مراهنة إيران على تصعيد التوتُّرات مع أذربيجان

https://rasanah-iiis.org/?p=30986

يبدو أنَّ إيران وأذربيجان يستعدّان لاحتمالية اندلاع أعمال عدائية مباشرة، إذ تمُرّ الجارتان بعلاقة غير مستقرَّة منذ تفكُّك الاتحاد السوفيتي، لكن خلال السنة ونصف السنة الماضية، بدأت التوتُّرات بالتصاعد، ومؤخَّرًا أفادت تقارير باقتراب طائرة إيرانية مقاتلة من مجال أذربيجان الجوي بطريقة تهديدية.

وعلى أثر هذه الحادثة، استدعت باكو سفير طهران؛ لتسليمه مذكرة احتجاج تقول باكو فيها: «تحليق طائرة عسكرية لأكثر من ساعة ونصف الساعة بالقرب من أراضي أذربيجان المحرَّرة، سلوكٌ استفزازي وغير ودِّي تجاه أذربيجان».

لم تحاول طهران تخفيف حدّة التوتُّرات، بل على العكس فهي تعتزم حشْد قوات مجهَّزة بمدفعيات آلية وقذائف وطيارات مسيَّرة؛ بحّجة إجراء مناورات عسكرية جديدة على امتداد حدود ناخيتشيفان الأذربيجانية، في الأسابيع المقبلة. والجدير بالذكر هُنا، أنَّه منذ الهجوم المسلَّح على سفارة أذربيجان في طهران ومقتل مسؤول في 27 يناير الماضي، لا تمتلك باكو إلّا قنصلية عامة في تبريز.  

تشعر طهران بعدم الأمان بشأن تزايُد حزم باكو، التي تتمتَّع بعلاقات تجارية ودبلوماسية ممتازة مع الغرب، مع اعتمادها في ذات الوقت على موقعها الإستراتيجي المهم جدًّا. ومع أنَّ الكثافة السُكّانية للطرفين شيعية في الغالب، إلّا أنَّ أذربيجان تُعرِّف نفسها كدولة تركية علمانية، بينما تروِّج إيران لعقيدة الخميني في ولاية الفقيه.

يُعَدُّ الأتراك الأذريون أكبر أقلِّية في إيران، ويمثِّلون أكثر من 30% من سُكّانها، لكن يشعرون بالحنين إلى أذربيجان؛ حيث يتمتَّع الناس بحرِّية تعلُّم اللغة الأذربيجانية واعتناق ثقافتهم وتقاليدهم. ولا يرفض أغلب الأذربيجانيون السردية الطائفية الثيوقراطية لقُم فحسب، بل إنَّ الأتراك الأذربيجانيين في إيران لديهم الكثير من الاستياء ضد قرارات طهران الأيديولوجية والإدارية؛ ما جعل ولاؤهم موضع تساؤل، منذ حرب مرتفعات كاراباخ الثانية في عام 2020م.  

بعد فوز أذربيجان في الحرب التي استمرت 44 يومًا مع أرمينيا، توسَّعت حدودها مع إيران بمقدار 130 كيلومترًا؛ كانت هذه الحدود تقع تحت الاحتلال الأرميني من منذ التسعينات. كما سيطرت أذربيجان على الطريق السريع الرئيسي، الذي يربط إيران بأرمينيا، والطريق المؤدِّي إلى البحر الأسود وروسيا، وفرضت ضرائب باهظة على الشاحنات الإيرانية.

بموجب الاتفاقية، التي توسَّطت فيها روسيا، يتعيَّن على أرمينيا توفير ممرّ برِّي بين البر الرئيسي لأذربيجان وممرّ ناخيشيفان التابع لها، مقابل وصول مماثل عبر ممرّ لاتشين إلى المناطق المأهولة بالأرمن، لكن أرمينيا رفضت، وتتّفِق إيران مع جارتها الشمالية في هذا الصدد؛ لأنَّ مثل هذا الممرّ، الذي يربط أجزاء من أذربيجان، سيجرِّد إيران من قيمتها كدولة عبور مهمّة.

في 22 مارس، زار نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني يريفان، وعقد اجتماعًا مع أمين مجلس الأمن الأرمني أرمين غريغوريان، حيث أطلع غريغوريان الدبلوماسي الإيراني عن الحالة على خط التماس الأرميني-الأذربيجاني وحول ناغورنو كاراباخ، بينما نُوقِشت مسائل أمنية أخرى تهدِّد المنطقة. تبدو باكو مصمِّمة على ربط أراضيها بجمهورية ناخيشيفان ذات الحُكم الذاتي، لاسيّما بعدما أدّى التأخير في تنفيذ الاتفاقية، التي توسَّطت فيها روسيا إلى تأجيج الحماسة القومية لدى كلا الجانبين. ومع أنَّ أرمينيا حليفة قوية لروسيا، إلّا أنَّها لم تتمكَّن من الحصول على الدعم المتوقَّع من موسكو، وبدلًا من ذلك، تتّجِه وهي خائبة الأمل نحو إيران والاتحاد الأوروبي؛ للضغط على أذربيجان.

في 23 يناير، ازدادت اتصالات أرمينيا مع الاتحاد الأوروبي، عندما وصلت بعثة مراقبة مدنية، بموجب «سياسة الأمن والدفاع المشتركة»؛ لمراقبة المنطقة الحدودية لأرمينيا وأذربيجان.

سيراقب قرابة 100 مدني، من ضمنهم حول 50 مراقبًا غير مسلَّح المنطقة الحدودية المستقرَّة بين أرمينيا وأذربيجان لمدة سنتين. رحَّبت إيران بوجود بعثة الرصد التابعة للاتحاد الأوروبي، لكن تتطلَّب مراقبة بعثة الرصد للمنطقة المُتنازَع عليها موافقة أذربيجان، وهي ترفض وجودها؛ لذا فهذه الخطوة الدبلوماسية الرمزية لا تفعل الكثير لمعالجة القلق الأمني الأساسي ليريفان، لكن يمكن للبعثة الأوروبية مع توفُّر بعض المعلومات التكتيكية المهمة، أن تُعطي إنذارًا مبكِّرًا بهجوم وشيك من جانب. هذا وتخشى أرمينيا بالفعل من هجومٍ في فصل الربيع، في المنطقة المتنازع عليها.

بالنسبة لإيران، أرمينيا هي ذريعة لتقييد جارتها الأذربيجانية الصارمة، التي فتحت للتو سفارة في إسرائيل، ولا تزال مستوردها الرئيسي للأسلحة، وتُعَدّ القوة الإقليمية الأخرى؛ تركيا، شريكًا إستراتيجيًا لأذربيجان. 

في الأسابيع الأولى من الربيع، من غير المرجَّح أن تكون تدريبات الأسلحة الإيرانية المشتركة على طول حدود ناخيتشيفان الأذربيجانية، هي المفاجأة التي يتوقَّعها المجتمع الإستراتيجي. لن تهاجم طهران حدود باكو؛ لأنَّها تحِدّ تركيا أيضًا؛ فهي لن تُقدِم على خطوات أكثر ممّا تقدر عليه. قد يفتح الحرس الثوري الإيراني جبهة مفاجئة على المنطقة الحدودية المُحرَّرة حديثًا، في محاولة لإظهار قوته، لكن دون جر تدخُّل تركيا وإسرائيل إلى الجانب الأذربيجاني.

وهُنا نتساءل: هل إيران فقط تستعرض قوتها العسكرية فقط لجذب انتباه الصين وروسيا؛ لمساعدتها في احتواء أذربيجان؟ في واقع الأمر، تخشى طهران نشوء حركة عرقية قومية محلِّية في مقاطعاتها الشمالية الغربية في المستقبل القريب، ونشوب حرب واسعة النطاق، وهو أمر غير مرجَّح للغاية، أو صراع شرس محدود مع أذربيجان يصُبّ الزيت على النار. أمّا أذربيجان، فلا يزال الشعب الأذري غاضب من إيران، من جرّاء الهجوم الإيراني على سفارة بلادهم، التي لم تكُن تحقيقاتها مرضية لباكو.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير