
دراسة مشتركة للباحثَين بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة):
د.معتصم صديق عبد الله د.عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي
مقدمة:
بينما يمرّ العالم بمرحلة استقطاب دولي حادّ واحتدام في التوترات الجيوسياسية العالمية منذ السياسات الحمائية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عشرات الدول الحليفة والصديقة والمنافسة لبلاده، طرحت الصين خلال القمة 25 لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، بمدينة تيانجين، التي شارك فيها قادة من نحو 20 دولة حول العالم، مقاربة مغايرة لمستقبل التوازنات الدولية ونموذجًا جديدًا للعلاقات الدولية يخلو من أحادية السياسات الأمنية والاقتصادية والتجارية التي تمارسها الأحادية القطبية، ما يمثّل تحديًا متصاعدًا للهيمنة الأمريكية، وعززت مقاربتها بكشفها عن ترسانة أسلحة باليستية ونووية ضخمة في أثناء عرضها العسكري اللافت، الذي وُصف بالأضخم في تاريخ الصين، بمناسبة مرور 80 عامًا على انتصارها على اليابان في الحرب العالمية الثانية، في مشهد يعطي زخمًا لتوجهات خصوم الولايات المتحدة ومنافسيها، وتعزيز نفوذ المعسكر المناهض للغرب، وترسيخ دول شنغهاي في مواجهة التحديات العالمية والترويج لنظام عالمي جديد.
يفرض توقيت القمة وسياقاتها ومقرراتها ونتائجها عطفًا على العرض العسكري الضخم الذي نظمته الصين في اليوم التالي للقمّة جملة من التساؤلات: ما الذي تغيَّر بانعقاد القمة؟ وما الذي تطمح المنظمة إلى تغييره خلال الفترة القادمة؟ وهل القمة تكشف أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة في صراع النفوذ العالمي؟ وهل من عوامل تدعم تحوّل منظمة شنغهاي إلى بديل للمؤسسات الغربية الأمنية والاقتصادية والسياسية؟ وكيف تلقّى الغرب الرسالة الصينية الجديدة في ظل أوضاع عالمية ملتهبة؟ وما رسائل استعراض الصين غير المسبوق لقوتها العسكرية؟ وما التحديات التي تواجه الطموحات الصينية لإزاحة الأحادية القطبية؟
أولًا: قمة شنغهاي وملامح المشهد الدولي

منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الرئاسة الأمريكية مطلع 2025م، والعالم يشهد حالة من السيولة في السياسات الدولية لم يشهدها منذ عقود، أفضت إلى مزيد من التحولات في الاصطفافات الدولية ومستويات الصراع والتعاون الدولي، بفرض الرئيس ترامب رسومًا جمركية عالمية، وسعيه لفرض السلام الأمريكي من خلال القوة ضمن إستراتيجية أمريكية لعودة العصر الذهبي الأمريكي واستمرارية الهيمنة الأمريكية المنفردة على النظام الدولي دون منازع، ما خلف مشهدًا دوليًّا شديد الاضطراب، ترفض فيه الدول السياسات الأمريكية الأحادية. وفي ما يلي ملامح المشهد الدولي قبيل انعقاد قمة شنغهاي:
1. التذمر الدولي من سياسات الحمائية الأمريكية:
في واحدة من أوسع حملات التعريفات الجمركية في التاريخ، التي صُنّفت على أنها أخطاء إستراتيجية خلقت “تكتلَ مناوئين دوليين” ضد الولايات المتحدة ولصالح المنافسين الدوليين، فرضت إدارة الرئيس ترامب رسومًا جمركية طالت عشرات الدول حول العالم([1])، بينها دول حليفة وعدوة للولايات المتحدة، بنسب تتراوح بين 10-50%، وذلك في خطوة تهدف -بحسب مبررات الرئيس ترامب- إلى إعادة هيكلة التجارة العالمية لصالح الولايات المتحدة، وتقليص العجز التجاري للولايات المتحدة مع كثير من الشركاء التجاريين، وتعزيز الصناعات المحلية الأمريكية، ووضع حد لما وصفه ترامب بـ”نهب أمريكا” من قِبل دول صديقة وعدوة، وممارسات التجارة غير العادلة. هذه السياسة خلفت حالة من الغليان والغضب الدولي العارم، لما لها من تداعيات سلبية على اقتصادات الدول المفروضة عليها، وبشكل أكبر على دول الجنوب العالمي([2])، ما يعزز من زخم الاتجاه الدولي نحو إرساء نظام دولي ليس من شأنه فرض العقوبات والرسوم الجمركية الأحادية.
2. تعاظم الازدواجية الأمريكية تجاه الصراعات الدولية:
تراقب دول الجنوب العالمي، بل ودول العالم أجمع، بسخط شديد تفاقم الازدواجية الأمريكية تجاه الصراعات والقضايا الدولية، إذ عرقلت الولايات المتحدة مشاريع القرارات الدولية في مجلس الأمن لوقف الحرب الجائرة في غزة من خلال الفيتو الأمريكي مرارًا وتكرارًا قبل اتفاق وقف اطلاق النار بموجب توقيع خطة ترامب للسلام في شرم الشيخ أكتوبر 2025م، وتحدي قرارات الشرعية الدولية لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود يونيو 1967م، بل وتمارس ضغوطًا على الدول لعرقلة الاتجاه الدولي الداعم لإقامة الدولة الفلسطينية([3])، ولطالما أطلقت يد إسرائيل لارتكاب أبشع الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين، وضغطت وما زالت على المحاكم الدولية المعنية بمحاكمة مجرمي الحرب لعدم محاكمة قادة إسرائيل. كذلك سيظل عالقًا في العقلية الإفريقية حيثيات الاجتماع الذي وُصف بالمهين والذي جمع الرئيس ترامب بسبعة من القادة الأفارقة في المكتب البيضاوي، خصوصًا إذا ما قورن باللقاء الذي جمع الزعيمين الأمريكي والروسي في ألاسكا، والذي حظي خلاله الريس الروسي بتقدير كبير من جانب الرئيس الأمريكي. كما تتفاقم التوجسات الدولية من المساعي الأمريكية للسيطرة على المناطق أو الأراضي والجزر المتنازع عليها عالميًّا، وأيضًا المساعي الأمريكية لتأميم السلع النادرة في الأقاليم الجغرافية المختلفة. هذه السياسات خلفت حالة من الغضب الدولي الرسمي والشعبي تجاه نظام الحوكمة العالمي، ما يعزز زخم الاتجاه الدولي نحو إرساء نظام حوكمة دولية جديد.
3. اتساع دائرة المناهضين للأحادية القطبية:
هذا العنصر يرتبط بالعنصرين السابقين، فقد عززت السياسات الأحادية الأمريكية اتساع نطاق المتضررين من استمرارية الأحادية القطبية، واتساع دائرة الداعين بشدة إلى خلق نظام دولي متعدد الأقطاب يوفر مساحة تحرك للقوى المتوسطة والدول الصغيرة لحماية مصالحها، ويحدّ من الضغوط المتنوعة المتأتية من القطب الأوحد لحماية مصالحه بغضّ النظر عن مصالح الدول الأعضاء في الأسرة الدولية، فبعدما كانت القوى الكبرى التي تملتك أدوات النفوذ والتأثير الإقليمي والدولي فقط من تريد الانتقال إلى التعددية القطبية، باتت الدول المتوسطة والصغيرة أكثير ميلًا إلى تغيير النظام الدولي من أي وقت مضى، لا سيما في ظل حدوث تحوُّل في توزيع القوة بين الفواعل الإقليمية والدولية في الهرمية الدولية، ونزوع عديد من الدول نحو تحقيق ولو قدر من الاستقلالية في سياستها الخارجية بعيدًا عن ضغوط الأحادية القطبية، بعدما أدركت الخلل في مقاربة إدارة القطب الأوحد لمصالحه مع شبكة تحالفاته العالمية، حيث تعتمد الولايات المتحدة على تحقيق مصالحها بغض النظر عن مصالح الحلفاء، كما تتخلى عن حلفائها في أحايين كثيرة باستثناء الحليف الإسرائيلي. هذه السياسات جعلت الدول تُعيد النظر في سياساتها تجاه القطبية الأحادية، وتبحث عن المساواة والاستقلالية في سياستها الخارجية لتحقيق مصالحها الذاتية بعيدًا عن التحالفات التقليدية مع الولايات المتحدة.
4. انقسامات المجتمع عبر الأطلسي حول أوكرانيا وفلسطين:
يشهد المجتمع عبر الأطلسي انقسامًا في المواقف حول الحرب الروسية-الأوكرانية، فمن ناحيةٍ ترفض الدول الأوروبية مقاربة الرئيس الأمريكي القائمة على تخلي أوكرانيا عن أجزاء من أراضيها لروسيا لإنهاء الحرب، بل وتتمسك بضرورة عودة كل الأراضي التي تحتلها القوات الروسية إلى كييف. ويرى قادة أوروبا أن الولايات المتحدة تملك القدرة على إجبار روسيا على التفاوض بجدية كما جاء في حديث الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي نائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كالاس([4])، كذلك خرج الأوروبيون من تحت المظلة الأمريكية في ما يخص القضية الفلسطينية بالتصويت لصالح حل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية، حتى وصل الأمر إلى إعلان بريطانيا صاحبة وعد بلفور بقبول تأسيس الدولة الفلسطينية. هذه الانقسامات بالطبع تعزز نفوذ المعسكر المناهض للغرب.
ثانيًا: مميزات القمة عن القمم السابقة
التقطت الصين إشارات التذمر الدولي المتزايد من السياسات الأحادية الأمريكية، واستفادت من الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية سواء المتعلقة بقواعد المجاملات والبروتوكولات الدولية أو المتعلقة بالازدواجية تجاه الصراعات الدولية، ولن تفوت الفرصة بهدف تعزيز نفوذها على الصعيد العالمي، وسحب مزيد من البساط من تحت الأحادية القطبية لصالح خطوة فعلية -كما يجمع المنظِّرون-للإعلان عن انطلاق قطار التغيير في النظام الدولي وتجاوز عصر الأحادية القطبية، مع تقديم الصين ذاتها بوصفها مركز استقرار في عالم يسوده الاضطراب والانقسام الدولي، ولذلك حولت القمة إلى محفل دولي يضم غالبية الدول المناهضة للسياسات الأحادية الأمريكية أو ذات العلاقات المتوترة مع الإدارة الأمريكية، وعرضت القيادة الصينية مقاربة لنموذج جديد للعلاقات الدولية أو لنظام دولي جديد يقف على مسافة من القيم الأمريكية، ويعزز قيم الشراكة لا التبعية، والجماعية لا الانفرادية، والحوكمة المؤطرة لا الحوكمة المزاجية، والمساواة لا التمييز والتفاوت بين الدول -كما تدعي القيادة الصينية- وذلك على النحو التالي:
1. احتضان تكتل مناوئين للسياسات الأحادية الأمريكية:
من المعهود في العلاقات الدولية أن تتعامل الدول بحذر شديد مع خصوم القوة العظمى حتى لو كانوا في منظمة ما، خشية يدها الطولى المتمثلة في العقوبات أو الضغوط، لكن على ما يبدو أن الصين قفزت على تلك القاعدة باحتضانها الدول المناهضة لأحادية السياسات الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كانوا أعضاء في منظمة شنغهاي، 10 دول(*)، أو غير أعضاء مثل كوريا الشمالية وتركيا وإندونيسيا وماليزيا ولاوس وفيتنام وتركمنستان على سبيل المثال لا الحصر، وقد وُصفت القمة بالأهم في تاريخها مقارنة بالقمم السابقة بالنظر إلى ما يلي:
–تأكيد أن القرن الـ21 قرن آسيوي بامتياز: جسدت القمة تحالفًا أو محورًا آسيويًّا صاعدًا يعارض الهيمنة الأحادية الأمريكية، ويتطابق مع ما ذهب إليه كبار المنظِّرين بأن القرن الحادي والعشرين قرن آسيوي بامتياز، على الرغم من أن الغرب لا يزال بقيادة أمريكية يصارع على استمرارية القواعد الغربية الحاكمة للنظام الدولي الراهن، حيث جمعت القمة دول المراكز الاقتصادية الصاعدة عالميًّا في كل الأقاليم المختلفة من قارة آسيا، كذلك تُعَدّ أول قمة تجمع بين قادة خمس قوى نووية أورو-آسيوية أثارت توجسًا وقلقًّا أوروبيًّا وأمريكيًّا: الصين وروسيا وكوريا الشمالية والهند وباكستان. وذلك يشكّل عاملًا إضافيًّا لقوة المنظمة التي يضمّ أعضاؤها قرابة نصف سكان العالم، ونحو 23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي([5])، ويمتلك أعضاؤها كميات ضخمة من مصادر الطاقة والسلع النادرة، وتقدم ذاتها على أنها حلف عسكري وسياسي واقتصادي موازن للحلف الغربي.
–إجماع الدول المشاركة على القضية المحورية للقمة: تمكنتالصين من طرح قضية محورية مغايرة عن القمم السابقة، تمحورت حول ضرورة إرساء نظام دولي جديد يقوم على العدالة الدولية ويخلو من الهيمنة المنفردة وتوقيع العقوبات الأحادية وفرض الرسوم الجمركية الأحادية، لذلك حازت القضية إجماع الدول المشاركة، لا سيما الدول النووية الخمس، بهدف تقليص النفوذ الغربي، حيث أظهر قادة الدول النووية قربًا شخصيًّا خلال مراسم انعقاد القمة، وخلال الاجتماعات الخاصة على هامش القمة مع كل من رئيس الحكومة الهندية والرئيسين بوتين وكيم، مما عزز صورة توافقهم. وهنا يأتي إعلان الرئيس بوتين دعمه لمقاربة الصين، موضحًا: “منظمة شنغهاي للتعاون يمكن أن تضطلع بدور قيادي في جهود تشكيل نظام عالمي أكثر عدلًا وتوازنًا”([6]).
يعكس هذا الاصطفاف إجماعًا صينيًّا-روسيًّا-هنديًّا-كوريًّا شماليًّا على ضرورة تشكيل قوة جديدة في قلب آسيا، لا تقبل بأن تكون مجرد تابع أو طرف ثانٍ في النظام الدولي، بل صانعة لنظام دولي جديد يخلو من الهيمنة الغربية، في لحظة يشهد خلالها العالم مرحلة جديدة تُعيد رسم ملامح السياسة الدولية، حيث تتحرك كل قوة -حتى القوى المتوسطة في الأقاليم الجغرافية المختلفة- وفق مصالحها وإستراتيجيتها، تاركة الغرب أمام حقيقة لا يمكن تجاهلها: أنّ السيطرة المطلقة قد تكون منتهية والعالم قد يصبح قريبًا ليس مركزه الولايات المتحدة وحدها، بل رقع شطرنج ضخمة تتحرك فيها كل قوة بثقلها ونفوذها.
–انتقال الهند اللافت إلى المعسكر المناهض للغرب: الهند التي تُعَدّ حليفًا تاريخيًّا للغرب، تُرسِل رسالة بحضورها اللافت في القمة أنَّ مسألة تحقيق الاستقلالية في سياستها الخارجية تُعَدّ توجهًا إستراتيجيًّا، بل وراحت تُبدي اندماجًا أكبر مع بكين وموسكو وطهران وبيونغ يانغ مقارنة بالسابق، حيث كانت نيودلهي من أوائل المتضررين من الرسوم التي فرضتها عليها إدارة الرئيس ترامب نتيجة استمراريتها في شراء النفط الروسي بكميات ضخمة، الأمر الذي دفعها إلى تنويع شراكاتها وتقوية صِلاتها مع جيرانها الآسيويين، ومن هنا شكّلت مشاركة مودي بعد 7 سنوات من القطيعة دلالة هامة على أن نيودلهي باتت تفضل التعاون مع بكين رغم الخلافات الحدودية، ورغبتها في إعادة التوازن في العلاقات مع بكين في ظل الضغوط الأمريكية، حيث شدد الرئيس الصيني على أن بلاده والهند ليستا خصمين وإنما شريكان في التنمية، وردّ مودي بأنّ بلاده ملتزمة تحسين العلاقات مع الصين، ووصف الرئيس الروسي رئيس الوزراء الهندي بأنه صديقه العزيز([7]) بعد اجتماع جمعهما على هامش القمة. تُظهِر هذه التصريحات الدافئة وطريقة ترحاب القادة بعضهم ببعض ونعت بعص لبعض بكلمة “صديقي العزيز” رغبتهم في تقاسم الرؤى بوصفهم شركاء لا متنافسين، ورغبتهم في خلق نموذج جديد للتعاون في الجنوب العالمي يحدّ من الهيمنة الأمريكية.
يذهب عديد من المنظِّرين إلى أن السياسة الأحادية الأمريكية ستضر بالنفوذ والمكانة العالمية للولايات المتحدة مقارنة بحجم مكاسبها، إذ إنّ “العقوبات الانتقامية” التي فرضتها واشنطن على الحليف الإستراتيجي الهندي دفعت الهند إلى النأي بنفسها عن الولايات المتحدة بعد عقود من التحالف الإستراتيجي، ويكشف تولي الهند رئاسة البريكس، واستعدادها لاستضافة قمتها في 2026م، وتصريحات مودي بأن “الجنوب العالمي لن يرضخ للضغوط، بل يسعى لنظام عالمي متعدد الأقطاب يمنحه مساحة أكبر لتحقيق طموحاته”([8])، تصميمًا هنديًّا على مقاومة الضغوط الأمريكية وتعزيز التعاون مع المعسكر الشرقي لبناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.
تأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بنسبة ضئيلة في قائمة أكبر الشركاء التجاريين للهند، وذلك بعد أن زاد حجم التبادل التجاري الصيني مع نيودلهي بنسبة 7.5%، ليصل إلى 124.5 مليار دولار في 2024م، فيما كان حجم التبادل التجاري الأمريكي مع الهند 125.2 مليار دولار، وحافظت روسيا على المرتبة الرابعة بعد الإمارات باعتبارها رابع أكبر شريك تجاري للهند بمعدل تبادل تجاري يصل إلى 70.6 مليار دولار خلال عام 2024م([9]).
–تحوُّل العلاقة الاقتصادية بين بكين وموسكو إلى شراكة إستراتيجية: وقَّعت الصين مع روسيا اتفاقًا ملزمًا لتأسيس أكبر مشاريع الطاقة في العالم التي تُحدِث نقلة نوعية كبيرة في تجارة الطاقة، ببناء خط أنابيب الغاز “طاقة سيبيريا 2” الذي يمرّ عبر منغوليا ويعمل بطاقة سنوية تصل إلى نحو 50 مليار متر مكعب، لإيصال الغاز الروسي إلى الصين لتلبية حاجتها المتزايدة من الطاقة([10]). وفي المقابل يمنح الروس منفذًا كبيرًا نحو كبريات الأسواق الآسيوية ويعوض روسيا بالعوائد المالية التي كانت تأتي من مبيعات الغاز للعواصم الأوروبية، ويخفف وطأة العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ اندلاع حربها مع أوكرانيا. الاتفاق على بناء خط غاز بذلك الحجم يعكس رغبة الطرفين في نقل العلاقة من التنسيق والتشاور السياسي إلى مرحلة الشراكة الإستراتيجية طويلة الأمد على الصعيد الاقتصادي، ما يكرس تقاربًا صينيًّا روسيًّا يصعب على المعسكر الغربي مواجهته بالوسائل التقليدية.
ويعني استضافة الصين لتكتل مناوئين للسياسات الأحادية الأمريكية أنها تريد بث رسالة إلى الغرب والقوى الحليفة وغير الحليفة لواشنطن بأنها امتلكت يدًا طُولى مماثلة تجعلها لا تخشى العقوبات ولا ترضخ للضغوط الأمريكية، وأنها باتت قطبًا دوليًّا بديلًا ومركزَ ثقل دوليًّا يمكنه احتضان الحلفاء والدفاع عن المصالح الجماعية في مواجهة مساعي الهيمنة الأمريكية، وأن “الحلول الآسيوية” ستكون مطروحة لمعالجة القضايا الدولية، وأن مقاربة الرئيس ترامب التي تقول إنّ حاجة بكين إلى السوق الأمريكية ستُجبِرها على تقديم تنازلات في القضايا العالقة، تواجهها مقاربة صينية ترتكز على أن اعتماد العالم على المنتجات الإستراتيجية الصينية ستضغط على واشنطن لتقديم تنازلات مماثلة للصين.
2. احترام قواعد المجاملات الدولية عند لقاء الزعماء:
قدّم الرئيس الصيني بطريقة لقائه وترحابه الحار بالقادة والمسؤولين نموذجًا مغايرًا للنموذج الأمريكي في عهد الرئيس ترامب عن كيفية احترام قواعد المجاملات الدولية، إذ عرضت الفيديوهات والصور الملتقطة المنتشرة عالميًّا حجم الحفاوة والترحاب من الرئيس شي -وإلى جانبه قرينته- لضيوفه من زعماء وقادة وكبار المسؤولين في العالم، إذ التقى القادة ورؤساء الحكومات على السواء في مشهد دولي يبث رسالة إلى العالم أن الصين تقدّر وتحترم ضيوفها مهما كان وزن وثقل دولهم، مقارنة بالطريقة المباغتة التي يقابل بها الرئيس الأمريكي ضيوفه. وقد بدا ذلك جليًّا عند التقائه كثيرًا من قادة العالم، مثل لقائه الملك الأردني والرئيس الأوكراني والقادة الأفارقة وحتى القادة الأوروبيين بطريقة لا تراعي قواعد المجاملات والبروتوكولات الدولية، ما جعل بعض قادة العالم ربما عزفوا عن إجراء زيارات للبيت الأبيض، أو قد يأخذ بعضُهم جانبَ الحذر مثل الرئيس الأوكراني الذي بات يصطحب قادة أوروبيين عند لقائه الرئيس الأمريكي. بالطبع تؤثر تلك اللقاءات الخالية من مراعاة قواعد المجاملات الدولية في الصورة الذهنية للدولة لدى أذهان كثير من قادة العالم، وهو ما التقطه الرئيس الصيني وراح يقدم صورة مغايرة عن دولة تقدر القادة، بل والمسؤولين ما دون الرئاسة.
3. طرح رؤية صينية مغايرة لمستقبل العلاقات الدولية:
استثمر الرئيس الصيني في اتساع رقعة التذمر الدولي من السياسات الأمريكية، وقدم في خطابه الافتتاحي للقمة أطروحة مغايرة لمستقبل العلاقات الدولية أقرها البيان الختامي، تقوم على التعددية القطبية وإرساء العدالة والمساواة الدولية، موجهًا انتقادات حادة إلى ما سماها “عقلية الحرب الباردة” السائدة لاستمرارية الهيمنة الأمريكية المنفردة على القيادة الدولية، ومقترحًا مبادرة جديدة للحوكمة العالمية المؤطرة لمعالجة أخطاء الأحادية القطبية، بقوله: “أتطلع إلى العمل مع جميع الدول من أجل نظام حوكمة عالمي أكثر عدلًا وإنصافًا، والتقدم نحو مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية”([11])، وفي ما يلي عناصر أطروحته:
- نظام دولي متعدد الأقطاب: بأن تكون الدول الأعضاء في المنظمة ومكانتها العالمية ركيزة أساسية في تعزيز عالم متعدد الأقطاب.
