بعد تولِّي الرئيس مسعود بزشكيان زمام السُلطة، دار ترقُّبٌ كبير حول شكل حكومته. وبعد المناقشات، وافق البرلمان الإيراني على جميع الترشيحات، التي قدَّمها بزشكيان باعتبارها «حكومة الوحدة». وهذه هي المرَّة الأولى منذ أكثر من عقدين، التي يحصل فيها رئيسٌ إيراني على موافقةٍ برلمانية كاملة على حكومته. وباختياره الوزراء، يرسل رسالة لــ «المتشدِّيين»، بأنَّه «يسعى إلى الحصول على دعمهم خلال هذه الفترة الحرِجة، التي تتَسِم بتقلُّبات أمنية في المنطقة، مع تنامي توجُّه الرأي العام ضدّ النظام السياسي في إيران».
وبعد ترشيح الرئيس وحصوله على ثقة البرلمان، تشكَّلت الحكومة الإيرانية، التي تتمتَّع بسُلطة كبيرة على الشؤون الداخلية، لكن دورها ونفوذها في السياسة الخارجية أقلّ ومحدود. كما تعمل الشخصيات الرئيسية في السياسة الخارجية، مثل وزير الخارجية ووزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الاستخبارات، في «المجلس الأعلى للأمن القومي». ويتمتَّع هذا المجلس بسُلطةٍ ونفوذ كبيرين في تشكيل وتوجيه السياسة الخارجية للبلاد، ناهيك أنَّه يعمل تحت إشراف المرشد الأعلى، صاحب الكلمة الفصل في أمن إيران وسياستها الخارجية.
ويؤكِّد تشكيل الحكومة الجديدة أنَّه على الرغم من وصول رئيس «إصلاحي» إلى السُلطة، فمن غير المرجَّح أن تحدُث تغييرات كبيرة. ويؤكِّد هذا الاستنتاج استقالة وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف من منصبه كنائب للرئيس للشؤون الإستراتيجية. ومع ذلك، وفقًا للتقارير الأخيرة، سحَبَ ظريف استقالته. لكن ظريف عند تقديم استقالته، فإنَّ ثلاثةً فقط من الوزراء التسعة عشر كانوا من الخيارات الأولى للجنة التوجيهية، مؤكِّدًا أنَّ 10 وزراء لم تكُن أسماؤهم في القائمة. وقال ظريف إنَّه استقال بسبب إحباطه وعدم قُدرته على تنفيذ توصيات الخُبراء، وإشراك النساء والشباب والأقلِّيات العِرْقية في الحكومة. وفي هذا الصدد، انتقدت رئيسة «جبهة الإصلاح» في إيران آذر منصوري، الحكومة التي اقترحها بزشكيان، قائلةً: «لا ينبغي لأحد أن يتوقَّع معجزات من هذه الحكومة، لا سيّما أنَّ أكثر من 80% من سلطة البلاد في أيدي كيانات أخرى». وبذلك، أصبحت الصراعات والخلافات الداخلية في التيّار «الإصلاحي» أكثر وضوحًا، خاصَّةً فيما يتعلَّق بعدم تحقيقهم لتمثيل كافٍ، وهي النقطة التي أثارها العديد من القادة.
في محاولة جلية لضمان موافقة النظام الحاكم ودعمه، ضمَّ بزشكيان إلى حكومته أفرادًا من خلفيات «متشدِّدة» وعسكرية. ويزعم المنتقدون أنَّه مع مثل هذه التركيبة، فمن غير المُحتمَل أن ينفِّذ بزشكيان الإصلاحات الجوهرية، التي وعَدَ بها خلال حملته الانتخابية. ومن المهم أن نلاحظ أنَّه خلال الجولة الأخيرة من الانتخابات ضدّ منافسه سعيد جليلي، زادت نسبة الإقبال على التصويت قليلًا، مقارنةً بالجولات السابقة. وكان هذا الارتفاع مدفوعًا إلى حدٍّ كبير برغبة الشعب في منْع وصول «المتشدِّدين» لرئاسة الحكومة، وهُم الذين قد يقمعون الإصلاحات، ويعيدون الكرَّة بردَّة الفعل العنيفة على الاحتجاجات، كما فعلت حكومة رئسيي، ومع ذلك تتراجع الآمال في احداث إصلاحات للبلاد.
