وافقَ الرئيس الأمريكي جو بايدن ومنافسه وسلفه دونالد ترامب على عقد مناظرتين في هذا العام؛ مخطَّطٌ أن تُقام في 27 يونيو و10 سبتمبر. قد تعطي المناظرة الأولى، التي ستُقام في نهاية شهر يونيو، بايدن الفُرصةَ لإحداث تغيير في السباق الرئاسي المحتدم. وبسبب تزايُد أعداد المصوِّتين، أكان عبر البريد أو عبر مواقع الاقتراع المبكِّر، أُعيدت جدولة المناظرات وتقديمها لوقت أقرب من الإطار الزمني المعتاد في فصل الخريف. ومن المقرَّر إجراء مناظرة رئاسية ثانية في سبتمبر على قناة ABC، هذا مع ضغوطات ترامب لعقد مزيد من المناظرات، ومقاومة حملة بايدن لها.
ثمَّة عدَّة ملاحظات لا بُدَّ أن نُشير إليها في هذا السباق الرئاسي؛ أولًا: من المتوقَّع أن تشهدَ الحملة الرئاسية بين بايدن وترامب منافسةً شديدة؛ إذ من المُحتمَل أن يكون الفارق بينهما هامشي جدًّا ببضع آلاف من الأصوات في الولايات المتأرجِحة. ثانيًا: هذه الانتخابات فريدةٌ من نوعها، حيث يتنافس لثاني مرَّة في تاريخ أمريكا رئيسان سابقان لولاية رئاسية ثانية. ثالثًا: يواجه ترامب محاكمة جنائية في مانهاتن، على خلفية اتّهامات نالتهُ بتزوير سجلّات مالية متعلِّقة بالتستُّر المالي لشراء الصمت قبل انتخابات 2016م.
كما يواجه بايدن ردَّة فعل قوية، على خلفية سياسات إدارته تجاه إسرائيل وسلوكها في حربها على غزة؛ ما دفع لخروج مظاهرات مطالبة بوقف الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل. لذا، قد يؤثِّر التعامل مع الوضع الإسرائيلي على دعم بايدن، لا سيّما بين الناخبين الأصغر سنًّا و«التقدُّميين». فقد انتشرت الاحتجاجات الطُلّابية بسرعة، عبر العديد من الجامعات في الولايات المتحدة وخارجها، مع مستويات عالية من مشاركة الطُلّاب ونشاطهم ضدّ الدعم الأمريكي للمجهود الحربي الإسرائيلي. علاوةً على ذلك، فإنَّ السخط بين الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين في ميشيغان؛ إحدى أكبر الولايات المتأرجحة، يمكن أن يشكِّل تحدِّيًا لبايدن في الانتخابات المقبلة، مع احتمال أن يلعب هؤلاء الناخبون دورًا حاسمًا في نتيجة الانتخابات.
وتُشير استطلاعات الرأي، إلى أنَّ 50% من الناخبين في الولايات المتأرجِحة يساورهم القلق إزاءَ احتمالية اندلاع أعمال عُنف، بسبب الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ ما يُشير إلى ما يعتريهم من مخاوف بشأن الكيفية، التي سيستقبل بها الشعب -الذي يعيش حالة انقسام عميق- نتائج هذه الانتخابات حامية الوطيس.
سيحاول بايدن، على الرغم من كل هذا، أن يغتنم الفُرصة لينال رضا الأصوات المائلة للحزب الديمقراطي، من خلال تناوله قضايا جدلية، مثل الإجهاض؛ إذ انتقد بايدن مشروع قانون في لويزيانا يصنِّف أدوية الإجهاض بأنَّها مواد خاضعة للرقابة، وعزا ذلك إلى نفوذ ترامب في إلغاء حق الإجهاض في قضية «رو ضدّ وايد». ولا يزال الإجهاض قضيةً مثيرةً للخلاف، يحظى فيها بايدن بموافقةٍ عامَّة أكثر من ترامب؛ لذا يهدف الديمقراطيون إلى الاستفادة منها لجذب الناخبين.
للمناظرات الانتخابية دورٌ محوريٌ في العملية الديمقراطية، فهي توفِّر منصَّةً يقدِّم من خلالها المرشَّحون سياساتهم، ويتحدُّونَ منافسيهم، وينخرطون مباشرةً مع الناخبين. ويمكن لهذه المناظرات أن تؤثِّر على الرأي العام، تدعم أو تفكِّك الروايات، وتؤثِّر في نهاية المطاف بنتائج الانتخابات. كما يمكن أن يساعد نهج بايدن الوسَطي في سياسته الخارجية، ومحاولته لجذب قطاع أوسع من الشعب، في مجابهة ردَّة الفعل القوية من «التقدُّميين». ومع ذلك، يرى بعض النُقّاد أنَّ حسابات بايدن في سياق السياسة الخارجية، خصوصًا فيما يتعلَّق بالحرب الإسرائيلية على غزة، خاطئة؛ لأنَّه لا يقرأ المشهد بدقَّة، لذا قد يخسر دعْم الناخبين من جرّاء ذلك.
أظهرت الاستطلاعات الوطنية تقدُّم بايدن على ترامب بـ 1.5 نقطة مئوية، وهذا تحوُّل كبير مقارنةً بنتائج انتخابات عام 2020م. ظهرت هذه التحوُّلات الرئيسية، في استبعاد الناخبين بايدن بين النخابين السود، واللاتينيين، والآسيويين. ويتّبِع بايدن وترامب إستراتيجيات يحاولان من خلالها جذْب الناخبين السود واللاتينيين، بتبادُل الاتّهامات وردِّها في المسائل العرقية. ويهدُف ترامب إلى أن يحافظ على الدعم القوي من الناخبين من الأقلِّيات، بينما يعمل بايدن على حصْد الدعم من المجتمعات التي تميل تقليديًا للديمقراطيين.
وحسب الاستطلاعات الأخيرة، تتربَّع الحالة الاقتصادية على رأس القضايا، التي تهمّ الناخبين، ومن ثمَّ تأتي مخاوفهم من موجات الهجرة على بلادهم. وما يؤثِّر أيضًا على ميول الناخبين، تكلفة المعيشة، والتعاطي مع أزمة الحدود، ومهدِّدات الديمقراطية، ومصاريف ونفقات الرعاية الصحية، وأسعار الغاز، ومخاوف التضخم، وأسعار الفائدة، وتكاليف السكن.
يواجه كلُّ من بايدن وترامب تحدِّيات بسبب نظرة العامَّة لهما فيما يختصّ بعُمريهما، إلى جانب شكوك حول شخصيتهما، والعقبات القانونية، وكيف يمكنهما الدخول في مجتمعات الأقلِّيات. ولا يوافق غالبية الناخبين على أداء بايدن، ناهيك عن مخاوفهم بشأن عُمره، وطريقة تعامله مع الأزمات المختلفة؛ ما يؤثِّر على دعمه من الشريحة الأساسية للناخبين الديمقراطيين. ومن المتوقَّع أن يركِّز ترامب على سياساته «أمريكا أولًا»، بينما على بايدن الدفاع عن سِجِله فيما يخُصّ الاقتصاد، والعدالة الاجتماعية، وتصدِّيه لجائحة فيروس كورونا.
قد تُفضي نتائج المناظرات، إلى مآلات بعيدة المدى على الانتخابات والسياسة الأمريكية. بالنسبة لبايدن، تُشير الاحتجاجات المتزايدة على الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، إلى أنَّ اعتبارات السياسة الخارجية قد تؤثِّر على انتخابات عام 2024م.
يمثِّل الشباب والتقدُّميون والأمريكيون العرب والمسلمون وبعض أفراد الجالية اليهودية، المجموعات الرئيسية التي تُعرب عن غضبها إزاءَ الصراع في غزة. وعلى الرغم من أنَّ هذه المجموعات صغيرة نسبيًا من حيث عدد الناخبين، لكنّها اكتسبت اهتمامًا واسعًا؛ بسبب معارضتها للدعم الأمريكي لإسرائيل.
يمكن أن يتأثَّر نجاح بايدن الانتخابي في الولايات المتأرجِحة الحاسمة، مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا وجورجيا، بآراء هؤلاء الناخبين حول الصراع الدائر بين إسرائيل وغزة.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولاتعكس بالضرورة رأي المعهد