فاقم التصعيد الأخير في غزة التوتُّرات في المنطقة، فلا تزال ردود فعل الدول العربية تعكس دعمها القضية الفلسطينية. وهذا ما ظهر جليًّا في عدَّة بيانات وردود فعل صادرة من الحكومات العربية، تزامنًا مع ما يشهده الشارع العربي من موجة مظاهرات ومسيرات عارمة. ولا تزال القضية الفلسطينية معقَّدة ومتجذِّرة بعُمق في سياسات المنطقة، في ظل تداخُل الاعتبارات السياسية المتغيِّرة والدينامكيات المحلِّية مع المخاوف الأمنية.
وأصدرت منظَّمة التعاون الإسلامي بيانًا أدانت فيه القصف الإسرائيلي على غزة، مؤكدةً أنَّ «هذا العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني، يُشكِّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني وجريمة حرب». وتعهَّد المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي بتقديم دعْم فوري للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة، بقيمة 100 مليون دولار. وندَّدت كلٌّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين وعُمان وقطر والكويت ومصر والمغرب، بالاستهداف المُتعمَّد للمدنيين و«الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي» في غزة، إذ كانت الغارات الجوِّية الإسرائيلية مكثَّفة منذ بداية الهجوم. ودعا أمير قطر المجتمع الدولي إلى كبْح جماح إسرائيل، مشدِّدًا على أنَّه لا ينبغي أن تحصل القوَّات الإسرائيلية على ضوءٍ أخضر غير مشروط لمهاجمة غزة، وأدان أيضًا أعمال العنف المستمِرَّة، معربًا عن قلقه إزاء الوضع الراهن.
ورفضت الكويت أوامر إسرائيلية للفلسطينيين بإخلاء منازلهم في غزة، واصفةً هذه الإجراءات الإسرائيلية بأنَّها انتهاكٌ للقانون الدولي. وحثَّت الكويت المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي على التحرُّك السريع لوقف هذا التصعيد الخطير، مطالبةً بوقف الهجمات على المدنيين وإنهاء الحصار، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين. كما أدانت عُمان بشدَّة الإجراءات الإسرائيلية في غزة، ووصفتها بأنَّها انتهاكات للقانون الدولي وجرائم ضدّ الإنسانية، وحثَّت على التدخُّل الدولي العاجل وتقديم المساعدات الإنسانية. وخلال اجتماع عُقِد مؤخَّرًا، حذَّر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من المحاولات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية، ما يعكس مخاوف الأردن بشأن التصعيد، واحتمالية تمخُّض أزمة لاجئين عن هذه الحرب. والتقى بلينكن أيضًا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي حذَّر بدوره من التهجير القسري من غزة، وسلَّط الضوء على الأزمة الإنسانية فيها.
أدانت الإمارات والسعودية العملية البرِّية الإسرائيلية في قطاع غزة، وأعربتا عن قلقهما العميق إزاء التصعيد العسكري الإسرائيلي، وعواقبه على الأزمة الإنسانية. ومؤخَّرًا، خلال اجتماعه مع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، حذَّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الولايات المتحدة وإسرائيل من الغزو البري لغزة، مشددًا على ضرورة حماية المدنيين الفلسطينيين.
ويعكس ردّ فعل المملكة العربية السعودية على التصعيد، التزام الرياض الثابت معالجة القضايا الفلسطينية، التي طال أمدها، بما يتماشى مع مبادرة السلام العربية، وهو الموقف الذي يدعمه باستمرار ولي العهد السعودي، حتى في خِضَمّ الهجمات الأخيرة، كما تشعر المملكة العربية السعودية، إلى جانب مصر والأردن، بالقلق من أنَّ الغزو البرِّي سيؤثِّر في الاستقرار الإقليمي، وسيشكِّل تحدِّيًا كبيرًا لأمن الخليج. وبحَثَ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وولي العهد التطوُّرات الأخيرة، في أول اتصال هاتفي لهما منذ إعادة العلاقات بين البلدين، وشددا على ضرورة إنهاء جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين، وأعربا عن قلقهما بشأن الوضع الإنساني في غزة.
وأعربت إيران عن قلقها إزاء الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، وناقشت التعاون مع حركة حماس في معالجة أزمة غزة، وفي الوقت نفسه أصدرت تحذيرات بالردّ على يد «محور المقاومة». وفي مواجهة التوتُّرات المتصاعدة، تظلّ الولايات المتحدة حذِرة، لا سيّما بعد الهجمات ضدّ قوّاتها في العراق وسوريا. وفي الوقت نفسه، تشعر طهران بالقلق إزاء إخفاقات قد تواجها حركة حماس، وهذا ما حذَّر منه «حزب الله» أيضًا في الأيام الأخيرة وسط تصاعُد هجمات إسرائيلية مكثَّفة على القطاع. ومن جانبها، أدانت وزارة الخارجية السورية استهداف إسرائيل لغزة والأراضي السورية، معربةً عن قلقها إزاء الهجمات على مطار حلب الدولي، وحثَّت إسرائيل على التوقُّف عن استخدام الدفاع عن النفس ذريعةً لاستمرار عدوانها على الفلسطينيين، وحمَّلت إسرائيل والغرب مسؤولية زعزعة الاستقرار الإقليمي.
على مدار التاريخ، ظلَّت القضية الفلسطينية قضيةً راسخة في قلب السياسة الإقليمية، تتفرَّد بأهمِّيتها السياسية، وأزمتها الإنسانية المُلِحَّة، وتداعياتها الأمنية الشديدة. واستُغِلَّت القضية الفلسطينية بأيدي البعض أداةً ناجعةً للمناورة السياسية، لا سيّما أنَّ إيران وحلفاءها في المنطقة كثيرًا ما أقحموا فلسطين في مفاوضاتهم مع الغرب، باستغلالها باعتبارها ورقة ضغط. وفي الوقت نفسه، دائمًا ما قابل العالم العربي العدوان الإسرائيلي بالإدانة والمقاومة، إذ يحاول العالم العربي بتبنِّيه موقفًا موحَّدًا منْع الصراع من التوسُّع في المنطقة. وتشكِّل ردود فعل إسرائيل الأخيرة والغارات الجوِّية المكثَّفة مصدر قلق كبيرًا، وتعكس المشاعر في الشارع العربي حالة الإحباط والغضب الآخذ في الاتّساع. وتواجه الأردن وسوريا ولبنان ومصر تحدِّيات داخلية تزداد شدَّةً، لذا ستكون لردود فعلهم في خِضَمّ هذا الغضب الإقليمي المتنامي ضدّ إسرائيل أهمِّيةٌ بالغة. وعلى الرغم من تبايُن الآراء والاختلافات في العالم العربي، فإنَّ الالتزام الثابت تجاه القضية الفلسطينية يظل شعورًا راسخًا مستمِرًّا، فهذا الشعور المتجذِّر في الروابط التاريخية والثقافية له مكانة محورية في السياسة الإقليمية، ما يؤثِّر تأثيرًا كبيرًا في كيفية استجابة دول المنطقة لهذا الصراع، الذي طال أمده.