يبدو أن ملف الاقتصاد في إيران سيكون مجالًا لعديد من الخلافات بين المرشيد الإيراني علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، هذا الملف الذي يتكئ عليه خامنئي كثيرًا في وضع تسميات للأعوام الإيرانية، فقد أطلق خامنئي على العام الإيرانيّ الجديد اسم عام “الاقتصاد المقاوم: الإنتاج والتوظيف”، معتبرًا أن العام الماضي كان مصحوبًا بالشدائد والانفراجات للأُمَّة الإيرانيَّة، مشيرًا إلى بعض أسباب الخير للأمة الإيرانيَّة خلال السنة الفائتة، وذلك في خطابه بمناسبة عيد النوروز، رأس السنة الإيرانية.
وردًّا على ما سماه “تطاول الرئيس الأمريكيّ” قال خامنئي: “على الرغم من أن الدول المجاورة لإيران ودول المنطقة تعاني عدم الأمن، فإن أمن إيران كان ميزة هامَّة في البيئة الإقليمية والدولية الحيوية، إذ جربت إيران طوال هذه السنوات الأمن المستدام”، حسب زعمه.
المشكلات المعيشية بطعم المرارة
على الرغم من زعم حكومة روحاني أن إنجازات كبيرة حدثت خلال السنوات الأربع الماضية، كان أهمها الاتِّفاق النوويّ بين إيران والدول الست الكبرى وما ترتب عليه من رفع العقوبات المفروضة على إيران، فإنه توجد مشكلات متراكمة لم تستطع الحكومة الإيرانيَّة أن تجد لها حلولًا جذرية، كان أهمها مشكلة البطالة، والمعاملات البنكية والمصرفية بين إيران والعالَم، وخوف بعض الشركات الكبرى لا سيما مع غموض الموقف الأمريكيّ من إيران وإمكانية فرض عقوبات جديدة على إيران بعد وصول الرئيس الأمريكيّ الجديد دونالد ترامب، فضلًا عن الوضع الداخلي ووجود معارضة قوية من التيَّار الأصولي المحافظ والمتشدد والمحاولات المستمرة لتشوية صورة حكومة روحاني، وكشف قضايا فساد كبرى، والتضخُّم وتقلبات سعر العملة، علاوة على قضية الرواتب الفلكية وما يتردد حاليًّا عن إفلاس بعض المؤسَّسات المالية والبنوك الإيرانيَّة وَفْقًا لتقرير صندوق البنك الدولي الأخير حول الاقتصاد الإيرانيّ.
أصبح خامنئي ينتقد حكومة روحاني، وذلك قُبيل الانتخابات الرئاسية، فيقول إن “المرارة والصعوبات في العام الماضي كانت متعلقة بالمشكلات المعيشية والاقتصادية للشعب، بخاصَّة الطبقات الفقيرة والمتوسطة”، لافتًا إلى أنه على اطِّلاع كامل على أوضاع الشعب، وبناء عليه فإنه -وَفْقًا لقوله- يشعر بالمرارة بكل كيانه من شعور الشعب بالمرارة بسبب المعاناة من المشكلات الاقتصادية، مثل الغلاء والبطالة والتمييز وعدم المساواة والأضرار الاجتماعية، بخاصَّة بين الطبقات الفقيرة، مشيرًا إلى أن الطبقات المتوسطة والفقيرة عانت طوال العام الماضي من هذه المشكلات، ولا تزال”.
يبدو في تصريحات خامنئي اتهامات لحكومة الرئيس روحاني بالفشل وعدم المقدرة على حلّ المشكلات، بل يشير حديثه إلى أن هذه المشكلات تفاقمت وزادت حدتها خلال العام الماضي، أي مع نهاية الفترة الرئاسية الأولى لروحاني، ومن الواضح من تلك التصريحات أن بين خامنئي وروحاني خلافًا، وهو ما يمكن أن يكون مؤشّرًا وعقبة في نفس الوقت أمام التيَّار الإصلاحي لإمكانية رفض مجلس صيانة الدستور أهلية روحاني للعبور إلى المنافسات الانتخابية المقبلة في 19 مايو 2017م، في ظلِّ محاولات التيَّار الأصولي الاتِّحاد وتشكيل جبهة موحَّدة للوقوف خلف مرشَّح واحد يمثل الأصوليين تختاره الجبهة الشعبية لقوى الثَّورة “جمنا” من بين عدد من المرشَّحين.
خامنئي يحكم على حكومة روحاني بالفشل
خامنئي الذي قال إنه طالب المسؤولين في العام الماضي بتشكيل هيئة لتنفيذ الاقتصاد المقاوم، وبالفعل جرى تشكيلها، ونفَّذَت أعمالًا جيدة وقدموا تقارير بذلك، قال: “الجميع مسؤولون أمام الله وأمام الشعب”، لأن ما جرى كان بعيدًا جدًّا عما ينتظره الشعب وينتظره خامنئي نفسه، حسب تعبيره.
في جانب آخر من خطاب خامنئي يضع نفسه إلى جانب الشعب في كفة، والحكومة الحاليّة ومسؤوليها في الكفة الأخرى، ويطالبهم بتحقيق إنجازات وحل مشكلات متراكمة لم تسطِع الحكومات السابقة على مر السنين ولا الحاليّة حلها، وبالأخص مشكلة البطالة، ولطالما نظر خامنئي في خطاباته حول الاقتصاد دون وضع الأطر والمعايير التي يمكن من خلالها تنفيذ نظرياته ورؤاه، لدرجة أنه اعتاد خلال السنوات الماضية في خطاباته تسمية العام باسم جديد مرتبط بما عرف في إيران بالاقتصاد المقاوم، ففي العام السابق مثلًا وضع اسم “الاقتصاد المقاوم المبادرة” والعمل، وها هو ذا العام الإيرانيّ الجديد الذي سيبدأ غدًا وَفْقًا للتقويم الهجري الشمسي باسم وطرح جديد من خامنئي: “الاقتصاد المقاوم: الإنتاج والتوظيف”، لذا طالب خامنئي المسؤولين بالتركيز على قضيتين هامتين في زعمه، هما الإنتاج المحلِّيّ وتوظيف الشباب، معتبرًا كلتيهما نقطة رئيسية، إذا جرى التركيز عليهما فإن سير العمل سوف يتقدم بدرجة كبيرة وستتحقّق نجاحات ملحوظة ومحسوسة في هذا الصدد، مبيِّنًا أن مطلبه ومطلب الشعب هو التركيز على الإنتاج وتوظيف الشباب.
حديث خامنئي عن الإنتاج المحلِّيّ والتوظيف ليس بجديد، ففي يوم 9 مارس من الشهر الجاري في أثناء لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة، أعرب عن شكوكه حول صحة إحصاءات الحكومة بشأن تحسن وضع الاقتصاد.
وفي اليوم السابق له طالب أحمد جنتي، رئيس مجلس خبراء القيادة وأمين عام مجلس صيانة الدستور، الرئيس روحاني بتقديم تقرير عن إجراءات الحكومة من أجل تنفيذ “الاقتصاد المقاوم”، مضيفًا: “إذا كانت الحكومة لم تعمل على آلية تنفيذه فعليها أن تعتذر إلى الشعب”.
الرئيس روحاني لم يقابل هذه التصريحات بصمت، إذ اعتبر في تصريحاته أن السؤال عن نجاح الحكومة في “الاقتصاد المقاوم” سؤالًا في غير محله، وأنه “أسوأ سؤال” يمكن أن يُطرَح، قائلًا إن «10 حكومات مقبلة لن تقدر على حلّ جميع المشكلات»، ولكن الحكومة اختارت الطريق الصحيح للحد من المشكلات، ولا يمكن حلّ المشكلة على المدى القصير، بل ينبغي عدم الاستسلام أمامها»، وأكَّد: «يجب أن لا نسمح لبعض الأقلام أو الأشخاص أو الألفاظ ببثّ بذور اليأس في نفوس الشباب».
وقال روحاني: “لقد اختارت الحكومة الطريق الصحيح، ولكنها لم تصل حتى الآن إلى النهاية، ولن تكون الحكومة المقبلة قادرة على إنهاء المشكلات”، ودافع روحاني في رسالته بمناسبة العام الجديد عن إنجازات حكومته في مجال احتواء التضخُّم والنموّ الاقتصادي والتوظيف، خلال 2016-2017، واعتبرها غير مسبوقة مقارنة بـ25 عامًا مضت.
ولم يترك فرصة الحديث عن الاتفاق النوي والدفاع عنه فقال: «كيف كان سيصبح الوضع إذا استمرت معدَّلات تضخم 2013؟ إذا لم تصل أي طائرة إلى البلاد واستمرت طائرات يصل عمرها إلى 20-30 عامًا في العمل؟ ماذا كان علينا أن نفعل خلال 10 سنوات مقبلة؟!».
روحاني تدارك نفسه وأكَّد خلال رسالة إلى المرشد الأعلى على خامنئي، تقديره للملاحظات المفيدة التي أوضح المرشد في اليوم الأول من العام الإيرانيّ الجديد التي أدَّت إلى تشجيع المسؤولين والنشطاء الاقتصاديين كافة، وقال إن الاجتماع الأول للحكومة في العام الجديد سيُخَصَّص لتقسيم العمل الوطني من أجل إحداث قفزة في الإنتاج المحلِّيّ وزيادة التوظيف، وسيقدَّم بانتظام تقرير عن تقدُّم مسيرة العمل للشعب الإيرانيّ والمرشد الأعلى.
إسحاق جهانغيري، النائب الأول لروحاني، كان قد قال في يوم 10 مارس خلال رسالة إلى رئيس مجلس خبراء القيادة أحمد جنتي، ضمن رده على الانتقادات حول أداء الحكومة في ما يتعلق بالاقتصاد المقاوم: “الأشخاص الذين تجب محاسبتهم بشأن إجراءاتهم في هذا الصدد هم من يستجوبون الحكومة”.
وخلال الأشهر الأخيرة تَحدَّث مسؤولو حكومة روحاني عن تَحسُّن وضع الاقتصاد مقارنة ببداية الفترة التي تَسلَّمت فيها حكومة روحاني مقاليد الحكم، مستندين إلى بضعة أمور، منها النموّ الاقتصادي بمعدَّل 11%، وأن التضخُّم أصبح رقمًا أحاديًّا.
رغم كل هذه التصريحات، فوَفْقًا لتقارير وسائل الإعلام المعارضة للحكومة، لا يزال الاقتصاد الإيرانيّ يعاني الركود، ولم تكُن حكومة الرئيس روحاني موفَّقة كثيرًا في تحسين أوضاع الصناعة والتوظيف.
وتأكيدًا لضآلة نجاحات الحكومة في المجال الاقتصادي وتحسين أوضاع المعيشة، قال رئيس الغرفة التجارية الإيرانيَّة-العراقية يحيى آل إسحاق، إن دخل الفرد السنوي الحاليّ في إيران يقلُّ نحو 30% عن عام 1977، أي قبل عامين من الثَّورة الإيرانيَّة، وإن رفاهية الشعب تواجه «تحدِّيًا» مقارنة بـ40 عامًا مضت، مشيرًا إلى أن 45 مليون مواطن إيرانيّ هم جزء من الطبقة المتوسطة، يعانون «ضائقة معيشية».
وأعرب آل إسحاق عن أسفه من أن نصيب الفرد من الدخل والأسعار الثابتة في الوقت الراهن انخفض نحو 70% عن الدخل في عام 1977م.
«أكثر من 60% من الشعب الإيرانيّ غير قادرين على تكييف نفقاتهم مع إيراداتهم»، يضيف آل إسحاق، معتبرًا أن تراجع نصيب دخل الفرد مؤشّر على تحدي رفاهية الشعب، فضلًا عن وجود 2-8 ملايين عاطل في إيران، كما أن سكان المدن الكبرى يدفعون نحو ثلثي رواتبهم إيجارًا لمساكنهم فقط، مصرِّحًا في جانب من حديثه بأن 94% من الوحدات الإنتاجية في إيران في أسوأ أوضاعها، مضيفًا أنه علاوة على ذلك فإن 70% من الوحدات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة إما معطلة وإما تعمل بـ30% من طاقتها، مؤكِّدًا أن نصيب الفرد من الدخل القومي في إيران في عام 1977م كان 2.146 دولار، ووصل في عام 2012م إلى 4.525 دولار، وإذا قارنَّا هذا بالدول المجاورة لإيران، مثل تركيا، فسنجد أنه مؤشّر على نموّ ضئيل لا يُذكَر.