- بناء قوة توازن دولي: إجمالي ثقل الدول الأعضاء يشكل قوة توازن للاستقرار العالمي. فقد جاء في خطاب الرئيس الصيني: “تتمتع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون بموارد طاقة وفيرة، وأسواق واسعة، وقوى دفع داخلية قوية، وتساهم بنصيب متزايد في النمو الاقتصادي العالمي”.
- الحوكمة العالمية: اقترح شي ما سماه مبادرة الحوكمة العالمية، بمعنى أنه لا يجوز لدولة واحدة أن تتخذ إجراءات أحادية على الضد من القانون الدولي ومن الأعراف الدولية المستقرة، خصوصًا في مجال التجارة الدولية، وهو النجاح الرئيسي للصين في هذه القمة.
ثالثًا: الأبعاد الإستراتيجية الصينية من العرض العسكري
بمناسبة الذكرى الـ80 لانتصار الصين على اليابان في الحرب العالمية الثانية، وبمشاركة نحو 26 زعيم دولة، تزعَّم الرئيس شي عرضًا عسكريًّا في ساحة “تيان آن مين” بالعاصمة بكين، وصفه الإعلام العالمي بالأضخم منذ تأسيس الصين الشعبية، وكان على يمينه الزعيم الروسي الذي يخوض حربًا ضروسًا ضد أوكرانيا المحسوبة على الغرب، وعلى يساره الزعيم الكوري الشمالي الذي يمد ساحات القتال الروسية في أوكرانيا بالأسلحة والجنود. وأدلى الرئيس الصيني في أثناء العرض بتصريح يحمل دلالات قوية تتمحور على العزم الصيني على المشاركة في القيادة الدولية بقوله: “نهضة الأمة الصينية لا يمكن وقفها”، مضيفًا: “اليوم، تواجه الإنسانية مرة أخرى خيارًا بين السلام أو الحرب، والحوار أو المواجهة”. وبعد انتهاء العرض التقى القادة الثلاثة، شي وبوتين وكيم، في اجتماعٍ أثار على ما يبدو غضب الرئيس الأمريكي، لدرجة أنه وصفه بالمؤامرة على بلاده.
ما يميز العرض العسكري الصيني أنه كشف عن التحول في القدرات الدفاعية والهجومية في محاولة صينية لإعادة رسم خريطة العالم من حيث الأسلحة المتطورة العابرة للقارات، ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة تقنيًّا، ما يجعل العنوان الرئيسي للعرض “العالم لم يَعُد أحادي القطب”، وليس الاحتفال بالنصر على اليابان في الحرب العالمية الثانية. وهذه القدرات كالتالي:
1. التحول في القدرات الهجومية:
كشفت الصين عن أسلحة هجومية جديدة أكثر تطورًا بمديات متوسطة وطويلة تطال الخصوم، ليس فقط في الدائرة الإقليمية وإنما في الدائرة الدولية الأوسع، لكونها عابرة للقارات تطوي الكرة الأرضية بأكملها، وتبث من خلالها رسائل ردع إستراتيجية للخصوم والمنافسين:
أ. امتلاك الثالوث النووي: يشير مصطلح الثالوث النووي إلى الوسائل العسكرية الثلاث الحاملة للأسلحة النووية لضمانة الردع النووي والقدرة عل توجيه ضربة انتقامية ضد أي طرف كان في أي بقعة على سطح الكرة الأرضية، وهي القاذفات الإستراتيجية، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات أرضية الإطلاق، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات بحرية الإطلاق
الأسلحة الصينية الإستراتيجية الجديدة-الثالوث النووي
1.القاذفات الإستراتيجية “صناعة شركة طائرات شنيانغ”
المقاتلة الشبحية “J-35 “

تمثل أحدث تطور في تكنولوجيا المقاتلات الشبحية المتقدمة في الصين، وأدخلت سلاح الجو الصيني في عصر جديد، وتنتمي إلى مقاتلات الجيل الخامس، لكونها مقاتلة متعددة المهام تهدف إلى تكملة قدرات “J-20″، وتتميز بالقدرة على التخفي من أجهزة الرادارات، مشابهة لـF-35 الأمريكية، وانضمامها إلى سلاح الجو الصيني يمنح الصين ميزة فريدة لتصبح الدولة الوحيدة التي تشغل نوعين مختلفين من مقاتلات الجيل الخامس في وقت واحد، بما يخلق مزيجًا من الطائرات الشبحية منخفضة وعالية الارتفاع، وبالتالي تعتبر “J-35” مركز ثقل التسليح الإستراتيجي للصين في أي معركة جوية وبحرية محتملة، ويصفها الإستراتيجيون بأنها القطعة البارزة في قطع الانتقال من الدائرة الإقليمية إلي الدائرة الدولية، فهي تجسد طموح الصين للانتقال من حماية سواحلها فقط إلى بسط قوتها في العالم أجمع.
المقاتلة “J-15T “

عبارة عن نسخة مطورة من المقاتلة “J-15″، وتمتاز بكونها أكثر مرونة في إطلاقها، إذ تتوافق مع مختلف أنواع حاملات الطائرات بما يجعلها قادرة على أداء مهامّها في بيئات تشغيلية مختلفة، وذلك لقدرتها على الإقلاع بطريقتين: الأولى نظام المقلاع المستخدم في حاملات الطائرات الحديثة، ما يجعلها قادرة على الانطلاق بكامل حمولتها من السلاح والوقود، ويعزز قدرتها القتالية بشكل كبير. أما الثانية فطريقة التزلج المستخدم في حاملات الطائرات التقليدية، إذ يتوافر في مقدمة الحاملات القديمة منحدر مائل يساعد المقاتلة على الانطلاق والتحليق، لكن هذه الطريقة تجعلها غير قادرة على الانطلاق بكامل حمولتها. وحال تأكد نجاح تجربتها، فستتحول الصين إلى ثاني دولة في العالم بعد الولايات المتحدة التي تمتلك القدرة على إطلاق مقاتلات باستخدام نظام إطلاق كهرومغناطيسي على حاملة طائرات، إذ تُعَدّ حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد الوحيدة في العالم التي تستخدم هذه التقنية.
المقاتلة “J-15D “

مقاتلة كشافة مرنة الانطلاق بنفس الطريقتين السابقتين في المقاتلة “J-15T “، ومصممة ليس للانخراط في الحروب، بل ولمرافقة المقاتلات للتشويش على رادارات العدوّ وأنظمة اتصالاته، ضمن إستراتيجية الحرب الإلكترونية، قبل أن تشن المقاتلات الهجومية هجماتها. بعبارة أخرى هي عبارة عن “أعين” مع المقاتلات لتزيد فرص نجاح مهامّها القتالية.
2.الصواريخ الباليستية العابرة للقارات أرضية الإطلاق
(منصوبة على منصات برية ثابتة أو متنقلة، ومدياتها تصل إلى الولايات المتحدة، وتشكل العمود الفقري للقوة النووية البرية للصين)
- الصاروخ “DF-61”

يمكنه طي الكرة الأرضية بأكملها، والوصول إلى أبعد نقطة في الكرة الأرضية من الصين، ويتميز بكونه قادرًا على حمل رؤوس نووية متعددة، والحمل على منصات متحركة، ما يمنحه القدرة على التخفي والمناورة، والابتعاد عن استهدافات العدوّ مقارنة بالصواريخ التقليدية المتمركزة في المنصات الثابتة.
- الصاروخ “DF-26D”

نُسَخ مطورة من الصاروخ الباليستي المتوسط-البعيد المدىDF-31. والصاروخ DF-26D الذي يتميز بقدرته على حمل رؤوس نووية، ويصل مداه إلى 5,000 كم، ويُعرف باسم صواريخ “قاتلة جوام” أي تطال قواعد أمريكية في جزيرة جوام غرب المحيط الهادي.
- الصاروخ “DF-5C”

صاروخ باليستي، نسخة مطورة من نفس السلسلة التي بدأ تطويرها منذ سبعينيات القرن العشرين، وتتميز النسخة الجديدة بمدى طويل يتجاوز 20 ألف كلم، والقدرة على حمل نحو 12 رأسًا نوويًّا، مما يجعله نظريًّا قادرًا على ضرب أي هدف على وجه الأرض. ويطير بسرعة تفوق سرعة الصوت.
- صاروخ ” CJ-1000″

صاروخ كروز إستراتيجي فرط-صوتي أرضي الإطلاق، وتصل سرعته إلى 7 ماخ، بمدى يبلغ نحو 5000 كلم، وقادر على ضرب الأهداف البرية الإستراتيجية، وقصف القطع البحرية الكبيرة، ومهاجمة المنصات الجوية البطيئة مثل طائرات التزود بالوقود والإنذار المبكر، ما يجعله قادرًا على توجيه الضربات الصاروخية الإستراتيجية بعيدة المدى. ويُعَدّ جزءًا من توجُّه بكين نحو تطوير قدرات فرط صوتية هجومية بعيدة المدى لتعزيز قوة الردع وتوسيع خيارات الضربات الدقيقة.
3. الصواريخ الباليستية العابرة للقارات بحرية الإطلاق
- الصاروخ “JL-3 “

– تلك الصواريخ تطلق من الغواصات النووية مثل الغواصة Type 094، التي تحمل صواريخ باليستية تطلق من البحر.
– مصمم للإطلاق من الغواصات النووية، ويمنح الجيش الصيني القدرة على تنفيذ ضربات خفية لا يمكن رصد مصدرها من أعماق البحار، ما من شأنه إضافة عنصر المفاجأة إلى الإستراتيجية النووية الصينية وتعزيز مناعة الردع، إذ يضمن للجيش الصيني القدرة على الرد المفاجئ.
– هذه الأسلحة تتيح للصين القدرة عل توجيه ضربة ثانية من أعماق البحار، وهو عنصر حيوي في الردع النووي.
- الصاروخ “JL-1 “

مصمم للحمل على القاذفات الإستراتيجية، ويتميز بأنه يطلق من على مسافات بعيدة، ما من شأنه توفير مرونة كافية في استهداف مواقع إستراتيجية للعدو، ويكمل الصاروخ حلقة القدرة النووية الثلاثية البرية والبحرية والجوية.
ب. ترسانة صواريخ فرط صوتية جديدة: بجانب الثالوث النووي، كشفت بكين عن ترسانة متطورة من الصواريخ فرط الصوتية، وتتميز هذه الصواريخ المتطورة بالسرعة والدقة والقدرة على تغيير المسارات في أثناء التحليق والبعد عن الرادارات بعكس الصواريخ التقليدية، مما يجعله سلاحًا مدمرًا، كما تتميز بتعقيد مسألة اكتشافها بواسطة أنظمة الإنذار المبكر التقليدية، مع القدرة على تجاوز أكثر الدفاعات تطورًا، وعند إطلاق صاروخ فرط صوتي تكون فرصة رد الخصم قصيرة للغاية، ويكون الوقت قد فات لاتخاذ أي إجراء فعال عند اكتشاف الصاروخ([12]).
الأسلحة فرط الصوتية الجديدة
- الصاروخ ينغ جي-15 (YJ-15)

ينتمي إلى فئة الصواريخ الباليستية التكتيكية/المجنحة، ويطلق من الطائرات أو السفن، وعلى عكس الصواريخ الباليستية الإستراتيجية المستخدمة للردع النووي، صمم الصاروخ لمهام سريعة والتحليق بشكل مبرمج على ارتفاعات منخفضة لقصف القطع البحرية الكبيرة مثل حاملات الطائرات والمدمرات بدقة عالية وإصابتها بأضرار جسيمة، ويتميز الصاروخ بكونه متفوقًا نوعيًّا في سرعته فرط الصوتية التي تتجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت (ماخ-5)، مما يعقد مسألة اعتراضه بالنسبة إلى الدفاعات الجوية التقليدية.
- الصاروخ ينغ جي-21 (YJ-21)

أكثر تطورًا من صاروخ (YJ-15)، ويُلقَّب صينيًّا بـ”قاتل حاملات الطائرات”، وهو صاروخ باليستي مزدوج المنصات يُستخدم لتحييد أبرز أدوات القوة الأمريكية في البحار: حاملات الطائرات، إذ يجمع بين سرعة الصواريخ الباليستية ومناورة صواريخ الكروز، ويتميز بإمكانية تزويده برؤوس حربية متعددة، وبمداه البالغ 1500 كلم، وبسرعته الفائقة بشكل أكبر من “YJ-15″، إذ يتجاوز 6 أضعاف سرعة الصوت (ماخ-6) عند التحليق المتوسط، ويصل إلى 10 أضعاف سرعة الصوت (ماخ-10) عند اقترابه من الهدف، ما يجعل مهمة اعتراضه شبه مستحيلة، ويحظى الصاروخ الجديد بميزة إضافية تتمثل في تصميمه لاتخاذ مسارات شبه باليستية تسمح له بالمناورة في أثناء تحليقه، من خلال تزويده بأنظمة ملاحة متطورة وتقنية التوجيه عبر الأقمار الصناعية، بل وإصابة القطع البحرية الكبيرة الثابتة أو المتحركة بدقة عالية.
2. التحول في القدرات الدفاعية:
بجانب التحول في القدرات الهجومية، عرضت الصين أنظمة دفاعية جديدة (انظر الجدول رقم 1) أكثر تطورًا تعكس تحولًا في القدرات الدفاعية، وذلك بهدف التعامل مع طيف واسع من التهديدات الإقليمية والدولية، تبدأ من الأقمار الصناعية وتنتهي بالمسيّرات، كما يلي:
أ. المنظومات الدفاعية الجديدة:
الجدول رقم (1): المنظومات الدفاعية الصينية الجديدة
| منظومة الدفاع الصاروخي HQ-22A | منظومة ثلاثية متكاملة لمواجهة أسراب الطائرات المسيّرة، وتسمى بـ”الثالوث الحديدي ضد المسيّرات”، لكونها تجمع بين ثلاثة مستويات دفاعية: مستوى الموجات الميكروية المعنية بإرباك الأهداف المعادية والتشويش عليها، ومستوى الأشعة الليزرية التي تعترضها بدقة عالية وسرعة فائقة، ومستوى الصواريخ التقليدية المعنية بإسقاط الأهداف المعادية من مسافات بعيدة. |
| منظومة الراية الحمراء-29 (HQ-29)، | سلاح دفاعي متطور وظيفته اعتراض الصواريخ الباليستية المعنية بالمراقبة والتوجيه في أثناء مرورها في المرحلة الوسطى من مسارها، حين تمرّ في الفضاء خارج الغلاف الجوي للأرض، وقصف الأقمار الصناعية في المدارات الأرضية المنخفضة، ما يتيح للصين القدرة على تدمير أدوات التوجيه والمراقبة للدول المعادية. بعبارة أخرى، يُعنى السلاح الجديد بقصف “الأعين المراقبة” التي توجّه وترصد من السماء. ويشبه دورها منظومة الاعتراض الأمريكية SM-3 التابعة للبحرية الأمريكية، وتشكل المنظومة جزءًا محوريًّا من تنامي القدرات الصينية في الدفاعات الصاروخية ضمن إستراتيجيات منع الوصول/حرمان المناطق. |
| منظومة الدفاع الجوي HQ-20 | منظومة دفاع جوي متطورة ومزودة بقاذفة متنقلة بثماني عجلات قادرة على حمل ثمانية صواريخ اعتراضية على الأقل، ومصممة بشبه منظومة HQ-9، لكن بصواريخ أصغر حجمًا. |
المصدر: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، أكتوبر 2025م.
ب. امتلاك القدرة على الحروب الذكية:
الجدول رقم (2): مُعَدّات القدرة على الحروب الذكية
| الغواصة الآلية “إتش إس يو-100″ | مركبة عسكرية تشبه الغواصات التقليدية لكنها غير مأهولة، مصممة للعمل دون طاقم، ويبلغ طولها نحو 20 مترًا، وهي مخصصة لجمع المعلومات الاستخباراتية أو استهداف قوات العدوّ على مسافات بعيدة داخل المحيط وفي أعماق البحار، بما يوفر للصين أداه تفوّق جديدة في ساحات الحروب البحرية. |
| الغواصة الآلية “إيه جاي إكس-002″ | مخصصة لزرع الألغام البحرية، ويشير الخبراء العسكريون إلى أن هذا السلاح يُعتبر وسيلة فعالة تمكّن الصين من فرض حصار بحري كامل على تايوان، ومن إغلاق المضايق والممرات البحرية الإستراتيجية في الإندو-باسفيك حال اندلاع أي نزاعات أو حروب عسكرية واسعة النطاق. |
| المسيّرات المائية | ظهرت في العرض العسكري مسيّرات مائية متطورة قادرة على العمل تحت الماء بالإضافة إلى مسيّرات الجو، ما يشكّل كابوسًا لحاملات الطائرات والقطع العسكرية البحرية. |
| الروبوتات القتالية | أيضًا اللافت في العرض الروبوتات القتالية على شكل “كلاب آلية”، المحمولة فوق المدرعات، وتُعنى بمهام الاستطلاع والدعم اللوجستي، ويمكن مشاركتها في ميادين القتال حال جهزت بالأسلحة. |
| الأسلحة الليزرية | كذلك كشفت الصين عن أسلحة جديدة تعمل بالليزر العالي الطاقة، ما يجعلها قادرة على إطلاق أشعة ليزرية مركزة لتدمير أو تعطيل المسيّرات بشكل سريع للغاية، وبتكلفة أقل بكثير من تكلفة الصواريخ التقليدية، كما كشفت أيضًا عن أنظمة حرب إلكترونية تعمل بالموجات الكهرومغناطيسية وقادرة على تعطيل أنظمة التحكم في المسيّرات، ما يفقدها التوازن والاتصال والقدرة على بلوغ الهدف ويعطلها كليًّا. |
المصدر: المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، أكتوبر 2025م.
3. الأبعاد الإستراتيجية للأسلحة الصينية الجديدة:
تكشف الأسلحة الصينية الجديدة التي كشفت عنها الصين في عرضها العسكري عن جملة من الأبعاد الإستراتيجية والرسائل السياسية والاقتصادية على النحو التالي:
أ. ترسيخ عقيدة قوة الردع لفرض الهيمنة: عبر تطوير بكين القدرات الدفاعية والهجومية بعيدة المدى وإدماجها في شبكة واحدة وتحت مظلة قيادة موحدة، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تمكّن الصين من إقامة مظلة ردعية واسعة، وتجعل القوة المعادية أمام شبكة مترابطة من التهديدات يصعب تعطيلها أو اختراقها. الهدف الأول: توجيه ضربات استباقية دقيقة تصل إلى أبعد هدف في الكرة الأرضية عبر تطويرها ترسانة من الصواريخ الباليستية وفرط الصوتية العابرة للقارات. والهدف الثاني: حرمان الخصم من الوصول إلى الأراضي الصينية أو مناطق السيادة الصينية في بحرَي الصين الجنوبي والشرقي عبر منظومة ردع قوية متطورة وتداخل طبقات القوة التي تشتمل على صواريخ فرط صوتية مضادة للسفن، تمكّنها من استهداف القطع البحرية الضخمة بدقة وسرعة خارقة، وأسراب المسيرات البحرية والغواصات الآلية المتطورة القادرة على العمل كحقول ألغام متحركة في أعماق البحار، مما سيجعل من مهمة الاقتراب من البر الصيني أمرًا معقدًا ومحفوفًا بالمخاطر، كما سيجعل مهمة حاملات الطائرات الأمريكية أكثر تعقيدًا حال اقترابها من السواحل الصينية أو من مضيق تايوان. والهدف الثالث: حرمان العدوّ من التفوق الميداني في ميادين الصراع المختلفة عبر أسلحة دفاعية وصواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى. تعكس عملية الإدماج بين القدرات الدفاعية والهجومية تحولًا نوعيًّا في التفكير الإستراتيجي الصيني، من الدفاع عن السواحل والمياه الإقليمية إلى فرض واقع إقليمي جديد، مع إرسال رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن منطقة المحيطين الهندي والهادي لم تَعُد أمريكية خالصة.
ب. القدرة على تحقيق توازن الرعب العالمي: يُعَدّ الثالوث النووي أبرز تحوّل في قدرات بكين الهجومية، لكونه يشكل ركيزة صينية جديدة توفر للصين ذراعًا عسكرية ممتدة وطويلة تصل إلى أبعد بقعة في الكرة الأرضية، وذلك لتحقيق توازن الرعب العالمي وتنويع رسائل الردع الإستراتيجي وقوة الرد المدمر، فعلى سبيل المثال حال دمّر العدوّ المنصات البرية للصين ستظل الغواصات والقاذفات الإستراتيجية قادرة على توجيه الرد المدمر. كذلك سيضع الصين ضِمن مصافّ القوى النووية التي تمتلك ثالوثًا نوويًّا، لتصبح ثلاث دول، الولايات المتحدة وروسيا والصين، ويتيح لبكين توجيه ضربات نووية عابرة للقارات من ثلاث جهات، البحر والبر والجو، في وقت واحد، ما يجعل أي خصم يفكر طويلًا في توجيه ضربة استباقية أمام معادلة شديدة التعقيد، إذ إنّ توجيه ضربة استباقية تستهدف أحد عناصر القوة النووية الثلاثية لن تكفي لتحييد قدرتها على الرد المدمر، بما يضمن للصين القدرة على توجيه ضربة انتقامية مدمرة مؤكدة. وبذلك يتيح تطوير الثالوث النووي للصين سد الثغرات بين منصاتها النووية المختلفة، بحيث يعوّض كل مكون نووي نقاط ضعف المكون الآخر، فالقاذفات توفر إمكانية إطلاق الصواريخ والضربات من مسافات بعيدة، في حين توفر الغواصات قدرة عالية على البقاء في أعماق البحار حال استهدفت القواعد والمنصات البرية، ويمكنها توجيه ضربات مدمرة، بيد أنّ ذلك التكامل الثلاثي يزيد موثوقية ومرونة الردع النووي الصيني، سواء عبر المناورة والانتشار أو عبر الضربة الثانية من الجو أو البحر حال قصف العدوّ الصواريخ البرية، مما يعقد مهمة شل الثالوث، ويجعلها شبه مستحيلة أمام العدوّ.
كذلك تطوير الصين لغواصات جديدة غير مأهولة يعكس توجهًا صينيًّا نحو إدماج المعدّات البحرية غير المأهولة في إستراتيجيتها العسكرية، لكونه يوفر القدرة على تهديد طرق الملاحة الدولية عند الحاجة، وكذلك القدرة على مراقبة ومواجهة التهديدات في أعماق البحار، لا سيما على ضوء الدروس المستفادة من حادث تخريب خط أنابيب نورد ستريم، ما يبرز البعد الإستراتيجي لهذه المعدّات الآلية التكنولوجية باعتبارها آليات فعالة لحماية البنية التحتية الحيوية تحت سطح البحر.
ج. النموذج الصناعي العسكري الصيني المستقل: على مدى العقود الماضية كانت الصناعات العسكرية الصينية تعتمد بشكل رئيسي على تطوير نماذج من الأسلحة الأمريكية الدفاعية والهجومية، لكن كشفت الصين خلال عرضها العسكري عن قطع ومعدّات عسكرية متطورة صينية بامتياز من تصنيع شركة شيانغ الصينية، وبمواصفات متطورة عالميًّا حسب الخبراء الإستراتيجيين تواكب القرن الحادي والعشرين.
د. الاستفادة الصينية من دروس الحروب الحديثة: كشفت الحروب الحديثة مثل الحرب في أوكرانيا وفي فلسطين عن الدور الحاسم للمسيّرات في ميادين القتال، لا سيما مع قلة تكلفتها المالية، ولذلك كشفت الصين في عرضها العسكري عما يسمى بـ”الثالوث الحديدي” ضد المسيّرات لإسقاطها بكفاءة عالية الدقة، ما يعزز قدرة جيش التحرير الشعبي على حماية ترسانة الجيش العسكرية ضد أسراب المسيّرات والصواريخ المعادية بتكلفة أقل.
هـ. المآخذ على الأسلحة الصينية المتطورة: يؤخذ على الأسلحة الصينية أنها ما زالت لم تُختبَر بعدُ في ميادين القتال الفعلية، لتحديد مدى فاعليتها، باستثناء الطائرات المتطورة التي استخدمتها باكستان في حربها مع الهند. كذلك يتوقع أن يدفع العرض الصيني الضخم الخصوم مثل القوى الآسيوية الحليفة لواشنطن إلى زيادة إنفاقها العسكري وتعزيز تحالفاتها العسكرية خوفًا من تنامي القوة العسكرية الصينية، وبالتالي يتحول العرض إلى معزز لسباق تسلح جديد في الإندو-باسفيك وخلق اصطفافات دولية جديدة وتوازنات أكثر اضطرابًا.
رابعًا: كيف يقرأ الغرب مخرجات القمة والعرض العسكري؟
أثارت القمة استياءً واضحًا لدى الولايات المتحدة وأوروبا، فقد وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر منشور له على موقع تروث سوشيال، القمة بـ”المؤامرة” على الولايات المتحدة، عندما وجَّه كلامه بصورة مباشرة إلى الرئيس الصيني بالقول: “أرجو إبلاغ تحياتي الحارة إلى فلاديمير بوتن وكيم يونغ أون، لأنكم تتآمرون ضد الولايات المتحدة”([13]). كما اتخذت الولايات المتحدة إجراءات عملية ضد الصين، بالضغط على عدد من دول أمريكا اللاتينية لقطع علاقاتها مع بكين، أو تقليصها، بحجة أنها تسعى بذلك إلى تخليص المنطقة مما سمّتها “الممارسات الاستغلالية” للصين في هذه المنطقة وحماية الأمن والاستقرار الإقليميين([14]).
كذلك أصدرت الولايات المتحدة عقوبات بحق عدد من دول أمريكا اللاتينية، منها حرمان مواطني تلك الدول من تأشيرة الدخول إلى الأراضي الامريكية بتهمة ما سمّته واشنطن اتباع سياسات الحزب الشيوعي الصيني وتقديم دعم كبير أو تنفيذ أنشطة تقوض سيادة القانون في أمريكا الوسطى([15]).
وفي إشارة إلى حضور رئيس الوزراء الهندي قمة شنغهاي ولقائه مع زعماء الصين وروسيا، فقد اعترف الرئيس ترامب بأنه خسر الهند وروسيا أمام الصين[16]. ويأتي هذا الاعتراف بعد تصاعد التوترات بين واشنطن ونيودلهي، بعد أن فرض ترامب رسومًا جمركية على الصادرات الهندية بسبب مشتريات النفط من روسيا، واتهم الهند بتمويل العمليات العسكرية الروسية بشكل غير مباشر. ويُعَدّ هذا تطورًا لافتًا، لأن الولايات المتحدة دأبت على المحافظة على علاقاتها مع الهند وبَنَتْ معها شراكات اقتصادية متينة، بُغية كسبها باعتبارها قوة موازنة في وجه الصين وروسيا.
لم يقتصر الانزعاج من قمّة شنغهاي ونتائجها على واشنطن، بل امتدّ إلى أوروبا التي وَصفت الاجتماع بأنّه “تحدٍّ مباشر للنظام الدولي القائم على القواعد”، إذ أعربت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كايا كالاس عن قلقها من وقوف الرئيس الصيني إلى جانب قادة روسيا وإيران وكوريا الشمالية، واعتبرت أن هذه الدول تشكّل تحالفًا استبداديًّا يتحدى الدبلوماسية الغربية، ويسعى إلى إيجاد طريق سريع لنظام عالمي جديد([17]). كما حذّر الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب الدول الغربية من إمكانية خسارة النفوذ والمكانة إذا لم تتبنَّ سياسة خارجية أكثر تماسكًا، خصوصًا في ما يتعلق بدول الجنوب مثل الهند، ووفقًا للرئيس الفنلندي فإنّ منظمة شنغهاي للتعاون تسعى إلى “إضعاف وحدة” الدول الغربية([18]).
أما صحيفة الغارديان البريطانية، فرغم أنها اعتبرت أن قمة تيانجين جزء أساسي من مساعي بكين لتحدي الهيمنة الأمريكية وحلف الناتو، فإنها حمّلت إدارة ترامب المسؤولية في نجاح هذه القمة بعد الاضطرابات العالمية الناجمة عن الرسوم الجمركية التي فرضتها على عدد كبير من دول العالم، وغيرها من التغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية([19]). ويرجع القلق الغربي المتنامي من قادة قمة شنغهاي إلى تنامي الثقل والأوزان الاقتصادية والعسكرية والسياسية الكبيرة التي تتمتع بها دول المنظمة، خصوصًا الصين وروسيا والهند، على النحو التالي:
1. تعاظم الثقل الاقتصادي:
تزداد مكانة وأهمية منظمة شنغهاي للتعاون يومًا بعد يوم، بعدما تحولت من منظمة ذات طبيعة أمنية تضم 6 دول فقط عند تأسيسها إلى تكتل اقتصادي وسياسي كبير يضم عشر دول، من بينها قوتان كبريان هما الصين وروسيا، وقوة اقتصادية صاعدة هي الهند، كما تضم أربع قوى نووية هي الصين وروسيا والهند وباكستان. إضافة إلى هذه الإمكانيات، تضم أكبر الدول من حيث المساحة، كما تضم ما يقرب من نصف سكان العالم، أكبرها الهند التي يصل عدد سكانها إلى نحو 1.464 مليار نسمة، ثم الصين في المرتبة الثانية بأكثر من 1.416 مليار نسمة، ثم تأتي دول أخرى في تصنيف الدول المكتظة بالسكان مثل باكستان وروسيا وإيران([20]).
كما تضم منظمة شنغهاي دولًا ذات اقتصادات قوية ونامية، بما في ذلك الصين وروسيا والهند، مما يوفر سوقًا ضخمة وإمكانات نمو هائلة (انظر جدول رقم 3). وبالتالي فإنّ هذه الإمكانيات الضخمة التي تتمتع بها دول المنظمة تؤهلها لتكريس موقعها بصفتها فاعلًا مهمًّا ورئيسيًّا في صياغة التوازنات الدولية، خصوصًا في ظل التحولات الجذرية في موازين القوى.
فالصين تمتلك قدرات اقتصادية وتصنيعية هائلة جعلتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى احتلالها مرتبة رائدة في التكنولوجيا المتقدمة والاستثمار الأجنبي، علاوة على تمتعها بأكبر قوة عاملة في العالم، بل وأصبحت مصنعًا للعالم.
أما روسيا فقد احتلت المركز الرابع في قائمة أكبر الاقتصادات العالمية وفقًا لبيانات البنك الدولي، واستند التقييم إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي حسب تعادل القوة الشرائية الذي يعكس مستويات الأسعار الحالية في اقتصاد كل دولة، إذ تعادل القوة الشرائية في روسيا في 2024 نحو 6.92 تريليون دولار، مقارنة بـ6.45 تريليون دولار في 2023م([21]).
تُعَدّ الهند من أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم، ومن المتوقع أن تُواصِل تسلُّق سُلَّم أكبر الاقتصادات العالمية في عام 2025. من المتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الرسمي للهند 4.2 تريليون دولار أمريكي في عام 2025، حسب توقعات IMF في أبريل 2025. ويتميز الاقتصاد الهندي بعدد من محركات القوة، التي أهمها امتلاك الهند سوقًا محلية ضخمة ومتنامية، كما لديها قوة عاملة شابة وكبيرة، ونموّ قطاع الخدمات والتكنولوجيا، والاستثمارات في البنية التحتية والرقمنة([22]).
وقد أدى النمو الذي شهدته الهند خلال العقدين الماضيين إلى إحرازها تقدمًا ملحوظًا في الحد من الفقر المدقع، فبين عامَي 2011 و2019 تشير التقديرات إلى أن البلاد قد خفضت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف، أي أقل من 2.15 دولار أمريكي للفرد يوميًّا، إلا أن وتيرة الحد من الفقر تباطأت في السنوات الأخيرة، لا سيما خلال جائحة كوفيد-19. وعلى الرغم من الظروف العالمية الصعبة، تظل الهند أسرع اقتصاد رئيسي نموًّا في العالم، إذ تنمو بوتيرة سريعة بلغت 8.2% في السنة المالية 2023/2024م([23]).
ساهم الاستثمار العام في البنية التحتية وزيادة استثمارات الأُسَر في العقارات في تحفيز النمو. وشهد قطاع الصناعات التحويلية نموًّا قويًّا بنسبة 9.9%، فيما حافظ قطاع الخدمات على مرونته، معوضًا ضعف الأداء في قطاع الزراعة. وقد سعت المبادرات الحكومية إلى تعزيز قطاع التصنيع من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز البنية التحتية اللوجستية، وتحسين الكفاءة الضريبية وترشيد معدلات الضرائب.
جول رقم (3): حصص اقتصادات الدول الأعضاء بمنظمة شنغهاي في الاقتصاد العالمي 2024م
| الدولة | حجم الاقتصاد (بالدولار) | النمو (%) | الحصة من الاقتصاد العالمي (%) |
| الصين | 18.7 تريليون دولار | 4.9 | 16.8 |
| الهند | 3.9 تريليون دولار | 6.5 | 3.5 |
| روسيا | 2.2 تريليون دولار | 3.2 | 1.9 |
| إيران | 440 مليار دولار | 3 | 0.39 |
| باكستان | 370 مليار دولار | 2.5 | 0.34 |
| كازاخستان | 290 مليار دولار | 3.1 | 0.26 |
| أوزبكستان | 110 مليارات دولار | 6.5 | 0.10 |
| قيرغيزستان | 17.5 مليار دولار | 9 | 0.02 |
| بيلاروسيا | 62 مليار دولار | 4 | 0.056 |
| طاجكستان | 14.2 مليار دولار | 8.4 | 0.01 |
المصدر: https://bit.ly/48sb0Qy
2. تطور القدرات العسكرية:
تتمتع دول المنظمة بقدرات عسكرية هائلة، وعدد منها يمتلك جيوشًا ضِمن الأقوى عالميًّا، فوفقًا لتصنيف غلوبال فاير باور لأقوى الجيوش في العالم، تحتل روسيا المرتبة الثانية عالميًّا بعد الولايات المتحدة من حيث القوة العسكرية، تليها الصين في المرتبة الثالثة ثم الهند في المرتبة الرابعة، كما أنّ دولًا مثل باكستان وإيران تحتل هي الأخرى مراتب متقدمة ضمن الدول العشرين الأقوى([24]).
إضافة إلى ذلك تُعتبر 4 من دول منظمة شنغهاي ضمن القوى النووية التسع في العالم، إذ تمتلك روسيا أكبر عدد من الأسلحة النووية المؤكدة في العالم، بأكثر من 5440 رأسًا نوويًّا، ثم الصين بـ600 رأس نووي، والهند بـ180 رأسًا نوويًّا، ثم باكستان بـ170 رأسًا نوويًّا[25]. أمّا إيران فرغم أنها لا تمتلك أسلحة نووية حتى الآن فإنّ لديها برنامجًا نوويًّا يضم عددًا من المفاعلات النووية. وبعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الست الكبرى في 2015م، كثفت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، وهو ما بات يشكل قلقًا لدى الدول الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية من احتمالية أن تخطط إيران للدخول في النادي النووي، خصوصًا بعد أن وصل اليورانيوم المخصب إلى نسبة 60% إلى أكثر من 408 كيلوغرامات.
وفي ما يتعلق بالإنفاق العسكري، تُعتبر الصين ثاني أكبر مُنفِق عسكري في العالم، ليصل إلى نحو 314 مليار دولار أمريكي، مُسجِّلةً بذلك ثلاثة عقود من النمو المتواصل. وشكّلت الصين 50% من إجمالي الإنفاق العسكري في آسيا وأوقيانوسيا، بما في ذلك التحديث المستمر لجيشها وتوسيع قدراتها في مجال الحرب السيبرانية وترسانتها النووية([26]). أما الإنفاق العسكري الروسي فقد شهد زيادة ملحوظة خلال الاعوام الأخيرة، ووصل إلى ما يُقدَّر بـ149 مليار دولار أمريكي في عام 2024م، بزيادة قدرها 38% عن عام 2023م([27]). تليها الهند بوصفها أكثر دول المنظمة إنفاقًا في المجال العسكري، بـ86.1 مليار دولار([28]).
3. تنامي الثقل السياسي:
استمر الغرب لسنين عديدة في تشكيل ملامح النظام الدولي بداية من أوروبا ثم الولايات المتحدة، لكن يبدو أن هنالك دولًا ومنظمات ممتعضة من الهيمنة الغربية وترغب في تغيير هذا الواقع الذي يسيطر على العالم منذ عقود، وتقف منظمة شنغهاي على رأس هذه المنظمات التي تعمل وفقًا لخطط دقيقة لتعزيز وتحقيق هذا الهدف الذي سيظل محاطًا بالتحديات والعقبات. وقد استطاعت هذه المنظمة خلال فترة تاريخية قصيرة أن تكتسب وزنًا سياسيًّا كبيرًا على الساحة العالمية. بعدما فرضت نفسها بوصفها منصة لموازنة القوى ومقدمة لخلق نظام دولي جديد في مواجهة الأحادية القطبية.
أظهرت منظمة شنغهاي قدرتها على جمع الخصوم والشركاء تحت سقف واحد وترك الخلافات بين أعضائها في سبيل تحقيق الأهداف العليا للمنظمة. ولعل مشاركة الهند في قمة الصين الأخيرة خير مثال على ذلك، إذ شاركت الهند رغم خلافاتها العميقة مع الصين، وهو تحوُّل يثير قلق الدول الأوروبية. ونظرًا إلى ثقلها الكبير بات كثير من دول العالم الثالث وحتى الدول النامية ينظر إلى منظمة شنغهاي بـأنها لم تَعُد مجرَّد منظمة للتعاون الاقتصادي والأمني والسياسي، بل المنظمة الوحيدة القادرة على وقف الهيمنة الغربية وتهيئة الأرضية المناسبة لعالم متعدد الأقطاب يتيح فرصًا للتعاون وتسعى فيه كل دولة إلى تعزيز مكانتها وتحقيق مصالحها الوطنية.
تمتلك دولتان بالمنظمة حق النقض (الفيتو)، هما الصين وروسيا، وهو ما يعزز دورهما في بسط الاستقرار على المستوى الدولي ويشكل ضمانة حاسمة ضد التدخل في شؤون الدول الأخرى والهيمنة الأمريكية، إذ عاق الاستخدام المفرط لحق النقض من قِبل الولايات المتحدة تحقيق الغاية من إنشائه والمتمثلة في حفظ السلم والأمن الدوليين، هذا فضلًا عن توظيفه لخدمة المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وحماية حلفائها، دون مراعاة حقوق الدول الأخرى.
خامسًا: تحديات أمام الطموحات الصينية لإزاحة الأحادية القطبية
رغم التقارب الذي آثار قلقًا غربيًّا بين قادة الصين وروسيا والهند وكوريا الشمالية في القمة والعرض العسكري الصيني، فإنه ما زالت أمام المساعي الصينية جملة من التحديات لتشكيل محور آسيوي يضم الهند لإرساء نظام دولي متعدد الأقطاب، هي على النحو التالي:
1. مركزية الخلافات العالقة بين الصين والهند:
رغم المؤشرات الإيجابية حول التقارب الصيني-الهندي ومشاركة الأخيرة في قمة شنغهاي وما صاحبها من نتائج قد تخدم الأهداف الصينية في مواجهة الهيمنة الغربية على العالم، تبقى هنالك تحديات حقيقية تعترض طريق التقارب الصيني-الهندي، تتقدمها الخلافات الحدودية بين الدولتين. ويتمركز النزاع التاريخي بين البلدين حول منطقتَي أسكاي تشن وأرمشال باراديش، فالصين ترى أن الهند تحتل منطقة آرمشال براديش، فيما تتهم الهند الصين باحتلال منطقة أسكاي تشن، التي تقع بالقرب من إقليم كشمير، ويرفض البلَدان الترسيم الذي وضعه البريطانيون، ما أدى إلى استمرار الأزمة دون حل[29]. وفي ظل مساعي بعض القوى الغربية لتغذية هذا الصراع وغياب الأطر القانونية والسياسية المعترف به من قِبل الصين والهند بشأن ترسيم الحدود أو التفاوض لإنهاء النزاع، فإن عودة العلاقات بين البلدين إلى مربع النزاع وحتى المواجهات تبقى محتملة إلى حد كبير.
ترتبط الصين بعلاقات وثيقة مع باكستان، وهو ما يشكل مصدر قلق دائمًا للهند، لإدراك الأخيرة أن دعم بكين لإسلام آباد يهدف إلى احتواء الهند في جنوب المحيط الهندي، حيث يجمع البلدين شراكة إستراتيجية قوية تتمثل في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، كما تزود الصين باكستان بنسبة كبيرة من الأسلحة كالطائرات المقاتلة والغواصات، مما يعزز قدراتها العسكرية في مواجهة الهند. وفضلًا عن الدعم الاقتصادي والعسكري، تقدم بكين دعمًا سياسيًّا لإسلام آباد، لا سيما في المنظمات الدولية[30].
كذلك لا يعني التوتر في العلاقات الأمريكية-الهندية على خلفية الرسوم الجمركة التي فرضتها واشنطن على نيودلهي أن العلاقات الهندية-الأمريكية ستستمر على هذا النمط، خصوصًا في ظل المكانة التي تتمتع بها الهند لدى واشنطن والدول الغربية عمومًا لكونها من أكبر الديمقراطيات في العالم، ولعلاقاتها الاقتصادية والتكنولوجية الوثيقة مع الغرب، والاعتراف الأمريكي بالتفريط في حليف موثوق كالهند لصالح الصين، ما يعني إمكانية عودة العلاقات بين البلدين إلى قوتها، سواء خلال فترة ترامب أو بعدها.
لطالما اعتبرت نيودلهي أن منطقة المحيط الهندي جزء من نطاق نفوذها، لكنها أصبحت تحظى بأولوية كبيرة في الإستراتيجية الصينية، وخلال الأعوام القليلة الماضية شهد النفوذ الصيني في دول هذه المنطقة تناميًا ملحوظًا. وتنبع أهمية منطقة المحيط الهندي من كونها تضم طرقًا بحرية حيوية للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي، وتشكّل طرقًا سريعة وإستراتيجية تربط بين الشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا وأوروبا والأمريكتين، وتضم 33 دولة ساحلية بمجموع سكان يبلغ نحو 2.9 مليون نسمة[31]. وشكّلت التطورات والأحداث التي شهدها عدد من دول المنطقة مثل سيريلانكا وبنغلاديش والمالديف والنيبال فرصة مواتية للصين لتعزيز علاقاتها ونفوذها في هذه المنطقة الحساسة والمهمة، وفي ظل استمرار التموضع الصيني في مناطق النفوذ الهندي، يتوقع أن يكون هذا الملف أحد الملفات التي ستشعل الخلافات والتنافس بين البلدين.
2. غياب الرؤية الموحدة إزاء القضايا الإقليمية والدولية:
القوى الثلاث: الصين والهند وروسيا، لا تجمعها رؤية موحدة إزاء القضايا الإقليمية والدولية، فعلى الصعيد الإقليمي لا تزال قضية القيادة الإقليمية قضية خلافية بين الصين والهند رغم التوافق المعلن بين قيادتي البلدين خلال القمة، إذ تخشى الهند على مكانتها ومصالحها الإقليمية في ظل القيادة الصينية المنفردة لمنطقة الإندو-باسفيك، ولذلك تقترب الرؤية الهندية من الغربية تجاه الصين في الإندو-باسفيك، حيث تتناغم مواقف الهند والغرب في جعل الصين في موقع الموازن وليس المهيمن الإقليمي، كذلك الصين والهند لا تجمعهما مسافة واحدة تجاه النظام الدولي الأحادي القطبية رغم الانزعاج الهندي من سياسات الأحادية القطبية المنفردة في ما يخص فرض الرسوم والتعريفات الجمركية، فالصين مسافتها أقوى وأبعد مقارنة بالمسافة الهندية. وعلى الصعيد الدولي، ورغم التناغم الصيني-الروسي في ما يتعلق بضرورة تعديل النظام الدولي لجهة الانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب، فإنّ روسيا تهدف إلى أن تكون قطبًا دوليًّا أو موازنًا دوليًّا حال تغير النظام الدولي، فيما ترى الصين والولايات المتحدة أن الطرف الروسي لا يمتلك المقدرات العالمية الملائمة لأن يكون موازنًا دوليًّا محتملًا، وفي هذه الحالة قد تنشأ صراعات بين الصين وروسيا في المستقبل على شكل النظام الدولي، وإن كانتا متّحدتَين في الوقت الراهن بسبب السياسات الأمريكية تجاههما.
3. الضغوط والإغراءات الاقتصادية الغربية للهند:
تمارس الدول الغربية ضغوطًا شديدة على الهند لإرغامها على التراجع عن بناء علاقات متينة مع روسيا والصين، ومثال على ذلك الانتقادات الأوروبية لزيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو في يوليو 2025، والقلق الذي أبدته إدارة ترامب تجاه تنامي العلاقات الهندية-الروسية، ونظرًا إلى المصالح الهندية الكبيرة مع الغرب، فمن الممكن أن تستجيب نيودلهي لهذه الضغوط وتبتعد عن المحور الصيني-الروسي. في مقابل هذه الضغوط، يقدم الغرب مزيدًا من الإغراءات الاقتصادية التي تحفز الهند على المضي قدمًا في سياسة الانفتاح الاقتصادي والتجاري واحتواء النفوذ الصيني، فقد دعمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في مجموعة العشرين مبادرة مشروع الممرّ الاقتصادي الذى سيربط بين الهند وأوروبا ويمرّ بشبه الجزيرة العربية وإسرائيل، وذلك بهدف التصدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
إضافة إلى ذلك، تسعى إدارة ترامب للضغط على الهند لإجبارها على التوقف عن شراء النفط الروسي المنخفض السعر، وهي المسألة التي شكلت أحد أبرز العوامل التي قادت إدارة ترامب لفرض رسوم جمركية على نيودلهي. ويبدو أن الولايات المتحدة قد نجحت في إغراء الهند بمسألة زيادة وارداتها من النفط والغاز الأمريكي. وقد صرح ترامب بالفعل بأن ناريندرا مودي وعده بأن الهند ستتوقف عن شراء النفط الروسي قريبًا، وهو ما قد يشكل عامل ضغط على روسيا التي تحتاج إلى عائدات النفط والغاز في ظل حربها مع أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية الغربية.
4. امتلاك الولايات المتحدة أدوات الهيمنة العالمية:
لا تزال الولايات المتحدة القوة المهيمنة في العالم في عديد من المجالات، بما في ذلك القدرات العسكرية، والوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، والتكنولوجيا الرقمية، ووسائل الإعلام، و”القوة الناعمة”. ولهذا السبب تعتقد أنها قادرة على هزيمة ما تسميه “تمرد” الصين وغيرها من القوى الناشئة ضد النظام الدولي الأحادي القطبية بقيادة أمريكية، والحفاظ على زعامتها.
عسكريًّا، لطالما كانت الولايات المتحدة رائدة عالمية في الإنفاق الدفاعي، متجاوزةً الصين بأكثر من ضعفين اعتبارًا من عام 2022م[32]. كما تمتلك أقوى جيش في العالم، مع أنواع مختلفة من الأسلحة المتطورة، فضلًا عن امتلاكها شبكة واسعة من القواعد العسكرية المنتشرة حول العالم. وهذه القدرات تجعلها قوة عسكرية عالمية بحق، تسمح لها بتحقيق هيمنتها على العالم، ومن بين 13 فئة من الأنظمة العسكرية التي تدعم هذه القدرة، من الغواصات النووية إلى الأقمار الصناعية وحاملات الطائرات والطائرات الثقيلة. ورغم الإنجازات العسكرية الصينية فإنها تتخلف عن الولايات المتحدة بنحو 20% في هذه المجالات، في مجالَين فقط (البوارج والمدمرات والأقمار الصناعية العسكرية)، ما يعني أن الولايات المتحدة لا تزال متقدمة جدًّا في المحالات العسكرية لأنها خصصت موارد هائلة لتطوير هذه الأنظمة على مدى عقود. وسيتطلب سدّ هذه الفجوات عقودًا من الجهد، وستزداد الفروقات مع ازدياد الجودة[33].
كما وسعت نطاق تحالفاتها ولم تكتفِ بالناتو، بهدف تطويق الصين، مثل حلف “أوكوس” الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، والذي يهدف إلى مواجهة هيمنة الصين في منطقة المحيط الهادي، وحلف “كواد” الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، وفي الشرق الأوسط تعمل على توسيع ما يسمى بحلف “أبراهام”، بقصد منع الصين من التمدد في مناطق النفوذ التقليدية للولايات المتحدة.
اقتصاديًّا، يُعَدّ الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر والأول بين اقتصادات العالم، وتستخدم قوتها الاقتصادية للتأثير في الدول الأخرى، من خلال تقديم الصفقات التجارية والقروض والاستثمارات. كما تتمتع بمكانة لا تُضاهى في أسواق رأس المال، وعندما ننظر إلى التكنولوجيا والابتكار، فإن أمريكا هي موطن لأكبر شركات التكنولوجيا في العالم التي تقود التقدم في مجال الذكاء الصناعي، ومن حيث الناتج والقوة الاقتصادية تبلغ الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي والصيني نحو 10 تريليونات دولار[34]. هذا فضلًا عن الإمكانات الاقتصادية الكبيرة التي تتميز بها الولايات المتحدة كالمواد الخام، ومصادر رأس المال، والأسواق، وتحكّمها في تجارة السلاح التي تدرّ لها أموالًا طائلة.
سياسيًّا، تحتفظ الولايات المتحدة بشبكة من التحالفات والشراكات السياسية والإستراتيجية العالمية، وتستخدم قوّتها في تعزيز أدوارها الدبلوماسية والتفاوضية بالقوة لتعزيز مصالحها، كما تتمتع بنفوذ كبير في معظم المنظمات الدولية، ويوجد على أراضيها أهم المؤسسات الدولية التي تُسيطر على القرار الدولي، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع لها، فضلًا عن سيطرتها على الإعلام العالمي.
الخلاصة ونتائج الدراسة
تكشف الدراسة عن تعاظم معركة التوازنات الدولية بين كبريات الأقطاب الدولية منذ تولي الرئيس ترامب ولايته الثانية مطلع 2025م، حيث يسعى الرئيس ترامب إلى عودة العصر الذهبي للقوة الأمريكية واستمرارية بلاده على قمة هرم تراتبية القوى الدولية، فيما تسعى الصين إلى تعديل النظام الدولي الأحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب يُفقِد الولايات المتحدة هيمنتها المنفردة على النظام الدولي، ولذلك لم يكُن خطاب الرئيس الصيني في قمة شنغهاي والعرض العسكري الصيني في ميدان تيانمن مجرد عرض بروتوكولي، بل تأكيد على قدرة الصين على إعادة ترتيب التوازنات الدولية عبر المزج بين التموضع الدبلوماسي الصيني العالمي والتطور النوعي في القدرات العسكرية الصينية. وفي ما يلي أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة:
1. تبنّي منظمة شنغهاي للخطاب الصيني: بتمكن الصين من جر الهند إلى معسكرها، بل وانسجام نيودلهي مع الرؤية الصينية في رفض القرارات الأحادية الأمريكية، والتغاضي عن الخلافات البينية، وتمكنها أيضًا من تعزيز شراكتها مع روسيا، تمكنت الصين من تبنّي منظمة شنغهاي لخطابها تجاه النظام الدولي ومساعيها إلى خلق نظام دولي متعدد الأقطاب، بل وتحول المنظمة إلى نموذج للنظام الدولي متعدد الأقطاب الذي بشرت به الصين منذ وصول الرئيس شي إلى السلطة قبل نحو 15 عامًا. فاليوم ربما دشنت المنظمة ذلك النموذج الذي أرادت الصين أن تقدمه للعالم بديلًا للأحادية القطبية، كما أرادت الصين برسالة القوة الصلبة بث رسائل إقليمية ودولية بأن لا أحد يمكنه أن ينال من الأراضي الصينية، ما يفسر الزخم الذي أولته عواصم القرار الغربي في أوروبا وأمريكا لهذه القمة.
2. ربط الخطاب الصيني بقدرات عسكرية متطورة: بعرضها العسكري الذي كشفت خلاله عن ثالوثها النووي والحديدي، بات خطاب الصين بتعديل النظام الدولي إلى نظام دولي متعدد الأقطاب مدعومًا بقوة عسكرية متطورة عالميًّا، بل وشبكة تحالفات متنامية من الفواعل الإقليمية والدولية التي تمتلك مجتمعة ترسانة نووية تتفوق على ترسانة أعضاء حلف الناتو النووية، وبقيادة عازمة على حماية المكانة والمصالح الصينية الإقليمية والدولية. فهذه الكمية الهائلة من القدرات الدفاعية والهجومية الصينية أظهرت أن لديها مقدرات عسكرية متطورة عالمية قادرة على دعم خطابها للعالم، وربما في نهاية المطاف فرض الرؤية الصينية للعالم، أو اتجاه العلاقات الدولية نحو المحور المناهض للغرب أكثر من بقائها في محور الغرب، وإن كانت أمام الصين وتنفيذ أهدافها العالمية تحديات داخلية وخارجية متعددة.
3. تأكيد القيادة الصينية للجنوب العالمي: بجمعها 26 زعيمًا حول العالم، بينهم دول كانت على خلافات شديدة معها ودول صديقة ومعادية للولايات المتحدة، أرادت تأكيد مكانتها العالمية، بل اعتبر كثير من المراقبين أن الحضور اللافت للزعماء وطريقة تعاطيهم مع الرئيس الصيني كانا بمثابة تصويت بالثقة في الدور الصيني وقيادتها للجنوب العالمي بنموذج سياسي وقيمي يتناقض والنموذج الغربي. ورغم تغيُّب الفلبين المهمة للصين، فإنّ سنغافورة أوفدت نائب رئيس وزرائها، في إشارة إلى حياد محسوب تجاه الصين والولايات المتحدة، لكن مشاركة زعماء إندونيسيا وماليزيا وفيتنام وكمبوديا وميانمار في العرض العسكري تعكس أن غالبية دول جنوب شرق آسيا باتت تفضّل نهج التعاون على نهج المواجهة مع الصين في ظل تفوقها الإقليمي والدولي، رغم استمرار النزاعات على السيادة في بحرَي الصين الجنوبي والشرقي. أما بوتين فقد أثبت للعالم أنه ليس معزولًا، فيما كان رئيس الحكومة الهندية بدوره يُظهِر أن بلاده قد تنحاز فعليًّا للمعسكر المناهض للغرب تحت ضغط سياسات الرئيس ترامب الاقتصادية.
4. الصين تضع ذاتها ضمن قائمة كبار بائعي السلاح: أرادت الصين من عرضها العسكري أيضًا جذب أنظار العالم إلى منظومتها العسكرية المتطورة، ولفت الانتباه إلى أنها ستتحول إلى مصنع عسكري للعالم، كما نجحت في أن تكون المصنع الاقتصادي الأكبر للعالم، بل وبائعًا رئيسيًّا للسلاح ضمن كبار بائعي السلاح في العالم. ويرى الخبراء الإستراتيجيون قياسًا على النجاح الصيني في تحقيق هدف مصنع العالم الاقتصادي أن الصين قادرة بالفعل على تحقيق نفس الهدف على الصعيد العسكري.
5. رفع التكلفة على خصوم الصين الإقليميين: العرض ربما ليس للتباهي العسكري بقدر ما يُعَدّ تحذيرًا واضحًا لتايوان وداعميها في الغرب بأن الصين باتت صاحبة النفوذ الأقوى عسكريًّا في منطقة الإندو-باسفيك ومضيق تايوان، وأن أي تدخّل عسكري لصالح تايبيه، حال قررت الصين استعادتها بالقوة العسكرية، سيكون مكلفًا للغاية. وها هي الصين بعدما اقتربت من الولايات المتحدة اقتصاديًّا وتجاريًّا على الصعيد العالمي لتصبح الاقتصاد الثاني في العالم، تقلّص فارق القوة العسكرية بشكل لافت، في طريقها لتجاوز الدول الغربية في تسليحها وعتادها الحربي.
6. إخفاق الجهود الغربية في شق الصف الأورو-آسيوي: لم يكن هناك أبلغ من تصريح الرئيس ترامب بخسارة الولايات المتحدة للهند وروسيا لصالح الصين. ويشير حرص قادة دول المنظمة وفي مقدمتهم قادة الهند وروسيا على الحضور اللافت إلى أن الجبهة الأورو-آسيوية موحدة بنسبة يُعتدّ بها مقارنة بالقمم السابقة، ويبث رسائل ضمنية للغرب بأن سياسة العقوبات والضغوط أحادية الجانب لم تعُد أمورًا مجدية بالنسبة إلى الدول الطامحة إلى تعديل النظام الدولي وتحقيق الاستقلالية في سياستها الخارجية، وكشفت عن التزام روسي-هندي للتحالف مع الشرق، وكذلك سلطت الضوء على معضلة النفوذ الأمريكي العالمي، لا سيما في أوراسيا بفعل السياسات الأمريكية الأحادية، ودخول قوى عالمية جديدة تحكم معادلات الطاقة والتجارة والدفاع، إذ بدأت الصين والهند وروسيا تتشاركان في مشاريع إستراتيجية عملاقة في مجالات الطاقة والطاقة النووية والتجارة والسكك الحديدية العابرة للقارات اتفق عليها في أثناء القمة التي تُعَدّ شهادة ميلاد لحقبة زمنية جديدة في عمر النظام الدولي، وكشفت عن القدرة على التكتل في محور أورو-آسيوي وازن مقابل التكتل الأورو-أطلسي الممسك بهيمنة القواعد الغربية على النظام الدولي الراهن.
وختامًا، إنّ زحزحة العالم من النظام الأحادي إلى نظام جديد (متعدد أو ثنائي أو شكل مغاير) لم يعُد مجرد تحليل رغبوي تتبناه الدول غير الغربية، بل إنّ كبار منظِّري حقل العلاقات الدولية البارزين في الغرب يعترفون ويرددون أيضًا هذه الحقيقة. وبات اليوم القليل من كبار المنظِّرين المقربين من دوائر صنع السياسات الغربية يرون أن قوة الغرب لا تزال في صعود ونموّ. على العكس من ذلك، تُظهِر المجالات المختلفة بوضوح أن محور القوة العالمية قَطَع شوطًا كبيرًا في إرساء مرحلة “عالم ما بعد الغرب”.. صعود مؤسسات مثل البريكس وشنغهاي مقابل التراجع في المؤشرات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية العالمية لمجموعة السبع أقوى دليل على هذا الطرح. حتى الحلفاء الإقليميون للغرب أدركوا أن المستقبل يعتمد على تنويع الشراكات والتوازنات الدولية والاقتراب من محور القوة العالمية الجديد، وليس على التبعية المطلقة للمحور الغربي، الذي يسير نحو التراجع رغم المحاولات الأمريكية منذ بداية عهد الرئيس ترامب. وهذه النقطة بالتحديد تضاعف غضب الغرب وهواجسه، لأن كل التحليلات الصادرة عن كبريات الجامعات والمراكز البحثية الأمريكية والأوروبية المرموقة تكشف بوضوح عن التحول في توازن القوى العالمي على اعتبار أن حجم الاقتصاد والتجارة لدول شنغهاي والبريكس في النصف الآخر من الكرة الأرضية لم يتجاوز مجموعة السبع فحسب، بل يُحدِث تغييرًا جذريًّا في قواعد اللعبة في التجارة والطاقة العالمية، بل وحتى المعايير المالية. ولم يعُد من الممكن إدارة جميع المعادلات بالنمط الأحادي باستخدام الدولار واليورو، كما أن عدم استخدام الدولار في المعاملات بين دول البريكس وشنغهاي، وتقليص حصة الدولار في التجارة العالمية، سيوجهان ضربة كبيرة إلى الاحتكار الذي يفرضه الغرب.
[1] – Whitehouse, Further Modifying the Reciprocal Tariff Rates, (July 31, 2025), Accessed: Sep 3, 2025, https://nz.sa/jGrVW
[2]– بحسب مدير مركز “فريدريك باردي” لدراسة المستقبل في جامعة بوسطن، جورجي هاين، يشير مصطلح “الجنوب العالمي” إلى بلدان مختلفة حول العالم تنتشر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ولا تقع جميعها في نصف الكرة الجنوبي، لكنها كانت توصف أحيانًا بأنها نامية أو أقل نموًّا أو متخلّفة، وذلك لأنها بشكل عامّ أكثر فقرًا، ولديها مستويات أعلى من عدم المساواة في الدخل، وتعاني من انخفاض متوسط العمر المتوقع وظروف معيشية أقسى من البلدان الموجودة في “الشمال العالمي”، أي الدول الأكثر ثراء التي تقع غالبًا في أمريكا الشمالية وأوروبا، مع بعض الإضافات في أوقيانوسيا وأماكن أخرى مثل أستراليا ونيوزيلندا. ولا يشير مصطلح “الجنوب العالمي” إلى تقسيم جغرافي، ذلك أن أكبر دولتين في العالم الجنوبي وهما الصين والهند تقعان بالكامل في نصف الكرة الشمالي، لكن استخدامه يشير إلى مزيج من القواسم المشتركة السياسية والجيوسياسية والاقتصادية بين الدول، فقد كانت بلدان الجنوب العالمي غالبًا في الطرف المتلقي للإمبريالية والحكم الاستعماري، وربما كانت البلدان الإفريقية المثال الأكثر وضوحًا على ذلك، لكن هذا المصطلح يمنح الآن نظرة مختلفة تمامًا عما وصفه منظرو التبعية بالعلاقة بين المركز والأطراف في الاقتصاد السياسي العالمي أو العلاقة بين “الغرب والباقي”.
[3] – times of Israel, Rubio: US warned recognizing Palestine would lead to ‘reciprocal’ Israeli response, (Sep 5, 2025),Accessed: Sep 3, 2025, https://nz.sa/rpAsK
[4] – Reuters, Kallas says any deal between US and Russia must include Ukraine and EU, (Aug 10, 2025), Accessed: Sep 3, 2025, https://n9.cl/enn0y
* تضم المنظمة 10 دول أعضاء: الصين، وروسيا، والهند، وإيران، وباكستان، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزباكستان، بالإضافة إلى دولتين مراقبتين: أفغانستان ومنغوليا، وبالإضافة إلى 14 دولة شريكة في الحوار: أذربيجان، وأرمينيا، والبحرين، ومصر، وكمبوديا، وقطر، والكويت، والمالديف، وميانمار، ونيبال، والإمارات، والسعودية، وتركيا، وسيرلانكا. متاح على الموقع الرسمي للمنظمة: https://nz.sa/QDCOk
[5]– فرانس 24، ماذا نعرف عن قمة منظمة شنغهاي التي تحاول الصين عبرها طرح نموذج جديد للعلاقات الدولية؟، (31 أغسطس 2025م)، تاريخ الاطلاع: 3 سبتمبر 2025م، https://short-link.me/191Gn
[6]– دويتش فيلة، استوديو الحدث: قمة منظمة شنغهاي.. بداية لنظام عالمي جديد؟، (2 سبتمبر 2025م)، تاريخ الاطلاع: 30 سبتمبر 2025م،https://2cm.es/1beUR
[7]– رويترز، بوتين يُشيد بتوسيع العلاقات مع الهند ويصف مودي بأنه “صديقه العزيز”، (1 سبتمبر 2025م)، تاريخ الاطلاع: 27 سبتمبر 2025م، https://2cm.es/1fSST
[8]– إرم نيوز، تقرير فرنسي: قمة شنغهاي إعلان لميلاد نظام دولي جديد، (1 سبتمبر 2025م)، تاريخ الاطلاع: 28 سبتمبر 2025م، https://n9.cl/2cq05x
[9]– روسيا اليوم، التجارة بين روسيا والهند تبلغ مستوى تاريخيًّا، (12 مارس 2025م)، تاريخ الاطلاع: 27 سبتمبر 2025م، https://2cm.es/1beOp
[10] – Bolor Lkhaajav, China-Mongolia-Russia Agreement on Power of Siberia 2 Could Reroute Energy Trade, (Sep 06, 2025), Accessed: Sep 29, 2025, https://2cm.es/1fX7h
[11] – English. gov.cn, Full text of Xi Jinping’s speech at the ‘Shanghai Cooperation Organization Plus’s Meeting, (Sep 1, 2025), Accessed: Sep 29, 2025, https://apps.osrah.sa/LCE66Z
[12] – inspire, Understanding the threat: Hypersonic missiles and why they matter, (Feb 5, 2025), Accessed: Sep 29, 2025, https://n9.cl/bfjp5
[13] -Trump accuses Xi of conspiring against the U.S. with Putin and Kim at China military parade, )Sep 3, 2025(,Accessed: Sep 25, 2025, https://2u.pw/X8enaR
[14]– شينخوا بالعربية، الصين تحث الولايات المتحدة على التوقف عن إجبار دول أمريكا اللاتينية على الانحياز لطرف، (19 سبتمبر 2025م)، تاري الاطلاع: 27 سبتمبر 2025م. https://n9.cl/3ya98
[15]– د. عوض سليمية، قمة منظمة شنغهاي للتعاون 2025: تعزيز الشراكة نحو عالم متعدد الاقطاب بعيدًا عن نمط التفكير الغربي، (10-9-2025)، تاريخ الاطلاع: 27 سبتمبر 2025. https://2u.pw/Luwoc7
[16]– اعتراف ترامپ: روسیه وهند را به چین باختیم، https://2u.pw/AAVgfQ
[17] EU’s Kallas says Xi, Putin, Kim and Iran challenge rules-based order September 3, 2025, ), Accessed: Sep 28, 2025 https://2u.pw/UYkJeV
[18] اجلاس شانگهای، متحدان غرب را نگران کرد،(3 سبتمبر 2025م)، تاريخ الاطلاع: 30 سبتمبر 2025م. https://2u.pw/dNPLtr
[19] Xi Jinping criticises ‘bullying behaviour’ and Putin blames west for Ukraine war at Shanghai summit, (Mon 1 Sep 2025) Accessed: Sep 30, 2025, https://bit.ly/4nQazUM
[20] Countries in the world by population (2025), Accessed: Sep 30, 2025, https://2u.pw/IBPpW6V
[21]– روسيا ثابتة في المركز الرابع.. تعرَّف ترتيب أكبر 10 اقتصادات في العالم عام 2024، تاريخ الاطلاع: 31 سبتمبر 2025م.https://bit.ly/4nI4ppA
[22]– أكبر الاقتصادات العالمية في 2025.. تحولات القوى الاقتصادية الكبرى، (15 يوليو 2025م)،https://bit.ly/42Cg6px، تاريخ الاطلاع: 31 سبتمبر 2025م.
[23] -The World Bank In India, Accessed: Sep 25, 2025, https://bit.ly/48um5R3
2- 2025 Military Strength Ranking, Accessed: Sep 31, 2025, https://bit.ly/46vyVw1
3- Which countries have nuclear weapons?, Accessed: Sep 31, 2025, https://bit.ly/46OAWob
[26] Unprecedented rise in global military expenditure as European and Middle East spending surges, Accessed: October 1, 2025, https://bit.ly/3VtsxQJ
[27] ibid.
[28] Countries with the highest military spending worldwide in 2024, Accessed: October 1, 2025, https://bit.ly/4gACHZD
[29] فضل الهادي وزين، الجزيرة، أين تقف الصين من الصراع بين الهند وباكستان؟ (5/5/2025)، تاريخ الاطلاع: 15 أكتوبر 2025م. https://2u.pw/5Ebqyi
[30] نفس المصدر.
[31] Suyesha Dutta, Suvolaxmi Dutta Choudhury, Balancing Tides: India’s Competition with China for Dominance of the Indian Ocean Region, April 24, 2024, Accessed: October 17, 2025, https://2u.pw/gBu6Xp
[32] PoliticsU.S. vs. China: Which Country is the World’s #1 Superpower?, September 26, 2024 , Accessed: October 18, 2025, https://2u.pw/TJOVkF
[33] شرطبندی روی جهان دو قطبی ممنوع؛ چرا چین یارای رقابت با آمریکا را ندارد؟، تاريخ الاطلاع: 18 اكتوبر 2025م.
[34] PoliticsU.S. vs. China: Which Country is the World’s #1 Superpower?, September 26, 2024, Accessed: October 18, 2025, https://2u.pw/TJOVkF