الهجوم على السفارة الأذربيجانية حلقة جديدة من سلسلة أحداث مفزعة على الأراضي الإيرانية

https://rasanah-iiis.org/?p=30496

منذ الهجوم المسلَّح على السفارة الأذربيجانية في طهران، تصاعدت حدة التوترات بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة، إذ سحبت على إثره باكو فورًا جميع موظفيها الدبلوماسيين باستثناء بعض أفراد الأمن. ومع ذلك، لا تزال العلاقات الدبلوماسية قائمة بسبب مزاولة القنصلية الأذربيجانية أعمالها حتى الآن. وتنظر باكو إلى الهجوم على سفارتها على أنه جزء من مخطط كبير تتبنّاه طهران لترهيبها، في حين ترى إيران أن الهجوم ما هو إلا جريمة فردية «بائسة». بالطبع، لقد أصبح الرأي الذي أبدته إيران إزاء ذلك الهجوم هو الرواية الرسمية المعتمدة، وأُعيدَ سردُها من خلال المقابلات الإعلامية المتكررة مع مهاجم السفارة ياسين حسين زاده، الذي زعم أن زوجته الأذربيجانية ذهبت إلى السفارة الأذربيجانية قبل عام لكنها لم تعُد قَطّ، لذلك اقتحم السفارة لاستعادة زوجته المفقودة. وقد ثبت عدم صحة رواية ياسين التي بثتها وسائل الإعلام الإيرانية الحكومية، بأن طفليه كانا في السيارة في أثناء اقتحام السفارة بعدما نشرت الحكومة الأذربيجانية مقطع فيديو لكاميرات المراقبة ينفي روايته. وفي حال كانت زوجته قد هربت حقًّا إلى باكو بمساعدة السفارة، فقد كان بإمكان حسين زاده السفر إلى هناك بكل سهولة ويُسر، فتأشيرة دخول أذربيجان متاحة للمواطنين الإيرانيين عند الوصول، لذا نجد هذه الرواية هشة للغاية. ناهيك بأنّ الأمن لم يمنع المقتحم ياسين من دخول حرم السفارة فحسب، ولم يتدخل قَطّ بعد أن أطلق المقتحم أعيرة نارية داخل السفارة. واستغرق عناصر وضباط القوى الأمنية الإيرانية أكثر من نصف ساعة للوصول إلى مكان الحادثة.

وصرح محمد باقر قاليباف رئيس مجلس النواب الإيراني، في 30 يناير الماضي، بأن «القرارات الانفعالية إزاء العلاقات بين البلدين هي ما يريده الأعداء والحاقدون على العالم الإسلامي، وبخاصة النظام الصهيوني».

الجدير بالذكر أن أذربيجان فتحت سفارتها في إسرائيل في يناير الماضي على الرغم من تحذير إيران لها، وترى طهران مع هذه الخطوة أن جارتها الشمالية الغربية أصبحت بؤرة استيطانية إسرائيلية، حيث لا يتجسس عليها «العدوّ» أي إسرائيل فحسب، بل تزعم أيضًا أن لدى إسرائيل مستشارين عسكريين في أذربيجان. وبالعودة إلى الهجوم على السفارة، ألقت وزارة الخارجية الأذربيجانية باللوم بصورة غير مباشرة على طهران، مصرحةً: «نعتقد أن الحملة الأخيرة ضد بلادنا في إيران تسببت بهذا الهجوم على بعثتنا الدبلوماسية».

وفي 01 فبراير الحالي، كانت باكو أكثر صراحةً في التعبير عن امتعاضها من الحكومة الإيرانية بعد أن حاولت طهران منع إدانات «حركة عدم الانحياز/NAM» و«مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا/CICA» الهجوم على السفارة في 27 يناير.

وصرحت وزارة الخارجية الأذربيجانية قائلة: «نُدين هذه الخطوة الاستفزازية الإيرانية، ونؤكد أن على إيران الامتثال لالتزاماتها الدولية. وستستخدم أذربيجان جميع المنصات الدولية ذات الصلة لإدانة العمل الإرهابي ضد سفارتها على نطاق واسع ومعاقبة مرتكبي هذا العمل». ومن جانبه وعد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال اتصاله لتعزية الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بـ«إجراء تحقيق شامل» حول الهجوم.

وتثير المقابلات المتكررة مع مهاجم السفارة ياسين حسين زاده على وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية تساؤلات وشكوكًا حول هذه الرواية، لا سيما أنها تحصل في بلد مثل إيران حيث يُعَدّ مجرد حصول السجين على محامٍ حظوةً لا حقًّا مشروعًا. ويتهم الإعلام والسياسيون والمحللون الأذربيجانيون إيران بالوقوف وراء هجوم 27 يناير، إذ من غير المرجح أن تقبل باكو بتحقيق تُجريه طهران.

وبسبب خطاب الكراهية الذي يقوده النظام الإيراني ضد المملكة العربية السعودية، أضرم متطرفون إيرانيون النار في سفارة المملكة العربية السعودية بطهران في عام 2016م، ولم ينتج عن ذلك الهجوم خسائر في الأرواح لأن السفارة كانت فارغة، ومع ذلك لم تعاقب إيران أحدًا على هذا الانتهاك. أمّا بالنسبة إلى أذربيجان، فيفتح الهجوم الأخير على السفارة مرحلة انتقالية جديدة من التوترات في العلاقات السيئة أصلًا بين باكو وطهران، إذ إنّ إيران ألقت باللوم على جهات أجنبية، بمن فيهم أذربيجان وكردستان العراق، بإثارة الاحتجاجات المستمرة منذ شهور، إذ لا تتواءم الجارتان ذواتا الغالبية الشيعية، فكل منهما لديها منظورها الخاص، تروّج إيران لمنظور ثيوقراطي طائفي نحو العالم، فيما تحمي أذربيجان هويتها العلمانية. ومنذ هزيمة أرمينيا في «حرب ناغورنو كاراباخ الثانية»، لاحظت إيران أن أهميتها الجيوسياسية تراجعت، لا سيما بعدما وافقت أرمينيا على إنشاء ممر زانجيزور الذي يصل بين أذربيجان وجيبها ناخيتشفان. وعلى الرغم من أن يريفان كانت مترددة في الوفاء بوعدها، فإنّ المسؤولين الأذربيجانيين فسّروا الاتفاقية على أنها تعني أن الممرّ سيكون طريقًا سريعًا سياديًّا، وهو أمر أثار غضب إيران لأنها ترى فيه ثغرة أمنية على حدودها.

وعلى الرغم من أن إيران فتحت قنصليتها في 22 أكتوبر الماضي كخطوة احترازية في مقاطعة سيونيك الأرمينية، وهي المقاطعة التي سيمرّ عبرها ممرّ زانجيزور، فإنّ باكو واثقة بأن يريفان سوف تكون مجبرة على الاستسلام في نهاية المطاف. أجرت طهران عدة مناورات عسكرية مشتركة في المنطقة لتُظهِر مدى استعدادها لمحاربة أي تغيير في مناطقها المجاورة. تجدر الإشارة هنا أن كلًّا من روسيا وتركيا ستستفيدان من الطريق السريع، أما أوروبا وإسرائيل فهما أصلًا من مستوردي الغاز الأذربيجاني. وعلى ضوء المعطيات والتطورات والظروف الغامضة التي أحاطت بالهجوم على السفارة الأذربيجانية، فإنّ مسار علاقات إيران مع أذربيجان يأخذ مسارًا منحدرًا. وفي الوقت الذي تتعارض فيه مصالح البلدين بالفعل حول مجموعة من القضايا بدلًا من التقارب، ومع الأخذ في الحسبان الأبعاد الجغرافية والاقتصادية الأخرى، فقد تضطر إيران إلى خوض حرب لم تتخيلها قط ولم تُعِدّ نفسها لها إطلاقًا. وعلى الرغم من علاقات أذربيجان الإستراتيجية العميقة مع إسرائيل فإنها لا ترغب في أن تكون ساحة لمعركة بالوكالة. وسيتعين على باكو أن تتصرف بحذر شديد، كما تجلى في اتخاذها قرار عدم قطع العلاقات مع طهران بعد هجوم 27 يناير وإبقاء العمل في قنصليتها في تبريز.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير