التقى مؤخَّرًا ممثِّلون من وزارة خارجية الهند وإيران وأرمينيا في يريفان، في اجتماع ثلاثي يُعَدُّ الأول من نوعه. وترأس الوفود خلال الاجتماع نائب وزير الخارجية الأرميني مناتساكان صفريان، ومساعد وزير الخارجية الإيراني سيد رسول موسوي، والأمين المشترك لوزارة الخارجية الهندية جيتندر بال سينغ. وناقش الوفود الخطط المستقبلية لممرّ النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، وكذلك طُرُق الاتصال الإستراتيجي، التي تعتزم تحسين الاتصال الإقليمي؛ وبالتالي تقليل التكاليف اللوجستية والوقت للشاحنات من الهند وإيران إلى روسيا، وما بعدها إلى آسيا الوسطى وأوروبا. ووفقًا للبيان الرسمي الصادر من وزارة الخارجية الأرمينية، ناقش الوفود أيضًا مختلف القضايا الاقتصادية، وطُرُق تعزيز قنوات الاتصال الإقليمية والاتصالات الشعبية. وقد عُقِد هذا الاجتماع في خِضَم تصاعُد التوتُّرات بين روسيا والغرب، وتزايُد المخاوف بشأن طرق العبور في أوراسيا، التي اختلَّت بسبب الصراع الروسي-الأوكراني.
تُشكِّل أوجه القصور والقيود في القُدرات الدفاعية لأرمينيا مصدرَ قلق، في سياق توسيع ممرّ التجارة وزيادة الاتصال. كما أنَّ التوتُّرات على طول الحدود تصاعدت، في أعقاب حرب ناغورني كاراباخ الثانية في 2020م، واتّهمت أرمينيا أذربيجان باستخدامها القوة لتغيير حدودها الوطنية. وفي هذا الصدد، تدعم إيران أرمينيا، وحذَّرت أذربيجان بعدم تغيير حدودها من جانب واحد. وتثير المخاطر والتوتُّرات الأمنية المحتملة مخاوف، بشأن توسيع الترابط الإقليمي وجذب الاستثمارات. وتبحث أرمينيا عن شركاء محتملين لتعزيز التعاون التجاري والدفاعي، في خِضَم التوتُّرات مع أذربيجان، كما أنَّ العلاقات الثنائية بين الهند وأرمينيا نَمَت نموًّا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا على الجبهة الدفاعية. ووقَّعت الهند وأرمينيا اتفاقيةً بقيمة 155 مليون دولار لأنظمة مدفعية عيار 155 ملم، ووافقت الهند على تزويد أرمينيا بالصواريخ، والقذائف، والذخائر، والقذائف المضادّة للدبابات. بالإضافة إلى ذلك، تُعَدُّ أرمينيا أول عميل دولي للهند لشراء قاذفة الصواريخ المتعدِّدة المطوَّرة محليًّا «بيناكا/Pinaka». وفي السنوات الأخيرة، اتّخذت الهند خطوات مهمة في التركيز على تطوير أنظمة الدفاع المحلِّية، تحت مبادرة «صُنِع في الهند»، كما أنَّ العلاقات الدفاعية بين الهند وأرمينيا مهمّة، وفقًا لرغبة نيودلهي في زيادة صادراتها الدفاعية.
إنَّ تعزيز الاتصال الإقليمي، من الاعتبارات الأساسية في سياق التعاون الثلاثي بين الهند وإيران وأرمينيا؛ فلا يزال مشروع «ممرّ النقل الدولي بين الشمال والجنوب/INSTC» يسير ببطء، منذ توقيعه من قِبَل روسيا وإيران والهند في 2002م؛ بسبب العقوبات، والمتاعب البيروقراطية، والتوتُّرات الإقليمية. والممرّ عبارة عن شبكة متعدِّدة الوسائط من الطرق البرِّية، والسكك الحديدية، والسفن، وتهدُف إلى تعزيز الربط بين المدن الرئيسية على طول الطريق. وتُعَدُّ آسيا الوسطى ذات أهمِّية إستراتيجية هائلة للهند، فقد استثمرت في ميناء تشابهار بصورة أساسية؛ لزيادة اتصالها بالمنطقة. وفي العام الماضي، وصلت الشحنة الأولى من ميناء أستراخان في روسيا إلى ميناء جواهر لال نهرو في مومباي، عبر «ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب/INSTC»، ويقلِّل هذا الطريق من وقت العبور بنسبة تصل إلى 40%، ويخفِّض تكاليف الشحن بنسبة 30%، مقارنةً بالمسار التقليدي عبر قناة السويس، وقد اكتسب زخمًا في السنوات الأخيرة، لاسيّما للتخفيف من تأثير العقوبات الغربية.
