مع اقتراب إيران من استحقاقاتها الانتخابية المقبلة، عاد الحديث مجددًا عن احتمالية انخفاض إقبال الناخبين على المشاركة في هذه الاستحقاقات، حيث ستُجري إيران سباقين رئيسيين في 2024م، بما في ذلك مجلس الخُبراء والانتخابات البرلمانية، يليه السباق الرئاسي المقرَّر عقده في 2025م.
ولعل ما سيفاقم من ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع، هو استمرار السخط الشعبي من سياسات النظام الإيراني وإخفاقات حكومة إبراهيم رئيسي المتكررة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الموعودة، وإشرافه على حملة القمع الدامية ضدّ الاحتجاجات المناهِضة للحكومة، التي اندلعت في سبتمبر 2022م، في أعقاب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني داخل أحد معتقلات ما يسمى بشرطة الأخلاق. وفي هذا السياق، يجري إعداد منافس رئيسي اللدود، وهو الرئيس السابق حسن روحاني والذي كان مدعومًا من قبل «الإصلاحيين» خلال الفترة من (2013-2021م)، من معسكره، باعتباره مرشَّحًا مُحتمَلًا لانتخابات مجلس الخُبراء المقبلة. ومن المتوقَّع أن يثير ترشيح روحاني مستوىً من الاهتمام العام بالسباق، لأنَّ شعبيته آخِذة في الارتفاع على ما يبدو، في تناسُب عكسي مع تزايُد كراهية رئيسي.
وفي أواخر أكتوبر الماضي، أعلن روحاني شخصيًّا ترشُّحه لانتخابات مجلس الخُبراء، وهي هيئة مؤلَّفة من 88 رجل دين، ستختار المرشد الأعلى المقبل لإيران. وفي الوقت نفسه، دعا الرئيس السابق الإيرانيين إلى التوجُّه نحو صناديق الاقتراع عندما يبدأ موسم الانتخابات. وفي حال أُعيد انتخاب روحاني، ستكون هذه عضويته الرابعة بمجلس الخبراء، وسبق له أن نال عضوية هذا المجلس في دوراته الثالثة والرابعة والخامسة، وتعتبر الدورة القادمة هي السادسة منذ انتصار الثورة الإيرانية في 1979م.
لكن روحاني لم يُثبت نفسه بعد منافسًا لرئيسي، الذي أُعيد ترشيحه لانتخابات مجلس الخُبراء، ولا يزال يتمتَّع بدعمٍ من «المتشدِّدين» المتنفِّذين في إيران، وقد أشارت التوقُّعات في وقتٍ سابق، إلى أنَّ إعادة روحاني الترشُّح للانتخابات قد تطيح برئيسي، على الأقلّ في المجلس، فقد خطَّط الرجلان لإعادة الترشُّح من محافظة طهران التي تحتلّ 16 مقعدًا في المجلس. لكن تدنِّي شعبية رئيسي المتزايدة أجبرت موظَّفيه الانتخابيين على إعلان ترشيحه للمجلس ليس ممثِّلًا عن طهران، ولكن عن محافظة خُراسان الجنوبية في شمال شرق إيران.
وُلِد رئيسي ونشأ في خُراسان، وتعني هذه الخطوة أنَّه لم يعُد مُضطرًّا للقلق بشأن الحاجة إلى التنافس المباشر مع روحاني في انتخابات المجلس.
بالإضافة إلى ذلك، لا يُوجَد ما يُشير حتى الآن إلى أنَّ روحاني يمكن أن يفوز بالأصوات اللازمة من طهران لتمثيل المحافظة في المجلس.
ولم يُقدِّم روحاني بعد موظَّفيه الانتخابيين، والفصيل الذي سيُمثِّله، فيما يجب أن يوافق مجلس صيانة الدستور «المتشدِّد»، الذي يسيطر عليه المرشد الأعلى، على ترشيحه.
وهنالك مخاوف متزايدة من أنَّ هذه الهيئة قد تُطالب روحاني بإجراء اختبار إعادة انتخاب تأهيلية، وذلك قد يؤدِّي إلى استبعاده تمامًا. وفي الوقت نفسه، من المتوقَّع أنَّ «جمعية رجال الدين المقاتلين» و«رابطة المعلِّمين الدينيين»، وهُما فصيلان سياسيان مؤيِّدان لروحاني (حيث كان روحاني عضوًا في الجمعية الأولى) قد تدعمان ترشيحه.
والأهمّ من ذلك، تسود مخاوف بين فصائل «المحافظين» في إيران من أنَّ «المتشدِّدين» قد يحاولون تشويه سعي روحاني لترشُّحه للانتخابات، فقد اعتلى أعضاءٌ «متشدِّدون» في مجلس الخُبراء المنصَّة مؤخَّرًا لانتقاد الرئيس السابق، والمطالبة بمراجعة وثيقة التنمية الخاصَّة به لعام 2030م بشأن أهدافها الاقتصادية السامية، التي لم تُؤتِ ثمارها بمجرَّد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018م. ودعا «متشدِّدون» آخرون المجلس إلى تقديم اقتراح لاستبعاد ترشيح روحاني المُحتمَل قبل أن يترشَّح بالفعل.
وتوجد تكهُّنات بأنَّ روحاني قد يحاول إعادة انتخابه ليسهُل عليه أمر المنافسة على منصب المرشد الأعلى المقبل لإيران، بعد وفاة خامنئي. وعندما سُجِّل روحاني مرشَّحًا لانتخابات مجلس الخُبراء، أشار إلى موضوع خلافة المرشد بالقول “نسأل الله العمر المديد مع المزيد من النجاح للمرشد الأعلى، لكن مع مرور الوقت، ستزداد احتمالية أن يناقش مجلس الخبراء موضوع اختيار المرشد».
من بين التحدِّيات العديدة التي يواجهها روحاني اتّهام شقيقه بالفساد ومواجهته الآن فضيحة مالية أخرى. في ديسمبر، تورَّط شقيق روحاني في خطَّة مالية بقيمة 4.3 مليار دولار، تشمل شركة «دبش شاي». وفقًا لما جاء في البيانات، وقد تورَّطت الشركة في تعاملات مشبوهة في مجال الصرف الأجنبي في أثناء عهد روحاني.
ورفض الرئيس السابق تحمُّل المسؤولية، لكنّه بدلًا من ذلك تساءل عن سبب عدم معالجة رئيسي، الذي كان يرأس القضاء الإيراني في ذلك الوقت، للفساد الذي يحدث في الشركة.
وتهدِّد هيمنة «المتشدِّدين» على مجلس الخبراء والبرلمان الإيراني بعرقلة عودة الرئيس السابق، حسن روحاني الى مجلس الخبراء، وهو ما قد يؤدي إلى ضعف التصويت خاصة في العاصمة طهران. وفي الوقت نفسه، يظهر مرشَّحون مُحتمَلون -ينتمي أغلبهم لتيّار «المتشدِّدين» في إيران- لخوض السباق وتحدِّي محاولة روحاني لإعادة انتخابه.