كيف سيؤثر تعيين مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي على أولويات أوروبا الدولية؟

https://rasanah-iiis.org/?p=36128

بعد ولايةٍ استمرت خمس سنوات، سيتنحى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عن منصبه قبل نهاية عام 2024م، لصالح رئيسة وزراء إستونيا السابقة كايا كالاس. ومن المرجح أن تواصل خليفته كالاس العمل على العلاقات المعقدة للاتحاد الأوروبي مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا ولكن مع صب جام تركيزها على الأمن، والمنافسة الاقتصادية، والدبلوماسية الرقمية. ومن المتوقع أن تبقى الحرب الروسية-الأوكرانية الجارية، والتوترات مع روسيا، وموقف الاتحاد الأوروبي من الصين نقطة محورية لدى السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في ظل قيادتها المستقبلية. وعلاوة على ذلك، قد نشهد تعزيز لدور الاتحاد الأوروبي في الجنوب العالمي، ولاسيما وأن الاتحاد يسعى لأن يصبح شريكًا رئيسيًا في هذه المنطقة.

وعندما تتولى رئيسة وزراء إستونيا السابقة كايا كالاس مهامها رسميًا كممثلة سامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، قد نشهد استمرارًا وربما تصعيدًا للتوجه الحالي في سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، ولاسيما فيما يتعلق بروسيا وأوروبا الشرقية. ومن المُرجح أيضًا أن تبقى أوكرانيا وروسيا والصين على سلم أولويات الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية. مثلًا، قد يتبنى الاتحاد سياسة خارجية أكثر صرامةً، وخصوصًا فيما يتعلق بوحدة الاتحاد الأوروبي الإستراتيجية ودوره في الحوكمة العالمية.

 بعدما عيّن حلفُ شمال الأطلسي (ناتو)، ايته مارك روته أمينًا عامًا جديدًا للحلف في 26 يونيو 2024م، قادت كالاس حملة قوية بدعمٍ من كافة دول أوروبا الشرقية والوسطى لتُصبح الممثلة السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي وفي 27 يونيو 2024م، وقع الاختيار عليها لهذا المنصب المنشود. وخلال انعقاد قمة مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل حازت رئيسة حزب «إستونيا الإصلاحي» على دعم من رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي للظفر بهذا المنصب الرفيع ذا النفوذ العالي في الاتحاد.  وقبل تعينها نهائيًا في هذا المنصب لمدة خمس أعوام، يتعين على كالاس أخذ موافقة البرلمان الأوروبي بعد جلسات استماع ستعقد لاحقًا في 2024م. وبتعينها، ستصبح كالاس خامس ممثل للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية منذ استحداث هذا المنصب في عام 1999م، وستكون أول من ينال هذا المنصب من دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، وأول من يصل إلى الطبقة العُليا لدوائر صنع القرار والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي من دول البلطيق.

كانت كالاس عضوًا في البرلمان الأوروبي في الفتر من 2014-2018م، أما والدها فقد شغل هو أيضًا منصب رئيس وزراء إستونيا وكان أيضًا أول مفوض من بلاده للاتحاد الأوروبي واستمر لمدة عشر سنوات منذ انضمام إستونيا للاتحاد الأوروبي. وكان لهذه الخلفية العائلية دورٌ قويٌ في بلورة فِكرها السياسي ما يُفسر لنا عدم ثقتها في روسيا. وهذا ما نراه في تصريحها في مؤتمر «السلام في أوكرانيا» الذي نظمته سويسرا حيث قالت: «عانت دول كثيرة من الاستعمار؛ منهم بلادي، التي كانت جزءًا من روسيا التي استمرت دولةً استعمارية لقرابة نصف قرن حتى عام 1990…في ذلك الوقت، دارت نقاشات كثيرة حول السلام ولكن كان سلامًا بشروط روسية مع قمع لكل ما هو إستوني».

ولعل أول نتائج تعيين كالاس في هذا المنصب سيتمثل باتخاذ موقفٍ أكثر صرامةً تجاه روسيا؛ لا عجب فهي من أشد منتقدي روسيا من الاتحاد الأوروبي، وخصوصًا في سياق الحرب في أوكرانيا. وتحت قيادتها، قد يستمر الاتحاد الأوروبي أو يعزز أكثر من موقفه الصارم من التدخل العسكري الروسي، مع التأكيد على العقوبات ودعم أوكرانيا. ويمكن أن نشهد تعزيزات في نطاقات سبق ونشطت فيها إستونيا مثل الدفاعات الأوروبية والأمن السيبراني. 

وكونها مناصرة قوية لحلف «الناتو»، من المُرجح أن تكون الأولوية الثانية لكالاس هي توطيد العلاقات مع «حلف الناتو». لذا؛ قد نشهد بعد تعينها تعاونًا أعمق بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في خضم التحديات الأمنية المتصاعدة في أوروبا. وهذا سيشمل تعزيز دمج الاستراتيجيات الدفاعية مع زيادة مستوى الدعم العسكري لدول الاتحاد الأوروبي المحاذية لروسيا.

وسيتمثل التوجه الثالث في تجديد الاهتمام بـ «الرقمنة والأمن السيبراني»، فإستونيا رائدة في الحوكمة الرقمية والأمن السيبراني، لذا يمكن أن تدفع كالاس نحو تبني الاتحاد الأوروبي مستويات أعلى من الدبلوماسية الرقمية والأمن السيبراني. وهذا قد يشمل تعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي في التصدي للتهديدات السيبرانية وتضليل المعلومات؛ وتلك مجالاتٌ تنشط فيها روسيا على وجه التحديد.  

ومن المحتمل أن تدافع كالاس عن أوروبا الشرقية ودول البلطيق، فعندما كانت رئيسة لوزراء إستونيا، كانت كالاس تدافع بكل حماس عن مصالح أوروبا الشرقية ودول البلطيق داخل الاتحاد الأوروبي. وسيشمل هذا الدفاع، إيلاء أهمية أكبر لأمن الطاقة، خصوصًا في تقليل الاعتماد على روسيا كمصدر للطاقة مع تعزيز الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية في المنطقة.

كما ستشدد كالاس على تعزيز قيم الاتحاد الأوروبي؛ فقد دأبت على التأكيد على أهمية الديمقراطية، وحكم القانون، وحقوق الإنسان في وقت شهد فيه الاتحاد الأوربي تصاعدًا لأحزاب اليمين المتطرف. لذا سيحمل تعينها مزيدًا من التأكيد على قيم الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية؛ وهذا يشمل لعب دور أكثر فعالية في الساحة الدولية ودعم الحركات الديمقراطية في جميع أرجاء العالم. ولكن في ظل تركيزها القوي على روسيا، فإن كالاس عليها التفكير في ملفات أخرى مهمة في السياسة الخارجية، مع طرح رؤية جديدة للاتحاد في مناطق أخرى مثل التعامل مع إيران والصين والشرق الأوسط.

خلاصة القول؛ قد تعزز قيادة كالاس الأولويات الحالية لسياسية الاتحاد الأوروبي الخارجية مع التركيز أكثر على الأمن السيبراني، والدفاع، ومصالح أوروبا الشرقية، وستسمر في نهجها في التصدي للنفوذ الروسي مع دعم وحدة الاتحاد وصموده في وجه التحديات الخارجية.   

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير