إيران وأذربيجان: أصدقاء وأعداء في نفس الوقت

https://rasanah-iiis.org/?p=30238

لقد تبددت في الوقت الحاضر مظاهر العلاقات الودية والصداقة بين أذربيجان وإيران، وأصبحت نبرة خطاب وسائل الإعلام في كلا البلدين أقل حذرًا وشمل هذا التغير أيضًا السياسيين والدبلوماسيين. لا يمكن إلقاء اللوم على التطورات الأخيرة في تأجيج مشاعر العداء بين البلدين؛ فقد بدأت التوترات المتصاعدة بين الجارتين المسلمتين بالظهور إلى السطح، منذ أن شرعت أذربيجان بالمطالبة بحقوقها. وقد غير انتصار أذربيجان الحاسم في حربها الثانية ضد أرمينيا الوضع السابق الملائم لإيران التي كانت آنذاك مطمئنة. وبعد وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان بوساطة روسية وإبرام الطرفين اتفاقًا حول الممر إلى ناخيتشيفان، بدأت الخلافات السياسية والعسكرية بالتصاعد بين الجارتين.

انتشر مقطع فيديو دعائي للحرس الثوري الإيراني على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر جنودًا إيرانيين يعبرون جسر خودافرين الذي يقع على نهر أراس ويظهرهم أيضاً وكأنهم يقومون بغزو أذربيجان في يناير من هذا العام. وتزامن تسريب هذا المقطع مع تعيين باكو أول سفيرة لها في تل أبيب. وكانت إيران قد حذرت جارتها أذربيجان من مغبة فتح سفارة لها هناك على الرغم من أن إسرائيل لديها سفارة في باكو منذ عام 1992 ولا زالت باكو تنظر إلى تل أبيب بأنها شريك استراتيجي واقتصادي حيوي. ويعكسُ قرار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بتعيين نائب وزير العلوم والتعليم مختار محمدوف سفيرًا للبلاد لدى إسرائيل أهمية العلاقات بين باكو وتل أبيب.

أعلنت أذربيجان عن افتتاح سفارتها في إسرائيل في نوفمبر 2022؛ حينها التقى رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران في الأسبوع نفسه. واتفق الجانبان على تطوير ممر تجاري جديد بين البلدين، وزيادة حجم اتفاقية تصدير الغاز، وتمديد اتفاقية مقايضة الغاز مقابل الكهرباء. في نفس الوقت تقريبًا، كشفت باكو النقاب عن مخطط استخباراتي إيراني لاستخدام مواطنين أذربيجانيين للقيام بأعمال تخريبية داخل إسرائيل أو ضدها. واعتقلت أذربيجان 19 مواطنا واتهمهم بتلقي التدريبات والتمويل من إيران، وصادرت كتب دينية متطرفة من أعضاء الخلية.

هذا وصرح جهاز الأمن الأذربيجاني أن جماعة مسلحة أخرى، تُعرف باسم «حركة الوحدة الإسلامية» نَظمت مواطنين أذربيجانيين من الذين جندهم تنظيم «حسينيون» وهي جماعة مسلحة محظورة جرى تنظيمهم من قَبل. وقد خضع هؤلاء المواطنين لغسيل دماغ في إيران، وأرسلوا إلى سوريا لتلقي التدريب على السلاح هناك، ثم عادوا إلى أذربيجان. وقال بيان وزارة الداخلية الأذربيجانية: «لقد انخرط هؤلاء المواطنين في تدريبات عسكرية على الأراضي السورية، حيث تلقوا تدريبات على استخدام مختلف أنواع الأسلحة النارية وعلى أساليب القتال».

كان «لواء الحسينيون» من بنات أفكار القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني وقد كان توحيد إبراهيم بيلي وهو أذربيجاني منفي يعيش في إيران وأحد مؤسسي لواء حسينيون عيون وآذان سليماني في أذربيجان، قائدًا للمجموعة أيضًا. وقد قام شخص يُدعى يونس سفروف، وهو أحد عناصر الميليشيا ومن سكان مدينة كنجة في أذربيجان، بمحاولة فاشلة لاغتيال رئيس بلدية المدينة في عام 2018. لم يتلق سفروف تدريبات في سوريا فحسب، بل قاتل أيضًا إلى جانب إيران والأسد من قبل تكليفه بالعمل في أذربيجان. حكمت محكمة أذربيجانية على سفروف بالسجن المؤبد ويقضي حاليًا عقوبته في سجن أذربيجاني. وتستند مزاعم أذربيجان إزاء التدخل الإيراني في مجتمعها وشؤونها على أدلة قوية. وعلى الرغم من استمرار إيران في تبني رواية لترويج السلام والتنمية إلا أن طهران ما زالت تستثمر في ميليشياتها وخياراتها الأخرى من أجل اختراق الأراضي الأذربيجانية.

