في ظل الأوضاع الحالية التي تعيشها إيران، بخاصة في ظلّ وفاة هاشمي رفسنجاني، أحد أهم أعمدة النظام طوال عهد الجمهورية، يشهد مجمع تشخيص مصلحة النظام يوم 14 مارس الجاري اختبارًا حقيقيًّا بعد نهاية الدورة الحالية (السادسة) وتعيين قائد الجمهورية علي خامنئي أعضاءً جُدُدًا للمجمع.
الاختبار يحدث في ظلّ دعوات المصالحة الوطنية من الإصلاحيين وطرح الرئيس الأسبق محمد خاتمي لها في محاولة منه للعودة إلى الساحة السياسية الجديدة ومحاولته ملء الفراغ الناجم عن وفاة رفسنجاني كموازن بين التيَّارين الرئيسيين الإصلاحي والمحافظ، كذلك يُعَدّ الانتخاب السريع والدقيق للشخص المناسب لمؤسَّسات النظام هو الإرث الذي تركه هاشمي من بعده، وينتظر الرأي العامّ في إيران من ستؤول إليه رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام نظرًا إلى الدور الذي يلعبه المنصب وما يعقبه من مسؤوليات.
ووَفْقًا للقوانين واللوائح الموجودة فإن المسؤول عن تعيين رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هو المرشد الإيراني نفسه، وعلى أساس بنية مجمع تشخيص مصلحة النظام فإن أعضاء هذه المؤسَّسة يُقسَمون إلى قسمين: الاعتباريين، وقانونيين، أما الاعتباريون فهم رؤساء القوى الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية، وفقهاء من مجلس صيانة الدستور، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، والوزير أو رئيس المؤسَّسة التي يدور موضوع الجلسة حولها، ورئيس اللجنة التي تتناسب مع الموضوع محل البحث من مجلس الشورى. وشخصيات قانونية ممن لهم عضوية المجمع.
ويتَّضح دور هذا المجمع من خلال الدستور الإيراني، إذ جاء في المادة 110 من الدستور المتعلقة بوظائف القائد (المرشد الأعلى لإيران) وصلاحياته، أن أولى هذه المهامّ هي تعيين السياسات العامَّة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، وفي البند الثامن من نفس المادة، من مهامّ القائد “حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام”.
ومن الوظائف المرحلية التي يتولَّاها هذا المجمع تقديم الاستشارات في القضايا التي يحوِّلها المرشد الأعلى إلى المجمع لإبداء الرأي في حلِّها وَفْقًا للمادة 112 من الدستور التي تقول: “يُشَكَّل مجمع تشخيص مصلحة النظام بأمر من القائد، لتشخيص المصلحة في الحالات التي يرى فهيا مجلس صيانة الدستور أن مشروع قرار مقترَحًا من مجلس الشورى الإسلامي يخالف مبادئ الشريعة أو الدستور ولم يستطع مجلس الشورى تلبية توقعات مجلس صيانة الدستور، كما يجتمع المجلس لدراسة أي قضية تُحال إليه من القائد، ولتولِّي أي مسؤولية أخرى مذكورة في الدستور، ويعيِّن القائد الأعضاء الدائمين والمؤقتين لهذا المجمع”.
كذلك فالمشاركة في إعادة النظر في الدستور وَفْقًا للمادة 177 من الدستور الإيراني هي أيضًا إحدى مهامّ هذا المجمع.
لكن أهمّ الوظائف المرحلية التي يتولاها المجمع هي أنه في حالة وفاة المرشد أو تقديم استقالته أو عزل مجلس الخبراء له، يُشكَّل مجلس من ثلاثة أفراد للبَتَّ في القضايا التي هي من صميم عمل المرشد، وذلك وَفْقًا للمادة 111 من الدستور الإيراني: “في حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، يتولى مجلس شورى مؤلَّف من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور، ينتخبه مجمع تشخيص مصلحة النظام، جميع مسؤوليات القيادة مؤقَّتًا. وإذا لم يتمكن أحد المذكورين من أداء واجباته في هذه الفترة (لأي سبب كان) يُعَيَّن شخص آخَر مكانه بقرار يتخذه مجمع تشخيص مصلحة النظام بأكثرية الفقهاء فيه، وعند عجز القائد، إثر مرض أو أي حادثة أخرى، عن أداء واجبات القيادة مؤقَّتًا، يؤدِّي المجلس المذكور (مجلس شورى القيادة) في هذه المادَّة مسؤوليات القائد طوال مدة العجز”.
تحديات المرحلة
في ظلِّ محاولات التيَّار الإصلاحي للتقارب مع قائد الجمهورية علي خامنئي وإقرار قنوات اتصال معه بعد وفاة رفسنجاني الذي كان يلعب دورًا في التوازن بين التيَّارين الإصلاحي والأصولي وحلقة الوصل بين الإصلاحيين والقائد، إذ يُعَدّ أحد قادة هذا التيَّار في ظلّ غياب محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي.
وقُبيل احتفالات ذكرى الثورة الإيرانية في 10 فبراير الماضي دعا الرئيس الإيراني الأسبق وزعيم التيَّار الإصلاحي محمد خاتمي، إلى “مصالحة وطنية” في ظِلّ التهديدات الخارجية التي يواجهها النظام الإيراني وتَوَحُّد جميع القوى السياسية حول “مبادئ النظام والثورة”. وقال: “أوصي بجِدِّيةٍ شعبَنا بأن يدافع عن وحدة أراضي البلاد والمصالح الوطنية ورفعة إيران أمام الأعداء بالوحدة والانسجام، حتى لو كان من بعض السياسات استياء”.
التهديدات التي لم يُشِر إليها خاتمي تتمثل في وصول دونالد ترامب إلى مقعد الرئاسة في الولايات المتحدة وما تبعه من تهديدات أطلقها مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق والمتحدث باسم البيت الأبيض بأن على قادة إيران إدراك أن رئيسًا جديدًا قد جاء الولايات المتحدة.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة وضعت إيران محلّ روسيا باعتبارها التهديد الرئيسي، لأنها تبدو العدوّ الموحَّد للمحافظين الجدد وأعضاء الكونغرس. ولكن في الوقت نفسه قد تسبب العلاقات العدائية مع إيران إثارة روسيا أو حتى الصين للردّ على هذه العقوبات.
كذلك أشار مساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية مجيد أنصاري، إلى علاقة الإصلاحيين غير الملائمة مع القائد، ودعا إلى توثيق هذه العلاقات، كما أشار أنصاري إلى دعوة الرئيس الأسبق محمد خاتمي «للمصالحة الوطنية»، لافتًا إلى أنه لا يمكن تنفيذ هذه المهمة دون اتصال وثيق بالقيادة، مشدِّدًا على أن الإصلاحيين لا يمكنهم، حسب قوله، «الابتعاد عن مركز توجيه وقيادة النظام» لذلك لا بد من تحديد «آلية» للتقارب من قائد الثورة.
وردّ خامنئي على دعوات “المصالحة الوطنية” قائلًا إنه مشروع “لا يعني شيئًا” في نظره، مضيفًا أن “الناس لن يصالحوا أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع وهاجموا شبان “الباسيج”، وضربوا أحدهم وجرَّدوه من ثيابه”، في إشارة إلى مواجهات الانتفاضة الخضراء عام 2009 التي خرج فيها نحو مليوني شخص في طهران ضدَّ ما قيل إنه تزوير في انتخابات الرئاسة، التي أوصلت الرئيس السابق أحمدي نجاد إلى ولاية ثانية.
كذلك يواجه المجمع تحديات بشأن إعادة النظر في سياسات النظام الكلية، حيث يُقِرّ مجمع تشخيص مصلحة النظام السياسات العامَّة للنظام، ومؤخَّرًا كان علي خامنئي في لقاء مع هاشمي قد تَحدَّث عن ضرورة إعادة النظر في بعض السياسات، وأُجّل هذا الحدث إلى حين تحديد خليفة لهاشمي الذي من الممكن بالنظر إلى انتمائه أن يكون له دور مهمّ في تحديد وإقرار هذه السياسة. السياسات العامَّة للنظام ليس لها معنى من الجانب العملي، ولكن من الممكن أن توضِّح رؤية السياسات الرئيسية لقائد الجمهورية.
وكان من بين التحديات التي كان يقف رفسنجاني حائلًا أمامها والتي تواجه النظام بأكمله، محاولة تغيير النظام السياسي إلى برلماني، ففي أكتوبر 2010 أثار حديث آية الله خامنئي حول إمكانية إحياء رئاسة الوزراء في إيران وتغيير النظام الرئاسي إلى برلماني بحث وجدل كثير، وفي حديثه أشار إلى مثل هذا التغيير في المستقبل، ولكن 5 سنوات أيضًا ليست قليلة من أجل البدء في مثل هذا المشروع الذي له داعمون مثل علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، وتنفيذه من الممكن أن يؤدِّي إلى تطورات سياسية مهمَّة للغاية، ولم يكُن هاشمي رفسنجاني موافقًا على هذه الفكرة، ويعتقد أنه سيؤدي إلى إضعاف وجه جمهورية النظام، إذ كان قد صرح بأن “النظام الحالي (رئاسة الجمهورية) أفضل”، والشخصية المقبلة لرئيس المجمع قد تسهم في الوصول إلى هذا الهدف.
التحدي الآخَر الذي يواجه إيران في فترة ما بعد رفسنجاني، هو تعديل الدستور، أكبر رفسنجاني في 1 يناير الجاري في الوقت الذي تحدث فيه بشأن تغيير الدستور، إذ قال في 2011 خلال حوار إن الوقت غير مناسب لتعديل الدستور، يبدو أن حدوث بعض الوقائع طوال السنوات الأربع الماضية قد أقنعه بأن الوقت قد آن لتغيير الدستور. التغيير الذي أُعمِلَ لمرة واحدة في 1990، ولكن لا يبدو أنه كان بالحدّ الكافي لتوفير رؤيته. التعديل في الدستور ليس بمعنى أن بنية الدستور ستتغير وَفْقًا لرؤية هاشمي، فمن الممكن بالنظر إلى رغبات خامئني والمتشددين أن تحدث تغييرات تجاه الآخرين.
كذلك يجب عدم إغفال تحدِّي إعادة مهامّ المجمع، بخاصة أنه منذ عام 2006م ووصول أحمدي نجاد إلى كرسي رئاسة الجمهورية، حاول أحمدي نجاد تحجيم دور رفسنجاني والحدّ منه، ففرض قيودًا على لقاءات رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام مع الوفود والدبلوماسيين الأجانب، مما تسبب في خفوت دور رئيس المجلس تدريجيًّا، وفي عام 2012م عمل خامنئي ونجاد على تهميش دور هاشمي رفسنجاني عبر تجاهل دور مجمع تشخيص مصلحة النظام، عبر تأسيس “مجلس حلّ خلافات السلطات الثلاث” الذي يتولى رئاسته هاشمي شاهرودي، كهيئة بديلة موازية ومشابهة وفي الواقع يكون لها قدرة أكبر على المناورة من مجمع تشخيص مصلحة النظام.
التحدي الأخير الذي يواجه الدورة الجديدة لمجمع تشخيص مصلحة النظام يتمثل في الفارق الزمني بين الإعلان عن التركيبة الجديدة للمجمع واقتراب عملية الجدول الزمني للانتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات البلديات.
النظام حرص منذ بداياته على توزيع السلطات بين التيَّارات الموجودة في إيران، في ظلّ جلوس أحمد جنتي المعروف بتشدُّده على كرسي رئاسة مجلس خبراء الزعامة ومجلس صيانة الدستور، وصادق آملي لاريجاني المحافظ رئيسًا للسلطة القضائية، وعلي لاريجاني الذي تقارب مؤخَّرًا مع تيَّار الاعتدال عمومًا، ورئاسة حسن روحاني الإصلاحي للسلطة التنفيذية، وكان هاشمي رفسنجاني يشكِّل أيضًا ثقلًا بصفته ومركزه في النظام بوصفه رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام الذي من المفترض أن يكون متوازنًا في إدارته للمجمع، وذلك لمجموعة من السياسيين الإيرانيين الذين لم يكتفوا بتوجيه الإصلاحيين بل نجحوا أيضًا في ضمّ جزء من الأصوليين إلى حكومة روحاني وإقناعهم بدعم الحكومة، واستطاع إيصال حسن روحاني في انتخابات 2013 إلى رئاسة الجمهورية بعد رفض مجلس صيانة الدستور أهليته.
رفسنجاني أيضًا استفاد من كل أوراقه ورصيده لدى القيادات السياسية، وعقد صفقة جديدة مع النظام بأن يخرج من العمل التشريعي والتنفيذي إلى العمل الرقابي، وقد أُبرِمَت هذه الصفقة بصدور قرار من خامنئي بمنح صلاحياته في مجال الرقابة لمجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه رفسنجاني، بحيث يصبح رقيبًا على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في تنفيذها للسياسات العامَّة للبلاد التي سبق أن وضعها المجمع.
أبرز “خلفاء” رفسنجاني
قبل تعيين إمام جمعة طهران محمد علي موحدي كرماني رئيسًا مؤقَّتًا للمجمع في بداية الشهر الجاري لإدارة جلساته، أثيرت تكهنات حول شخصية الرئيس المقبل للمجمع الذي سيرث تركة رفسنجاني رئيسه السابق، إذ كان رحيل رفسنجاني المفاجئ سببًا في توقعات كثيرة بشأن خليفته في مجمع التشخيص، إضافة إلى رئاسة هيئة أمناء جامعة “آزادي”، التي انتُخب ولايتي مستشار القائد للشؤون الدولية رئيسًا لها، وتُدُووِلَت أسماء محمود هاشمي شاهرودي رئيس لجنة الفصل بين السلطات الثلاث، وإمام جمعة قم المؤقت، وعضو مجمع مدرِّسي حوزة قم العلمية إبراهيم أميني، إلى جانب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وعلي أكبر ناطق نوري، بين الأوساط السياسية في الدولة، لتولي هذا المنصب، وقبل انتهاء الفترة الدستورية للمجمع تُدُووِلَت أسماء أخرى إلى جانب السابق ذكرها، مثل إبراهيم رئيسي متولي سدانة أوقاف محافظة القدس الرضوية، وحسن الخميني حفيد مؤسِّس الجمهورية، وعلي لاريجاني رئيس البرلمان، إلى جانب الرئيس المؤقت الحالي موحدي كرماني.
وفي إطار أبرز المرشحين لتولِّي منصب رئيس المجمع، أوضح عضو “تشخيص مصلحة النظام” مصطفى مير سليم، أن رئاسة المجمع قبل هاشمي رفسنجاني كانت رئاسة قانونية، أي إن رئيس الجمهورية هو من كان يتولى رئاسة المجمع، وأن القائد بعد انتهاء دورتين من رئاسة جمهورية رفسنجاني، ومن أجل استمرار خدمات رفسنجاني للنظام، وضعه في المكان الجدير به، واختاره رئيسًا للمجمع، أي إن رئاسة المجمع تحولت من شخصية اعتبارية إلى شخصية حقيقية، لافتًا إلى أنه بعد وفاة رفسنجاني ليس من المعلوم هل سيصبح شخص “حقيقي” مكان رفسنجاني أم تتحول رئاسة المجمع إلى رئاسة قانونية.
موحدي كرماني
هو ممثل الوليّ الفقيه السابق في الحرس، والأمين العامّ لمجمع رجال الدين المناضلين، شيخ “الأصوليين” بعد وفاة رئيس مجلس خبراء القيادة السابق محمد رضا مهدوي كني، مثلما صنّفَته صحيفة “قانون”، وجلس إمام جمعة طهران المؤقَّت محمد علي موحدي كرماني، 85 عامًا، أيضًا على الكرسي الذي ظلّ علي أكبر هاشمي رفسنجناني يجلس عليه منذ إنشاء هذا المجمع حتى وفاته في يناير الماضي، بصفته رئيسًا مؤقَّتًا للمجمع حتى نهاية الدورة الحالية في 24 فبراير الجاري، وتعيين قائد الجمهورية علي خامنئي رئيسًا وأعضاءً جُدُدًا.
موحدي كرماني بدأ في الظهور في إعلاميًّا بشكل بارز بعد تبوُّئه هذا المنصب وسعيه لإعادة دور مجمع رجال الدين المناضلين إلى سابقه، ومحاولته لعب دور في العملية السياسية، كذلك تقارب مع الجبهات التي لديها حضور أو تشكل توجُّهًا يضمّ قطاعًا كبيرًا من المحافظين، إذ شارك في أول مؤتمر للجبهة الشعبية لقوى الثورة، وأعلن أن المجمع بالكامل يؤيِّد الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية، وأنه يعتبرها حركة قيمة، ولن يقصر تجاه أي مساعدة، لذلك فالمجمع سيؤيِّد أي قرار تتخذه الجبهة، مُعرِبًا عن أمله في أن تلتحق بهذه الجماعة أي جماعة لم تنضمّ إليها، لأن هذه الحركة بدأت بإخلاص، وعلى جميع قوى الثورة المخلصة الالتحاق بهذه الجبهة.
محمود هاشمي شاهرودي
في خضمّ الصراع بين خامنئي ورفسنجاني ومحاولة الأول تقييد حركة رفسنجاني والمجمع الذي يتولاه، أنشأ خامنئي مجلس حلّ خلافات السلطات الثلاث، وعيّن محمود هاشمي شاهرودي المولود في النجف العراقية عام 1948 رئيسًا له، وتعيين شاهرودي في مثل هذه المناصب دليل على ثقة النظام به، لذلك يُطرح لتبوُّؤ المناصب الهامة في الدولة، حتى إنه يُطرح خليفةً محتمَلًا لخامنئي.
شاهرودي تولى من قبل رئاسة السلطة القضائية لفترتين متواليتين بتعيين من علي خامنئي، إلى جانب توليه منصب النائب الأول لرئيس مجلس خبراء القيادة في دورته الحالية الممتدة لثمان سنوات.
إبراهيم رئيسي
يظهر كأبرز الشخصيات المرشَّحة لهذا المنصب، فهو رجل الدين المحافظ ذو الـ56 عامًا الذي تَصدَّر المشهد السياسي بعد توليه منصب مسؤول سدانة أوقاف القدس الرضوية. يُعتبر مع شاهرودي أكثر الشخصيات التي يمكن للمرشد الإيراني أن يختارها لهذا المنصب ليحفظ التوازن في النظام الإيراني ليكون في صالح التيَّار الموالي له.
علي أكبر ناطق نوري
من الشخصيات التي لها قَبُول لدى الإصلاحيين، لكونه الشخصية الأكثر شبهًا برفسنجاني ويمكن أن يلعب دورًا متوازنًا بين التيَّارين الإصلاحي والمحافظ، وقد شغل منصب رئيس البرلمان الإيراني من 1992م إلى 2000م خلال دورتَي المجلس الرابعة والخامسة، وكان مرشَّحًا محافظًا في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في عام 1997 أمام محمد خاتمي الذي فاز في هذه الانتخابات.
حاليًّا يتولى ناطق نوري منصب مدير مكتب التفتيش بمكتب قائد الجمهورية، وهو عضو في مجمع التشخيص منذ تأسيسه.
