شَنَّت الولايات المتحدة غاراتٍ جوِّية في جميع أنحاء سوريا والعراق، ردًّا على هجومٍ بطائرةٍ مسيَّرة في 28 يناير 2024م، في الأردن ضدّ قاعدة البرج 22 الأمريكية، حيث أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 40 آخرين. ووافق الرئيس الأمريكي جو بايدن على شنّ ضرباتٍ بعد إجراء التقييم، الذي كشَفَ عن وجود رابطٍ بين الجماعات المسلَّحة المدعومة من إيران والهجوم، الذي شُنَّ بطائرةٍ مسيَّرة، تمثَّلت بعدَّة ضربات لمحاولة تعزيز الردع استهدفت المنشآت، التي تستخدمها قوّات الحشد الشعبي التابعة لإيران في مدينة القائم بالعراق، ومناطق أخرى على طول الحدود السورية-العراقية. وانتقدت إيران هذه الضربات، ووصفتها بأنَّها «انتهاكٌ صارخ لوحدة أراضي العراق وسوريا، وسيادتهما، واستقلالهما السياسي»، وحذَّرت من تزايُد حالة عدم الاستقرار.
كما صرَّح المتحدِّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، بأنَّ الهدف من وراء شنِّ هذه الضربات متعدِّدة المستويات، «يتمثَّل بوقف أنشطة الجماعات المسلَّحة المدعومة من إيران، بدلًا من إثارة صراعٍ مع إيران نفسها». وحسبما أفادت به التقارير الأخيرة، قُتِلَ القائد البارز في كتائب حزب الله العراقية أبو باقر السعدي، واثنين من حرّاسه، في غارةٍ أمريكية بطائرةٍ مسيَّرة في منطقة مشتل ببغداد. وذكر البنتاغون أنَّ هذا القائد، كان يقف وراء شنِّ هجماتٍ على القوّات الأمريكية في المنطقة.
تُوجَد عوامل مختلفة في السياق الراهن، ساهمت بردِّ الولايات المتحدة ضدّ الجماعات المسلَّحة المدعومة من إيران. أولًا، كان على الولايات المتحدة الردّ على الهجوم المسيَّر، الذي استهدف جنودها في الأردن؛ لأنَّه يمثِّل تصعيدًا عسكريًا خطيرًا، حيث سعت إدارة بايدن إلى إبراز القوَّة العسكرية الأمريكية، وإعادة الردع الأمريكي، ورسْم الخطوط الحمراء في المنطقة. كما استكمل استخدام القوَّة، تحذيراتٍ وعقوباتٍ أمريكية على كياناتٍ مرتبطة بإيران. وأكد الموقف العسكري الأمريكي في المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة كذلك، تفوُّق قوَّتها الجوِّية، من خلال توجيه ضرباتٍ ضدّ الجماعات المسلَّحة المدعومة من إيران، في جميع أنحاء العراق وسوريا. وفي الوقت الذي يدعم فيه بعض المشرِّعين الأمريكيين الضربات؛ كونها ردًّا ضروريًا ومتناسبًا، ينتقد البعض الآخر تأخُّر ردّ إدارة بايدن على الجماعات المدعومة من إيران.
ثانيًا، تُواجِه إدارة بايدن ضغوطًا داخلية كبيرة لاتّخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامةً ضدّ إيران. وبعثت مجموعة من المشرِّعين الأمريكيين من الحزبين مؤخَّرًا برسالةٍ إلى الرئيس بايدن، تحثّهُ فيها على تشديد تطبيق العقوبات على إيران، وتبنِّي سياسة عدم التسامح مُطلَقًا، فيما يتعلَّق بصادرات النفط الإيرانية، والتي يقولون إنَّها تدعم الأعمال العدائية الإقليمية، التي تقوم بها إيران، وتُموّل بها جماعاتها المتشدِّدة. كما انتقد السيناتور الجمهوري توم كوتون ومشرِّعون جمهوريون آخرون، ردّ الولايات المتحدة على هجمات إيران، حيث قارنوا ذلك الرد بإجراءاتٍ أكثر شدَّة، كان قد اتّخذها رؤساء جمهوريون سابقون.
ثالثًا، وفيما يخُصّ الأطراف غير الحكومية، مثل الجماعات المسلَّحة المدعومة من إيران، فالهدف من الهجمات يتمثَّل بتحدِّي الولايات المتحدة واستفزازها، بينما تهدُف الأخيرة إلى كبْح قُدراتها العسكرية وتقليلها، بينما تنفِّذ الأطراف غير الحكومية بدورها خِطَطها، من خلال تصعيد التوتُّرات، وممارسة الضغوط.
فيما يخُص السيناريو الحالي، يُوجِد تحدٍّ كبير بالنسبة للولايات المتحدة لكبح جماح الجماعات المسَّلحة المدعومة من إيران، خاصَّةً بالنظر إلى أنَّ العديد من الجماعات، التي تتّخِذ من العراق مقرًّا لها، ليست فقط حُلفاء لحكومة بغداد، لكنها مُدمَجة كذلك بأجهزتها العسكرية.
وأعلنت كتائب حزب الله بعد فترة وجيزة من شنّ الهجوم على الأردن، في بيان عن الهجمات على القوّات الأمريكية، أنَّه رُبّما يرجع ذلك إلى ضغوط مارستها الحكومة العراقية، والتدخُّل المُحتمَل من إيران لتهدئة وتيرة التصعيد.
رابعاً، رَبَطت الجماعات المسلَّحة المدعومة من إيران هجماتها على المصالح الأمريكيةِ بحرب غزة، على الرغم من وجود فوراق في التطلُّعات المحلِّية والإقليمية بينهما، حيث تتطلَّع هذه الجماعات إلى طرْد القوّات الأمريكية من المنطقة، وتستغِلّ حرب غزة للمُضي قُدُمًا في تحقيق هذه الغاية.
خامسًا، وكما يتّضِح في حالاتٍ سابقة من الصراعات والحروب المحتدمة، التي تشارك فيها الولايات المتحدة والجهات والأطراف غير الحكومية مثل حزب الله، وعلى الرغم من قوَّتها العسكرية، تواجه واشنطن العديد من القيود، التي تشمل الاعتبارات السياسية الداخلية، والتعقيدات الدبلوماسية الإقليمية، التي تحِدُّ من خياراتها بشكل كبير.
بالتالي، يُعَدُّ القيام بعملٍ عسكري في جميع أنحاء سوريا والعراق دون دعْم الحكومات الوطنية، أمرًا يصعب تبريره وتنفيذه. من ناحية أخرى، تتبنَّى إيران إستراتيحية الإنكار المعقول؛ الأمر الذي يجعل من الصعب على الولايات المتحدة استهداف إيران بشكل مباشر. وأقامت إيران بمرور الوقت علاقةً تكافلية مع وكلائها؛ الأمر الذي يسمح لها بالتنصُّل من الضلوع في الهجمات، كما يتّضِح ذلك من خلال الوضع الراهن. كما يحِدُّ هذا الأمر من الخيارات الأمريكية، ويُضيِّقها من أجل استهداف الكيانات المرتبطة بإيران أو قادة الميليشيات خارج إيران، وهي إستراتيحية فشلت في الحدِّ من الأعمال العدائية الإيرانية في المنطقة بشكل فعّال حتى الآن.
في خِضَمِّ التوتُّرات المتصاعدة، اختتم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين زيارته الخامسة للمنطقة، إلّا أنَّه فشَلَ في تحقيق أيّ نتائج ملموسة؛ من أجل وقْف إطلاق النار، بينما قدَّمت حماس العديد من المطالب، التي وصفها بلينكن بأنَّها «غير مقبولة». وتعهَّد بنيامين نتنياهو في الوقت نفسه بـتحقيق «النصر الكامل»، حيث أشار إلى خِطَط ستزيد من التصعيد في غزة، مع وجود خِطَط لبدء العمليات في رفح. وأدَّى مقتل أبو باقر السعدي إلى زيادة الرأي الشعبي المناهض للولايات المتحدة، وإطلاق شرارة المظاهرات والمسيرات في العراق، بينما تُواصل الجماعات المسلَّحة في العراق ممارسة الضغط على الحكومة؛ للعمل بشكلٍ أسرع لطرد القوّات الأمريكية من البلاد، والتي لا تزال تُمثِّل أجندةً أساسية بالنسبة لهم. وحسبما أفادت به بعض التقارير الأخيرة، حذَّرت مجموعة الميليشيات الموالية لإيران والمعروفة باسم «المقاومة الإسلامية في العراق»، في منشورٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، بأنَّها ستشُنُّ مزيدًا من الضربات ضدّ المواقع والمصالح الأمريكية في العراق، وفي جميع أنحاء المنطقة.