يوضِّح الجدول أدناه شكل الحكومة الإيرانية الجديدة مع لمحة موجزة عن خلفيات أعضائها:
الوزارة | الوزير | الخلفية |
وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات | ستار هاشمي | أكاديمي تحوَّل إلى سياسي، وشغِلَ منصب نائب وزير التكنولوجيا والابتكار في «وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات» في حكومة روحاني. |
وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية | عبدالناصر همتي | أكاديمي وخبير اقتصادي، شغِلَ سابقًا منصب محافظ البنك المركزي الإيراني. |
وزارة التعليم | علي رضا كاظمي | شغِلَ منصب نائب وزير التربية والتعليم في حكومة رئيسي. |
وزارة الاستخبارات والأمن الوطني | إسماعيل خطيب | كان وزيرًا للاستخبارات في حكومة رئيسي، وشغِلَ مناصب ورُتَبًا مختلفة داخل «الحرس الثوري الإيراني» على مدى العقود العديدة الماضية. |
وزارة التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية | أحمد میدري | خبير اقتصادي شغِلَ منصب نائب وزير الرعاية الاجتماعية في وزارة «التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية» في حكومة روحاني. |
وزارة الداخلية | إسكندر مؤمني | من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، وكان رئيس أركان فرقة «كربلاء الخاصة 25»، ورئيس أركان سابق للواء «مالك الأشتر». |
وزارة الدفاع | عزيز نصير زاده | عمِلَ نائبًا لرئيس أركان القوّات المسلَّحة في عام 2021م، وكان أيضًا نائب قائد القوّات الجوِّية. |
وزارة الزراعة | غلام رضا نوري قزلجة | شغِلَ سابقًا مناصب مختلفة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومكتب محافظ أذربيجان الغربية، ومكتب «التنسيق الاقتصادي» لمحافظة أذربيجان الشرقية. |
وزارة النفط | محسن باكنجاد | نائب وزير النفط السابق للإشراف على موارد الهيدروكربون، وشغِلَ مناصب عُليا في «شركة النفط الوطنية الإيرانية |NIOC» و«شركة نفط إيران إنترتريد |NICO». |
وزارة العدل | أمين حسين رحيمي | شغِلَ منصب وزير العدل في حكومة رئيسي، وشغِلَ مناصب عُليا مختلفة في السُلطة القضائية، بما في ذلك نائب رئيس السُلطة القضائية لشؤون الموارد البشرية والثقافة، والمدّعي العام لديوان المحاسبة، ومستشار رئيس السُلطة القضائية. |
وزارة الطُرُق والتنمية الحضرية | فرزانة صادق | هي الوزيرة الوحيدة في الحكومة، وشغِلَت سابقًا منصب نائبة وزير التخطيط العمراني ومدير عام الهندسة المعمارية والتصميم الحضري، كما عمِلَت مستشارة لوزير الطُرُق والتنمية الحضرية. |
وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي | عباس صالحي | نائب سابق لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وله خبرة واسعة في المجال الأكاديمي والحكومي. |
وزارة التراث الثقافي والسياحة والصناعات التقليدية الإيرانية | محمد رضا صالحي أميري | شغِلَ منصب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي في حكومة روحاني، كما كان رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، ونائب رئيس بلدية طهران للشؤون الاجتماعية والثقافية. |
وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا | حسين سيمائي صراف | شغِلَ منصب أمين عام مجلس الحكومة من عام 2019م إلى عام 2022م، وشغِلَ مناصب مختلفة في وزارة العلوم. |
وزارة الصحة والتعليم الطبي | محمد رضا ظفرقندي | جرّاح وأستاذ متميِّز في «جامعة طهران للعلوم الطبِّية»، وهو أيضًا الأمين العام لــ« الجمعية الإسلامية للمجتمع الطبِّي الإيرانية». وخلال جائحة كورونا، شِغَل منصب رئيس «منظَّمة النظام الطبِّي الإيراني». |
تولَّى عباس عراقجي منصب وزير الخارجية الجديد، ويشير اختياره إلى إمكانية تخفيف العقوبات على إيران في المستقبل، بما يتماشى مع وعود حملة بزشكيان بمعالجة العقوبات كعامل رئيسي في معالجة الأزمة الاقتصادية الإيرانية. ومع ذلك، فإنَّ هذا يتوقَّف على عدَّة عوامل بما في ذلك الوضع الأمني في المنطقة، وكذلك المعاملة بالمثل من الإدارة الأمريكية المستقبلية، التي قد تواجه ضغوطات من الحزبين لاتّخاذ تدابير أكثر صرامةً ضدّ إيران. وتكشف تصريحات عراقجي الأخيرة، أنَّه يركِّز على استعراض القوّة، والتعامل مع دعوات الحرس الثوري الإيراني للانتقام من قتل إسرائيل إسماعيل هنية في طهران، هذه الحادثة التي ينظر إليها على أنَّها فشل أمني واستخباراتي كبير بحقِّ طهران. ومن الضروري جدًّا أن تقوم إيران بردع فعّال، لا سيّما أنَّ الضربات الانتقامية السابقة لم تنجح في خلق ردع إيراني قوي. وتؤكِّد ردود عراقجي على إصرار بلاده على الانتقام، لكن حتى اللحظة يظهر الرد الإيراني الفعلي جليًا في تجنُّب تصعيد الأوضاع إلى حرب إقليمية أوسع نطاقًا لا تستطيع إيران تحمُّلها.
إنَّ التقدُّم الذي أحرزته إيران في تخصيب اليورانيوم وإستراتيجيتها للاستفادة من وضعها كدولة ذات عتبة نووية، قد يثنيها هي والولايات المتحدة من العودة الكاملة إلى «خطَّة العمل الشاملة المشتركة»؛ وهذا يبدو جليًا في بقاء القضايا الخلافية قائمة دون حل في مفاوضات فيينا. ويدرك عراقجي، الذي يتمتَّع بخبرة عدَّة سنوات كرئيس للمفاوضين النوويين الإيرانيين، أنَّ حل القضية النووية أمرٌ بالغ الأهمِّية لمعالجة التحدِّيات الاقتصادية التي تواجه إيران. وتسعى إدارة بزشكيان إلى تنفيذ «خطَّة التنمية السابعة» الطموحة، التي تستهدف الوصول إلى معدل نمو سنوي بنسبة 8%؛ وهذا هدفٌ يبدو غير واقعي، في ظل العزلة الاقتصادية التي تعيشها إيران بسبب العقوبات المفروضة عليها.
وتشير النقاشات الأخيرة، التي أجراها عراقجي مع وزير خارجية فنزويلا، إلى سير عراقجي على خُطى رئيسي في السياسة الخارجية، بالتركيز على تعزيز العلاقات مع أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. ويهدُف هذا النهج إلى تنويع شراكات إيران الدولية مع مواجهة النفوذ الغربي. وتعكس الإستراتيجية أيضًا الجهود لتوسيع بصمة إيران الجيوسياسية، وتأمين الدعم من دول خارج المجال الغربي التقليدي.
عُيِّن إسكندر مؤمني، وهو أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، وزيرًا للداخلية؛ ما يُشير إلى استمرار نفوذ الحرس الثوري الإيراني داخل مجلس الوزراء. وكما هو الحال في حكومة رئيسي، من المرجَّح أن تحتفظ وزارة الداخلية التابعة لمؤمني، بتعيينات الحرس الثوري الإيراني في الأدوار الرئيسية. وعُيِّن العميد عزيز ناصر زاده وزيرًا للدفاع، الذي شغِلَ منصب نائب رئيس أركان القوّات المسلَّحة، وكان قائدًا سابقًا للقوّات الجوِّية ورئيسًا للأركان. وفي بيان صدر مؤخَّرًا، أكد ناصر زاده أنَّ تحديث ترسانة إيران العسكرية تُعتبَر على رأس أولوياته، مضيفًا أنَّ بناء ردعٍ قوي أمرٌ بالغ الأهمِّية، ومن المرجَّح أن يعكس نهجه أيضًا مصالح المؤسَّسة العسكرية الإيرانية.
وفي المشهد السياسي الإيراني، يستند الولاء للدولة إلى موقف المسؤول من قضايا مهمَّة، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل ودعم «محور المقاومة». ولأنَّ الهوية الوطنية نفسها متجذِّرة بعمُق في «الثورة الإيرانية» والمشاعر المعادية للغرب، فإنَّ أيّ انحراف عن مواقف البلاد التي تتّخِذها في الوضع الراهن، يُنظَر إليه بعين الريبة والشك. يُدرِك الساسة والقادة هذا الأمر، ويضطرُّون إلى إدارة أفعالهم ومواقفهم بعناية داخل الحدود، التي حدَّدها النظام الحاكم، كما في حالة حكومة بزشكيان. وسابقًا خدَمَ العديد من الوزراء في الحكومة الحالية تحت حكومة رئيسي وروحاني، والعديد منهم لديهم أيضًا خلفية عسكرية؛ ما يشير إلى استمرارية نفس النهج والسياسات مع حكومة بزشكيان. ويبقى الآن أن نرى كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع التحدِّيات الجيوسياسية الحالية، وسط استمرار الاحتجاجات العُمّالية، وتصاعُد التوتُّرات، التي قد تؤدِّي إلى إشعال فتيل الاحتجاجات على نطاق أوسع مع تفاقُم التوتُّرات الداخلية.