ويعتقد المحلِّل الأصولي السياسي ناصر إيماني، أن التيَّار الموالي للحكومة يسعى إلى تفعيل علي أكبر ناطق نوري والاستفادة من إمكانياته الوسطية، لأنه يتمتع بصلات أكثر مع النظام، وهو أيضًا جسر بين الأصوليين والإصلاحيين، فالأصوليون مهتمون بعودة ناطق نوري أيضًا.
كذلك أشار عضو الهيئة الرئاسية للبرلمان بهروز نعمتي، الشخصية الأصولية التي تشتهر بالاعتدال، إلى أن كلًّا من علي أكبر ناطق نوري وحسن روحاني وحسن الخميني وحتى علي لاريجاني، لديهم من السمات الشخصية الجيدة ما يمكِّنهم من أن يعوِّضوا جزءًا من فقدان رفسنجاني.
وصرَّح نائب رئيس البرلمان الإيراني علي مطهري، وَفْقًا لتقرير موقع “انتخاب”، بأنه “إذا أردنا أن نقدِّم شخصية معتدلة تستطيع أن توفي دور هاشمي من أجل تيَّار المعتدلين والإصلاحيين، فهو على أكبر ناطق نوري، فهو إلى حدّ كبير يستطيع أن يوفي بدور هاشمي رفسنجاني بين الجماعات المعتدلة”.
حسن روحاني
رئيس الجمهورية الحالي الذي يصنَّف ضمن تيَّار الاعتدال وأحيانًا الإصلاح، لكن بالمرور على الشخصيات المقربة من هاشمي رفسنجاني لا يبقى مجال للشك في أن أكثر الشخصيات قربًا له من الناحية الفكرية والنهج السياسية والإدارية هو حسن روحاني، إذ كان رفيقًا لرفسنجاني سنوات طِوالًا، بخاصة في إدارة الحرب مع العراق بعدما عيَّنه الخميني قائمًا بأعمال قائد القوات المسلحة، كما أنه دخل في السباق الانتخابي في 2013 بعدما رفض مجلس صيانة الدستور أهلية هاشمي رفسنجاني للترشُّح في تلك الانتخابات.
تأسيس المجمع تزامن مع رئاسة رفسنجاني للجمهورية، وتعيين المرشد له رئيسًا للمجمع بوصفه شخصية اعتبارية عضوة بالمجمع، وبعد انتهاء فترة السنوات الثماني لحكومة هاشمي رفسنجاني بمجيء حكومة محمد خاتمي، ثبَّته خامنئي رئيسًا للمجمع للاستفادة من خدماته إلى حين وفاته، الأمر الذي من الممكن أن يرجِّح تكرار هذا الأمر بالنسبة إلى روحاني، بخاصة أنه على أعتاب تشكيل حكومة ثانية في ظلِّ انتخابات رئاسية مقبلة في مايو 2017، كما أن روحاني أحد كبار رجال النظام قبل أن يصل إلى منصب رئاسة الجمهورية بعدما كان رئيسًا لوفد المفاوضات النووية السابقة التي حدثت في عهد خاتمي مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تولِّيه منصب أمين عامّ المجلس الأعلى للأمن القومي وممثل المرشد علي خامنئي في المجلس، طوال 16 عامًا، إذ كان عضوًا فيه في الفترة 1989-2005، كما أنه عضو في المجمع منذ 1991.
علي لاريجاني
أشار تقرير لموقع “المونيتور” إلى دور هاشمي رفسنجاني المهمّ في إبعاد المتشددين عن الحصول على السُّلْطة الكاملة، وإقناع الإصلاحيين بدعم روحاني، وتسببت خطواته في أن المحافظين لم يتمكنوا من الاجتماع خلف مرشَّح واحد، مضيفة أن من بين الشخصيات السياسية الحالية فإن أكثر شخص شبيه برفسنجاني هو رئيس البرلمان علي لاريجاني، وبشكل خاصّ كان مثله يسعى للسيطرة على المتشددين.
وكتبت “المونيتور” أنه على الرغم من أن لاريجاني لا يتمتَّع بنفوذ وشعبية رفسنجاني بين الإصلاحيين، فقد تسببت مواقفه الأكثر ملاءمة بالمقارنة مع المحافظين الآخرين، في احترام الإصلاحيين له.
ويتولى لاريجاني رئاسة البرلمان منذ انتخابه في 2008 والدورات التي تلتها، إذ يقضي حاليًّا الدورة الثالثة له رئيسًا للبرلمان، وانفصل أكثر من الماضي عن أحمدي نجاد والمتشددين، وفي ذلك الوقت انتقد بشِدَّةٍ سياسات أحمدي نجاد، واعتبرها إجراءات غير قانونية، ممَّا أدَّى أن هجوم أفراد يُقال إنهم موالون لأحمدي نجاد على لاريجاني في مدينة قم في فبراير 2012، فرموه بالأحذية والحجارة، وبعدما احتفظ لاريجاني لنفسه بمنصب رئاسة المجلس في الدورة العاشرة للبرلمان، رحّب به روحاني والمعتدلون.
لاريجاني طوال السنوات العشر الماضية حاول أن يتعامل مع التيَّارات كافَّة، كما أن لديه نفوذًا كبيرًا بين أعضاء الحرس، والقائد يثق به أيضًا، كما أن لاريجاني محبوب بين رجال الدين التقليديين، وله علاقة جيدة مع روحاني وأعضاء حكومته، لهذا تَحوَّل من سياسي محافظ إلى سياسي معتدل، وتعتبر نقطة ضعف لاريجاني يتمثل في كونه غير معمَّم.
حسن الخميني
حفيد الخميني مؤسَّس الجمهورية، دخل في دائرة الترشيحات لتولِّي هذا المنصب بعد وفاة رفسنجاني، إذ يعتقد المحلِّل الأصولي السياسي ناصر إيماني أن حسن الخميني وحسن روحاني بشكل مشترك ويدًا في يد يسعيان لملء المكان الفارغ لرفسنجاني في الأجواء السياسية في الدولة، لافتًا إلى أن المساعي موجودة لملء محلّ رفسنجاني، لكن الخطوة في ذلك بشكل منفرد صعبة، لافتًا إلى أن تشكيلة من روحاني والخميني مجتمعة ستحلّ محلّ رفسنجاني، أي إن كليهما سيعوِّض غياب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام السابق.
وأشار عضو الهيئة الرئاسية للبرلمان بهروز نعمتي، الشخصية الأصولية التي تشتهر بالاعتدال، إلى خليفة هاشمي رفسنجاني في تيَّار الاعتدال، موضحًا أن حسن روحاني وحسن الخميني وحتى علي لاريجاني لديهم من السمات الشخصية ما يمكِّنهم من تعويض جزء من فقدان رفسنجاني.
كذلك أكَّد محمد رضا خاتمي، شقيق رئيس إيران الأسبق، دخول حفيد مؤسَّس الجمهورية حسن الخميني إلى الانتخابات (مجلس الخبراء) قرار جِدِّي، ولكن إذا أراد الخميني أن يدخل المجال فلن يدعمه فقط الإصلاحيون بل قطاع كبير من المحافظين المعتدلين، وذلك بالنظر إلى انتخابات التجديد النصفي لمجلس خبراء القيادة.
التيَّارات المختلفة تشير إلى توافقها على شخص حسن الخميني وقدرته على تجميع الآراء والتوافق على شخصه، بما يشير إلى إمكانية لعبه الدور الذي كان يلعبه هاشمي رفسنجاني كحلقة وصل بين التيَّارات الرئيسية في إيران. النقطة هنا أن مجلس صيانة الدستور رفض سابقًا أهلية الخميني لخوض غمار انتخابات مجلس خبراء القيادة في دورته الحالية، مِمَّا يشير إلى نقاط ضعف وعلامات استفهام بشأنه.
