تُؤثِّر التوتُّرات المتصاعِدة والعُنف الناجم عن الحرب الإسرائيلية على غزة، تأثيرًا كبيرًا على الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة. وتعتقد الجاليات العربية والإسلامية، أنَّ تعامُل إدارة بايدن مع الصراع يؤجِّج الكراهية ضدّهم. ونتيجةً لهذه الحرب، فقد حصلت زيادة ملحوظة في «الإسلاموفوبيا» والكراهية ضدّ العرب، وأشكال أخرى من الكراهية، مثل معاداة السامية داخل المجتمع الأمريكي. وقد وقعت عدَّة حوادث منذ اندلاع الحرب، إحداها قتْل طفل فلسطيني أمريكي يبلغ من العمر ست سنوات في جريمةٍ يُشتبَه بأنَّها بدافع الكراهية، وقعت بالقرب من شيكاغو، الأمر الذي يعكس المخاوف من شنِّ هجماتٍ على الجاليات الفلسطينية والعربية والأمريكية المسلمة في الولايات المتحدة؛ بسبب نزْع وسائل الإعلام الصفة الإنسانية عن العرب والمسلمين، في سياق حرب إسرائيل على غزة.
ممّا لا شكَّ فيه أنَّه يُوجَد إحساس متزايد بخيبة الأمل، ومخاوف بين الأمريكيين العرب فيما يتعلَّق بالصراع، وتصاعُد التوتُّرات. وبحسب الاستطلاع الذي أجراه «المعهد العربي الأمريكي»، انخفض الدعم العربي الأمريكي للرئيس جو بايدن، بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023م، إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 17%؛ بسبب دعمه العدوان الإسرائيلي على غزة. وتُمثِّل هذه النسبة انخفاضًا كبيرًا عن الدعم البالغ 59%، الذي حصل عليه بايدن في عام 2020م.
وأفادت تقارير صادرة من «الرابطة العربية الأمريكية للحقوق المدنية»، بتنامي مشاعر الاستياء بين العرب الأمريكيين في بعض الولايات، مثل ديربورن وميشيغان، مع استمرار التصعيد في غزة. ويطالب الأمريكيون العرب بأن تتّخِذ إدارة بايدن خطواتٍ ملموسة لمعالجة الوضع في غزة، بما في ذلك دعْم وقْف إطلاق النار الفوري، ووقْف التمويل العسكري لإسرائيل، وتقديم المساعدات للفلسطينيين، ومحاربة الكراهية ضدّ العرب والمسلمين.
قد يشكِّل هذا الاستياء بين الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين في ولاية ميشيغان المتأرجِحة، تحدِّيًا لبايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة. تُشير استطلاعات الرأي إلى أنَّ الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين يميلون عامّةً نحو الحزب الديمقراطي، لكن حدثت بعض التقلُّبات في التأييد بين الانتخابات، إذ أثَّرت قضايا مثل الاقتصاد والاستجابة للصراعات الدولية، على الميول السياسية لهؤلاء الناخبين. ومع ذلك، يمكن للناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين أن يلعبوا دورًا بالغ الأهمِّية، في حسْم نتيجة الانتخابات، لا سيّما في ولاية مُتنازَع عليها بشدَّة مثل ميشيغان.
وتُصنَّف ميشيغان على أنَّها ولاية المعركة الحرِجة، التي من الممكن أن تلعب دورًا حاسمًا في الانتخابات الرئاسية؛ لأنَّها تمتلك 15 صوتًا في المجمَع الانتخابي، فقد فاز بايدن بولاية ميشيغان في انتخابات 2020م، بهامشٍ ضيِّق، وأثارت حملة «غير ملتزم» المخاوف حول حصول بايدن على دعْم الولاية في الانتخابات القادمة.
اختار عدد كبير من الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين في ميشيغان، وضْع علامة على أوراق اقتراعهم «غير ملتزم» خلال الانتخابات التمهيدية. هدفت هذه الحملة إلى الاعتراض على الدعم الأمريكي للجيش الإسرائيلي، والدعوة إلى وقْف إطلاق النار في غزة.
وفقًا لأرقام «مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية»، صوَّت أكثر من 94% من المسلمين المؤيِّدين للديمقراطيين تاريخيًا بـ «غير ملتزم» في الانتخابات التمهيدية. وكشَفَ الاستطلاع أيضًا، أنَّ جزءًا كبيرًا من الناخبين المسلمين سيدعمون مرشَّحي الحزب الثالث، أو حتى المرشَّحين الجمهوريين مثل دونالد ترامب، ضدّ بايدن. اختيار أكثر من 100000 ناخِب ديمقراطي في الانتخابات التمهيدية في ميشيغان، بالتصويت «بغير ملتزم» في الانتخابات.
تتطرَّق بعض التحليلات إلى التحدِّيات، التي تحولُ دون الحصول على البيانات بدقَّة عن الأمريكيين الشرق أوسطيين والمسلمين؛ بسبب الطريقة التي صنَّفت في الإحصاءات الرسمية. غالبًا ما تُصَّنف هذه المجتمعات ضمن فئات أوسع، مثل «البيض» أو «غير المسيحيين الآخرين»؛ ما يجعل من الصعب تتبُّع مواقفهم وسلوكياتهم بدقَّة، من خلال الاستطلاعات.
خلال الشهر الماضي، انتشرت الاحتجاجات الطُلّابية ضدّ الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية على غزة بسرعة، عبر أكثر من 200 حرم جامعي. يُشير إنشاء الخِيَم الاحتجاجية في الحرم الجامعي، إلى مستوى عالٍ من مشاركة الطلاب ونشاطهم. وتُظهِر التركيبة المتنوِّعة للطلبة المحتجِّين، بما في ذلك الطُلّاب العرب الأمريكيين وكذلك الطُلّاب من مختلف الخلفيات العِرْقية والدينية، دعمًا واسع النطاق للاحتجاجات.
كان الطُلّاب المحتجُّون منضبطين، ويتمتَّعون بقدرٍ كبير من الصراحة في مطالبهم، بوقف إطلاق النار، وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة. كما دعوا الجامعات إلى سحْب الأموال من الكيانات، التي تدعم المجهود الحربي الإسرائيلي؛ ما يوضِّح أنَّ لديهم أجندةً واضحة وهدفًا وراء الاحتجاجات. ومع ذلك، وُجِّهت إليهم اتّهامات معاداة السامية؛ لتشويه سُمعة الاحتجاجات والضغط على إدارات الجامعات لإيقافها.
وفي مقارنة بين الاحتجاجات الطُلّابية الحالية والاحتجاجات المناهِضة لحرب فيتنام عام 1968م، ثمَّة أوجُه تشابُه، من حيث التأثير السياسي على الانتخابات المقبلة. ومع ذلك، يُشير بعض المحلِّلين إلى أنَّه على الرغم من أنَّ الاحتجاجات الحالية تُوصَف بأنَّها بالغة الأهمِّية، إلّا أنَّه قد لا يكون لها تأثيرٌ جذري على مواقف الناخبين، خاصَّةً إذا ما قُورِنت بالاحتجاجات التاريخية، مثل تلك التي حدثت خلال حقبة الحرب في فيتنام. ويعتقدون أنَّ قضايا مثل الاقتصاد، وتكاليف المعيشة، والعُنف المسلَّح، لا تزال تمثِّل مصدر قلق كبير للناخبين لدى مختلف الفئات العُمرية؛ الأمر الذي يُشير إلى أنَّ تأثير الاحتجاجات قد يقتصر على القرارات الانتخابية المتأرجِحة.
ومع ذلك، قد يكون الموقف الرافض من إدارة بايدن تجاه الاحتجاجات الطُلّابية، سوءَ تقديرٍ بالغ الخطورة، وقد يقود إلى تداعياتٍ سلبية مُحتمَلة على محاولة بايدن لإعادة انتخابه، أو لدعم الحزب الديمقراطي على المدى البعيد.
يُنظَر إلى ردّ الرئيس بايدن على الاحتجاجات، على أنَّه عملية توازُن بين دعْم الاحتجاجات السِلْمية والحفاظ على النظام، وذلك يمكن أن يُؤثِّر على تأييده بين الناخبين الشباب. ويَستغل الجمهوريون بقيادة ترامب الاحتجاجات؛ لتصوير بايدن على أنَّه ضعيف في القضايا المتعلِّقة بالقانون والنظام، الأمر الذي قد يصُبّ في مصلحة ترامب في الانتخابات المقبلة.
قد يؤدِّي دعم بايدن القوي لإسرائيل إلى إبعاد الناخبين التقدُّميين والشباب؛ الأمر الذي قد يُؤثِّر على فرصة إعادة انتخابه في عام 2024م. كما تُعرِب المجتمعات المسلمة غير العربية، التي تميل تقليديًا إلى الديمقراطيين، عن استيائها من ردود فعل بايدن لأزمة غزة. وبالتالي، تمتَدُّ حالة الاستياء بين الناخبين العرب الأمريكيين، إلى ما هو أبعد من السباق الرئاسي بما قد يؤثِّر على المنافسات السياسية الأخرى، مثل السباق إلى مجلس الشيوخ.
يتجلَّى الاستياء بين الناخبين الشباب، حول سياسات بايدن في إقبال الناخبين المرتفع والنسبة الكبيرة من الأصوات، تحت بند «غير ملتزم» بين الناخبين الشباب في مناطق مثل «آن أربر» في ولاية ميشيغان. تنتشر حركة التصويت «غير ملتزم»، التي بدأها الأمريكيون العرب في ميشيغان إلى ولايات أخرى؛ الأمر الذي يُشير إلى اتّجاهٍ متزايد لاحتجاج الناخبين وعدم الرضا، الذي من الممكن أن يؤثِّر على الانتخابات التمهيدية والانتخابات المستقبلية.
إذا استمرَّت الاتّجاهات الحالية، فقد تشهد الانتخابات الرئاسية لعام 2024م تحوُّلًا كبيرًا في أنماط التصويت بين الناخبين العرب الأمريكيين، لا سيّما في الولايات المتأرجِحة، مثل ميشيغان وفيرجينيا وجورجيا وبنسلفانيا وأريزونا.