زارَ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في 23 سبتمبر 2024م، الولايات المتحدة، في زيارة تُعَدُّ الأولى من نوعها منذ تولِّيه الرئاسة. وخلال زيارته التقى بالرئيس جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والعديد من كبار المسؤولين الأمريكيين، حيث ناقش الجانبان آفاقَ تعزيز التعاون الدفاعي والإستراتيجي بين البلدين.
وفي البيان المشترك، أكَّد البلدان على اتّخاذهما عدَّة تدابير لتعميق شراكتهما الاقتصادية والتكنولوجية، في السنوات الأخيرة. فعلى الصعيد التجاري، بلغ حجم التجارة الثنائية 40 مليار دولار، مع تجاوُز الصادرات الأمريكية إلى الإمارات 24 مليار دولار في عام 2023م؛ ما يجعل الإمارات من بين أكبر خمس دول لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة. كما قامت الإمارات باستثمارات كبيرة في الولايات المتحدة، من خلال «شركة مبادلة للاستثمار»، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية، حيث استثمرت أكثر من 100 مليار دولار في عدَّة شركات أمريكية. وفي محاولة لتعزيز الذكاء الاصطناعي في المنطقة، استثمرت شركة مايكروسوفت 1.5 مليار دولار في شركة «G42 الإماراتية»؛ وهي شركة لتطوير الذكاء الاصطناعي ومقرّها أبوظبي تركِّز على تنفيذ الذكاء الاصطناعي عبر صناعات متنوِّعة. وأكَّد البلدان أنَّ اتفاقية التعاون النووي بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، تقدِّم نموذجًا للتكنولوجيات المستقبلية. كما عمِلَ البلدان أيضًا على تعميق تعاونهما في حوكمة الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والبحث العلمي والتطوير.
وتحرصُ الولايات المتحدة والإمارات على تعزيز استمرار سلاسل التوريد العالمية وصمودها؛ «مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي| PGII»، مع تسليط الضوء بشكلٍ خاص على أهمِّية «الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا | IMEC»، الذي أُطلِق خلال قمَّة مجموعة العشرين عام 2023م. هذا مهم بشكل خاص وسط تصاعُد المخاطر في طُرُق التجارة التقليدية في المنطقة، وحاجة كلا الجانبيين لبناء شبكات تجارية قادرة على الصمود في وجه الأزمات.
وكثَّف الجانبان جهودهما لزيادة الاستثمارات في الطاقة النظيفة، في إطار «الشراكة الرامية لتسريع الطاقة النظيفة|PACE»، والتصدِّي لنقص الطاقة، لا سيّما في البلدان الأفريقية. وتعتزم شركة «أفيري فاينانس|Averi Finance» ومقرّها الإمارات العربية المتحدة، تقديم تسهيل بـ 5 مليارات دولار من الاستثمارات، وبناء مشاريع لتوليد الطاقة بقُدرة 3 غيغاوات، وإنشاء أكثر من 3 آلاف كيلومتر من خطوط النقل أو التوزيع. بالاضافة إلى ذلك، تستهدف شركة «أميا باور | AMEA Power» ومقرّها الإمارات العربية المتحدة، توليد 5 غيغاوات من الطاقة المتجدِّدة في أفريقيا، بحلول عام 2030م. ثمَّة أيضًا استثمارات كبيرة في قطاع الطاقة المتجدِّدة في الولايات المتحدة مثل مشاريع طاقة الرياح التابعة لشركة «مصدر| Masdar» في نيو مكسيكو وتكساس وكاليفورنيا. وأكَّد البلدان على تعاونهما في تكنولوجيا الفضاء وبعثات استكشاف الفضاء السحيق؛ هذا التعاون بالغ الأهمية لـ «أبوظبي»، فهي تطمح لأن تصبح دولةً رائدة في هذا المجال. ستوفِّر وكالة الإمارات للفضاء غرفة معادلة الضغط الهوائي لمحطَّة «غيتواي |Gateway»، وهي محطَّة فضاء للبشرية تدور حول القمر بدعمٍ من بعثات وكالة «ناسا»؛ ما يمكِّن أولَ رائد فضاء إماراتي من الانضمام إلى «محطَّة غيتواي» لاستكشاف القمر.