إبراهيم أميني
إمام جمعة قم وعضو مجمع مدرسي حوزة قم العلمية، العضو في مجمع خبراء القيادة من دورته الأولى حتى الثالثة، كذلك كان نائبًا لطهران في الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة. طُرح اسمه بشدة سابقًا لتولِّي مسؤولية رئاسة مجلس خبراء القيادة في دورته الحالية، التي فاز بها المحافظ المتشدد الآخر أحمد جنتي، لكن ما يقف عقبة أمام تولِّيه هذا المنصب هو سِنُّه الكبيرة، إذ يبلغ من العمر 91 عامًا، وأُدخِلَ العام الماضي المستشفى إثر سكتة قلبية، وتحسنت حالته بعد عدة أيام.
علي ولايتي
مستشار المرشد للشؤون الدولية، وزير الخارجية الأسبق ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام، صاحب الـ72 عامًا، اختاره مؤخَّرًا علي خامنئي رئيسًا لجامعة “آزاد” الإسلامية خلفًا لهاشمي رفسنجاني.
يُعتبر ولايتي أحد المقربين من القائد في ظلّ توليه منصب مستشاره للشؤون الدولية بجانب بقائه وزيرًا لخارجية إيران لمدة تناهز 16 عامًا، وهي الوزارة التي تُعَدّ سيادية، بحيث يتشاور رئيس الجمهورية مع القائد حول من يجلس على قمتها، ثم اختياره مؤخَّرًا رئيسًا لهيئة أمناء جامعة “آزاد” الإسلامية.
يُعَدّ أحد المطروحين بشدة لتولي هذا المنصب في ظلّ توليه رئاسة مركز الدراسات التابع للمجمع، لكن نقطة ضعفه تتمثل أيضًا في كونه غير معمَّم.
خيارات النظام
أمام النظام حاليًّا في اختياره لمنصب الرئيس 3 خيارات:
الأول أن يضحي بمنصب رئيس الجمهورية لصالح الإصلاحيين عبر دفعهم إلى نقطة اليأس وحشد قواهم كافة وراء حسن روحاني الذي أعلن مقرَّبون منه عزمه على الترشُّح لانتخابات الرئاسة لدورة جديدة أمام مرشحين، في محاولة منهم لعدم منح السيطرة الكاملة لتيار واحد في السيطرة على مفاصل النظام ممَّا يهدِّد عملية السيولة داخل الجمهورية وعملية تبادل المقاعد، وذلك عبر اختيار شخصية محسوبة على تيَّار المحافظين أو المحافظين المتشددين، وهنا يعد رئيسي وشاهرودي وكرماني وأميني أبرز الخيارات المطروحة.
والثاني اختيار النظام شخصية محسوبة على الإصلاحيين من أجل عملية توازن في بنية النظام الحاكمة وعدم دفع الإصلاحيين إلى الهامش، وضمان السيولة داخل النظام، والمنافسة بين التيَّارين، لكن هذا الأمر يستتبعه موجات من غضب التيَّار الأصولي بخاصة المتشددون منهم، ويدفعهم إلى حشد قواهم في رد فعل على هذا الأمر خلف مرشَّح قويّ يمثلهم في انتخابات الرئاسة، والخميني هنا يصلح لأن ينفّذ هذا السيناريو بجانب حسن روحاني وعلي لاريجاني.
أما الخيار الثالث للنظام فهو اختيار شخصية معروفة بمواقفها المعتدلة وعدم تصنيفها ضمن التقسيم السائد داخل النظام بين إصلاحي ومحافظ، مما يُسهِم بعدم تصادم أي من التيَّارين وعدم الدفع به إلى حافَّة اليأس ويدفع إلى استكمال عملية التوازن بين التيَّارات والقوى التي كان يعمل عليها رفسنجاني، وهنا يبرز دور كل من علي لاريجاني وعلي أكبر ناطق نوري.