في خِضَمّ التصعيد المتسارع بين إسرائيل وإيران والضربات الأمريكية، التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، عبَّر المجتمع الدولي عن بالغ قلقه؛ داعيًا الأطراف المعنية إلى التهدئة، والعودة إلى المسار الدبلوماسي. ومن جانبها اتّخذت دول جنوب آسيا مواقف حذِرة، في إطار سعيها للحفاظ على الحياد وتجنُّب استفزاز الولايات المتحدة.
عقِبَ الضربات مباشرةً، أجرى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتصالًا بنظيره الإيراني مسعود بزشكيان، وشدَّد على ضرورة خفْض التصعيد الفوري، وتغليب الحوار والدبلوماسية لاستعادة السلام والاستقرار الإقليمي. كما تحدَّث مودي إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، داعيًا إياه إلى ضبط النفس. وفي السياق ذاته، أجرى وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار محادثات مع نظيريه الإيراني عباس عراقجي والإسرائيلي جدعون ساعر، مؤكِّدًا على أهمِّية التهدئة والعودة إلى الحوار. وعلى أثر تدهور الأوضاع الإقليمية، أطلقت الحكومة الهندية عملية إجلاء تحت اسم «عملية سندهو»، أعادت من خلالها أكثر من 2000 مواطن هندي من إيران.
وعلى الرغم من هذه التحرُّكات، تجنَّبت الحكومة الهندية توجيه أيّ انتقاد مباشر لإسرائيل أو الولايات المتحدة، وامتنعت كذلك عن التصويت على قرارات في الأُمم المتحدة ومنظَّمة شنغهاي للتعاون تُدين بها الهجمات الإسرائيلية على إيران. ويعكس ذلك، تنامي الانسجام الهندي مع إسرائيل، مدفوعًا بعُمق العلاقات الدفاعية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين البلدين. وتجدُر الإشارة إلى أنَّ إسرائيل أبدت دعمًا صريحًا للهند، حيث استخدمت الأخيرة طائرات مسيّرة وأنظمة تسليح إسرائيلية ضدّ باكستان، وهذا ما يفسِّر الموقف الهندي المحايد -أو الصامت- إزاء الأزمة الأخيرة، وهو موقف يصُبّ عمليًا في مصلحة إسرائيل. وقد تطوَّرت طبيعة العلاقات بين نيودلهي وتل أبيب بشكلٍ لافت، بالتوازي مع اصطفافٍ استراتيجي متنامٍ مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنَّ للهند روابط حضارية واقتصادية قوية مع إيران، وتسعى إلى مواصلة التعاون في مشاريع استراتيجية كـ«ميناء تشابهار». لذلك نجِد أنَّ البيانات الرسمية الهندية تعكس محاولةً دقيقة للموازنة بين هذه المصالح، مع الحذر من استفزاز إدارة ترامب، خصوصًا في ظل مفاوضات تجارية جارية. وفي المقابل، وجَّهت أحزاب المعارضة انتقادات لاذعة لحكومة «حزب بهاراتيا جاناتا |BJP»، متّهِمةً إيّاها بالتنازل عن المبادئ من أجل مصالح جيوسياسية آنية، لا سيّما بسبب إحجامها عن إدانة الضربات الأمريكية والإسرائيلية. وقد أعرب «حزب المؤتمر الوطني الهندي» وأحزاب اليسار عن رفضهم للهجمات، منتقدين انحياز الحكومة لإسرائيل. كما واجه موقف الحكومة انتقادات داخلية بشأن تقويض مصداقية الهند كقوَّة أخلاقية. ويرى المنتقدون أنَّ هذا التردُّد في اتّخاذ مواقف واضحة يُضعِف الصورة التقليدية للهند كصوت صاحب مبدأ في الساحة الدولية.
أمّا باكستان، فجاء ردّها متحفِّظًا وحذِرًا، وإن شابَهُ شيءٌ من التذبذب؛ فبعد يومٍ واحدٍ من إعلان نيّتها ترشيح دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، وجَّهت إسلام آباد انتقادات شديدة إلى الولايات المتحدة على خلفية قصفها منشآت إيران النووية، واصفةً هذا الفعل بأنَّه انتهاك للقانون الدولي وتهديد للاستقرار الإقليمي. من جانبه، دعَمَ وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف موقف الحكومة، لكنَّه في الوقت ذاته أشاد بجهود ترامب «لمنع وقوع مواجهات كُبرى الواحدة تلو الأخرى»، في إشارة إلى التصعيد بين الهند وباكستان وكذلك الحرب الإسرائيلية-الإيرانية. وقد أثار قرار ترشيح ترامب موجة غضب داخلية، حيث ندَّدت به أحزاب المعارضة، بما فيها حزب «حركة الإنصاف الباكستانية | PTI»، مطالبةً الحكومة بمراجعته. وبعد الضربات الأمريكية، أعرب رئيس الوزراء شهباز شريف عن «تضامن قوي» مع إيران خلال اتصال هاتفي مع الرئيس بزشكيان، وأدان الهجمات الأمريكية واصفًا إيّاها بانتهاك للقانون الدولي. كما جدَّد تأكيده على حق إيران في الدفاع عن النفس، ودعا إلى التهدئة العاجلة عبر الحوار والدبلوماسية. وفي كلمة ألقاها وزير الخارجية إسحاق دار أمام البرلمان، نفى وجود أيّ نيّة لدى بلاده لمهاجمة إسرائيل، في ردٍّ مباشر على شائعات بهذا الخصوص.
استراتيجيًا، تسعى باكستان إلى التوازن بين علاقاتها مع واشنطن -التي تُعَدُّ حاسمةً فيما يخُصّ دعْم صندوق النقد الدولي والتعاون العسكري- وبين الحفاظ على علاقات مستقرَّة مع إيران الجارة. وتستند حسابات إسلام آباد أيضًا إلى مخاوف أمنية، إذ تراقب بقلق النشاط الجوِّي الإسرائيلي المتزايد قُرب حدودها. وتأتي زيارة رئيس أركان الجيش الباكستاني المشير عاصم منير، الأخيرة إلى الولايات المتحدة، وما يبدو من انفتاح ترامب على إعادة الانخراط مع باكستان، ضمن تحرُّكات محسوبة من الجانبين. وتُدرِك «القيادة الأمريكية |CENTCOM» أهمِّية باكستان كشريكٍ إقليمي، فيما ترى إسلام آباد في هذا الظرف فرصةً لإبراز وزنها الجيوسياسي أمام واشنطن.
ومن جهتها، دعت دول أخرى في جنوب آسيا، كأفغانستان وبنغلاديش وسريلانكا، إلى خفْض التصعيد؛ إذ حثَّت بنغلاديش الأُمم المتحدة والمجتمع الدولي على تعزيز السلام عبر الحوار، وأعربت عن قلقها إزاء استهداف المنشآت النووية الإيرانية، محذِّرةً من تداعيات قد تزعزع استقرار المنطقة، وداعيةً إلى احترام المعايير الدولية. كذلك، أصدرت سريلانكا بيانًا يدعو إلى التهدئة والانخراط في حوارٍ سياسي، دون أن تسمِّي إسرائيل أو إيران بشكلٍ مباشر، ما عرَّض الحكومة لانتقادات من المعارضة، التي رأت في الموقف ضعفًا وافتقارًا للوضوح القانوني. أمّا أفغانستان، فقد وجَّهت إدانة صريحة للولايات المتحدة، وهو موقف يُفسَّر في ضوء توجُّه حكومة «طالبان» نحو التقرُّب من القُوى المناهضة للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
وتُظهِر مجمل ردود الفعل في جنوب آسيا سعيًا حثيثًا للحفاظ على توازُنٍ دقيق، في ظل اعتمادها الكبير على منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلَّق بأمن الطاقة، وتحويلات العمالة، والروابط الاقتصادية. وتُشكِّل التوتُّرات في مضيق هرمز تهديدًا استراتيجيًا بالغ الخطورة، إذ أنَّ أيّ اضطراب قد يؤدِّي إلى صدمات في الإمدادات وارتفاع أسعار الوقود. وبما أنَّ دول جنوب آسيا تفتقر إلى النفوذ الدبلوماسي الكافي للتأثير في مسار الصراع الإيراني-الإسرائيلي، فإنَّها تكتفي بمراقبة الأوضاع، وتقييم السيناريوهات المُحتمَلة بالتنسيق مع شركائها الإقليميين، قبل اتّخاذ أيّ موقفٍ حاسم. ويبرُز هذا الحذر بوضوح في ظل الطابع الشخصي وغير المتوقَّع للدبلوماسية في عهد ترامب؛ ما يجعل من الصعب توقُّع نتائج أيّ قرارٍ سياسي. وفي المجمل، تؤكِّد هذه الردود أنَّ اعتبارات الواقعية السياسية (Realpolitik)، تفوَّقت على المبادئ الأخلاقية، أو المواقف الأيديولوجية.
ولطالما أعربت القُوى الإقليمية في جنوب آسيا عن قلقها من انتشار الأسلحة النووية، بوصفه تهديدًا رئيسيًا للاستقرار في المنطقة ولمصالحها الاستراتيجية. فاحتمال اندلاع سباق تسلُّحٍ نووي في الشرق الأوسط، من شأنه أن يزيد المشهد الأمني هشاشةً وتعقيدًا. وخلال التصعيد الأخير، حافظت كلٌّ من الهند وباكستان على قنوات اتصال نشطة مع دول الخليج، في إطار إدراك أوسع بأن أي نزاع بين إيران وإسرائيل ستكون له تداعيات واسعة النطاق، لا سيما على دول الخليج التي تشكل حلقةً أساسية في سلاسل إمداد الطاقة العالمية. ويُعد الحفاظ على الحوار مع دول الخليج أمرًا حيويًا لحماية المصالح الاقتصادية ومصادر الطاقة، وكذلك لترسيخ أهمِّية جنوب آسيا في المشهد الجيوسياسي المتحوّل بسرعة. كما أن أحد العوامل الرئيسية المؤثرة في مواقف جنوب آسيا من صراعات الشرق الأوسط يتمثل في تركيبتها الدينية المتنوعة، والمخاوف من تفجّر استقطابات طائفية داخل مجتمعاتها. ولذلك تتجنّب الحكومات عادةً اتّخاذ مواقف منحازة صريحة في النزاعات الإقليمية، تفاديًا لإثارة التوتُّرات الداخلية. فرغم أن الحسابات الجيوسياسية والاقتصادية هي المحرك الأساسي، إلا أن الخطابات الرسمية تُصاغ بعناية فائقة لتجنّب أي انقسام داخلي.
وباختصار، فإن ردّ فعل جنوب آسيا على هذه الأزمة يعكس مقاربة حذرة قائمة على المصالح، تتشكّل بفعل قيود بنيوية، وأولويات استراتيجية متطورة، وضغوط متزايدة في مشهد جيوسياسي بالغ التعقيد.