جولة رئيسي إلى سوريا.. التداعيات والنتائج

https://rasanah-iiis.org/?p=31205

زارَ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سوريا، في 04 مايو الجاري، وجاءت هذه الزيارة النادرة على خلفية استئناف دمشق لعلاقاتها مع العالم العربي والتقارب بين إيران والسعودية. وبوصفها أول زيارة لرئيس إيراني لسوريا لأكثر من عقد، عُدَّت هذه الزيارة بأنَّها بعيدةٌ كلَّ البعد عمّا كانت إيران تتبنّاه قبل عقد من الآن؛ ففي عام 2010م، سافر الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد إلى سوريا؛ لتقديم الدعم قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية. وقد أدّى الدعم الإيراني للرئيس السوري بشار الأسد إلى قطيعة العلاقات السورية مع الدول العربية، إذ أدانت الدول العربية التدخُّل الإيراني العلني في سوريا، وكذلك انتشار وكلاء إيران، الذين أدخلوا البلاد السورية في دوامةٍ من العنف الطائفي.

من جانبه، قال السفير الإيراني في سوريا حسين أكبري، إنَّ زيارة رئيسي الأخيرة ستحظى بتداعياتٍ هامّة داخل المنطقة وخارجها، وأبدت طهران رغبتها في تخفيف حدَّة التوتُّرات الإقليمية، بعد الجولة التي جاءت عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي ضمَّ أيضًا وزير الخارجية السوري في الأردن، في أوائل شهر مايو الجاري. كما أسفر الاجتماع متعدِّد الأطراف لوزراء الخارجية من سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية ومصر والعراق، عن بيانٍ مشترك، أبرز الحاجة إلى إستراتيجية شاملة لتحسين وضع الأمن في المنطقة. ودعا إلى المشاورات لوضع خارطة طريقٍ جديدة لإنهاء الحرب الأهلية السورية، التي استمرت 12 عامًا؛ لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية، حيث عُلِّقت عضويتها في عام 2011م.

التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود مع الرئيس الأسد في دمشق، في وقتٍ سابقٍ من أبريل الماضي؛ لإيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية. كما التقى وزير الخارجية السعودي بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بكين، واتفقا على استئناف الرحلات الجوِّية المباشرة بين طهران والرياض. وعُقِد اجتماعٌ آخر لتسع دولٍ عربية في السعودية، منتصف أبريل الماضي؛ لمناقشة إمكانية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وفي فبراير الماضي، أوضحت الرياض أنَّ العالم العربي كان يبحث مقاربةً جديدةً مع سوريا، الأمر الذي استلزَم مفاوضاتٍ جادة.

تُؤكد طهران في الوقت الحاضر على أنَّ إقامة روابط أقوى مع جيرانها، هو أمرٌ بالغ الأهمِّية لنهج سياستها الخارجية. وأعربت وزارة الخارجية الإيرانية عن أملها في تحسُّن العلاقات السعودية-اللبنانية، وعرضت على بيروت المساعدة في حل المأزق السياسي المتعلِّق بانتخاب الرئيس اللبناني المقبل. وبالإضافة إلى ذلك، قالت طهران إنَّها تسعى لتحقيق تقدُّم في المحادثات مع روسيا وسوريا وتركيا؛ لضمان استعادة السلام في سوريا. بينما قال الرئيس الأسد، إنَّ تحسن العلاقات السورية التركية يتوقَّف على قيام أنقرة بسحب الآلاف من قواتها الموجودة في المناطق الشمالية الغربية الخاضعة لسيطرة المتمرِّدين في سوريا.

كما أسفرت جولة رئيسي إلى سوريا، عن إبرام عدَّة صفقات لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، ولطالما سعت إيران عبر شبكة السكك الحديدية المملوكة للدولة إلى ربط منطقة البحر الأبيض المتوسط بسوريا عبر العراق. وقالت طهران إنَّه ينبغي على دول المنطقة الأخرى النظر إلى تلك الاتفاقيات بإيجابية، في حال رغبت في تعاون تجاري إقليمي على نطاق واسع. وأبرمت طهران ودمشق 14 اتفاقية للتعاون، بما في ذلك أول خطّة تعاون إستراتيجي شاملة بينهما.

وترغب كلٌ من إيران وسوريا باستخدام العملات المحلية في التجارة، وأبرمتا أيضًا مذكرة تفاهُم للتعاون في مجال صناعة النفط؛ للالتفاف على العقوبات الأمريكية. وأشاد رئيسي بانتصار سوريا في حربها الأهلية، وذلك على الرغم من العقوبات المفروضة عليها. وشدَّد على أهمِّية المقاومة المشتركة ضد الضغوطات الخارجية ومحاولات عزل إيران وسوريا، وقال إنَّ هذه المقاومة تضمن النجاح على الصعيد الدبلوماسي؛ لأنَّها تحث دول المنطقة على التحلِّي بالمرونة والدخول في المحادثات.

تسعى طهران إلى تعزيز ما يسمى بـ«محور المقاومة» في سوريا، الذي يتضمَّن تعزيز التعاون مع الجماعات الفلسطينية الموالية لسوريا وحزب الله اللبناني، كما تتعهَّد إيران بزيادة التعاون مع دمشق في قطاعي الأمن والدفاع. أخيرًا، تعكس زيارة رئيسي لسوريا من وجهة نظر إيران «نصرًا إستراتيجيًا»، لاسيّما في حال خرجت كلٌّ من إيران وسوريا من عزلتهما، في خِضَم تحوُّلات إقليمية غير مسبوقة. ولتحقيق هذا الهدف، فمن المرجَّح أن تستمرّ إيران في الالتزام بخفض تكلفة الصراع في سوريا، من خلال تشجيع دمشق على إنهاء حربها الأهلية، واستخدام البلاد كجسرٍ يربطها بالعواصم العربية الأخرى. ومع ذلك، لم يدُم هذا «النصر الإستراتيجي» طويلًا مع تصويت وزراء الخارجية العرب على السماح لسوريا بالعودة إلى جامعة الدول العربية في 07 مايو بالقاهرة. وعلى الرغم من أنَّ عودة سوريا مشروطة (على سبيل المثال بالسماح للاجئين بالعودة دون تعرُّضهم للعقاب، واتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد تجارة المخدّرات والامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015م)، إلّا أنَّ عودة سوريا مهمةٌ للغاية؛ لأنَّها تعكس رغبةً عربية لموازنة ثِقَل إيران ووكلائها في الأراضي السورية، كما أنَّها تمُثِّل عزيمةً عربية للاضطلاع بدورٍ رائد في تسوية جميع جوانب الأزمة السورية

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير