للكاتب: جاي سولومون
كبير مراسلي الشؤون الخارجية في صحيفة “وول ستريت جورنال”
ما يثير الاهتمام في هذه المسوَّدة الأولى للتاريخ المعاصر بعد الاتفاق النووي، هو الفرص الضائعة للرئيس أوباما، ففي عام 2009، أُعلِنَ فوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي لم يُتلاعَب في نتائجها عن طريق المرشد الأعلى خامنئي -وهو الأمر المعتاد- فقط، ولكن من شبه المؤكَّد أنها مزوَّرة كذلك، ومن هنا خرج الإيرانيون إلى الشوارع وهم يهتفون: “الموت للطغاة” و”أوباما، هل أنت معنا أم ضدنا؟”.
وفقا لما ذكره جاي سولومون، لم يرفض أوباما تقديم الدعم لهم فقط، بل أنهى برامج لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان الإيرانية، وأمر وكالة الاستخبارات المركزية بأن تتجاهل “الحركة الخضراء”، التي يقول سولومون إن لها خُطَطَ طوارئَ لمساندة الثورات الديمقراطية في أي مكان في العالم، وهذا يشمل تزويد المنشقِّين بأجهزة اتصالات وأموال وأسلحة إذا اقتضى الأمر. ولكن في هذه الحالة طلب البيت الأبيض من الاستخبارات أن تتمهَّل.
لم يكُن أوباما متحمِّسًا للعقوبات، في حين كان وزير خارجيته جون كيري يعتقد أن احترام حكام إيران وإشراكهم في الحوار سيكون كافيًا لتخفيف حِدَّة العداء، إذ قال كيري لسولومون في مقابلة معه عام 2016: “نشب كثير من الحروب بسبب سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة، وعدم وجود دبلوماسية فعَّالة، والحرب نتيجة لفشل الدبلوماسية”.
ويظن الكاتب أن كلاوزفيتز وصن تزو سوف يختلفان مع هذا الرأي، فعدد غير قليل من أعضاء الكونغرس، بمن في ذلك الجمهوريون أمثال مارك كيرك وإد رويس وإليانا روس ليتينن، والديموقراطيون أمثال روبرت مينينديز وإليوت إنجل وهوارد بيرمان، كانوا جميعًا مقتنعين بأن التحدث بهدوء لم يكُن كافيًا، وأن من الضروري التعامل مع حكام إيران مع وجود “عصا كبيرة”. ويلاحظ سولومون أن عددًا من أعضاء الكونغرس شاركوا مع عديد من المراكز البحثية في واشنطن للوصول إلى “وسائل جديدة للضغط على عائدات إيران من النفط، والتحكم في معاملاتها المالية”.
ويضيف أن “سلاحًا فتاكًا” جاء من مؤسَّسة الدفاع عن الديمقراطية، وهي مركز أبحاث أُسِّس بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، يركز على مكافحة التطرُّف في الشرق الأوسط، وعلى تعزيز أمن الولايات المتحدة وإسرائيل والديمقراطيات الأخرى التي يهدِّدها الإسلام الراديكالي. ويزوِّد مارك دوبوفيتز، المدير التنفيذي لمؤسَّسة الدفاع عن الديمقراطية، وفريق بحثه الذي يتحدث الفارسية، “المشرعين الأمريكيين بتقارير مستمرَّة حول الشركات والأفراد الإيرانيين الذين يجب أن يُعاقَبوا لدورهم في تطوير البرنامج النووي الإيراني”.
في النهاية، كشف دوبوفيتز، الذي عمل آنذاك مع ريتشارد غولدبيرغ نائب رئيس فريق عمل السيناتور كيرك، عن “قنبلة مالية”، هي أن “شركة مالية مَقَرُّها بلجيكا تُدعَى (سويفت) ستستضيف شبكة الحاسوب الدولية التي تسهِّل تقريبًا صفقات جميع البنوك في العالَم من خلال الرسائل واسعة النطاق ونظام التتبُّع المالي”، وأن إدارة أوباما عارضت طرد إيران من شركة “سويفت” لكن “الكونغرس تجاهل مجدَّدًا مخاوف البيت الأبيض ومرَّر بالإجماع تشريع عام 2012 الذي يقضي بطرد طهران من شركة سويفت”.
وبحلول عام 2013، كانت هذه التدابير “تشل الاقتصاد الإيراني”، ولو كان الضغط مكثَّفًا -أو حتى مُحكَمًا فقط- فمن يدري ما التنازلات التي كان حُكَّام إيران سيقدِّمونها لتفادي الأزمة الاقتصادية والانهيار؟ لكن أوباما خفَّف موقفه تجاه إيران في مقابل اتفاق مؤقَّت. بعد ذلك أصرّ آية الله خامنئي على ضرورة الالتزام بخطوطه الحمراء، في حين تُتجاوز تلك التي وضعها أوباما واحدًا تلو آخَر.
في النهاية، ليس على إيران الكشف عن مدى تقدُّم برنامجها النووي، ناهيك بالاعتراف بامتلاكها برنامجًا أصلًا. ومع ذلك، فإن إدارة أوباما توافق على “السماح لإيران ببناء برنامج نووي على نطاق صناعي، بمئات الآلاف من الآلات، وبعد عشر سنوات من ضبط النفس”.
وقال كيري لمؤلِّف الكتاب في مقابلة أُجرِيَت في بداية العام الجاري: “ليس لدي شكّ في أننا تجنبنا الحرب”. قد يكون على حقّ، ولكن ما يراه “تفاديًا” يمكن أن يتحول إلى “تأجيل” وحسب.
وعلى أساس بعيد عن الأدلة، يعتقد كيري وأوباما أن الجمهورية الإيرانية قد بدأت في الاعتدال، وسوف تتخلى عن طموحها في إقامة إمبراطورية فارسية -كما تدَّعي- جديدة ومترامية الأطراف، وأنها لن تحلم بشعارات “الموت” لأمريكا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول “الخارجة عن الدين” في نظرها، وأنها لن تتطور لتصبح الخصم الأشد فَتْكًا.
ويختتم سولومون بقوله: “راهن أوباما على أن خامنئي وحلفاءه لن يستمرُّوا في الالتزام بشروط الاتفاق النووي”، وأضاف: “إذا التزموا، فإن الولايات المتحدة تخاطر بإطلاق أكبر شلَّال نوويّ في الشرق الأوسط”.
نعم، هذا هو الرهان.