مع تراجُع قيمة العملة الإيرانية كل يوم وتآكل قوتها الشرائية فيضطر الكثير للعمل في أكثر من وظيفة للوفاء بمتطلبات الحياة. كما أن الحكومة بالكاد تستطيع تسيير شؤون البلاد اليومية ودفع رواتب ملايين الموظفين في ظل العقوبات. الأمر الذي يجعل البيئة الداخلية محتقنةً تجاه الحكومة وقابلةً للاحتجاج والتفاعل مع أي سلوك عدائي من السلطة.

ثانيًا: سِمات العملية الاحتجاجية

يمكنُ توضيح أهم سِمات العملية الاحتجاجية تلك، فيما يأتي:

1. غضب شعبي لمقتل مهسا أميني: انطلقت الاحتجاجات الأخيرة في مدينة سقز وهي أحد مدن محافظة كردستان الإيرانية، ليل يوم الجمعة الموافق 15 سبتمبر 2022م، على خلفية وفاة المواطنة الكردية مهسا أميني، التابعة لمدينة سقز في نفس اليوم، والبالغة من العمر 22 عامًا، بسبب التعذيب أثناء احتجازها في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لشرطة الأخلاق الإيرانية، ليس بتُهم فساد أخلاقي وسلوكي، وإنما بتهمة عدم تغطية كل الرأس بالحجاب؛ ما أضاف مزيدًا من سخط وغضب الإيرانيات بل والإيرانيين من تعاطي النظام مع قضايا المرأة.

2. انتقال الاحتجاجات من الأطراف إلى العاصمة طهران: انتقلت الاحتجاجات يوم السبت 16 سبتمبر 2022م إلى مدينة بانه، ثُم سنندج عاصمة محافظة كردستان، ثُم انتقلت أيضًا إلى مريوان في محافظة كردستان ومدن أرومية ومهاباد وبوكان وسردشت وأشنوية في محافظة أذربيجان الغربية وكرمانشاه وجوانرود في محافظة كرمانشاه، ثُم إلى العاصمة طهران، وبذلك انتقلت المظاهرات من الأطراف نحو المركز طهران، مِمّا يكسبها زخمًا وأهميةً كبيرين في معقل النظام الإيراني ذاته، ويمثلُ عامل ضغطٍ إضافي على النظام الذي يواجه حزمةً واسعةً من التحديات الاقتصادية والمعيشية الداخلية والعزلة والضغوطات الدولية.

3. شعارات ومطالب للتعبير عن الغضب من النظام: تُظهِر مقاطع فيديو للمحتجين وهم يهتفون بشعاراتٍ جريئة ضد رموز النظام الإيراني، خاصةً المرشد علي خامنئي ثُم قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، الذي لقى حتفه في غارةٍ جوية أمريكية قُرب مطار بغداد الدولي مطلع يناير 2020م، وضد الباسيج، حيث هتف الطلاب في الجامعات الإيرانية التي شهدت تظاهرات، احتجاجًا على وفاة مهسا «اقتل اقتل كُل مَن قتل أختي» و«أغرب عن وجهي أيها الباسيجي»، كما هتف بعض المحتجين في المدن المحتجة وفي الجامعات بـ«الموت للدكتاتور»، في إشارةٍ لخامنئي، كما مزقوا بل وأضرموا النيران في صور خامنئي وسليماني، ما يعني استهداف المحتجين لشرعية ورمزية النظام الإيراني ذاته، وغضبهم الشديد من سياساته وطبيعة حكمه القائمة على فرض السياسات بالقوة والغطرسة ضد أبناء الشعب الإيراني.

4. مشاركة واسعة من مختلف الفئات: تعدَّدت الفئات المشاركة ما بين فئات شعبية (من أبناء الشعب من الطلاب-في الجامعات الإيرانية المختلفة مثل جامعة أمير كبير في طهران وجامعة طهران للفنون وجامعة طباطبائي وجامعة تربية مدرس وجامعة أصفهان-وغيرهم من غير الطلاب من الساخطين على سياسات النظام)، وفئاتٌ سياسية (العديد من النشطاء السياسيين-ذكور وإناث-في الداخل) على السواء، كما أعربت بعضُ الناشطات عن غضبهن وحزنهن على وفاة مهسا، عن طريق قص شعورهن، في حين خلعت أخريات الحجاب وقُمن بحرقه. وقد شهدت بعض العواصم العالمية تظاهرات أمام السفارة الإيرانية احتجاجًا على قتل أميني، مثل تلك التي شهدتها العاصمة الألمانية برلين وبعض المدن الأسترالية.

5. دور فاعل لوسائل التواصل بجانب التحركات على الأرض: تعدَّدت -أيضًا- نوعية مشاركة المحتجين ما بين النزول للشارع للمشاركة في الاحتجاجات مباشرةً في المدن والجامعات التي شهدت احتجاجات، أو ما بين التعبير عن حالة الغليان والغضب سواءً بإصدار البيانات مثل طلاب جامعة أمير كبير، أو على وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة احتجاجًا على وفاة مهسا، وفضحًا لسياسات النظام تجاه تقييده الوصول للإنترنت في المدن التي تشهد احتجاجات أو لعرض صور تظهرُ استخدام القوات الأمنية للقوة المفرطة ضد المتظاهرين، حيث تسبّب ذلك في وفاة عدد من المتظاهرين، وإصابة العشرات بإصاباتٍ في الرأس والقلب مع اعتقال العشرات حسب الصحافة الإيرانية، أو نشر بعض مقاطع الفيديو لبعض الإجراءات من شرطة الأخلاق، التي تبدو شديدة الوطأة، ضد النساء اللائي خلعن الحجاب خلال الفترات القليلة الماضية.

6. دعم من المعارضة في الداخل والخارج: لاقت الاحتجاجات الدعم من ولي عهد إيران السابق رضا بهلوي والعديد من الأحزاب الكردية الإيرانية، وأيضًا العديد من النشطاء المدنيين والسياسيين بإعلانهم الحداد والإضراب العام، وكذلك أعلنت العديد من الأحزاب السياسية المعارضة بالخارج دعمها للاحتجاجات، مثل: حزب فرشكرد، ومنتدى الاتحاد من أجل بدايةٍ جديدة، والحزب العلماني الديمقراطي الإيراني، وحزب المشروطة/الليبرالي، والحزب القومي الإيراني، ودعت رموز وأقطاب المعارضة بالخارج إلى إيصال صوت الاحتجاجات للمجتمع الدولي، كما انتشرت حملاتٌ مختلفة لتنظيم تجمعات في محافظتي كرمانشاه وكردستان.

7. اختراق المؤسسات الحكومية: تعرَّض موقع الحكومة الذي يحمل عنوان «البوابة الذكية للحكومة» للاختراق، ونشرت مجموعة تُدعى «أنونيموس»، وهي عبارة عن مجموعة من المتخصصين في أمن شبكات الكمبيوتر، بيانًا أكدت فيه تنفيذ عملية الاختراق، كما تمكنت هذه المجموعة من اختراق موقع البنك المركزي الإيراني على الإنترنت ووقفه من الخدمة.

ثالثًا: تعاطي النظام مع الاحتجاجات بين الإنكار والتنديد

منذ بدء الاحتجاجات، استخدمت حكومة رئيسي في مواجهة تلك الاحتجاجات سياسةَ (العصا والجزرة) التي تُشكِّل مزيجًا من الأدوات العقابية الإكراهية، وبعض القرارات الرامية لاحتواء غضب الجماهير، بجانب إستراتيجية إعلامية معتادة تقوم على التقليل من حجم ونطاق انتشار الاحتجاجات، واتهام أيادٍ خارجية بتحريكها، ومنها:

1. الإنكار وتضليل الرأي العام: عملت الحكومة الإيرانية على تبييض صورتها أمام الرأي العام الإيراني، بنشر التليفزيون الحكومي مقطع فيديو قصير من كاميرا مراقبة يُظهِر أن الوفاة وقعت لأسباب صحية دون تدخُّل للشرطة الإيرانية.

2. القمع على الصعيد الميداني: اتّبعت السلطات الإيرانية أسلوب قمع الاحتجاجات بما ظهر في فضّ المظاهرات بالقوة، من خلال استخدام العنف والغاز المسيِّل للدموع في عدد من المدن الإيرانية، وهو ما أدى الى مقتل 6 أشخاص في محافظة كردستان حتى ظُهر الأربعاء 21 أغسطس 2022م، فضلًا عن جرح مئات المدنيين واعتقال العشرات.

في ما يلي توزيع المدنيين الذين قُتِلوا وأُصيبوا في محافظة كردستان:

 المدينةعدد القتلى والجرحى المدينةعدد القتلى والجرحى
1ديواندرهقتيلان و33 جريحًا10قروه17 جريحًا
2سقزقتيل و74 جريحًا11كامياران11 جريحًا
3بانه40 جريحًا12تكاب7 جرحى
4مهاباد23 جريحًا13ماكو6 جرحى
5سنندج66 جريحًا14أروميةقتيل و20 جريحًا
6مريوان9 جرحى15بيرانشهرقتيل و48 جريحًا
7دهجلانقتيل و16 جريحًا16كرمانشاه26 جريحًا
8بيجار9 جرحى17عيلام13 جريحًا
9قده15 جريحًا   

المصدر: وكالة «هينغاو» لحقوق الإنسان https://bit.ly/3dtlPI2

3. تعطيل استخدام الإنترنت: قامت الحكومة بتعطيل خدمة الإنترنت في مدن الاحتجاج الإيرانية، لوقف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم التجمعات ونشر مقاطع مصورة من المظاهرات، وهي سياسةٌ مُمنهَجة يتّبعها النظام مع كافة الاحتجاجات الشعبية.

4. محاولة امتصاص الغضب: وعد الرئيس الإيراني بفتح تحقيقٍ للنظر في ملابسات الحادثة، كما تداولت الصحف الإيرانية أخبارًا عن إقالة رئيس شرطة الأمن الأخلاقي في طهران، وكِلا الإجراءيْن يمكن اعتبارها إجراءات صُورية بهدف تهدئة الاحتجاجات المتواصلة، كما اعتادت الحكومة خلال السنوات الماضية على إجرائها.

5. جدل بين «المتشددين» و«الإصلاحيين»: دار سجالٌ بين تياري النظام الإيراني، وانقسمت الصحف الداخلية التابعة لكُل تيار في تعاطيها مع الحادثة وتداعياتها الميدانية إلى مساريْن متوازيَيْن، تبنّى في مساره الأول: إظهار اهتمام كبير بالحادثة وحجم التفاعل الشعبي معه، وهو مسارٌ تبنّاه ما يعرف في المؤسسة السياسية الإيرانية بـ«التيار الإصلاحي»، ومِن بين الردود التي أثارها هذا التيار ما نشرته صحيفة «آرمان ملي»، وهي كبرى الصحف التابعة لهذا التيار في إيران، تحت عنوان «مطلب الشعب.. إعادة النظر بشكلٍ جدي في مهام شرطة الأمن الاجتماعي»، وبتعبير الصحيفة، فإنّ السلطات الإيرانية هذه الفترة بدأت تجني فواتير السياسات الخاطئة من قِبل أجهزتها الأمنية، وهو تبنّتهُ صحف التيار الأخرى كصحيفة «مردم سالاري» وصحيفة «جهان صنعت».

وفي مقابل الصحف «الإصلاحية»، عمدت صحف «التيار المحافظ»، أي ما يُعرف داخل إيران بـ«التيار الأصولي» وأغلبها تُعَدّ مقرّبةً من «الحرس الثوري» والمرشد الإيراني، علي خامنئي، كصحيفة «وطن امروز»، و«كيهان»، إلى تجاهل ملف القضية إلى حدٍّ كبير، والتركيز بالرد على من سمتهم «مُختلقي الشائعات»، واتهمت النشطاء السياسيين ونشطاء المجتمع المدني بأنهم يسيرون في ركب «أعداء الحكومة» بعد إدانتهم لمقتل مهسا أميني، وهو موقفٌ توافق أيضًا في مضمونه مع تصريح لرئيس البرلمان الإيراني الحالي محمد باقر قاليباف، بجانب مطالبة الصحيفة السلطات الحاكمة في فرض رقابة على العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال تسليط الضوء على بعض عناوين أهم الصحف التابعة لكلا التيارين، يسهل رؤية القلق الواضح من الأجواء المضطربة التي تسود إيران، ومحاولة كُل فصيل إنكار المسؤولية وتحميلها للجانب الآخر، وهي إستراتيجية درجت المؤسّسات السياسية في إيران على اتّباعها خلال الاحتجاجات السابقة بهدف امتصاص الغضب الشعبي ووقف الاحتجاجات، وبتطبيقها هُنا تهدف طهران إلى امتصاص الغضب المتزايد على مقتل مهسا أميني وتحويلها إلى احتجاجات ضد (شرطة الأخلاق).

رابعًا: الموقف الدولي من الاحتجاجات الإيرانية

1. انتقادات أمريكية وأوروبية: أعربت الولايات المتحدة وكذلك دولٌ أوروبية رئيسية مثل فرنسا، عن قلقها العميق إزاء وحشيّة الشرطة وعمليات القتل الناتجة عنها حتّى الآن، حيث وصف البيت الأبيض وفاة الشابة الإيرانية بأنه أمرٌ «لا يُغتفَر»، ودعا وزير الخارجية أنطوني بلينكين إيران إلى «إنهاء اضطهادها الممنهج للنساء والسماح بالاحتجاج السّلمي»، مُضيفًا أن الولايات المتحدة تحزن على أميني إلى جانب الشعب الإيراني.

2. تلويح بتزويد الإيرانيين بخدمات الإنترنت: انخفض الاتصال بالإنترنت بشكلٍ حاد في أجزاء مختلفة من البلاد، والتي لا تزال أداةَ طهران المحببة لإسكات شعبها وتقليل وسائل الإعلام العالمية ووصول الجمهور إلى الاحتجاجات في الداخل. كانت آخر مرة لوحظ فيها خلال احتجاجات مايو 2022م، ووسط الاحتجاج الجديد من الشعب الإيراني، قد تكون هناك مساعدة دعم خارجي بعد تغريده أطلقها رئيس شركة «سبيس إكس» إيلون ماسك، بإمكانية توفير الاتصال المجاني بالإنترنت للإيرانيين من خلال نظام «ستارلنك» الخاص بالشركة، والذي ساهم في التدفق الحُر للمعلومات من وإلى الجبهات الحدودية الأوكرانية والمناطق التي تحتلها روسيا. برغم العقبات التي تعترض ذلك وهي العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، بما يجعل من إمكانية النجاح في ذلك مرهونًا بالمقاربات الأمريكية تجاه إيران حتى الآن.

3. انتقادات منظمات حقوقية دولية: طالبت منظمة العفو الدولية بـ«التحقيق جنائيًا في الظروف التي أدت إلى الوفاة المشبوهة»، والتي تشمل احتمالات التعرض للتعذيب وغيرها من أشكال سوء المعاملة خلال الاحتجاز.

خامسًا: الدلالات والتداعيات

للاحتجاجات الراهنة عددٌ من الدلالات والتداعيات تعكسُ تشابك العوامل، التي أدت إلى اندلاعها وردود الأفعال حولها، وسيظهر ذلك داخليًا على مستوى النظام السياسي ومخرجاته، والعلاقة بين مكونات المجتمع الإيراني وعلاقتها بالسلطة السياسية، فضلًا عن الضغوط الخارجية التي كانت إيران في غنى عنها. ولعل أهم هذه الدلالات والتداعيات ما يلي:

1. وجود هاجس لدى النظام بشأن الهُويّة الثقافية والثورية: ونحن أمام عِدّة دلالات فكرية وأيديولوجية، أهمها: أنّ الرئيس إبراهيم رئيسي أخذ على عاتقه محاولة إعادة أدبيات ما بعد الثورة بصرامة وحزم، مع ما في ذلك من تمتين القواعد الشعبية لـ«المحافظين»، وإرضاء «المتشددين» من رجال الدين، وتمهيد الطريق أمامه لخلافة خامنئيّ بوصفه أحد «الأمناء» على فكر الثورة وثقافتها، وثمّة تاريخٌ من التسييس والتوظيف لمسألة الحجابِ من قِبَل السلطات الإيرانية، وليست تلك الأزمة جديدة بين النظام والنساء الإيرانيات، بل هي من عمر الثورة، فقد مُنعت النساء أوّلًا من دخول الدوائر الحكومية دون حجاب، ثُم فُرض على النساء في كل الأوقات والظروف دون استثناء، وقد لاقى ذلك معارضةً شديدة، بيْد أنّ النظام الذي يقوده الراديكاليون سياسيًّا، التقليديون دينيًّا، صمّم على المضيّ قدمًا في فرض الحجاب، دون مبالاة بنداءات بعض الأصوات من الداخل والخارج. إذ تَعُدّ النخبة الحاكمة الإيرانية أنّ مسألة الحجاب جزءٌ لا يتجزأ من هُوية إيران ما بعد الثورة، وأنّ أي تنازل عن تقنين فرضيته، وإلزام لبسه في المجال العام، سيؤدي حتمًا إلى حدوث خلل في تلك الهُوية والثقافة، لصالح الثقافة/الهيمنة الغربية، وعادةً ما يؤكد رجال النظام، سواءً أكانوا من الحرس الثوري والمؤسسات الأمنية أو من المؤسسة الدينية، على ذلك المعنى، حتى يمكنُ القول إنه يُشكّل هاجسًا لهم، لإدراكهم هشاشة النظام وتآكل حواضنه بسبب إخفاقاته المتعددة، على مستويات اقتصادية واجتماعية، ودينية، فلم يبقَ أمامه سوى الحلول الأمنية.

2. الهروب للأمام والقفز على جوهر الأزمات: يبدو أن النُّخب الدينية الحاكمة تريد القفز إلى الأمام، بتجاهل مشكلات الجماهير الحقيقية، والتركيز على مسائل الفقه والأيديولوجيا التي تثيرُ المعارك الجدلية في الداخل الإيراني والشيعي لصرف الأنظار عن إخفاق النظام في تدبير شؤون الناس، وهي المهمة الرئيسية التي من المفترض أن يأخذها على عاتقه، كنظامٍ سياسيّ يسعى لتأمين احتياجات شعبه!. ثمة لمحةٌ أخرى؛ متمثلة في بُعْد مؤسسات الدولة الرسمية عن مفهوم القانون، واللجوء إلى نظام الحسبة في ظل الدولة الحديثة، وهو عملٌ يُشبه ما تقوم به جماعات العنف، من ترهيب الناس في الطرقات، وتجاوز دولة القانون!.

3. تحدي السلطة واتساع نطاق الغضب الشعبي: عكس قيام بعض النساء بخلع الحجاب (غطاء الرأس) في جنازة مهسا، وفي التظاهرات التي أعقبت وفاتها انطباعًا بوجود تحدٍّ من جانب المواطنيين للسلطة، كما أن انتشار المظاهرات بشكل سريع يعكسُ حجم الاحتقان الذي يشهده المجتمع الإيراني وأنه ليس مرتبطًا بالمسائل الاقتصادية فقط بل تعداه إلى قضايا الحريات الفردية، وانتماء الفتاة إلى القومية الكردية كان من عوامل تأجيج الاحتجاجات بسرعة خاصةً في المناطق الكردية، ولكنه من جهة أخرى، يعكس وجود قضايا مشتركة توحُّد الإيرانيين بمختلف انتماءاتهم ضد النظام السياسي، وهو الأمر الذي سيعقدُ عليه احتواء الاحتجاجات في المستقبل، عندما تأخذ بُعدًا وطنيًّا ولا تنحصر في منطقة أو فئة محددة، كما أنّ هذه المظاهرات إضافةً إلى سابقاتها ستكون من العوامل التي تساهم في توسيع الهُوة بين المؤسسة الدينية عمومًا والمجتمع الإيراني، وانتماء الفتاة إلى جيل الشباب (عمرها 22 سنة) يؤكد القطيعة الجيلية التي تكشفُ تآكل الشرعية الدينية للنظام الحالي.

4. محاولة «الإصلاحيين» ترميم شرعيتهم على الساحة الداخلية: وجَّه «الإصلاحيون» انتقادات جريئة للحكومة على خلفية قضية مقتل أميني، حيث يحاول «الإصلاحيون» استعادة مكانتهم بعد التهميش الواسع خلال الفترة الماضية، وذلك من خلال إثبات أنّها حركةٌ تناصر الشعب الإيراني وتدافع عن حقوقه معتبرين قضية مقتل أميني بدايةً لمشروع سياسي جديد في إيران، وقد ظهر ذلك من ردود أفعال الرئيس الأسبق خاتمي ونائب الرئيس إسحاق جهانجيري ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف وحسن الخميني ووزير الاتصالات في حكومة روحاني آذري جهرمي والمتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، وكتابة نساء هذه الحركة مثل عازار المنصوري ومعصومة ابتكار تؤكد هذه الفرضية، ويواجه «الإصلاحيين» بشأن موقفهم موجةَ انتقاداتٍ واسعة من التيار «المتشدد»، حيث يطالب هذا التيار الشعب الإيراني التعامل بحزم مع «الإصلاحيين» حيث وصفوهم بالطغاة مقترحين استجوابهم ومساءلتهم حول طرحهم فيما يتعلق بمقتل مهسا أميني، ولا شكّ أنّ هذا الملف ذو البُعد الثقافي والحقوقي أحد أوجه الخلاف العميقة بين التيارين والذي ستظهرُ آثاره في المنافسات الانتخابية القادمة.

5. توفير ورقة ضغط للغرب على طاولة المفاوضات: تفاعلت المعارضة الإيرانية في الخارج بشكل سريع مع الحدث؛ والذي يُعَدّ من القضايا المهمة بالنسبة للرأي العام العالمي غير أنّ ردود فعل المنظمات الدولية والحكومات الغربية لم يكُن بالمستوى نفسه، وهو أمرٌ يعطي انطباعًا لدى المعارضة بأنّ حسابات القوى الدولية تظل متأثرةً بمصالحها، وأنها غير جادة في ترويجها للديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران، حيث تظل هذه السياسة ورقةً في إطار للضغط على النظام، وفي ظل المفاوضات الجارية بشأن إحياء الاتفاق النووي، وفي ظل توجُّهات إدارة بايدن بأولوية الدبلوماسية فليس من المرجح أن تتخطى مواقف الولايات المتحدة والأوروبيين توجيه الانتقادات، بل قد تستخدم كورقة ضغط، وقد يدفع الواقع الاقتصادي المؤلم إيران، خاصةً في حالة توسّع الاحتجاجات، إلى تقديم تنازلاتٍ فيما يتعلق بالمفاوضات المعلقة مع الغرب لإحياء الاتفاق النووي من أجل زيادة مواردها المالية وتخفيف صعوبات المعيشية ومحاولة ترضية الشارع وتقليل الهُوّة بينه وبين النظام «المحافظ» الذي يسيطر على السلطة وكافة مؤسّسات الدولة حاليًّا والمحافظة على شرعيته المتآكلة.

سادسًا: المسارات المحتملة للأزمة

في ظل الظروف المحيطة بالنظام الإيراني، فإن موجة الاحتجاجات القائمة في إيران قد تتبَعُ أحد السيناريوهات التالية:

1.سيناريو استمرار الأزمة وتوسُّع الاحتجاجات: ويدعم هذا السيناريو على الأرض حالة الاحتقان الشعبي المتنامي على خلفية الأزمات الاقتصادية، وتردِّي الأوضاع المعيشية وارتفاع مستويات التضخم وتفشِّي البطالة، وإخفاق الحكومة في التعامل مع الأزمات، ومنها: أزمة توزيع المياه، فضلًا عن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على إيران، ومِن ثَمَّ حالة الإحباط العام وغياب أُفقٍ لتسوية الخلافات مع الغرب بشأن الاتفاق النووي، وعودة الولايات المتحدة لتشديد عقوباتها على إيران، حيث تتعدد عوامل الغضب والاحتقان، وتتزايد الهُوّة بين النظام الذي يسعى إلى تطبيق قواعد ثقافية ودينية صارمة، بينما لا يهتم بتحسين معيشة المواطنين.

وحتى لو هدأت هذه الاحتجاجات وتراجع زخمها خلال الفترة المقبلة، فإنّ الواقع المثقل بالأزمات يرجّح أن تعود التعبئة الاجتماعية من جديد مع أيّ حادثة مُماثلة في المستقبل، أو قرار من جانب الحكومة، خصوصًا أن سلسلةً من الاحتجاجات الفئوية مستمرة منذ سنوات، وهي تعكس تنامي الغضب بين العديد من فئات الشعب وطبقاته. خصوصًا أنّ الاحتجاجات اتسعت في الجامعات وفي الأوساط الشبابية التي تُعَد دائمًا محركًا للتغيير والتي ترى الحاجة إليه.

2.سيناريو خفوت الاحتجاجات: وهذا السيناريو ربما هو الأرجح، حيث من المتوقع أن تتراجع هذه الاحتجاجات على المدى القصير، عطفًا على نمط الاحتجاجات السابقة، ويدعم ذلك اتباع النظام سياسةً تجمع بين التهدئة والقمع من أجل تجاوز الأزمة. فعلى صعيد التهدئة، يندِّد النظام بالحادثة وعبَّرت الشرطة عن أسفها، وتدخَّل الرئيس إبراهيم رئيسي ووعد أسرة مهسا أميني بفتح تحقيق والكشف عن ملابسات الحادثة، وكذلك تأكيد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أن معالجة موضوع الحجاب، تحتِّم إلغاء البند الذي يعِدّ عدم الالتزام بالحجاب جريمةً تتطلَّب الاعتقال والمحاكمة. أما على صعيد القمع، فإن النظام لديه خبرة واسعة في التعامل مع الاحتجاجات ومحاصرتها، بما في ذلك قمع المحتجين في حال استمرار نزولهم للشوارع، وقطع الإنترنت، وهو ما يؤثِّر على زخم التظاهرات، فضلًا عن عدم وجود دعم دولي لمطالب الشعب الإيراني ولحقوق الإنسان في إيران ولذا ستجد الأحزاب المعارضة نفسها في الموضع الأضعف.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير