في إطار التطوُّرات التي حدثت مؤخَّرًا، اتّخذت كندا قرارًا بالغ الأهمِّية بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظَّمة إرهابية، الأمر الذي سوف يترك بعض التبِعات على إيران والعلاقات بين إيران والغرب، خاصَّةً كندا. وجاء القرار الكندي بإدراج الحرس الثوري الإيراني كجماعة إرهابية، في أعقاب خطوة مماثلة اتُّخِذت من قِبَل الولايات المتحدة. ويضع هذا القرار ضغوطًا على الحكومات الأوروبية؛ من أجل اتّخاذ خطوة مماثلة.
وبموجب قرار التصنيف، فإنَّ الأجهزة الأمنية مخوَّلة بتوجيه الاتّهام إلى الأفراد، الذين يدعمون الحرس الثوري الإيراني، ويقضي القرار بتجميد الأُصول المرتبِطة بالحرس الثوري. ويعود قرار تصنيف الحرس الثوري كمنظَّمة إرهابية، إلى عدَّة أسباب رئيسية؛ أولها إشارة كندا إلى العلاقات الوثيقة للحرس الثوري الإيراني مع الجماعات، التي تصنِّفها كندا على أنَّها جماعات إرهابية، مثل حماس وحزب الله، وضلوع الحرس الثوري في أنشطة تقوِّض حقوق الإنسان والأمن الدولي. إذ أدَّى إسقاط طائرة الخطوط الجوِّية الدولية الأوكرانية «بي إس 752» في يناير 2020م، وهو حادث مأساوي أودى بحياة 176 شخصًا، من بينهم مواطنون كنديون، إلى زيادة الدعوات لتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظَّمة إرهابية. وبعد إعلان مسؤولية الحرس الثوري الإيراني عن الحادث، زادَ الضغط على الحكومة الكندية للعمل ضدّ المنظمة.
ويُنظَر أيضًا إلى الخطوة، التي اتّخذتها كندا، على أنَّها دليل على التزامها بمكافحة الإرهاب العالمي، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الأنشطة الإرهابية. وتهدُف كندا من خلال تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظَّمة إرهابية إلى وقْف العمليات التي يقوم بها الحرس الثوري، ومنْع تدفُّق الأموال، التي تدعم أنشطتهُ غير المشروعة؛ وبالتالي المساهمة في الجهود الدولية لتعزيز الأمن والاستقرار.
وقد أدانت إيران -كما هو مُتوقَّع- بشدَّة قرار كندا، ووصفت طهران التصنيف، بأنَّه عمل ذو دوافع سياسية وعدائية، يهدُف إلى ممارسة الضغط على الحكومة الإيرانية، وتقويض مكانتها على الساحة الدولية. وانتقدت وزارة الخارجية الإيرانية الخطوة، ووصفتها بأنَّها غير مسؤولة، وحذَّرت من إجراءات انتقامية مُحتمَلة ردًّا على ما اعتبرته عملًا استفزازيًا غير مُبرَّر من قِبَل الحكومة الكندية.
ويدُلّ وصْف ايران للخطوة الكندية بأنَها «عدائية» و«غير مسؤولة»، على العلاقات المتوتِّرة بين البلدين. ويُمَنع عناصر الحرس الثوري الإيراني الآن من دخول كندا، ويُحظَر أيّ تعامُل معهم؛ وهو ما قد يفضي إلى مصادرة أُصولهم.
وسيكون لتصنيف كندا للحرس الثوري الإيراني كمنظَّمة إرهابية، بعض التبِعات على علاقة إيران بالغرب. فلن يؤدِّي التصنيف إلى زيادة حدَّة التوتُّرات الدبلوماسية القائمة بين إيران والدول الغربية فحسب، بل سيعقِّد أيضًا الجهود المبذولة لتعزيز الحوار البنّاء، والمشاركة في المجالات ذات الاهتمام المشترك. وقد تدفع هذه الخطوة الدول الغربية الأخرى إلى إعادة تقييم موقفها تجاه إيران، والنظر في اتّخاذ جراءات مماثلة ضدّ حرسها الثوري؛ ما قد يزيد عُزلة الحكومة الإيرانية على الساحة الدولية.
وعلى الرغم من العواقب العملية المترتِّبة لتصيف الحرس الثوري كمنظَّمة إرهابية من قِبَل كندا قد تكون محدودة التأثير، بسبب القيود المفروضة أصلًا على دخول عناصر الحرس الثوري الإيراني إلى البلاد، إلّا أنَّ أثرها الظاهري كبير. إذ يضع هذا القرار كندا في مصاف الدول الأخرى، التي صنَّفت الحرس الثوري الإيراني كمنظَّمة إرهابية، ويعكس مخاوف الجالية الإيرانية-الكندية. كما قد يؤثِّر تصنيف الحرس الثوري الإيراني من قِبَل كندا، على التفاعلات الإقليمية في الشرق الأوسط، حيث تلعب فيه إيران دورًا كبيرًا في تحديد النتائج الجيوسياسية.
وقد يكون لقرار تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظَّمة إرهابية من قِبَل الحكومة الكندية، دوافع سياسية داخلية. إذ اتُّهِمت الحكومة الكندية بتبنِّي مواقف ضعيفة بشأن الأمن القومي؛ وبالتالي يمكن النظر إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظَّمة إرهابية بأنَّه قرار إستراتيجي؛ لتعزيز رصيد أمنها القومي، وإظهار قوَّتها في مواجهة التهديدات العالمية. وقد تلقى هذه الخطوة استحسان شرائح معيَّنة من المواطنين الكنديين، خاصَّةً الإيرانيين-الكنديين، ومن يدعون إلى اتّخاذ تدابير أقوى ضدّ الإرهاب الذي ترعاه الدولة؛ ما قد يؤثِّر على الرأي العام والمشهد السياسي في البلاد.
وقد دقَّ ضلوعُ الحرس الثوري الإيراني في دعْم الحكومات المتحالِفة معه والجماعات المسلَّحة، من خلال تنفيذ عمليات خارجية -بما يشمل أنشطة «فيلق القدس»- جرسَ الخطر الدولي. وبالتالي، فإنَّ خطوة كندا -التي من المؤكَّد أنَّها قد نسَّقتها مع الولايات المتحدة وحُلفاء غربيين آخرين- أرسلت رسالةً قوية لإيران بشأن مكافحة أنشطة الحرس الثوري الإيراني، التي تهدِّد الاستقرار الإقليمي. وفيما يخُصّ العلاقة بين إيران والغرب، فإنَّ قرار كندا يضيفُ مزيدًا من التعقيد إلى العلاقات المتوتِّرة بالفعل، وسوف يزيدُ هذا القرار أيضًا من الفجوة بين كندا وإيران، خاصَّةً أنَّ العلاقات الدبلوماسية الرسمية مقطوعة بينهما منذ عام 2012م.