الحاجة إلى دبلوماسية محايدة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية

https://rasanah-iiis.org/?p=30858

يركز الخطاب الغربي حول عملية «بناء السلام» على فكرة أقلمة الصراعات، إذ أعدت مراكز الفكر الغربية أنشطة دبلوماسية لا تحمل طابعاً رسميًا قويً لبعض المسائل الهامة، مثل: البرنامج النووي الإيراني أو ما يسمى بـ«الحرب السعودية الإيرانية الباردة». ومن المثير للدهشة أنه لا يوجد إلا عددٌ قليلٌ من اللقاءات الدبلوماسية غير الرسمية بخصوص الصراع الرئيسي في عصرنا الحاضر؛ ألا وهو الحرب الروسية الأوكرانية.

وباستثناء بعض مراكز الأبحاث السويسرية التي تدعم الوساطة التركية واتفاقية الحبوب، قررت مراكز الأبحاث الغربية الرئيسية مثل «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» ـوفي أكثر الأوقات حاجةً لهاـ  إغلاق مكاتبها في موسكو. وكان التبرير الرسمي لإغلاق المؤسسة مكاتبها، يعود إلى القرار الروسي بإغلاق المؤسسات الغربية المتواجدة على الأراضي الروسية لأسباب أمنية. ولكن في المقابل، لم يشكل غياب مكاتب الأبحاث الغربية عن طهران عائقًا قط لتنظيم اجتماعات غير رسمية بين الباحثين الأمريكيين والإيرانيين لإيجاد أرضيةٍ مشتركةٍ لحل القضية النووية الإيرانية، أو لبحث أنشطة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية بشكل غير رسمي.

يعود التبرير أيضًا لهذا النوع من الاجتماعات غير الرسمية إلى غياب المناقشات الرسمية خلال فترات التوتر، كما هو الحال عندما لم تكن القنوات الرسمية الأمريكية الإيرانية غير المباشرة، تعمل بصورة علنية بسبب «حملة الضغوط القصوى» التي تبنتها إدارة ترامب،  وبسبب التعنت الإيراني.

ثمة سببٌ آخر لتفسير قلة الأنشطة الدبلوماسية غير الرسمية ( أو ما يُسمى بـ « الدبلوماسية الثانية أو الموازية»)  في الصراع الروسي الأوكراني؛ وهو غياب المؤسسات الأوكرانية المستعدة للمشاركة في أنشطة السلام غير الرسمية هذه. ولعل ما يفسر غياب الشركاء الأوكرانيين عن مراكز الفكر الغربية في الأنشطة الدبلوماسية غير الرسمية (موازية)، هو تصميم وإرادة الشعب الأوكراني على كسب الحرب.

وسيكون هذا مفاجئًا للدول غير الغربية والمؤسسات البحثية فيها، التي غالبًا  ما يتواصل معها نظرائها الغربيين، للمشاركة في اجتماعات غير رسمية لإحلال السلام في دول مزقتها الحروب مثل العراق واليمن وسوريا وليبيا.

يمكن تفسير هذا التناقض الواضح بين جهود مؤسسات الفكر الغربية لبدء أنشطة السلام على المستوى الدولي، بينما ترفض تنظيم أنشطة دبلوماسية موازية إزاء الحرب الأوكرانية، بتسيس الحرب على يد الدول الغربية. وفي الواقع، لا يستند خطاب معظم مؤسسات الفكر والرأي الغربية حول الصراع الروسي الأوكراني إلى البحث عن حل وسط دبلوماسي، بل يهدف إلى تضخيم الخطاب الغربي حول «الغزو» الروسي لأوكرانيا، ولكي تصبح لاعبًا إعلاميًا في حرب تضخيم الروايات حول الصراع.

وبسبب غياب أنشطة السلام من مراكز الأبحاث الغربية وقرارها بعدم التطرق إلى الحرب الروسية في أوكرانيا، يتعين على المرء أن يتساءل كيف سيكون رد فعل تلك المراكز  إذا اتصلت بهم مراكز الفكر غير الغربية لتشارك في الأنشطة الدبلوماسية الموازية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؟

يعد الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا جزءًا مهمًا من معادلة السلام فهو يحسم مدى قدرة  أوكرانيا على الحفاظ على جُهد حربي طويل الأمد ضد روسيا. ولا يمكن أن تُقاد جهود السلام على يد المؤسسات الغربية التي تشارك حاليًا في بناء الرواية الأوكرانية ومساعدة أوكرانيا على كسب قلوب وعقول الرأي العام العالمي. لذا هذا الصدد، ثمة حاجةٌ إلى مراكز بحثية غير غربية لقيادة جهود السلام ودعم الاستقرار الأوروبي. سيكون للحرب في أوكرانيا تداعياتٌ دولية، لذلك من المنطقي أن تسعى المؤسسات غير الغربية لتقديم خدماتها وتنظيم أنشطة دبلوماسية موازية يهدف تجنب التكاليف الاقتصادية، والمعاناة الإنسانية التي قد تسببها الحرب الطويلة على الأراضي الأوروبية.

يحظى الدور الدبلوماسي الموازي باعتراف دولي لأنه يُسهم في انهاء أزمة الثقة بين الأطراف المتصارعة أو المتحاربة. هناك حاجة ماسة إلى إعادة بناء الثقة ليس فقط بين القيادات السياسية الأوكرانية والروسية، ولكن أيضًا بين الجهات السياسية الفاعلة الروسية والغربية، ولابد من وجود نهج شعبي في ظل غياب محادثات سياسية رفيعة المستوى.

يمكن للمؤسسات الفكرية المحايدة في الشرق الأوسط أن تساهم في إعادة بناء الثقة بين هذه الدول المتنافرة في الساحة الدولية، ويمكن أن تصبح هذه المؤسسات منصة للاجتماعات الدبلوماسية الموازية بين الخبراء والعلماء الأوكرانيين والروس والغربيين. وسوف يصب هذا الأمر في مصلحة العالم بأسره وليس في مصلحة الأوروبيين فقط، لاسيما مع الأخذ في الحسبان التداعيات الدولية التي قد تخلفها هذه الحرب.

من الواضح أن الأطراف الغربية والأوكرانية والروسية تستخدم «نظرية اللعبة» لتحديد تحركاتها التالية، بعدما تحول الصراع إلى لعبة صفرية، مما يُصعب البدء بجهود عملية السلام لإن قبول أي طرف من الأطراف لمثل هذه الجهود سيكون بمثابة الخسارة لهذا الطرف ومكاسب للطرف الآخر. وذلك يجعل من الصعب حساب التحركات والنتائج المحتملة؛ فكل طرف يترقب من سيستسلم أولًا.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد 

د.محمد بن صقر السلمي
د.محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية