دور أوروبا المرتقب في لبنان وانفجار التوتُّرات العسكرية بين قوات اليونيفيل والجيش الإسرائيلي

https://rasanah-iiis.org/?p=36681

تحاول الدول الأوروبية الردّ على هجمات إسرائيل على قوّات اليونيفل، التي أسفرت عن إصابة قوّات حفظ السلام في جنوب لبنان، في الأيام القليلة الماضية. وثمَّة عوامل مهمَّة تؤثِّر على الردّ الأوروبي، على رأسها: علاقاتهم الدبلوماسية مع إسرائيل ولبنان والشرق الأوسط، بالإضافة إلى التزامهم بجهود قوات حفْظ السلام والقانون الدولي.

أولًا، أصدرت الدول الأوروبية؛ خصوصًا تلك الملتزمة التزامًا قويًا بالقانون الدولي وحفظ السلام، بيانات رسمية أدانت فيها هذا الهجوم، إذ وصفت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا استهداف الجيش الإسرائيلي قوّات اليونيفل  بأنَّه «غير مبرَّر»، ويجب «إنهاءه فورًا»، وأنَّ ما قامت به إسرائيل «انتهاك» للقانون الدولي، لا سيّما ما يتعلَّق بسلامة العاملين في الأُمم المتحدة.

ثانيًا، ناشد القادة الأوروبيون، على رأسهم من تربطهم علاقات مع إسرائيل ولبنان، بتنفيذ وقْف فوري للأعمال القتالية، وأكَّدوا مجدَّدًا الحاجة إلى الحوار الدبلوماسي؛ لمنع المزيد من التصعيد في هذه المنطقة المضطرِبة. فمن وجهة نظرهم، لا يُوجَد حل عسكري قصير الأمد للتوتُّرات في جنوب لبنان؛ بل هناك حلٌّ دبلوماسي طويل الأمد. وهذه هي أيضًا وجهة نظر المتحدِّث باسم اليونيفيل أندريا تيننتي، الذي شدَّد على الحاجة للتوصُّل إلى حلٍّ سياسي ودبلوماسي للصراع، وقال إنَّ «الحلول العسكرية التي نراها الآن ليست الحلّ».

ثالثًا، أوضحت الدول الأوروبية موقفها في اجتماع مجلس الأمن التابع للأُمم المتحدة، لمعالجة الوضع في لبنان والشرق الأوسط . وتدعو دول مثل فرنسا، التي لعبت تاريخيًا دورًا هامًّا في لبنان وهي داعم رئيسي لـ «اليونيفيل»، إلى اتّخاذ تدابير لضمان سلامة قوّات حفْظ السلام والمدنيين في جنوب لبنان. كما أعرب وفد الاتحاد الأوروبي في الاجتماع عن تجديد دعمه لبعثة اليونيفيل، ودعا إلى مراجعة التدابير الأمنية لتأمين حمايةٍ أفضل لقوّات حفْظ السلام. ووفقًا لبيان الاتحاد الأوروبي، تسعى بروكسل إلى خفْض التصعيد في جنوب لبنان، بالقول: «نؤكِّد دعمنا الكامل لـ «اليونيفيل»، حيث لدينا وجود قُوي للاتحاد الأوروبي. في حالة الطوارئ الحالية، تقوم اليونيفيل بدورٍ أساسي في استقرار جنوب لبنان. ونُحِثُّ جميع الأطراف على احترام وجود اليونيفيل، والوفاء الكامل بالتزاماتها بضمان سلامة وأمن أفراد اليونيفيل، في جميع الأوقات». ووفقًا لوزارة القوّات المسلحة الفرنسية، يُوجَد حوالي 700 جندي في اليونيفيل في لبنان، ولدى إسبانيا قرابة 650 جندي في لبنان.

ونظرًا لتصاعُد التوتُّرات العسكرية بين قوّاتهم والجيش الإسرائيلي، دخل  الدبلوماسيون الأوروبيون في تفاعلات دبلوماسية غير علنية مع إسرائيل ولبنان؛ لضمان عدم تفاقُم هذه الحوادث إلى صراعٍ أكبر. وفي هذا السياق، يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي استخدام قنواتهم الدبلوماسية؛ لتشجيع الحوار بين الطرفين، والحيلولة دون تدهوُر الوضع.  وقد تفكِّر الدول الأوروبية في الضغط باستخدام تدابير دبلوماسية أو اقتصادية، إذا تفاقم الوضع، أو إذا قرَّرت أنَّ الهجوم الإسرائيلي كان جزءًا من انتهاكات أوسع. لكن يبقى هذا السناريو أقلّ احتمالًا، في سياق الردِّ على الهجمات، التي  تُسفِر عن جرح الجنود دون قتلهم. ومع ذلك، تميل أوروبا إلى تبنِّي نهْجٍ حذِر في تطبيق العقوبات، خاصةً في المناطق الجيوسياسية الحسّاسة، مثل الشرق الأوسط. وردًّا على الاستهداف، استدعت فرنسا وإيطاليا سفيري إسرائيل في باريس وروما. وبشكلٍ عام، تركِّز أوروبا في ردِّها على ضمان المحاسبة عن هذه الحوادث، والالتزام بالقانون الدولي، والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، مع موازنة علاقاتها مع إسرائيل ولبنان والمجتمع الدولي.

نظرًا لعلاقاتها التاريخية بالمنطقة، وكونها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وعلاقاتها الوثيقة مع كلٍّ من إسرائيل ولبنان، تحاول فرنسا أن تلعب دورًا دبلوماسيًا مؤثِّرًا في مساعي وقْف هجوم إسرائيل العسكري على لبنان. لكن فعالية أيّ مبادرة تقودها فرنسا، بما في ذلك وقْف الإمدادات العسكرية لإسرائيل، تعتمد على عدَّة عوامل. على الرغم من أنَّ الرئيس إيمانويل ماكرون يدعو إلى وقْف الإمدادات العسكرية لإسرائيل، بالنسبة للأسلحة المُستخدَمة في لبنان وغزة، لكن مثل هذه الخطوة سيكون لها تأثير فوري محدود، إلّا إذا وُضِعت في سياق مساعٍ دولية منسَّقة وعلى نطاقٍ أوسع لوقف إطلاق النار. ورُبَّما يكون النفوذ الدبلوماسي الفرنسي، سواءً في المنطقة أو في الأُمم المتحدة، أكثر فعالية في الدفع نحو المفاوضات، أو وقْف إطلاق النار. ناهيك عن أنَّ فرنسا تستطيع الاستفادة من نهجها القوي في المسائل الإنسانية؛ لتسليط الضوء على الخسائر البشرية للصراع، وبالتالي الضغط من أجل خفْض التصعيد من منظورٍ أخلاقي. وقد تتلقَّى هذه المبادرة الدبلوماسية الفرنسية دعمًا دبلوماسيًا من دول أوروبية أخرى، من تلك التي تشارك في عمليات الانتشار العسكرية لـ «اليونيفيل»، في خِضَمّ التوتُّرات المتصاعِدة مع الجيش الإسرائيلي.

قُبيل اندلاع التوتُّرات العسكرية المفاجئة بين اليونيفيل والجيش الإسرائيلي، ذهَبَ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في زيارةٍ إلى بيروت في 4 أكتوبر 2024م، حيث سلَّط الضوء على مكانة لبنان المركزية في الجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط، وأكَّد على نفوذ إيران، لا سيّما من خلال علاقة بلاده بـ «حزب الله». وعلى الرغم من أنَّ إيران تبقى وسيطًا رئيسيًا في لبنان، قد يكون للاتحاد الأوروبي دورٌ في تعزيز الاستقرار والأمن والإصلاحات في البلاد. ناهيك عن أنَّ الاتحاد الأوروبي يدعم مؤسَّسات الدولة اللبنانية، خاصَّة القوّات المسلَّحة اللبنانية، بوصفها قوَّةً مُوازِنة للجناح العسكري لـ «حزب الله»، الذي يسير تبعًا للمصالح الإيرانية. الجدير بالذكر هُنا، أنَّ تعزيز القوّات المسلَّحة اللبنانية بالتدريب والموارد، من شأنه أن يساعد في الحفاظ على الأمن في لبنان، مع تقليل الاعتماد على حزب الله لحماية مناطق معيَّنة، بعد التوصُّل إلى وقْف إطلاق النار.

وبوسع الاتحاد الأوروبي أن يعزِّز مساعداته الإنسانية، مع التركيز على التنمية المُستدامة، والتعليم، والرعاية الصحية، وإعادة الإعمار. وهذه المساعدات ستساعد في استقرار المجتمع اللبناني، بمعالجة بعض المسبِّبات الرئيسية لعدم الاستقرار، وتحسين سُبُل عيْش المواطنين اللبنانيين. ناهيك عن أنَّ امتلاك الاتحاد الأوروبي الخبرة في التعامل مع إيران، من خلال القنوات الدبلوماسية، مثل محادثات «خطَّة العمل الشاملة المشتركة»؛ أي الاتفاق النووي. لذا، يمكن للاتحاد أن يستثمر هذه القناة لبدء محادثات مع إيران حول مستقبل لبنان، وتشجيع طهران للقيام بدور بنّاء أكثر فعالية في تعزيز السلام والاستقرار، بدلًا من تصعيد التوتُّرات. خلاصة القول، يمكن لأوروبا أن تضطلع بدورٍ أكبر لإرساء الاستقرار، وضمان توزُان القُوى في لبنان، من خلال التوسُّط بين مختلف القُوى السياسية، وتعزيز الإصلاحات، ومعالجة التحدِّيات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الأوسع نطاقًا. ومن شأن هذا الدور أن يخدم أيضًا المصالح الأوروبية، من خلال الحدِّ من خطر المزيد من عدم الاستقرار في لبنان، الذي قد تكون له آثارٌ جانبية إقليمية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير