مُنذ بدء عملية طوفان الأقصى، التي شنَّتها حماس، والهجوم العسكري الذي أعقبها ضدّ قطاع غزة، تعَرَّض النظام العالمي لضغوطٍ متجدِّدة، كما لو أنَّ الحرب الروسية-الأوكرانية لم تكُن كافية. وفي سبيل السعي للأجندة القصوى المُتمثِّلة في القضاء على حماس في غزة، استخدمت إسرائيل كل أنواع أنظمة الأسلحة الهجومية البرِّية، دون الوصول إلى حد استخدام قنبلة نووية. وحظِيَت إستراتيجية تل أبيب بدعمٍ غير مشروط من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا ومن الدول الغربية، على سبيل المثال لا الحصر.
وفي 30 نوفمبر 2023م، أصدرت وزارة الخارجية الصينية ورقةَ موقف، حدَّدت فيها موقفها بأنَّها مُدافِعة عن السلام ومؤيِّدة للوقف الفوري للأعمال العدائية، وطالبت بوقفٍ شامل لإطلاق النار، وإنهاء القتال، وتوفيرِ حماية فعّالة للمدنيين؛ لمنع تشريد الفلسطينيين، وزيادة المساعدات الإنسانية. كما طالبت الدول، التي لها تأثير على أطراف النزاع، بالقيام بدورٍ بنّاء مشترك في تخفيف حدَّة الأزمة، وصياغة جدول زمني ملموس وخارطة طريق لتنفيذ حل الدولتين. وعلى الرغم من أنَّها شجبت وبوضوح دعْم واشنطن لإسرائيل، إلّا أنَّ الصين لم تُكرِّر عرْض القيام بالوساطة. وفي أبريل 2023م، عرَضَ وزير الخارجية الصيني، حينذاك، تشين غانغ مساعدة الصين للتوسُّط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مثلما ساعدت بكين المملكة العربية السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية. وأكد المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين، بأنَّه «لم يفُت الأوان بعد لفعل ما هو صواب». مثل هذا المقترح، ليس مطروحًا على الطاولة الآن؛ حيث تقِف الصين إلى الجانب الفلسطيني، وتُبدي تعاطفها مع العالمين العربي والإسلامي. قُتِل حتى الآن العشرات من المواطنين الصينيين، وفُقِدَ بعضهم أو جُرحِوا، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة.
مع استهداف الحوثيين لحركة الملاحة البحرية، كان الاهتمام الأساسي لبكين مُنصَّبًا على مُواصلة التجارة البحرية بأقلّ قدرٍ من الاضطربات، وبدون هجمات. وطالبت الصين بوقف «الهجمات ضدّ السفن المدنية»، وحثَّت «الأطراف المعنية على تجنُّب صبّ الزيت على النار»، مع إبداء بكين لمعارضتها للضربات الأمريكية-البريطانية على مواقع الحوثيين. وسافر رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ليو جيان تشاو إلى إيران، في ديسمبر 2023م، إلّا أنَّ زيارته لم تُسهِم في تهدئة التوتُّرات بالبحر الأحمر. رُبّما لم يُكن الغرض من الزيارة تهدئة التوتُّرات، لكن لتأمين ممرّ آمن للسفن التجارية الصينية. وترفض كلٌّ من المملكة العربية السعودية والصين التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، وتعارضان أيضًا مناورات الحوثيين المزعزِعة للاستقرار؛ ناهيك أنَّ كبْح جماح طهران من تحويل البحر الأحمر إلى منطقة حرب، يصُبّ في مصلحة مصر والسعودية والصين.
وعقَدَ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان وكبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي (وزير الخارجية الصيني الحالي) اجتماعاتٍ سرِّية، من قبل، في أماكن مختلفة. وتراوحت مباحثاتهما الخاصَّة بين إطلاقِ كوريا الشمالية للصواريخ والتوتُّرات في بحر الصين الجنوبي، والصراعات المتفاقِمة في الشرقِ الأوسط. أمّا موقف بكين من غزة والتوتُّرات في البحر الأحمر، فهو مبني على مصالحها الحيوية في بحر الصين الجنوبي. وبالتالي، فقد لا يساعدها استمرار الصراع أيضًا، لاسيّما أنَّ الوضع الراهن يثبت هذا الأمر بكل تأكيد. وفي حال لم يتِم التوصُّل إلى وقْفٍ لإطلاق النار في غزة، فسوف تتواصل هجمات الحوثيين على السفن التجارية والسفن والقواعد البحرية الأمريكية في التصعيد، أضِف إلى ذلك ضربات الطائرات المسيَّرة من قِبَل وكلاء إيران في العراق وسوريا، وذلك من أجل الانتقام من الولايات المتحدة وحلفائها. وبطبيعة الحال، سوف تكون التجارة هي الضحية لهذه الهجمات، ولن يكون الاقتصاد الصيني المُتعثِّر قادرًا على تحمُّل المزيد من الإضرابات في سلاسل التوريد. لقد حان الوقت الآن، لكي يتحدَّث الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الأمريكي؛ لإيجاد أرضية مشتركة لإنهاء الأعمال العدائية. وتجِد واشنطن نفسها في أمَسِّ الحاجةِ إلى مساعدة بكين؛ الأمر الذي يُعَزِّز من صورة الصين كصانعٍ للسلام، في الوقت الذي تُعارض فيه الولايات المتحدة كل الجهود الرامية إلى وقْف إطلاق النار. وتستطيع كلا القوّتين العظيمتين الاستفادة من الفُرصة لتجنُّب حربٍ إقليمية كارثية، تعتقدُ إيران أنَّها تستطيع الفوز بها.