ولعلَّ الجزئية الأهمّ في هذا البيان المشترك، هي تصنيف الإمارات العربية المتحدة كـ «شريك دفاعي رئيسي للولايات المتحدة»، بعدما كان ذلك الوضع حكرًا على الهند. ومن شأن هذا التصنيف أن يعزِّز الشراكة الدفاعية والتعاون العسكري والتدريبات والمناورات المشتركة، فضلًا عن تمهيد الطريق لتعاون أعمق في الشرق الأوسط ومنطقة المحيط الهندي. وأكَّدت الدولتان من جديد على اتفاقية التعاون الدفاعي لعام 2017م، وعلى أهمِّية الحوار العسكري المشترك السنوي لمعالجة التحدِّيات الأمنية الإقليمية. والجدير بالذكر هُنا أنَّ أهمّ القواعد العسكرية للولايات المتحدة بالمنطقة، موجودة في الإمارات، مثل قاعدة الظفرة الجوِّية، التي تتّسِع لــ 5000 عسكري أمريكي، ناهيك عن أنَّ الإمارات أصبحت مع مرور الوقت شريكًا عسكريًا مهمًّا للولايات المتحدة بالمنطقة، حيث شاركت في العديد من التحالفات العسكرية تحت قيادة واشنطن. وعلى الرغم من وجود تكهُّنات بأنَّ تصنيف الإمارات كـ «شريك دفاعي رئيسي» من شأنه أن يمهِّد الطريق لاستئناف مفاوضات طائرات «إف-35» الحربية، إلّا أنَّ التقارير الأخيرة تُشير إلى أنَّ أبوظبي قد لا تكون مهتمَّةً بالصفقة.
لم تعُد مسألة الطاقة هي المحور الوحيد في العلاقة بين واشنطن وأبوظبي، فقد اختلفت أولوياتهما، وأصبحت أولويات أخرى متجذِّرة على اعتبارات جيواقتصادية وجيوإستراتيجية تقود علاقتهما. وتعكس زيارة الشيخ محمد بن زايد التاريخية للولايات المتحدة التحوُّل في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت متعدِّدة الأبعاد، وتتعمَّق عبر مختلف القطاعات الحيوية، لا سيّما في الدفاع والتكنولوجيا والاقتصاد. وتسلِّط الزيارة الضوء على المصالح والمخاوف المشتركة لكلا البلدين، والنيّة المُتبادَلة للتغلُّب على خلافتهما. وقد يتساءل المرء عن مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات، في ظل تركيز واشنطن على الساحات العالمية الأخرى، مثل أوروبا الشرقية وآسيا لمواجهة روسيا والصين. وفي هذا السياق اغتنمت الولايات المتحدة هذه الفُرصة لطمأنة الإمارات بالتزامها المستمر بأمن المنطقة، على الرغم من المخاوف بشأن تركيز واشنطن المتزايد على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. بالإضافة إلى ذلك، يمنح الموقع الإستراتيجي لدولة الإمارات وقوّتها الاقتصادية نفوذًا كبيرًا على الأطراف الغربية لمحيط المحيط الهندي والهادئ. وتُشير مناورات الإمارات الدبلوماسية إلى طموحاتها وسعيها لتعزيز استقلاليتها الإستراتيجية، من خلال تعميق علاقاتها التجارية والتكنولوجية مع بكين، بالإضافة إلى توطيد شراكتها مع واشنطن، وهو أمرٌ بالغ الأهمِّية، خصوصًا أنَّ الولايات المتحدة هي الآن –وستبقى- الدولة الضامنة لأمن المنطقة في المستقبل القريب. ونشهد هذا النهج الآن مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تؤكِّد نفسها كلاعبٍ رئيسي في الساحة العالمية، وتتّخِذ مواقف مستقِلَّة بشأن القضايا الإقليمية والعالمية، استجابةً للديناميات المتغيِّرة للنظام العالمي. ولا تزال الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاءَ التعاون التكنولوجي المتزايد بين الإمارات والصين، ومن المحتمل أن يتنامى هذا القلق في السنوات القادمة. وفي محاولة لتنويع شراكاتها خارج التحالفات الغربية، انضمَّت الإمارات إلى مجموعة «البريكس» هذا العام. يمكن للقُوى الوسطى الحازِمة، مثل الإمارات، الاستفادة من نفوذها لمساعدة القُوى الكُبرى، مثل الولايات المتحدة على تحقيق الاستقرار للحفاظ على المصالح الإقليمية، لذلك لا بُدَّ لدولة الإمارات من المحافظة على علاقات متينة مع الولايات المتحدة؛ لتأمين أولوياتها الأمنية وأهدافها الإستراتيجية.
في السياق الحالي، فإنَّ تصنيفها «كشريك دفاعي رئيسي»، سيمكِّنها من إدارة مصالحها المشتركة مع الولايات المتحدة، بدعمٍ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بغضِّ النظر من سيكون الفائز في الانتخابات الأمريكية المقبلة. وفي خِضَمّ الحرب الدائرة في غزة، تواجهُ الولايات المتحدة تراجعًا في شعبيتها الإقليمية وتشكُّكًا بمدى التزاماتها تجاه المنطقة. ومع تصاعُد التوتُّرات الإقليمية، تزدادُ أهمِّية الإمارات الإستراتيجية في نظر الولايات المتحدة، لا سيّما أنَّها أول المشاركين في «الاتفاقيات الإبراهيمية».