وفي السياق الحالي، تقوم الأُسُس الرئيسية للتعاون الثلاثي على أساس الاتصال والاقتصاد والتجارة. أولًا: تحاول أرمينيا وإيران تعميق تعاونهما الثنائي في السنوات الأخيرة. وتُعَدُّ طرق العبور والربط، مثل طريق نوردوز-سيونيك-يريفان، طُرقًا بالغةَ الأهمِّية لكلا البلدين في هذا الصدد. ومع ذلك، لا تزال التوتُّرات بين أرمينيا وأذربيجان تُثير القلق، خصوصًا على خلفية الاشتباكات الحدودية. وإنَّ ربط أرمينيا من الحدود الشمالية والجنوبية، أمرٌ بالغ الأهمية للترابط الإقليمي، بالنظر إلى علاقاتها المتوتِّرة مع أذربيجان وتركيا. وكون أرمينيا غير ساحلية ولا تملك منفذًا مباشرًا إلى البحر، فإنَّ فرصها في النقل العابر لا تزال محدودة. وسيظل اتصال أرمينيا بجورجيا وإيران أمرًا بالغ الأهمية، إذ ظلَّت الحدود البرِّية بين أرمينيا وتركيا مغلقة، كما هو الحال في العقود الثلاثة الماضية؛ أي منذ أن قرَّرت أنقرة إغلاق الحدود لدعم أذربيجان خلال حرب ناغورني كاراباخ الأولى. ثانيًا: يزيد التعاون الثلاثي بين الهند وإيران وأرمينيا من احتمالات الربط بين الخليج العربي والبحر الأسود؛ ما سيُمكِّن البضائع الهندية من الوصول إلى الأسواق الغربية، خاصةً أن نيودلهي تبحث عن طرق إضافية للوصول إلى أوروبا. وفي السنوات الأخيرة، سرَّعت إيران جهودها للاستفادة من موقعها الإستراتيجي، ووضع نفسها كمركز نقل رئيسي بين آسيا وأوروبا، ووجدت مصالح متقاربة مع كُلٍّ من الهند وأرمينيا. ثالثًا: في خِضَم الصراع الروسي-الأوكراني، زادت الهند حجم تجارتها الثنائية مع روسيا، وتهتمّ نيودلهي خاصةً باستكشاف طرق عبور موازية تربط مومباي ببندر عباس في إيران، ثمّ أرمينيا التي ستُربَط بعد ذلك بروسيا وأوروبا متجاوزةً أذربيجان، ناهيك عن أنَّ موقع أرمينيا الجغرافي مهم في هذا الصدد. رابعًا: أدّت العقوبات المفروضة على روسيا والتوتُّرات المتزايدة بينها وبين الغرب، إلى زيادة المخاطر الأمنية والمالية، التي تؤثِّر على اللوجستيات العالمية وسلاسل التوريد؛ وبالتالي، فإنَّ الممرّ المقترح بين إيران والبحر الأسود، سيكون بديلاً مهمًّا وجذّابًا.
يُعَدُّ التمويل الهندي والأوروبي لمشاريع الربط مفيدًا لأرمينيا، خاصةً أن نيودلهي شاركت في العديد من مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق في الخارج في السنوات الأخيرة. كما أعرب وزير خارجية أرمينيا أرارات ميرزويان، مؤخَّرًا، عن اهتمام بلاده «بتعزيز التعاون في إطار الربط بين الشمال والجنوب»، وكذلك طُرُق الربط في الخليج العربي والبحر الأسود، التي قال فيها، إنَّ «دور الهند المُحتمَل والمُتوقَّع» لا يزال مهمًّا، لاسيّما من حيث الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية. ومع ذلك، فإنَّ الجهود الأرمينية في تسريع مشاريع البنية التحتية، التي تربط إيران في الجنوب وجورجيا في الشمال، ستبقى عنصرًا حاسمَ الأهمية لخطط الربط البديلة المقترحة، مثل ممرّ إيران والبحر الأسود.