أشارت بعض التقارير الصادرة مؤخَّرًا، إلى أنَّ روسيا أصبحت الآن من أكبر المستثمرين الأجانب في إيران، إذ بلغت قيمة الاستثمارات الروسية في إيران 2.76 مليار دولار، خلال السنة المالية الحالية. وحسبما أفاد به وزير الشؤون الاقتصادية والمالية الإيراني إحسان خاندوزي، استثمرت روسيا في مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة والتعدين والصناعة والنقل. وعزَّز البلدان من تعاونهما في التجارة والمعاملات التجارية في السنوات الأخيرة، وتعاونا تعاونًا وثيقًا؛ للالتفاف على العقوبات المفروضة عليهما بسبب حملة القمع، التي شنَّها النظام الإيراني ضد المتظاهرين الإيرانيين، والغزو الروسي لأوكرانيا. وتطمح إيران الآن إلى زيادة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، خصوصًا في قطاع الطاقة الإيراني.
وحسبما أفادت به التقارير، فإنَّ روسيا تفوَّقت على الصين من حيث حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران، على الرغم من الشراكة الإستراتيجية التي تجمع إيران والصين واتّساع نطاق العلاقات التجارية بين البلدين. وصرَّح نائب وزير الاقتصاد الإيراني علي فكري مؤخَّرًا، بأنَّ إيران غير راضية عن مستوى الاستثمار الصيني في البلاد. وتجدر الإشارة إلى أنَّ بكين تستثمر بصورة متزايدة في دول إقليمية أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ فقد استثمرت الصين 5.5 مليار دولار أمريكي في السعودية والإمارات، خلال النصف الأول من العام الماضي في الأنشطة التجارية المختلفة.
لا تزال العقوبات الأمريكية تحدّ بدرجة كبيرة قُدرةَ إيران على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، كما هو واضح من مؤشِّرات الاستثمار الإيرانية. وتشير التقارير الأخيرة إلى قيام كلٍّ من أفغانستان، والعراق والإمارات العربية المتحدة والصين باستثمارات في إيران، لكن على نطاق ضيِّق. وحسبما أفادت به غرفة تجارة طهران، فإنَّ الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران شهِد بعض التحسُّن في الفترة ما بين 2015-2016م، بعد إبرام إيران لـــــ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، ومع ذلك وعلى أثر الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة، انخفض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد. وحسبما أفادت به البيانات الواردة من «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية»، بأنَّ الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران وصل إلى ما يقرُب من 3.37 مليار دولار في عام 2016م، ومع ذلك، فقد انخفض الاستثمار الأجنبي إلى 2.37 مليار دولار في عام 2018 و1.5 مليار دولار في عام 2019م، بعدما أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات على إيران. وأشارت البيانات كذلك إلى أنَّ إيران جذبت ما يقرُب 1.42 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2021م؛ الأمر الذي يُشير إلى زيادة في حجم الاستثمار بنسبة 6%، مقارنةً بالعام السابق، الذي بلغ 1.34 مليار دولار، إذ لا يزال في مستوى أقلّ من الهدف الاقتصادي، الذي حدَّدته طهران. وحسبما أفاد به البنك الدولي لعام 2019م، جاءت إيران في المرتبة 127 من حيث سهولة ممارسة الأعمال التجارية.
يتناول قانون تشجيع وحماية الاستثمار الأجنبي لعام 2002م، والسياسات العامة الواردة في المادة 44 من الدستور الإيراني، ومختلف الأحكام في خطّة التنمية الخمسية لإيران، إلى حدٍّ كبير القوانين واللوائح المتعلِّقة بالاستثمار الأجنبي المباشر في إيران. ومع ذلك، فإنَّه يتعامل مع الاستثمار الأجنبي المباشر في مشاريع النفط والغاز بطريقة مختلفة؛ تبرم فيها الحكومة الإيرانية العقود مع المستثمرين. ولطالما اعتمدت إيران على عقود إعادة الشراء المتعلِّقة بالاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، وتُعَدُّ عقود إعادة الشراء بمثابة عقود خدمات، تستطيع من خلالها شركات النفط العالمية تطوير مشروع طاقةٍ ما في الدولة، وتتقاضى مقابل ذلك أجرًا مقدَّمًا دون الحصول على أيّ حصّة من الأرباح المحقَّقة من المشروع، وتكون تلك العقود مشروطة بالناتج المُراد تحقيقه، كما هو متوقَّع ومتّفَق عليه مسبقًا. ومع ذلك، وُجِدت بعض القيود على مثل هذه العقود، وأعرب المستثمرون عن عدم رضاهم عن غياب الحوافز؛ بسبب قِصَر مدّة هذه العقود. وفي عام 2017م، قدَّمت الحكومة الإيرانية عقد البترول الإيراني؛ لكي يحاول معالجة أوجه القصور التي شابت عقود إعادة الشراء، مثل زيادة مدّة العقود، وتغيير الترتيبات الخاصة بالأجور لجذب شركات النفط العالمية. ومع ذلك، فقد زادت العقوبات، التي فرضتها إدارة ترامب بعد انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة، من العراقيل أمام آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الطاقة الإيراني.
على أثر التقارب ما بين إيران والمملكة العربية السعودية، ازدادت التكهُّنات إزاء مدى استعداد الرياض للاستثمار في إيران. وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان مؤخَّرًا، إنَّه في حال التزمت إيران بمبادئ الاتفاقية السعودية-الإيرانية المُبرَمة مؤخَّرًا، فإنَّ الاستثمارات السعودية يمكن أن تحدث سريعًا في إيران. وفي خِضَم الجهود النشِطة، التي تبذلها إيران لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، تواجه بيئة الأعمال التجارية الإيرانية عدّة تحديِّات، ناهيك عن ضعف قُدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر. تتمركز فرص الاستثمار الأجنبي المباشر الجذابة في إيران إلى حدٍّ كبير في قطاع الطاقة، إذ تُبدي إيران اهتمامًا خاصًا في جذب التقنية ذات المستوى العالمي، والمهنيين ذوي المهارات العالية، والاستثمارات واسعة النطاق في هذا القطاع، الذي تحرص شركات الطاقة الآسيوية والأوروبية العملاقة على الاستثمار فيه. وعندما رُفِعت العقوبات في عام 2015م، توجَّه الاستثمار الأجنبي المباشر الرئيسي نحو النفط الإيراني وقطاعات الغاز. وعلاوةً على ذلك، انصبَّ تركيز الحكومة الإيرانية في السنوات الأخيرة نحو جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى هذا القطاع، خاصةً أنَّ شركات الطاقة الدولية لا تزال متردِّدةً في الاستثمار في إيران. وأعلنت وزارة النفط الإيرانية عن استعداد البلاد لسماح دخول الاستثمار الأجنبي المباشر، خاصةً من دول «أوبك +» في قطاع الطاقة. بالإضافة إلى النفط والغاز، قد تكون البتروكيماويات والطاقة المتجدِّدة والسيارات والبنية التحتية والرعاية الصحية والتصنيع، من القطاعات المُحتمَلة الأخرى، التي من المرجَّح أن تبحث إيران فيها عن المزيد من خيارات الاستثمار الأجنبي المباشر. كما أبدت الحكومة الإيرانية في السنوات الأخيرة، أنَّها مستقرَّة لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز قطاع التصنيع في البلاد.
وعلى الرغم من أنَّ موارد الطاقة الإيرانية، والموقع الإستراتيجي، والسوق الاستهلاكية الكبيرة، وتكاليف الأيدي العمالة المعقولة، تُعَدُّ جذّابةً للمستثمرين الأجانب، إلّا أنَّ عدم توفر البنية التحتية الكافية، والروتين الحكومي المفرط، والمشاكل التي تواجه التحويلات المالية، والخدمات المصرفية، والتمويل بسبب العقوبات، وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد، تشكِّل العقبات الرئيسية أمام زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد.