أشارت صحيفة “جوان” الموالية للحرس الثوري في مقالها يوم الإثنين الماضي إلى سهولة شراء السلاح والكحولّ من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت في إيران، وتضيف الصحيفة أن الفضاء المجازي قد أخذ يهدّد أمن المجتمع، وطالبت في الوقت ذاته بأن تتصرّف الأجهزة الأمنية حيال الأمر.
أوردت الصحيفة المذكورة الخبر في المقال الذي يحمل عنوان “الأسلحة والكحولّ مسموحان!”، واستنتجت فيه أن الفضاء المجازي يتلاعب بالأمن العامّ، بالنظر إلى سهولة شراء الأسلحة والمشروبات الكحولّية من خلال صفحات “تليغرام” و”إنستاغرام”، والباحث على صفحات هذه المواقع يسأل نفسه متحيرًا: “هل أنا فعلًا في إيران؟!”.
وتزعم الصحيفة أن مراسلها، خلال تحقيقاته وللتأكُّد من صحَّة القضية، تَمَكّن من تسلُّم زجاجة من المشروبات الكحولّية بعد أن دفع ثمنها من خلال الإنترنت.
متاجر السلاح الآمنة
حسب تقرير هذه الصحيفة، فعلى شبكات التواصل الاجتماعي كثير من القنوات التي تضع بين يدَي المستخدمين متاجر آمنة في متناول اليد حتى لغير المحترفين، بحيث يتمكنون من خلالها من شراء المشروبات الكحولّية أو السلاح الناريّ.
ويعتبر مراسل الصحيفة أن الاحتيال في الفضاء المجازي الذي يهدف إلى إفراغ جيوب الناس أصبح أمرًا عاديًّا للغاية، لكنه يضيف في نفس الوقت أن المحترفين في هذا المجال بإمكانهم الوصول إلى هدفهم، المتمثّل في الحصول بسهولة على الأسلحة النارية.
قبل ذلك بستة أشهر كان مفتِّش شرطة الإنترنت في محافظة سيستان وبلوشستان أعلن القبض على أعضاء عصابة تبيع أجهزة الهواتف النقالة المقلَّدة، على أثر شكاوى لبعض المواطنين، وبعد المتابعة وصل المحققون إلى أن هذه العصابة تبيع كذلك الأسلحة والعتاد من خلال الفضاء المجازي وشبكات التواصل الاجتماعي، لكنّ تقرير الشرطة لم يوضّح هل حقًّا باع أعضاء هذه العصابة الأسلحة النارية للمواطنين الإيرانيين أم لا.
في سبتمبر من عام 2015 صرَّح مساعد رئيس إدارة البيئة الطبيعية في هيئة الحفاظ على البيئة قائلًا: “في الوقت الحالي صُودِر من الناس مليون و600 ألف قطعة سلاح غير مرخَّص، والموجود في أيدي الناس حاليًّا يعادل هذا الرّقم”.
أما مقال الصحيفة الموالية للحرس الثوري فقد أكّد في البداية وجود 3 ملايين قطعة سلاح في أيدي الناس، ثمّ تَطَرّق إلى تصريحات مدير إدارة البحث الجنائي محمد رضا مقيمي، في سبتمبر من العام الماضي حين قال: “حسب ما لدينا من إحصائيات خلال العام الماضي، فإن 34,6% من المشاجرات التي حصلت كان حصيلتها القتل بسلاح ناري”، وبهذا فهي توحي للقارئ بأن بيع الأسلحة من خلال الإنترنت قد رفع معدَّل الجريمة.
شراء الأسلحة عبر الإنترنت على الرّغم من الرّقابة الأمنية
لم يتطرّق كاتب مقال “جوان” من قريب ولا من بعيد إلى أنّ بيع السلاح بشكل غير قانوني من خلال الإنترنت، بخاصة بعد سقوط معمَّر القذافي وعرض أسلحة الترسانة الليبية في السوق السوداء، مُعضِلة شاملة وعالَمية، ولا تشكّل أولوية بين مشكلات إيران الأخرى، ومن جهة أخرى فإن السيطرة الأمنية على المجتمع، والوجود الملحوظ لأجهزة المخابرات في الفضاء السايبري، فضلًا عن العقوبات الشديدة التي تفرضها إيران على حمل وامتلاك الأسلحة، جعلت الاتّجار بالسّلاح في إيران من خلال الإنترنت أمرًا صعبًا للغاية.
طبق القانون الإيراني فإن عقوبة مهرِّبي الأسلحة النارية والعتاد هي الحبس من سنتين إلى 15 سنة، وعقوبة مهرّبي أسلحة الصّيد النارية هي السّجن من ستة أشهر إلى عامين، بالإضافة إلى ذلك فإن تهريب السلاح عبر الحدود لا يُعتبر جريمة فحسب، بل إن شراء الأسلحة وامتلاكها أمر غير قانوني يعاقب عليه القانون، كما أن القانون الإيراني يغرّم مَن يشتري أو يمتلك أو يتاجر في السلاح الناري بشكل غير مسموح به بغرامة مالية كبيرة، بالإضافة إلى عقوبة بالسجن تبلغ من 3 أشهر إلى 10 سنوات، كما أنّ عقوبة مقاومة مهرّبي الأسلحة لقوات الأمن هي الإعدام.
آخر عملية نفّذتها وزارة المخابرات الإيرانية للقضاء على “عصابات بيع الأسلحة” تشير إلى مدى حساسية الأجهزة الأمنية في إيران تجاه هذا الموضوع، ففي 2 فبراير 2017 أعلنت وزارة المخابرات تفكيك “عصابة بيع أسلحة” ومصادرة 100 قطعة سلاح في محافظة البرز المجاورة للعاصمة طهران، خلال عملية أُلقِيَ القبض فيها على جميع أفراد هذه العصابة.
في مثل هذه الظروف من المستبعَد أن يُقدِم مستخدم عاديّ أو جانح معروف على شراء سلاح ناري عن طريق الإنترنت، وفي نفس الوقت لا يمكن تصديق أن المجرمين المحترفين لم يجدوا لأنفسهم طريقًا أسهل من هذه.
بيع كحولّ أم أمراض اجتماعية؟
يبدو أنّ الصحيفة الموالية للحرس الثوري ضخّمت عامدةً قضية توفير المشروبات الكحولّية في إيران من خلال الإنترنت، في حين أنّ مسؤولي الحكومة يصرِّحون بأن المشروبات الكحولّية يمكن الحصول عليها بسهولة، ومن المستبعد أن يقبل أحد في إيران على شرائها من خلال الإنترنت.
حسب تقارير وسائل الإعلام الإيراني فإن حجم المشروبات الكحولّية التي تُهَرَّب إلى إيران سنويًّا تُخمَّنُ بين 60 و80 مليون لتر، كما أشار مدير عامّ مؤسَّسة الطب الشرعي محمد رضا قدير زاده، في مايو من العام الماضي، إلى أنّ 6% من الإيرانيين قد جرّبوا تعاطي الخمور، وأنّ حجم بيع وشراء الخمور بلغ 658 مليار تومان (180 مليون دولار تقريبًا)، وأضاف أن في إيران23 مصنعًا ينتج الخمور، كما أشار علي أكبر سياري، مساعد وزير الصحَّة، إلى أن معدَّل استهلاك الخمور في إيران وصل إلى 420 مليون لتر سنويًّا.
قبل بضعة أسابيع أعلن مدّعي عامّ طهران أنّ “تقارير الشرطة تُفِيد بأن إنتاج المشروبات الكحولّية في إيران قد تَزَايَد”، بعد ذلك بقليل، في الأول من فبراير الماضي، أُعلِنَ أنّ 46 ألف زجاجة مشروبات كحولّية قد كُشفت خلال عملية تهريب واحدة. بالطبع لا توجد إحصائيات دقيقة حول معدَّل انتشار واستهلاك الخمور في إيران، حسبما صرّح قدير زاده، وما جاء في إحصائيات الطب الشرعي مقصور على حالات التسمُّم والوفاة الناتجة عن استهلاك الخمور، ويؤكِّد قدير زاده أنّ معدّل استهلاك الخمور في المجتمع الإيراني الذي ورد في الإحصائيات لا يعكس حقيقة الواقع، وأضاف قدير زاده أن مؤشّر الاستهلاك في مرحلة الإدمان في العالَم يصل إلى 6,3%، في حين يصل في إيران إلى 19%، أي إنّ المُدمن في إيران يتعاطى الخمور بمعدّل ثلاثة أضعاف المدمن في دول العالَم الأخرى، والدليل على ذلك أنّ حالات الوفاة الناتجة عن تعاطي الخمور وصلت إلى 136 حالة خلال عام 2012 فقط، وحسب قدير زاده فإن 70% من تجار الخمور يضيفون إليها الميتادون والترامادول والديازيبام، لذا فمُدمِنو الخمور يتعاطون هذه المخدِّرات في نفس الوقت.
“حرية” بيع الخمور في إيران
تشير تقارير كثيرة في وسائل الإعلام الإيرانية إلى أنّ بعض حمولات الخمور الكبيرة تدخل من المعابر الحدودية الرسمية وتحت إشراف بعض أجهزة الرقابة، حتى إنّ الجنرال إسماعيل أحمدي مقدم، القائد السابق لقوات الشرطة الإيرانية، كان صرّح في 2012 بأن تجارة الخمور “بحُرِّية” في طهران أصبحت منتشرة. في حين ترى الصحيفة الموالية للحرس الثوري أن المشكلة تَكمُن في قنوات “تليغرام” وصفحات “إنستاغرام”، وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، وترى أن هذه المواقع تهدِّد الأمن العامّ، فـ”ما يفصلكم عن شراء الأسلحة النارية أو أنواع الخمور المختلفة هو نقرة واحدة”.
لقد عكست صحيفة “جوان” حقيقة الأمر، فهي تُلقِي باللوم على “الفضاء المجازي غير الآمن”، وتتهمه بأنه يتسبَّب في 34% من حالات النزاع التي تؤدِّي إلى القتل بالسلاح الناري، والوفاة الناتجة عن تعاطي الخمور، وغيرها من الأمراض الاجتماعية، وفي النهاية يُطرح السؤال: “لماذا لا تتعامل الشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية والرقابية مع هذه الحالات؟”.
رسالة خفيَّة على أبواب الانتخابات
يرى كثير من المحللين والمراقبين السياسيين أنّ الهجمات التي تشنّها التيارات المتطرّفة في إيران على مواقع التواصل الاجتماعي على علاقة باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
قبل شهر وردت أخبار حول ضغوطات تمارسها الأجهزة القضائية والأمنية على حكومة حسن روحاني لتقييد نشاط موقع “إنستاغرام”، وقد تزامن ذلك مع اعتقال عدد من مديري قنوات “تليغرام” في إيران، وحسب ما جاء في هذه الأخبار فقد طلب الادِّعاء العامّ من حكومة روحاني إغلاق تطبيق “تليغرام” في أثناء الانتخابات الرئاسية في مايو القادم.
يُذكر أنّ تطبيق “تليغرام” لعب دورًا ملموسًا في الدعاية الانتخابية وحشْد أنصار التيارات المتنافسة خلال انتخابات البرلمان في مارس 2016، حتى وصفتها وسائل الإعلام الإيرانية بأنها “أكثر انتخابات العالَم «تليغراميَّةً»”، وقد قيّد الاستخدام على نطاق واسع لـ”تليغرام” وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الانتخابات تأثير وسيطرة الأجهزة الحكومية على عملية الإعلام والدعاية الانتخابية.
جاء في تقرير “الحملة العالَمية لحقوق الإنسان في إيران” بهذا الخصوص، أن مؤسَّسة بيت القائد والسُّلْطة القضائية والحوزة العلمية في قم والشرطة كانت من ضمن الأجهزة التي طالبت خلال السنوات الثلاث الماضية بفرض قيود على مواقع التواصل بحجة نشرها مواضيع “مضادَّة للثورة والدِّين”.
مادّة مترجمة عن موقع “دويتشه فيله فارسي”