وفي أكتوبر 2022، أجرى الحرس الثوري الإيراني مناورات عسكرية واسعة النطاق على طول الحدود مع أذربيجان، وكانت تلك المناورات بمثابة احتجاج ولدرجة كبيرة على ممر ناخيتشيفان لأن بنائه يعني انتهاء دور إيران كدولة عبور إلا أن تلك المناورات لم تردع باكو وردت بإجراء تدريبات للقوات الخاصة. كما افتتحت إيران مكتبًا للقنصلية في كابان؛ عاصمة منطقة سيونيك في أرمينيا.

منذ بدء الحرب الأرمينية الأذربيجانية الثانية وخاصة بعد الاحتجاجات التي اندلعت ردًا على مقتل مهسا أميني، تستشعر إيران وطأة الضغوطات الواقعة عليها. وقد تطرق بعض السياسيين الأذربيجانيين وبعض وسائل الإعلام الأذربيجانية، إلى موضوع السكان الأذربيجانيين الأتراك المقموعين في إيران. ولم تترد هذه الأقلية الإيرانية من التعبير عن ابتهاجها بهزيمة أرمينيا في حرب ناغورنو كاراباخ. وأعربوا عن رغبتهم بالاتحاد مع أذربيجان ونظموا احتجاجات لمطالبة طهران بالتراجع عن سياستها الداعمة لأرمينيا أثناء الصراع بينها وبين أذربيجان. وخلال الاحتجاجات الإيرانية الراهنة، ازدادت مشاعر التضامن السائدة بين الأذربيجانيين ومشاعر الرفض لنظام الإيراني على جانبي نهر أراس. وألقي القبض على أكثر من 14000 إيراني لمشاركتهم في الاحتجاجات، ومن ضمنهم مثقفين وصحفيين وفنانين وناشطين.

لا تعزز أذربيجان شراكاتها الإستراتيجية مع تركيا وإسرائيل فحسب، بل تقدم دعمًا ماديًا لأوكرانيا أيضًا، مما يثير غضب طهران. وفي المقابل، عززت إيران علاقاتها مع موسكو بتقديمها مساعدات عسكرية. ومن المتوقع أن تستلم القوات الجوية الإيرانية الدفعة الأولى من 24 طائرة مقاتلة من طراز Su-35 من روسيا في شهر مارس من هذا العام، وربما يتبعها أنواع أخرى من المعدات العسكرية الروسية.

لقد أدت الانتفاضة الشعبية الإيرانية إلى الكشف عن المزيد من الانقسامات في المجتمع الإيراني ونظام الحكم، وخاصة الكشف عن المظالم والضغينة بين الأذربيجانيين والأكراد والأهواز والبلوش. ومع ارتفاع الروح المعنوية بعد تحرير ناغورنو كاراباخ، يشعر الأذربيجانيون بالرضا والسرور إتجاه بلدهم، ولا يتطلع الأذربيجانيون للتحالف مع إيران. وحتى في حال القمع الوحشي للاحتجاجات التي مازالت مستعرة، فمن المرجح أن تنطلق المزيد من المظاهرات الشعبية بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتزايد انتهاكات حقوق الإنسان.

ما زالت العلاقات بين تركيا وأرمينيا في طور التطبيع ببطء ولكن بثبات. وبعد أن رفضت يريفان استضافة المناورات العسكرية لــــــــ«منظمة معاهدة الأمن الجماعي» انتقدت لأول مرة الكرملين. ويعد هذا التوتر في العلاقات بين أرمينيا وروسيا فرصة لأذربيجان وتركيا لتحسين العلاقات مع أرمينيا، وإبعادها عن النفوذ الإيراني والروسي وعن الخضوع لهما. ونظرًا لهشاشة العلاقات الإيرانية الأذربيجانية، ليس من المستبعد أن نشهد مناوشات بين البلدين في الأشهر.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير