الأبعاد والتداعيات الإستراتيجية للدعم العسكري الإيراني لروسيا في الحرب على أوكرانيا

https://rasanah-iiis.org/?p=29449

لطالما كان السلاح الروسي مطلبًا إيرانيًّا تعرقله الضغوط والعقوبات الأمريكية، لكن يبدو أن سير المعارك في أوكرانيا عَكَس تدفُّقات السلاح، ودَفَع موسكو لطلب معدّات عسكرية من طهران. ولا شك أنّ ذلك فَتَح فرصةً تاريخية لإيران لفرض مقايضات مع موسكو في مجال التسليح، فإيران أظهرت موقفًا حاسمًا بالوقوف إلى جانب روسيا لبَّى احتياجاتها، في ظل تراجُع مخزونها من الأسلحة. وكان من أبرز مظاهر الدعم الإيراني الطائرات المسيّرة، التي ظهر تأثيرها في مسرح العمليات في أوكرانيا خلال الأيام الأخيرة، إذ يُشار إلى استخدام روسيا قرابة 1700 طائرة إيرانية في هجماتها على البنية التحتية لأوكرانيا، وذلك بجانب الحديث عن طلب مساعدات أخرى قد تشمل صواريخ باليستية ومعدّات وقاية ومدرِّبين، بالإضافة إلى مساعدات في التغلُّب على العقوبات، كتوربينات لتشغيل محطات الطاقة الروسية.

وعلى الرغم من أن إيران قد أخذت جانب روسيا للوقوف ضد الولايات المتحدة والغرب من بداية الصراع، فإنه حتى فترة قريبة ظل هذا الموقف مقتصرًا على الدعم السياسي، مع المطالب بوجود تسوية سلمية للصراع. ومع أن إيران تنكر الاتهامات الأوروبية والأوكرانية بمدّ روسيا بالسلاح، لكن كشف ظهور المسيّرات الإيرانية على مسرح العمليات والتقارير عن تدفُّق الدعم الإيراني على روسيا عن دور أكبر لإيران في الصراع إلى جانب روسيا، وهو ما أحدث أزمة دبلوماسية مع أوكرانيا، ومع الأطراف الأوروبية، التي أعادت لأول مرة منذ توقيع الاتفاق النووي في 2015م فرض عقوبات جديدة على إيران. ولا شك أن هذا التحوُّل يطرح تساؤلات حول دوافع طهران، والتداعيات المترتبة على وقوفها إلى جانب روسيا في هذا الصراع، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:

أولًا: الدوافع والأهداف الإيرانية

من خلال مشاركة فعّالة في الحرب الروسية، سعت إيران إلى تحقيق أهداف إستراتيجية وجيوسياسية، لعل من أبرزها:

1. تعزيز الشراكة مع روسيا ومعسكر المناوئين للغرب: تُقدِّم إيران نفسها لروسيا باعتبارها شريكًا موثوقًا، من خلال الدعم الذي تقدِّمه لها في صراعها ضد الولايات المتحدة وحلف الناتو، الأمر الذي قد تهدُف إيران من ورائه إلى تجاوُز حلقة الثقة المفقودة تاريخيًّا بين البلدين، وهي الحلقة التي ضاقت خلال العقد الأخير، بالنظر إلى الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، وتوافُقهما في عديد من القضايا الدولية والإقليمية، بدايةً من العداء للولايات المتحدة، مرورًا بالمصالح المشتركة في الإقليم، لا سيما ملف سوريا، وصولًا إلى التعاون المشترك، الذي يشمل تعاونًا اقتصاديًّا وتوافقًا بشأن التغلُّب المشترك على العقوبات الغربية. إضافة إلى ذلك، يتجاوز طموح إيران روسيا، إذ تُقدِّم نفسها شريكًا عسكريًّا مهمًّا لمعسكر المناوئين للغرب، وبالتالي قد تجمع التطوّرات الدولية الراهنة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية في تحالفات أعمق، فإيران تقدِّم نفسها قوة مهمة ومؤثرة في الصراعات الدولية، ومن الوارد أن يفتح لها ذلك الأبواب لمزيد من الانخراط في شراكات ثنائية تعاونية، ومزيد من الشراكات في المنظمات الجماعية لهذه الدول كـ«بريكس» و«شنغهاي» و«اتحاد أوراسيا»، وذلك في إطار النزعة التعديلية المتزايدة لدى هذه الأطراف.

2. الضغط على الأطراف الأوروبية: لا يترك النظام الإيراني أي مساحة لكسب مزيد من أوراق الضغط في مواجهة خصومه، وكثيرًا ما اشتبكت إيران مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مواجهات غير مباشرة في منطقة الشرق الأوسط. لكن هذه المرة يبدو أن إيران تحاول امتلاك ورقة ضغط في مواجهة الأوروبيين، الذين يشاطرون الولايات المتحدة العداء للنظام الإيراني، ويدعمون الحراك الداخلي في إيران ضد النظام، فضلًا عن استضافة المعارضة في الخارج وتقديم الدعم لها. وبينما تسعى إيران لدعم مشروعها في الشرق الأوسط، فإن مشاركتها في الصراع في أوكرانيا قد تسهم في تشتيت انتباه الغرب، وصرف نظره عن سلوكها في الشرق الأوسط.

3. تلبية احتياجات روسيا العسكرية وكسب دعاية للسلاح الإيراني: يكشف مدّ إيران لروسيا بالمعدّات العسكرية عن رغبة روسية فيمعالجة نقاط الضعف في ساحة المعركة، والحفاظ على مخزونها من الصواريخ، إذ إنّ المسيّرات الإيرانية تتفوَّق على نظيرتها الروسية، من حيث قلة التكلفة، والتهرُّب من الرادار، والعمل في نطاق يصل إلى 1500 كيلومتر، والحمولة الأكبر، وذلك بالنظر إلى مثيلاتها الروسية. وتمنح هذه الطائرات فرصة حتى تقوم بتطوير هذا الجانب، الذي يبدو أنها لم تُولِهِ اهتمامًا كبيرًا في السابق، بينما أصبح عنصرًا حاسمًا على مسرح العمليات والمواجهات العسكرية. ولا شك أن دخول المسيّرات الإيرانية ساحة المعركة قد ترك أثره في الصراع، إذ بفضل هذه الطائرات تمكَّنت روسيا من ضرب أكثر من 40% من البنية التحتية لإمدادات الكهرباء، وتنفيذ عمليات مؤثرة ضد الأهداف الثابتة في الخطوط الأمامية، وهو ما قد يسهم في إضعاف الروح المعنوية، والتأثير في الدعم الشعبي الأوكراني لمواصلة المعارك. وبينما تستفيد روسيا على هذا النحو فإن إيران قد تكسب من خلال المشاركة فرصة دعائية لسلاحها من الطائرات المسيّرة، التي قد تلقى اهتمام مزيد من الدول، وقد يبرِّر هذا مشاركة مستشارين إيرانيين في عملية التشغيل، فضلًا عن نشر الحرس الثوري بعض الهجمات لهذه الطائرات على مواقعه، في إطار هذه الحملة الدعائية.

4. الضغط من أجل حلحلة المفاوضات النووية: لم تكُن إيران لتنخرط في الحرب الروسية على أوكرانيا على هذا النحو لولا الجمود الذي يصيب المفاوضات النووية، ومِن ثَمّ لا يُستبعَد أن تكون مساعدة إيران لروسيا ورقة من أوراق الضغط على الغرب والولايات المتحدة لحلحة الملف، والاستجابة لمطلب إيران، بإنهاء تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المواقع الإيرانية الثلاثة، التي وُجِدت فيها آثار يورانيوم مخصَّب، وهي العثرة الأخيرة أمام تنفيذ الخطة الأوروبية للعودة إلى الاتفاق النووي، الذي أصبح طوق نجاه للنظام الإيراني في ظل تنامي الغضب الشعبي الداخلي. وبينما تفرض الدول الأوروبية عقوبات على إيران على خلفية انخراطها في الصراع في أوكرانيا، فإن إيران تتمسك بمسار الدبلوماسية، وتعلن للأوروبيين عن رغبتها في إحياء الاتفاق النووي، وهو ما يعني إمكانية مقايضة موقفها من الحرب بتسوية الخلاف والعودة إلى الاتفاق النووي.

5. إنهاء إيران لحظر مبيعات السلاح عمليًّا: تسعى إيران لطرح نفسها مزوِّدًا للسلاح لدول العالم، وتكسر حاجز العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة على التعامل مع إيران في هذا المجال، حتى بعد أن جرى رفع الحظر على مبيعات السلاح الإيراني في أكتوبر 2020م، بموجب الاتفاق النووي وبموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015م. ومِن ثَمّ فإن بيع إيران سلاحها إلى روسيا لا يكسر الحظر على مبيعات السلاح الإيراني وحسب، بل إنه أيضًا يمنحها فرصة لتلقِّي الأسلحة، وتنفيذ الصفقات المعطَّلة مع روسيا والصين، كما يفتح المجال أمامها لمزيد من مبيعات السلاح لدول أخرى.

6. جني الأرباح والعوائد وتوظيفها لتهدئة التوتُّرات الداخلية ومعالجة المشكلات بعيدًا عن الغرب: من المؤكد أن مبيعات السلاح الإيراني لروسيا توفِّر عوائد اقتصادية ومادية لإيران، وذلك في ظل تفعيل نظامَي الدفع «مير» و«شتاب» لتبادُل العملات بين البلدين، بعيدًا عن نظام «سويفت» الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وهو ما قد يساعد النظام في احتواء الاستياء الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية، فالجسر الجوي بين طهران وموسكو لنقل السلاح تقابله عوائد اقتصادية مهمة لإيران، في ظل ظروف حرجة يواجهها النظام في الداخل، فضلًا عن أنه قد يفتح سوق السلاح الدولية أمام إيران، ويشجع جهات أخرى على شراء السلاح من إيران، ويضعف هذا من حاجة إيران إلى الغرب وتقديم تنازلات جوهرية في المفاوضات النووية، وتعزيز التوجُّهات الأيديولوجية للنظام.

ثانيًا: الفرص والتحديات أمام إيران

يكشف التحرُّك الإيراني عن جرأة إيرانية في إظهار التحدي للأوروبيين والأمريكيين، فلأول مرة تنقل إيران معركتها مع الغرب، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، إلى الساحة الأوروبية. ولم يقتصر الأمر على مدّ روسيا بالمسيّرات، فهناك مستشارون عسكريون من الحرس الثوري موجودون على الأراضي الأوكرانية المحتلة، وهناك مخاوف من أن الصواريخ الباليستية الإيرانية قد تدخل مسرح العمليات، وهو الأمر الذي قد يرفع مستوى التحدي أمام الجهود الأوروبية لتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية المضادة للطائرات المسيّرة والصواريخ. لهذا، فإن جملة من التحديات تواجه إيران، بناءً على خيارها بدعم روسيا عسكريًّا في حربها ضد روسيا. أهمّ تلك التحديات ما يأتي:

1. تشويه سمعة إيران دوليًّا: لم تجرؤ أي قوة دولية على مشاركة روسيا في حربها ضد أوكرانيا علانيةً على هذا النحو كما فعلت إيران، وبينما تنظر غالبية دول العالم والمجتمع الدولي إلى عدم عدالة هذه الحرب، والنظر إلى أنها انتهاك لسيادة الدول، فضلًا عما خلَّفته من دمار وتشريد وقتل، وكذلك مردوداتها السلبية على الاقتصاد العالمي، وعلى نقص إمدادات الطاقة والغذاء، وتقويض فرص التعاون الدولي في تحقيق السلام، فإن موقف إيران يقود إلى مزيد من تشويه السمعة الدولية للنظام الإيراني، والمعروف عنه بالأساس عدم تماشيه مع القواعد الدولية، وعدم احترام مبادئ القانون الدولي في عدم التدخّل في شؤون الغير، واحترام سيادة الدول، فصورة النظام الإيراني دوليًّا باعتباره طرفًا مخرِّبًا أسهم في نشر الفوضى في الشرق الأوسط، لم يكن ينقصها دوره في تدمير البنية التحتية في أوكرانيا، وموقفه إلى جانب روسيا في حرب يفترض أنها بعيدة عن حدوده، ولا تمثِّل تهديدًا بأي صورة من الصور لمصالحه.

2. بناء إجماع جديد عبر الأطلسي أكثر عداءً لإيران: تقود مشاركة إيران في الصراع في أوكرانيا نحو زيادة الفجوة في العَلاقات مع الدول الأوروبية، التي كانت حريصة على إحياء الاتفاق النووي. وفي ظل تنامي مخاوف الأوروبيين بشأن وجود السلاح الإيراني، بل عناصر الحرس على مسرح العمليات في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه جمود المفاوضات النووية، ومراكمة إيران مكتسباتها التقنية في هذا المجال بما يسمح لها بتجاوز العتبة النووية، فإن تقارُب وجهات النظر الأمريكية والأوروبية قد يدفع نحو تشكيل إجماع عبر الأطلسي، بتغيير نمط العَلاقة مع إيران نحو المواجهة ومزيد من الضغوط والعقوبات.

3. انهيار المفاوضات النووية وتراجُع فرص إحياء الاتفاق النووي: يمكن أن تخسر إيران فرصة مهمة لإحياء الاتفاق، بانخراطها في الصراع في أوكرانيا، والتشدُّد بشأن موقفها من التفاهم مع الولايات المتحدة والغرب. وقد تخسر فرصة أخرى لرفع العقوبات، في ظل حاجة أوروبا إلى النفط الإيراني، إذ إنّ مشكلات إيران على الأرجح أكثر ارتباطًا بمعالجة مشكلاتها مع الغرب، ولن تُجدي سياسة التوجُّه شرقًا في حل مشكلات إيران، خصوصًا الاقتصادية منها. وبالتالي، قد يصبح النظام أمام خيارات أكثر خطورة في المستقبل، لا سيما إذا شَرَع في تخطِّى العتبة النووية، وهي الخطوة التي قد لا يجد وقتها حليفه روسيا إلى جانبه.

4. تقديم الغرب مزيدًا من الدعم للاحتجاجات في إيران: قد يواجه النظام مزيدًا من الدعم الأمريكي والأوروبي للاحتجاجات الداخلية، التي لم تتوقف منذ سبتمبر 2022م، لإثنائه عن خياراته العدائية ومشاركته الواسعة في الحرب إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا. ولا شك أن هذا الدعم يزيد زخم الاحتجاجات، ويشجِّع الإيرانيين على مزيد من تحدي النظام الحاكم، وظهر كيف أن العقوبات الغربية وتزويد المحتجين بخدمات الإنترنت الفضائي مؤثرة في إضفاء مزيد من الزخم على الحراك، الذي بات يهدِّد النظام أكثر من أي وقت مضى.

5. إعادة نظر الولايات المتحدة بإستراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط: بينما نقلت إيران معركتها مع الغرب إلى الساحة الأوروبية، فإن الولايات المتحدة قد تعيد النظر بشأن إستراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، وتعود إلى مزيد من الانخراط في القضايا الإقليمية، ومتابعة إستراتيجية للقيادة من الأمام، بدلًا من سياسة الانسحاب، التي يبدو أنها أتاحت لإيران فرصة من أجل تكرار إستراتيجيتها الإقليمية على حدود الأطلسي. وهُنا تحتاج الولايات المتحدة إلى ترميم عَلاقاتها المتأزمة مع حلفائها الإقليميين، من أجل تنسيق المواقف بشأن إيران، كما ستحتاج إلى إعادة العمل بالعقوبات القصوى لتفرض على إيران تعديل سلوكها.

مع ذلك، فإن جملة التحديات التي تواجهها إيران من جرّاء هذه المشاركة قد تكون تكلفتها عالية، فخسارة الدعم الأوروبي لإعادة إحياء الاتفاق النووي ليست في صالح إيران، فالاتفاق ضروري لخروج إيران من المأزق الداخلي الراهن الذي يواجهه النظام، خصوصًا في ظل تنامي الغضب الشعبي، الذي لا يدعم أي دور عسكري خارجي لطهران في الخارج، بدايةً من دوره على ساحة الشرق الأوسط، فما بالنا بالدور على الساحة الأوروبية؟ إذ إنّ من يتحمَّل عبء وتكلفة هذا التدخّل هو الشعب الإيراني، ناهيك بأن الإجماع عبر الأطلسي الذي وضع نصب عينيه الدبلوماسية والانخراط منذ قدوم بايدن قد يتحوَّل إلى مواجهة وعقوبات مؤثرة ستعيد المشهد في إيران إلى أكثر من عقدٍ مضى.

ثالثًا: مستقبل الانخراط الإيراني في الصراع

بناءً على الأهداف والفرص والتحديات التي قد تواجهها إيران في تقديم الدعم العسكري لروسيا في حربها على أوكرانيا، يمكن الإشارة إلى خيارين قد تتابع إيران أحدهما:

1. مواصلة مبيعات الأسلحة إلى روسيا: وهو يعني أن إيران ستواصل تقديم الدعم العسكري لروسيا، لا سيما من طائراتها المسيّرة وربما صواريخها الباليستية. ويعزِّز ذلك إتاحة الصراع الدولي الراهن في أوكرانيا لإيران الفرصة للمناورة والتحرك لتعزيز مصالحها، وامتلاك مزيد من أوراق الضغط في مواجهة الغرب. كما أن التراخي الأمريكي في تطبيق العقوبات على إيران شجَّع إيران على مزيد من تحدي الإدارة الأمريكية، وتقديم دعم عسكري لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، وهذا الدعم نفسه يحقق لإيران عددًا من المكاسب، منها أن ذلك يعود عليها بفوائد أساسية، وتكريس إنهاء حظر السلاح المفروض على إيران، وجني عوائد اقتصادية لتخفيف حدة الأزمة الداخلية، وتعزيز التعاون والشراكة مع روسيا، وتصدير الأزمة الداخلية للخارج، وتراجُع احتمالات توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى إيران، وقد تحصل إيران مقابل هذا الدعم المقدَّم إلى روسيا على ما تحتاج إليه من أسلحة رفضت روسيا في الماضي تزويد إيران بها، مثل منظومة «إس400»، وطائرات «سوخوي» المتطوّرة. ومن زاوية أخرى، قد تستفيد إيران من المشاركة العملياتية في تطوير وتحسين قدرات طائراتها المسيّرة، وتكوين خبرة كافية في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي الغربية المتطوّرة، وهو ما يعود على مكانتها ووزنها الإقليمي. كما أن ذلك يصب في مصلحة تبادل المنافع والتخادُم بين روسيا وإيران في عديد من القضايا.

2. التراجع خشية ردود الفعل الغربية: ويعني أن إيران سوف تتراجع عن بيع مزيد من الطائرات المسيّرة إلى روسيا، ولأنها سوف توقف أنشطتها العسكرية الداعمة لروسيا مع عدم تغيير الموقف السياسي من الصراع. ويؤشر إلى ذلك دأْب المسؤولين الإيرانيين على إقناع العالم بأن الطائرات المسيّرة كانت صفقات قديمة تسبق الحرب، ونفي تقديم إيران أي دعم عسكري لروسيا في الحرب، فضلًا عن التحسُّب للعقوبات الأوروبية، التي تُعتبر الأولى من نوعها منذ توقيع الاتفاق النووي، واحتمال اتجاه الأوروبيين استخدام حقهم في الاتفاق النووي، في استعادة كل العقوبات الدولية على إيران، وهو ما قد يعيدها إلى العزلة. وكذلك اتجاه الأطراف الأوروبية والولايات المتحدة نحو مزيد من تنسيق المواقف والسياسات ضد إيران، وهو ما سيعرقل المفاوضات النووية، ويعرقل إحياء الاتفاق النووي، الذي يُعَدّ طوق النجاة للنظام الإيراني من الأزمة الاقتصادية، وموجة الاحتجاجات العاصفة التي تهدِّد مستقبل النظام.

خلاصة

في أكتوبر 2020م، اقترحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مشروع قرار من أجل مد الحظر المفروض على إيران بشأن مبيعات السلاح، لكن كانت الأطراف الأوروبية أول الرافضين لهذا المنحى الأمريكي. وعندما أخفقت إدارة ترامب في تمرير القرار، طالبت دول الترويكا الأوروبية استخدام آلية «سناب باك» من أجل استعادة العقوبات، لإدراك تلك الإدارة الأمريكية خطورة فتح مبيعات السلاح أمام إيران، في وقت لا تزال غير راغبة في تعديل سلوكها والتراجع عن تهديداتها للأمن الإقليمي والدولي. لكن، لأن عَلاقة ترامب مع أوروبا كانت غير ودية آنذاك، فإنّ الأوروبيين لم يمتثلوا لنصائح الولايات المتحدة بشأن إيران في هذا الوقت، كما لم يمتثلوا لنصائح دول المنطقة، وجاء بايدن في ما بعدُ بإستراتيجية معيبة تستند إلى الدبلوماسية مع التراجع عن الردع والتراخي في تطبيق العقوبات، وسار خلفه الأوروبيون، لكن هذا شجَّع إيران على متابعة سياسة أكثر عداءً. ويبدو أنه كما دفعت منطقة الشرق الأوسط ثمنًا باهظًا بعد الاتفاق المعيب الذي مرَّره الأوروبيون وأوباما في 2015م، فإن أوروبا على موعد مع دفع تكلفة أكبر، لكن هذه المرة في قلب أوروبا، بعدما أهدرت فرصة من أجل ممارسة مزيد من الردع تجاه إيران.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير