تُهدد الخطوة التي اتخذها المشرعون في الكونجرس الأمريكي الأسبوع الماضي للتحقيق فيما يتعلق بإساءة التعامل مع وثائق سرية صادرة من طرف المبعوث الأمريكي الخاص السابق لإيران روبرت مالي، الذي صَرَّحَ فيها بتأجيل الاتفاق النووي مع إيران. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها سوف تُقدم إحاطةً للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في أواخر يوليو من أجل تفادي مُذكرة استدعاء روبرت مالي من قِبل الكونجرس. وسوف تبقى تلك الإحاطة قيد السرية، وقد يُسهم ذلك في مَنح الكونجرس الفرصة لإجراء مزيدٍ من التحقيق في كيفية تعامل إدارة بايدن مع الملف الإيراني.
يزعم النائب «الجمهوري» مايكل ماكول أن مالي، الذي تولى ملف إيران النووي في يناير 2021م، أجرى اتصالاتٍ غير قانونية. وحسبما أفادت به صحيفة طهران تايمز الإيرانية «المدعومة من الدولة» بأنه جرى توقيف مالي عن العمل بسبب «إجرائه محادثات سرية مع الممثل الدائم لإيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إرافاني في نيويورك».
أبدى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين دعمه للإجراءات التي اتخذها مالي، إلا أن إقالة المبعوث المذكور تجعل من الصعب التنبؤ بمصير الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015م، والمعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة». قال بلينكين إن «قرار إدارة ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة في عام 2018م كان خطأ فادحًا». لكنه زعم أن المسؤولين الأمريكيين يُجرون مباحثات في الوقت الحاضر حول الاتفاق مع نظرائهم الإيرانيين.
في حال عطَّل «الجمهوريون»، الذين يشكلون الأغلبية في مجلس النواب، إحراز مزيدٍ من التقدم في المحادثات النووية، فإن ذلك سيوجِّه ضربةً قويةً لمحاولة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن في نوفمبر 2024م، خاصةً في حال فشلت إدارته في الحد من أنشطة إيران بمجال تخصيب اليورانيوم التي تُقَرِّب إيران من العتبة النووية.
وفي العام الماضي، قال أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إنهم لن يدعموا اتفاقًا نوويًا ما لم «يوقِف تمامًا» قدرةَ إيران على صنع قنبلة نووية. وفي مايو الماضي، قدَّمت لجنة الدراسات الجمهورية مشاريع قوانين للمطالبة بأن أي صفقة مع إيران يجب أن تكون بمسمى «معاهدة» والتي لا بد أن تحتاج بعد ذلك إلى موافقة الكونجرس.
تُمكِّن هذه السياسة الحزبية «الجمهوريينَ» من الاستناد إلى «قانون مراجعة الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015م»، والذي يُلزم الإدارة الأمريكية بعرض أي اتفاقية جديدة مع إيران إلى مجلس الشيوخ لمراجعتها خلال 30 يومًا. وينُص قانون مراجعة الاتفاقية النووية الإيرانية، على أنه حتى لو تم أي إجراء غير رسمي مع إيران فيجب أن يخضع لمراجعة الكونجرس. ووفقًا لما ذكره المشرعون «الجمهوريون»، فإن الامتثال لهذا القانون أمرٌ بالغ الأهمية، خاصةً وأن إيران تُعدُ دولةً مُعاديةً وراعيةً للإرهاب.
صرَّحت واشنطن أنها تعمل على مجموعة من الخيارات لمواجهة التقدم في برنامج التخصيب الإيراني، إلا أنها تُصر على أن الدبلوماسية هي السبيل الأفضل للمُضي قدمًا. وفي حال انطوى الاتفاق النووي على العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تريدها إيران ويُعارضها المشرعون «الجمهوريون»، بخصوص الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج، فسيتعين على واشنطن عندئذ مُخاطبة كلٍ من إيران و«الجمهوريين». ولإغراء الجانب الإيراني، فقد أعطت الإدارة الأمريكية العراق الضوء الأخضر للإفراج عن 2.76 مليار دولار من الديون لإيران في يونيو الماضي، إلا أن واشنطن عاقبت 14 مصرفًا عراقيًا بسبب تعاملاتها بالدولار مع إيران.
وتقول صحيفة «طهران تايمز» إن الأموال المُفرج عنها هي ثمارُ آليةٍ ثلاثية مُتفقٌ عليها بين إيران والعراق والولايات المتحدة من أجل تسهيل التحويلات المالية إلى طهران. كما تطالب إيران بالإفراج عن أموالٍ مجمدة أخرى في الخارج بما في ذلك 7 مليارات دولار من عائدات النفط الإيراني التي تحتجزها كوريا الجنوبية. ويُمكن تحويل الأموال إلى الدول المجاورة لإيران للمساعدة في تسهيل بلوغ الأهداف الإنسانية بما في ذلك تغطية نفقات الحجاج الإيرانيين الذين يسافرون إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج.
في المقابل، تستطيع إيران الدخول في صفقة تبادُل أسرى مع الولايات المتحدة، ووضع سقفٍ لبرنامج تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تزيد عن 60%. وفي أبريل الماضي، ظهرت تقارير تفيد بأن إيران والولايات المتحدة يمكن أن تَمضيان قدمًا بالفعل في قبول صفقة التجميد المتبادل لوقف العقوبات وذلك في مُقابل وقف إيران لبعضٍ من أنشطتها لتخصيب اليورانيوم.
ينتقد الجمهوريون هذا النوع من المعاملات لأنها تُعد انتهاكًا لنظام العقوبات، ويزعمون بأن أيَّ تخفيفٍ للعقوبات المالية يُعْرَضُ على إيران يمكن أن يُستخدم في تعزيز برنامجها النووي. ويتجلّى ذلك في حقيقة أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق مؤقتٍ أو غير رسمي، والذي بدوره قد يُسهم في منع وصول نسبة التخصيب إلى أكثر من 60%، ويُساعد في رفع العقوبات عن إيران، كما يُمكن أن يعدُه غالبية «الجمهوريين» في مجلس النواب الأمريكي تهديدًا. ويعترف بلينكين أن إيران في هذه المرحلة غير قادرة أو أنها غير مستعدة لإبرام الاتفاق.
يراهن فريق «بايدن» في مجلس الشيوخ على حقيقة أن الجمهوريين قد لا يستطيعون الحصول على الأصوات الكافية لعرقلة الاتفاق مع إيران. ويزعم هذا الفريق بأنه لا توجد ضرورة لإشراف مجلس الشيوخ في حال أُعيدَ إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، التي أبرمت في عام 2015م. ولكن مع مواجهة «الديمقراطيين» لانتخاباتٍ صعبةٍ في مجلس الشيوخ العام المقبل قد تُفقدهم السيطرة على المجلس لصالح «الجمهوريين»، يبدو أنه من غير المحتمل التوصل إلى اتفاق نووي تام مع إيران.