تحاول الولايات المتحدة الحدَّ من صناعة الرقائق الصينية، من خلال حثّ إدارة بايدن لحلفاء الولايات المتحدة على كبْح جهود بكين للحصول على رقائق متطوِّرة. وقد خلقت الردود المتبادلة بين واشنطن وبكين، عراقيل وشكوكًا حول سلاسل التوريدات التقنية العالمية. ولا تؤثِّر حرب الرقائق على شركات التقنية فحسب، بل تؤثِّر أيضًا على دول أخرى مثل دول الخليج، التي سارعت باستثماراتها بأحدث التقنيات؛ نظرًا لسعيها لكي تصبح لاعبًا رئيسيًا في الذكاء الاصطناعي والانتقال نحو ما يُسمَّى «الاقتصاد الأخضر».
وزادت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من استثماراتها، في قطاع تصنيع أشباه الموصِّلات. وفي أغسطس 2022م، أقرَّت إدارة بايدن «قانون الرقائق والعلوم»، الذي يُتيح تقديم 280 مليار دولار كتمويل لتعزيز البحوث المحلِّية وتصنيع الرقائق داخل الولايات المتحدة. وفي أغسطس 2022م، حظرت وزارة التجارة الأمريكية شركتي «إنفيديا/Nvidia» و«وأدفانسد ميكرو ديفايسز/Advanced Micro Devices (AMD) » من تصدير الرقائق المتقدِّمة إلى الصين؛ الأمر الذي ترَكَ قطاع الذكاء الصناعي في الصين في حالة من الذعر، حسبما أفادت به التقارير. ولم يتمكَّن هذا القطاع من شراء رقائق متقدِّمة من شركات مثل «إنفيديا»، التي تصنع معظم الرقائق المستخدمة في أنظمة تدريب الذكاء الصناعي (انظر الجدول 1 والرسم البياني 1)؛ ونتيجةً للطلب القوي، ازدادَ نمو سوق الرقائق المهرَّبة، الذي سيُفاقم التعقيدات في سلاسل التوريد، وفي سوق أشباه الموصِّلات.
قدَّمت شركة التكنولوجيا العملاقة الأمريكية «إنتل» مؤخَّرًا معالجها الجديد «غاودي 2/Gaudi2»، المخصَّص لتطبيقات التعلُّم العميق للذكاء الصناعي في الصين، مُستهدِفةً بذلك ارتفاع الطلب على الرقائق المتقدِّمة، وحاولت «إنفيديا» سابقًا الامتثال للقيود، من خلال تعديل رقائقها للسوق الصينية. وتُسلِّط هذه الأمور الضوء على أهمِّية السوق الصينية لشركات أشباه الموصِّلات الأمريكية، على الرغم من ضوابط التصدير. علاوةً على ذلك، حثَّت «رابطة صناعة أشباه الموصِّلات» ومقرّها الولايات المتحدة مؤخَّرًا، إدارةَ بايدن على التوقُّف عن فرض المزيد من القيود على مبيعات الرقائق إلى الصين؛ لأنَّها قد تؤدِّي إلى أضرار هائلة في سلاسل التوريد، التي قد تؤدِّي بالتالي إلى مزيد من عمليات الانتقام التصعيدية من قِبَل بكين.
تدور معركة أشباه الموصِّلات في تايوان، المسؤولة عن أكثر من 60% من إنتاج أشباه الموصِّلات في العالم، بما في ذلك أكثر من 90% من الرقائق الأكثر تقدُّمًا. وتعتمد الصين اعتمادًا كبيرًا على الواردات، أو على أشباه الموصِّلات المُصنَّعة محلِّيًا، حيث تلعب تايوان دورًا محوريًا كمصدر إمداد مهم. ويشكِّل هذا الاعتماد خطرًا كبيرًا على صناعة أشباه الموصِّلات في الصين؛ لأنَّها تفتقر إلى بدائل مُجدِية على المدى القصير إلى المتوسِّط. وفي تصعيد لحرب الرقائق الدائرة، فَرضت الصين في 03 يوليو قيودًا على تصدير الجرمانيوم والغاليوم، وهُما معدنان متخصِّصان ومهمّان جدًّا في إنتاج أشباه الموصِّلات والإلكترونيات. وفي وقت سابق حظرت الصين أيضًا شركة تصنيع الرقائق الأمريكية «ميكرون/Micron» من مشاريع البنية التحتية الحيوية. وقبل أيامٍ فقط من هذه الخطوة، فرضت هولندا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، قيودًا على تصدير آلات تصنيع الرقائق المتقدِّمة من الشركة الهولندية «أسمل/ASML» إلى الصين.
تصُبّ دول الخليج، خاصَّةً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، جُلَّ تركيزها على التحوُّل الرقمي، كجزء أساسي من إستراتيجياتها الوطنية، كما أنَّ حرب الرقائق بين الولايات المتحدة والصين لها تأثيرٌ كبير؛ لأنَّها تعطِّل سلاسل التوريد، وترفع باستمرار تكاليف الإنتاج. لذا، تسعى كلٌّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى دخول سوق أشباه الموصِّلات العالمية، من خلال توطين الإنتاج والمواهب، إلى حدٍّ يتماشى مع «مبادرة طريق الحرير الرقمي» الصيني. أمّا الصين، فقد دمجت تقنيتها الرقمية في اقتصادات الخليج؛ الأمر الذي أثارَ مخاوف الولايات المتحدة. وشاركت شركة «هواوي/Huawei» الصينية العملاقة للتكنولوجيا في بناء شبكات الجيل الخامس 5G في معظم دول الخليج، وأعربَ مسؤولون خليجيون عن انفتاحهم على مزيد من التعاون مع الصين، في مجال الذكاء الصناعي
وفي الوقت الذي زادت فيه دول الخليج من تعاونها التقني مع بكين، تُعيد دولٌ مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أيضًا، النظر بإقامة تعاون أوسع نطاقًا مع الشركات الأمريكية، خاصَّةً أنَّ معظم شركات أشباه الموصِّلات الكبرى يقع مقرّها خارج الولايات المتحدة. وحسبما أفادت به التقارير، عرضت شركة «فوكسكون/Foxconn» العام الماضي بناءَ منشأة لتصنيع أشباه الموصِّلات في المملكة العربية السعودية، يُطلَق عليها «مسبك» في «نيوم». وفي مارس 2022م، أُبرِمت مذكرة تفاهم بين «شركة التقنيات المتقدِّمةAdvanced Electronics Company (AEC)/» السعودية، وشركة «يوكوجاوا/Yokogawa Electric Corporation» للكهرباء في طوكيو، و«أرامكو/Aramco» السعودية. تهدُف هذه الاتفاقية إلى تطوير المنظومة الرقمية في المملكة العربية السعودية، وتعزيز الجهود الرامية لإنشاء مصنع محلِّي لرقائق أشباه الموصِّلات. وفي الوقت نفسه، دشَّنت قطر وتركيا استثمارات مشتركة لإنتاج الرقائق، في إطار جهودهما المبذولة لتقليل المخاطر المستقبلية في خِضَم حرب الرقائق بين الولايات المتحدة والصين. واستضافت عُمان مؤخَّرًا القمة العالمية لأشباه الموصِّلات والرقائق؛ الأمر الذي يُشير أيضًا إلى التزام دول الخليج بهذا القطاع.
وتمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان المواردَ المالية اللازمة للانخراط في الاستثمارات القائمة على قوّة رأس المال، ولديها أيضًا إمكانية الوصول إلى المواد الخام الرئيسية، مثل السيليكون والنحاس والألمنيوم اللازمة لإنتاج الرقائق. ومع ذلك، تنطوي سلاسل التوريد اللازمة لتصنيع الرقائق المتقدِّمة على مشاركة بلدان مختلفة عبر القارات، إلى جانب التكنولوجيا المعقَّدة للغاية. وتهدُف دول الخليج إلى جذْب الاستثمارات في تصنيع أشباه الموصِّلات، والاستفادة من استثماراتها التقنية الحالية. وتسعى دول الخليج أيضًا إلى إقامة الشراكات مع شركات التقنية العالمية، وتهيِّئ نفسها بنشاط للدخول في هذا المشهد التنافسي، من خلال الاستثمار في التقنية، والسعي لإقامة شراكاتٍ مع اللاعبين الرئيسيين في خِضَم حرب الرقائق الدائرة بين أمريكا والصين.
جدول (1): أكبر 10 شركات لتصنيع الرقائق الإلكترونية في العالم
قيمة العلامة التجارية (بالدولار الأمريكي) | الشركات |
22,93,60,00,000 | إنتل/Intel (الولايات المتحدة) |
21,56,40,00,000 | شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة / TSMC (تايوان، الصين) |
16,92,20,00,000 | إنفيديا/ Nvidia (الولايات المتحدة) |
9,14,60,00,000 | إس كيه هاينكس/SK Hynix (كوريا الجنوبية) |
8,58,30,00,000 | كوالكوم/ Qualcomm (الولايات المتحدة) |
8,20,80,00,000 | برودكوم /Broadcom (الولايات المتحدة) |
6,93,60,00,000 | إيه إم دي/AMD (الولايات المتحدة) |
5,40,60,00,000 | أسمل/ASML (هولندا) |
5,27,60,00,000 | ميكرون تكنولوجي/ Micron Technology (الولايات المتحدة) |
4,56,00,00,000 | تكساس إنسترومنتس/ Texas Instruments (الولايات المتحدة) |
الرسم البياني (1): قيمة العلامة التجارية لأكبر عشر شركات لأشباه الموصِّلات (2023م)
مصدر البيانات: Brand Finance Directory، وقت الاطلاع 28 أغسطس 2023م، https://brandirectory.com/rankings/semiconductors/table