عوامل خارجية متعدِّدة تُوحي بتسخين الملفّ الإيراني على الساحة الدولية، من تعليق المملكة العربية السعودية لجلسات الحوار السعودي-الإيراني، إلى عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وما بينهما قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمطالبة إيران على نحوٍ عاجل بتقديم تفسيراتٍ موثوقة عن آثار اليورانيوم في ثلاثة مواقع إيرانية لم يُفصَح عنها سابقًا.
نقلًا عن أحد المطّلِعين، أعلن موقع «جادة إيران» تعليقَ المملكة العربية السعودية لجلسات الحوار مع إيران، بعد خمس جولات عقدها الجانبان في العاصمة العراقية بغداد، وقبلها كانت الأصوات الإيرانية تتحدَّث عن قُرب لقاء وزيرَيْ خارجية البلدين تتويجًا لهذا الحوار، فيما كانت التصريحات السعودية تتحدَّث عن أنَّ اللقاء بين الوزيرين لم تُستَكمَل شروطه بعد، دون أيِّ إشارةٍ سلبية للحوار أو لمصيره.
وفي ضوء الغموض المعهود حول جلسات الحوار الأمني، لا سيّما تلك الممهِّدة لعودة علاقاتٍ دبلوماسية مقطوعة، يمكن تفسير الموقف السعودي، فربما جاء بسبب تغييراتٍ أصابت حكومة الدولة الراعية للحوار، أو كان باعثها تصريحاتُ المسؤولين الإيرانيين حول تحميل المملكة مسؤوليةَ ما يجري في الداخل الإيراني بالتَّشارك مع دولٍ إقليمية ودولية. يقوِّي هذا التفسير ما نقلتهُ الرياض للمسؤولين في واشنطن، عن نوايا إيرانية لاستهداف المملكة. وفي المحصلة، يُعتَبر الحوار السعودي-الإيراني مسلكًا إقليميًا متناغمًا مع مسلك السداسية الدولية في فيينا، ومتأثرًا به أيضًا؛ ما يُوحي بانسداد فجواتِ الأمل في إعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015م.
ومن انسداد الأُفق في إعادة إحياء الاتفاق النووي، تتصاعدُ المواقف الغربية، الأوروبية تحديدًا، في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وآخرها تقديم مسوَّدة قرارٍ من قِبل الترويكا الأوروبية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، تدعو الوكالة الدولية لمطالبة إيران بتقديم تفسيرها الملِّح والعاجل حول مسألة آثار اليورانيوم المكتشف في مواقع لم تكشِف عنها سابقًا، وهو طلبٌ تعجيزي، إضافةً لصيغته الدالَّة على نوايا غربية تنحو نحوَ التصعيد مع إيران، لإعادة تدويل الملف الإيراني من بوابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مستقبلًا.
لا بد أيضًا من التذكير بأن آثار اليورانيوم المُكتشَف في المواقع الإيرانية الثلاثة تعود لعام 2003م، وهي مدَّة أكثر من كافية لمن يرغب بتقديم تفسيرات مقنعة خلالها. مع ذلك، لم يستطِع الجانب الإيراني تقديمَ هذه التفسيرات، أو بالأحرى فتقديم هذه التفسيرات سيُؤدي لإدانة إيران لا محالة. فعلى الرغم من نفي إيران، أشارت الدلائل المجموعة من قِبَل الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنه حتى عام 2003م، قامت إيران بمجموعةٍ من الأبحاث والأنشطة ذات الصلة بتطوير جهازِ تفجيرٍ نووي، وتضمَّنت هذه الأنشطة العمل الذي بدأ في أوائل العقد التاسع من القرن الماضي، في مركز البحث الفيزيائي في لافيزان، حيثُ ما يُعرف بخطّة أماد (يُعتقَد أنها اسم المشروع لبرنامج الأسلحة النووية الشامل)، حسب معهد واشنطن.
وبالعودة إلى قرار الوكالة الدولية الأخير، يعتقدُ الدبلوماسي الإيراني السابق وخبيرُ السياسة الخارجية فريدون مجلسي، أنَّ الغرب فقدَ الأمل منذ فترةٍ طويلة في التفاوض مع إيران، في نظرةٍ منه لتمرير القرار بنسبة أصواتٍ عالية، بالإضافة لتقديم مسوَّدة القرار المناهض لإيران من قِبَل الترويكا الأوروبية. وفي نهاية المطاف، لم تعُد هناك «خطة العمل الشاملة المشتركة»، حيث يتم دفنها الآن؛ ما يعني أنَّ «التهديدات ضد إيران أصبحت أكثر خطورةً»، مُرجِعًا السببَ إلى تزويد إيران لروسيا بالمسيّرات؛ ما ساهمَ بتكثيف المواقف الغربية ضد إيران، بدءًا بإشارة رئيس وزراء كندا الداخلية في إيران، وحديثه عن إمكانية تغيير النظام السياسي في إيران، إلى اجتماع الرئيس الفرنسي مع عددٍ من الناشطات الحقوقيات الإيرانيات، وكذلك تطرُّق المستشارةِ الألمانية ووزيرة خارجيتها علنًا إلى التهديد القادم من إيران، والمواقف الأقوى من قِبَل البرلمان الأوروبي ضد إيران.
ويبقى الهاجس الإيراني يدورُ حول إقدام الترويكا الأوروبية على إعادة تفعيل العقوبات الأُممية عليه، من خلال برنامج «آلية الزناد»، المرتبطة بقرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015م. حيث يتم إعادة فرض العقوبات على إيران بمجرد تقديم طلبٍ بذلك من قِبل أيّ دولة مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة، بعد معاينتها لتصرُّفٍ إيراني يُشكِّل انتهاكًا للقرار 2231، مع حرمان الدول المشاركة من حقِّ الفيتو لنقض إعادة تفعيل العقوبات. وقد تلجأ الترويكا الأوروبية في القادم القريب لإعادة تفعيل «آلية الزناد»؛ نظرًا للتحوُّل في مواقفها واقترابها من الموقف الأمريكي تجاه طهران.
يتزايدُ المشهدُ قتامةً أمام إيران بعودة بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، يرافقُه هذه المرَّة زعيمُ حزب اليمين المتشدِّد إيتمار بن غفير، والمعروف بمعارضته الشديدة لأيّ اتفاقٍ مع إيران، بالإضافة للعدوانية والشراسة في مواجهة المشروع الإيراني بمرتكزاته الثلاثة، النووي والبالستي والتوسُّعي؛ ما يعني أنَّ إسرائيل المستقبلية ستكون أكثر اندفاعًا في مواجهة المشروع الإيراني، وقد تُحيِّد التصرفاتُ الإيرانية المزعزعة للاستقرار أيَّ تحفُّظٍ أمريكي على دعم الحكومة اليمينية في إسرائيل.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد