رد إيران المتأخر على الوكالة الدولية واعتباراتها المتّخَذة في المحادثات النووية

https://rasanah-iiis.org/?p=29639

كشفت التطورات الأخيرة حول المحادثات النووية الإيرانية، عن حجم التعقيدات أمام تحقيق انفراجة في المحادثات، في ظل استمرار الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران. لم يتم التوصل إلى نتيجة بنّاءة من أجل تسوية الأزمة النووية، حتى بعد مرور ستة أشهر من بدء المحادثات النووية. وعَقَد المسؤولون الإيرانيون عدة اجتماعات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن التقارير أفادت بعدم إحراز تقدُّم ملموس في تلك الاجتماعات، التي عُقدت خلال شهري سبتمبر ونوفمبر 2022م.

أبدت إيران مؤخرًا موافقتها على زيارة الوكالة الدولية للبلاد؛ لبحث مصدر جزيئات اليورانيوم، التي عُثِر عليها في ثلاثة مواقع لم تُفصِح إيران عنها من قبل، ولم تُجب على استفسارات الوكالة عنها. وطلبت هيئة الرقابة التابعة للأمم المتحدة من إيران تقديم تفسيرات «ذات مصداقية فنية»، بشأن هذه القضية. وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، إن اقتراح إيران بعقد اجتماع مع مسؤولي الوكالة الدولية يجب أن يركِّز على توضيح وحل موضوع آثار اليورانيوم التي عُثِر عليها في المواقع غير المُعلَنة. كما قالت الوكالة الدولية مؤخرًا، إنها لا تستطيع ضمان أن البرنامج النووي الإيراني للأغراض المدنية فقط. من ناحية أخرى، طلب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان مؤخرًا من الولايات المتحدة إظهار «الإرادة الحقيقية» في المحادثات النووية، وإثبات أن لدى واشنطن النية الحقيقية لرفع العقوبات عن إيران. كما وَصَف نهج إدارة بايدن بالنفاق، وقال إن إيران مستعدة للتوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن.

على الرغم من أن الموقف الرسمي للنظام الإيراني كان يُظهِر عدم السعي للحصول على أسلحة نووية، فقد بذلت إيران في العقود الأربعة الماضية جهودًا مُضنيةً لتعزيز قُدراتها النووية، من خلال تحسين مواردها وتقنياتها المحلية، من أجل تسهيل وصولها إلى «العتبة النووية»؛ أي قُدرتها على امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لتصنع قنبلة ذرية. وركَّبت إيران في الأشهر الأخيرة مئاتٍ من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، في محطات الطاقة النووية تحت الأرض في «نطنز» و«فوردو». وسُتمكِّن أجهزة الطرد المركزي إيران من تخصيب اليورانيوم، بسرعة أكبر. وأكد رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية ومستشار المرشد علي خامنئي كمال خرازي، في وقتٍ سابق، أن بلاده قادرة فنيًا على تطوير أسلحة نووية، لكنها لم تتّخذ القرار بعد لتنفيذ ذلك. وفي السياق الراهن، يستند نهج إيران بشكل عام فيما يخُص المحادثات النووية، على عدد من العوامل. أولًا: أدركت إيران أهمية امتلاك السلاح النووي؛ لأنه يوفِّر الحماية للنظام الإيراني. وتتوقع النُّخَبة الإيرانية الحاكمة أنه حتى لو وصلت إيران «العتبة النووية»، فمن المرجَّح أن يقبل المجتمع الدولي امتلاك إيران للأسلحة النووية، حتى إن تعرضت بالطبع للانتكاسات والضغوطات والتحديات، ولاسيّما من إسرائيل والدول المجاورة لها. ثانيًا: لا يزال المسؤولون الإيرانيون يقدِّمون فتوى آية الله علي خامنئي ضد امتلاك أسلحة نووية، باعتبارها مرسومًا ملزِمًا يُزيل أي فرضية حول امتلاك إيران لترسانة نووية. لكن وزير الاستخبارات الإيراني السابق محمود علوي، قال إن الفتاوى ليست دائمة ويمكن أن تتغيَّر وفقًا لما تُمليه الظروف السياسية والإقليمية والعالمية؛ ما يعني أن الفتاوى الدينية ليست حُكمًا ثابتًا، بل مرِنًا. ولم يستبعد الوزير تطوير إيران أو امتلاكها أسلحة نووية. ثالثًا: يمكن النظر إلى انعدام الشفافية بشأن برنامج إيران النووي، والخطاب الاستفزازي على لسان النظام الإيراني، في إطار إستراتيجية الابتزاز، التي تنتهجها طهران للضغط على الأطراف في المحادثات النووية لتقديم بعض التنازلات، مثل رفع العقوبات عن إيران؛ لكي تنعش اقتصادها المتدهور. كثيرًا ما صرَّحت المؤسسة الأمنية والاستخباراتية الإيرانية الحالية على المستوى الخطابي، أن إيران ليست حريصة على إبرام صفقة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، تدرك حكومة رئيسي الآثار الاقتصادية لمثل هذا التوجُّه، إلا إنها لا تزال ملتزمة بإحياء الاتفاق النووي. ويسِّلط هذا الاختلاف الضوء على التوتُّرات بين الحكومة الإيرانية والمنظمات الأخرى، مثل الحرس الثوري، حيث يظهر الأخير النية دائمًا لتصعيد التوتُّرات مع الغرب ودول الخليج. رابعًا: استند التوجُّه الإيراني حول المحادثات النووية خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى التكهنات إزاء نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية، والانتخابات التشريعية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن الانتخابات النصفية الأمريكية وجَّهت ضربةً للحزب الجمهوري، بفوزه بأغلبية طفيفة في مجلس النواب، فمن المرجَّح أن تواجه إدارة بايدن معارضةً جمهورية صارمة؛ بسبب نهجها المتَّبَع تجاه إيران، وأي اتفاق نووي يتم التوصل إليه مع طهران. ومن ناحية أخرى، انتقد بنيامين نتنياهو ويائير لابيد نهج بعضهما البعض تجاه إيران خلال حملة الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، وبما أن نتنياهو عاد الآن إلى تولِّي زمام أمور السلطة مرةً أخرى، فقد تكهَّن بعض حلفائه أيضًا باحتمال شنّه هجومًا على المواقع النووية الإيرانية، في حال فشلت المحادثات النووية في معالجة مخاوف تل أبيب. خامسًا: تراهن إيران أيضًا على أن أزمة الطاقة في الغرب تساعد في اتخاذ موقف أكثر ليونة تجاه النظام الإيراني، بمجرد استئناف المحادثات النووية. وفي سبتمبر الماضي، عرضت وزارة الخارجية الإيرانية تقديم المساعدة على أوروبا في مجال إمدادات الطاقة، بمجرد رفع العقوبات عنها.

في الختام، ستستمر العوامل المذكورة بالتأثير على سلوك إيران تجاه المحادثات النووية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالإضافة إلى ذلك، خلقت التوتُّرات السياسية الداخلية والإدانة العالمية لرد فعل النظام الإيراني العنيف على الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد مزيدًا من التحديات أمام أي حوار بنّاء مع إيران. ومن المرجَّح أن تستمر طهران في تصعيد التوتُّرات الإقليمية، لتحويل الانتباه عن حالة عدم الاستقرار الداخلي في الأشهر المقبلة؛ ما يزيد من تعقيد آفاق التوصل إلى اتفاق نووي مستدام.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير