المهديّ المنتظر عند الشِّيعَة الإثنا عشرية هو الإمام الغائب محمد بن الحسن العسكري، آخر أئمتهم الذي قيل إنه وُلد في سامراء عام 255هـ للهجرة، ويعتقدون أنه لا يزال حيًّا يعيش في الغيبة الكبرى بعد انقطاع أخباره التي كانت ترد إلى شيعته أثناء غيبته الصغرى عن طريق سفرائه الأربعة، يلقبه الشِّيعَة بالمهديّ وصاحب الزمان والحجة ابن الحسن، عندما يرد ذكر اسمه يقف الشِّيعَة تبجيلا له، وعند ذكر اسمه يرفق الشِّيعَة معه دعاء “عجَّل الله فرجه” لينهي الله غيبته ويعجِّل بظهوره.
الشِّيعَة الإثنا عشرية ينتظرون الإمام الغائب
بغيبة الإمام الأخير للشيعة، عطّل الشِّيعَة الإثنا عشرية كثيرًا من الأحكام الشرعية التي لا تقام في عقيدتهم إلا بوجود الإمام، ومنها الجهاد، ولا صلاة جمعة، ولا إقامة دولة، وظلّ علماء الشِّيعَة يحرِّمون تلك الفرائض عدة قرون إلى حين ابتداع نيابة الفقيه في الأمور الشرعية عن الإمام الغائب وتجويز إقامة الدولة في عصر الغيبة في عهد الدولة الصفوية 1500م إذا كانت تحت إمرة الفقهاء.
الجمهورية الإيرانية تُعِدّ الجيش للمهدي المنتظَر
مع قيام الجمهورية الإيرانية عام 1979م حوَّل الخميني نيابة الفقهاء في الأمور الشرعية إلى ولاية مُطلَقة للفقهاء، بحيث يديرون الدولة كحقّ لهم، وأبطل الخميني عقيدة الانتظار الشيعية من الناحية العملية، وإن كانت الجمهورية الإيرانية تقول إنها في انتظار الإمام الغائب في ما عرَّفه الخميني بالانتظار الإيجابي، فجعل مهمة الولي الفقيه إعداد جيش المهديّ الذي سيحارب بهم أهل الأرض جميعًا لإقامة العدل بعد أن مُلئت جَوْرًا، وفي اعتقاد الخميني ومن تابعه في نظريتَي ولاية الفقيه والمهدوية، أن جيش المهديّ سيكون من شيعة أهل البيت فقط الذي آمنوا به وانتظروا ثم أخذوا يُعِدُّون العُدَّة لتسهيل ظهوره وإعداد جيشه.
قبل مجيء الخمينيّ كانت المرجعية الكبرى في النجف وقمّ تنعزل وتنأى بنفسها عن كلّ ما هو سياسيّ، ولا تُجوّز تأسيس حكومة إسلامية أو حتى المشاركة فيها، أو السعي لتحقيقها لأن هذا من أعمال المهديّ، ولا يجوز لغيره إقامتها في عصر الغيبة. لكن بمجيء الخمينيّ حدث انقلاب على الفكر التقليدي الشيعي واستغلال فكرة المهديّ للتثوير والجهاد والتأجيج الطائفي. وبعد أن كانت فكرة المهديّ مدعاة للتقوقع السياسي صارت مدعاة للحرب والإرهاب، بسبب أدلّة روائية لا دليل على صحتها، فجرى التركيز على روايات ضعيفة من قبيل أنّ المهديّ لن يظهر إلا بتهيئة الأوضاع لظهوره، وتهيئة الأوضاع لا تكون إلا بمقتلة عظيمة في بلاد الشام، وخراب دمشق، وانفصال الأكراد عن سوريا، وتَدَخُّل البلاد الغربية في الشام، ونحو ذلك من أساطير وتغليف للأوضاع السياسية في المنطقة بغلاف الآيديولوجيا المتطرفة، كي يُستساغ -لدى العوامّ- التدخُّل والتحشيد الإيراني في صلب قضايا المنطقة[1].
لكن بعد قيام الجمهورية الإيرانية والتصديق على دستورها، أصبح من أهمّ مهام الولي الفقيه الذي يدير الدولة اعتماد السياسة المناسبة لتعجيل ظهور “المهديّ” وتسليمه الحكم والسلطة بعد تصدير “الثورة” واستكمال مشروع “ولاية الفقيه” الذي ينحدر في نظرهم من نسل النبي، وغاب عن الأنظار قبل ألف سنة، وسيعاود الظهور في زمن حرب، ليبسط العدل وقواعد الحكم الرشيد في آخر الزمان. بل وباسم المهديّ تُمرَّر القوانين والدساتير ويُمارَس الفساد بعيدًا عن المؤسَّسات الرقابية والشعبية بزعم أن المهديّ قد تلقاها بالقبول. بل وتوظَّف سياسيًّا ضدّ شرائح مجتمعية داخل إيران، وضدّ التيَّار الإصلاحي بخاصة، فمن ضمن أسباب تأخُّر ظهور الإمام الغائب، حسب ممثل خامنئي لدى الحرس الثوري علي سعيدي، الليبراليون والعلمانيون الإيرانيون، يقصد الإصلاحيين[2]. أما ممثِّل خامنئي لشؤون مسجد جمكران محمد حسن رحيميان فيزعم أنّه كان شاهد عيان على لقاء خامنئي والمهديّ 13 مرة[3]، ومن ثمّ فأيّ قرار من خامنئي هو قرار مهدويّ خالص لا يمكن رفضه! كذلك فعل أحمدي نجاد الذي وضع مقعدًا شاغرًا في مجلس وزرائه وكتب عليه “مقعد المهديّ المنتظر”، وبحسب رجل الدين مرتضى آقا طهراني فإن “المهديّ كاد يظهر لولا خطايانا وذنوبنا، ممّا جعله يعيد التفكير ويتراجع عن قراره الظهور”[4].
المهديّ المنتظر عند أهل السُّنَّة والجماعة
استدلّ كثير من فقهاء السنة بأنه لا توجد فكرة المهديّ عند أهل السُّنَّة، لأنه لا يوجد دليل واحد في القرآن على تلك الفكرة، وكل عقائد أهل السُّنَّة -حسب هذا الفريق- تُستقى من القرآن الكريم والمتواتر من الأحاديث، وقالوا كذلك إنه لا يوجد حديث واحد في البخاري ومسلم قطعي الدلالة على وجود المهديّ المنتظر. أمّا الروايات المروية عن المهديّ فهي في غير البخاري ومسلم، وهي ضعيفة، كما يقول ابن خلدون في مقدمته: “لم يخلص منها من النقد إلا القليل أو الأقلّ منه”[5]. وألّف الشيخ السلفي عبد الله بن زيد آل محمود، رئيس المحاكم الشرعية في قطر، رسالة مهمة في نفي وجود المهديّ بعنوان “لا مهديَّ يُنتظر بعد الرسول خير البشر”، وتكمن أهمية هذه الرسالة في أنها صادرة من أحد فقهاء السلفية الكبار المهتمين بعلم الحديث وتتبُّع الأخبار. واستدل فيها على أن هذه المسألة ليست من عقائد أهل السُّنَّة ولم تكُن مسألة مثارة في عهد الصحابة والتابعين ولم تأتِ على لسان أحد منهم، وأن الأحاديث الواردة كلها ضعيفة، ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة، بل مجروحة وضعيفة. وقال إنّه حتى ابن تيمية -المهتمّ جدًّا بالجانب العَقَدِيّ- لم يذكر المهديّ في أي كتاب من كتبه العَقَدِيّة. كذلك أنكر الشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية، وجود من يُسَمَّى بالمهديّ المنتظر عند أهل السُّنَّة، وقال إنها عقيدة شيعية غير معروفة عند السُّنَّة، وقال إن أكثر من 13 شخصًا زعموا أنهم المهديّ في مصر وحدها[6].
ويقول المحقِّق الكبير محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله في تعليقه على “الحاوي للفتاوي” للسيوطي: “يرى بعض الباحثين أن كل ما ورد عن المهديّ من الإسرائيليات التي دسَّها الشِّيعَة والباطنية”[7]. كذلك اعتبر محمد رشيد رضا أن فكرة المهديّ من الإسرائيليات، تبعًا لأستاذه محمد عبده، ثمّ ذهبت مدرسة الإحياء (الإحيائيون والإصلاحيون كما يسمِّهيم رضوان السيد) إلى نفس منهج رشيد رضا ومحمد عبده.
لكنّ رأيًا آخر يستند إلى الأحاديث الحسنة والصحيحة والضعيفة (لم تصل إلى درجة التواتر) يقول إنّ لفكرة المهديّ أصلًا، وإنها من جملة العقائد عند السُّنَّة، لكنهم اختلفوا في مَن المهديّ، هل هو النبي عيسى عليه السلام أم هو رجل صالح من نسل الحسن بن عليّ. من ثمّ يمكن القول إن المهديّ حتى عند هؤلاء من فروع العقائد لا من أصول العقائد التي يكفر مخالفها أو المختلف فيها علميًّا. وأصل الخلاف أن من لا يأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد لم يعترف بفكرة المهديّ، وهو الفريق الأول، وهم مجموعة من الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية، أما من يأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد فيقول بالمهديّ -على خلاف في ماهيته- وهم بعض الحنابلة وبعض الأشاعرة وبعض أهل الحديث، والسلفيون التقليديون المعاصرون.
هذا رأي أهل السُّنَّة في المهديّ، ويجب أن نلاحظ أن أولئك الذين قالوا بوجود المهديّ لم يذهبوا قط إلى القول بالتشيُّع السياسي في المهديّ، بل ذهبوا إلى أن المهديّ الذي سيظهر آخر الزمان هو عيسى ابن مريم، وقال بعضهم هو أحد الصالحين سيظهر آخر الزمان وهو من ولد الحسن بن عليّ. إذًا فبين الجانبين السُّنِّيّ والشيعيّ في فكرة المهديّ فروق كثيرة، يمكن بلورتها في عدة نقاط.
نقاط اختلاف السُّنة والشِّيعة حول المهدي المنتظَر:
1- المعتمَد لدى أهل السُّنَّة أنه لا يوجد من يُسَمَّى بالمهديّ، وحتى الذين قالوا بظهوره آخر الزمان قالوا إنه عيسى ابن مريم، أو أحد الصالحين من نسل الحسن بن عليّ، لا من نسل الحسين، ولم يحدّدوه كما حدّده الإثنا عشرية، فضلًا عن أنه لم يولد بعد عند من قالوا بذلك، في حين أنه وُلد وموجود ومختبئ عند الإثنا عشرية.
2- فكرة المهديّ عند السُّنَّة ليس لها أي توظيف سياسي أو عَقَدِيّ، فهي منحصرة في الأروقة العلمية والدراسية.
3- العقائد عند أهل السُّنَّة -وكذلك عند الشِّيعَة- لا تنبني إلا على القطعيات والمتواترات واليقينيات، ولا يمكن بناء العقيدة على ما هو ظنِّيّ الثبوت أو ظنِّيّ الدلالة، ومن ثمّ فمنكر المهديّ عند السُّنَّة هو مسلم، لأنها ليست بعقيدة، أما منكر المهديّ عند الشِّيعَة ومنكر إمامته فهو كافر صريح[8]، رغم أنهم قالوا إنّ العقائد لا تُبنَى على الظنِّيَّات، إلا أنهم جعلوا أدلَّة المهديّ الظنية بمثابة القطعية.
4- لم يوظّف السُّنة ولا أي دولة سُنِّية فكرة المهديّ توظيفًا سياسيًّا وعسكريًّا وآيديولوجيًّا، في حين تَبنَّت إيران فكرة المهديّ وجعلتها مرتكزًا للحرب والجهاد كما تسميه، وحشد آلاف البشر والزج بهم في المعارك خارج الحدود، وكسب ولاءات الشِّيعَة والعوامّ والسذج بفكرة المهديّ.
5- إذًا تبقى فكرة المهديّ على الهامش الديني عند السُّنَّة، ومن ثمّ فلا يُتوقَّع الزج بها في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، لكنها تدخل ركنًا من أركان العقيدة عند الشِّيعَة، ومن ثمّ تنسحب على الدين والدنيا، والسياسة والاقتصاد والقرارات المصيرية، والعلاقات الدولية، لا سيما بعد تبنِّي نظام الحكم في طهران لها رسميًّا، إذ يستغلُّها أسوأ استغلال، في حشد الجماهير للمعارك وتأجيج الوعي الجمعي تجاه الطائفية.
مهديون في تاريخ الشِّيعَة
بعد وفاة محمد بن الحنفية سنة 81هـ انقسم الشِّيعَة إلى فرقتين: فرقة تزعم أنه لم يمُت وإنما شُبّه للناس، وشُبّه لحفيد أخيه محمد الباقر الذي زعم أنّه دفنه بيده. وفرقةٌ أخرى قالت بوفاته وزعمت أن محمد الباقر هو الإمام الخامس، وقد استتب الأمرُ له بعد وفاة ابن الحنفية[9]. كذلك زعموا أنّ محمد النفس الزكية (100- 145هـ) هو المهديّ المنتظر، لأنه كان يُشبه النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخُلق والخَلق، واسمه واسم أبيه، وكان عندما يركب دابته يتصايح الناس: “المهديّ المهديّ”[10]. وبعد وفاة جعفر الصادق اختلف الشِّيعَة هل وصَّى الصادق أن يخلفه موسى الكاظم أو إسماعيل (وكلاهما من أولاد جعفر الصادق)، فذهب بعضهم إلى أنه عيَّن موسى الكاظم، وقال آخرون بل عين ولده الأكبر إسماعيل، وسمي هؤلاء الإسماعيلية، ثم قال بعضهم إن إسماعيل هو المهديّ المنتظر[11].
وزعم بعض الشِّيعَةُ “الواقفة” أنّ موسى ابن جعفر الكاظم (الإمام السابع عند الشِّيعَة الإثنا عشرية) هو المهديّ، وزعم بعضهم أنّه يراسله ويُكاتبه ويقابله. لكن علماء الإثنا عشرية رفضوا هذا الكلام لأنّ موسى، بحسب النوبختي “مات ظاهرًا ورآه الناس ميِّتًا ودُفن دفنًا مكشوفًا ومضى لموته أكثر من مئة وخمسين سنة لا يدّعي أحد أنه يراه، ودعواهم أنه حيّ فيه إكذاب الحواسّ التي شاهدته ميتًا”[12]. وإذا كان موسى بن جعفر مات ظاهرًا ورآه الناس ميتًا مكشوفًا ومضى على موته مئة وخمسون سنة فإنّ ولادةَ ابنٍ للحسن العسكريّ لم تكُن واضحة ولا جليَّة لعمومِ الناس في تلك المرحلة، ولو كانت ولادتُه واضحة لظهر للعيان، وما اختلفوا حوله. ونلاحظ أن النوبختي استدلّ على معقولية غيبة المهديّ بعدم تجاوزها الحدّ المعقول والطبيعي للغيبات المتعارَفة (يقصد ثلاثين سنة في وقته)، لكن طالت الغيبة بعد وفاة النوبختي بمئات السنين (وصلت الآن إلى 1178 سنة)، وهذا في ذاته تجاوزٌ للحدّ المعقول، مِمَّا ألجأ متكلمي الشِّيعَة إلى استحداث أدلَّة تعبوية جديدة والتوسل بأدوات عرفانية وفلسفية لردم هذه الهوة الكبيرة، وسنلاحظ أنّ متكلمي الشِّيعَة الإثنا عشرية يستدلّون كل برهة من الزمن بأدلَّة جديدة على المهديّ الغائب.
فنلاحظ أنه بعد رحيل كل إمام أو فقيه شيعي تظهر فرق شيعية جديدة تزعم أنه هو المهديّ، وصاحَبَ ذلك مجموعات من وضَّاعي الأحاديث والمغالين ممن لهم مصالح سياسية ودنيوية، فبعد وفاة موسى الكاظم (الإمام السابع) توقف بعض أصحابه عليه، وعدّوه القائم/المهديّ، الذي وعدت به الروايات التي سمعوها ممن سبقهم، ومن بعض الوضَّاعين أيضًا، وهذا يعود إلى مجموعة أسباب، أهمها: غموض وإبهام في نفس مرويات الغيبة، وغموض حقيقي في أدلَّة الإمامة الشيعية ومصاديقها أيضًا، فقد وقف إبراهيم بن صالح الأنماطي على الكاظم وعدّه المهديّ الغائب المأمول، وكتب في ذلك كتاب الغيبة الذي جمع فيه المرويات التي رواها أو سمعها ممن عاصرهم من الأئمة، حول هذا الموضوع، لكن اللافت أن محدِّثي وفقهاء القرن الرابع والخامس قد استخدموا نفس مروياته التي طبقها الأنماطي على الإمام السابع موسى الكاظم، لتطبيقها على الإمام الثاني عشر، على فرض وجوده!
وتوقف الفقيه الشيعي علي بن الحسن الطاطري على الكاظم وعدّه المهديّ الغائب المأمول أيضًا، وألّف كتبًا في الدفاع عن مذهبه، وكان شديد العناد وصعب العصبية على من خالفه. وله تلميذ مخلص اسمه ابن سماعة، عَاش طويلًا ومات بعد وفاة الحسين العسكري (الإمام الحادي عشر) بثلاث سنوات، لكنه ألّف كتاب الغيبة وكان يدلّل على أن المهديّ هو الإمام السابع (الكاظم). لكن نفس الأدلَّة التي حشدها للدفاع عن رؤيته أن المهديّ هو الإمام السابع (الكاظم) طبَّقها المتكلمون والمحدِّثون الشِّيعَة في ما بعد على الإمام الثاني عشر، وهو المهديّ المنتظر في رأيهم، لكن حقيقة وجود الكاظم لا يشكّ فيها أحد، أمّا وجود ابن للحسن العسكري فليس كذلك.
وهذا دليل أن بحوث المهدوية لها مداخل شتَّى، وتعتريها الضبابية والشوائب المنهجية، فليست واضحة علميًّا ومنهجيًّا، ومن ثمّ فإنّ احتسابَها من جملة العقائد يُعتبر خطأً، فضلًا عن أنها تتبنَّاها دولة ترسم سياستها بناء على تلك التوهُّمات، فلم تكُن الأمور واضحة حتَّى في حياة أئمة الشِّيعَة، فبعد وفاة كلّ إمام كانوا يختفلون على مَن يخلفه، الابن الأكبر أم الأصغر؟ وينقسمون إلى فرق وتيَّارات بناء على اختلافهم على من يخلفه، بل وصل الأمر إلى خلاف بين الأشقاء من الأئمة أنفسهم، كما حدث بين محمد الباقر (الإمام الخامس) وأخيه زيد، إذ طعن زيد (مؤسّس فرقة الزيدية وإليه تُنسب) في إمامة أخيه الباقر، ونسب الإمامة إلى نفسه. وكما حدث بعد وفاة جعفر الصادق (ت:148ه) افترقت الشِّيعَة بعده إلى ست فرق[13].
هذه الإشكالات مجتمعةً تدُلُّ على عدم وضوح روايات النَّصّ على الأئمة الاثني عشر وأسمائهم بشكلٍ سماويّ ونبوي قَبْليّ في أذهان ممثلي الاتجاه الرسمي لأصحاب الأئمة المتقدمين، ممَّا سبَّب الخلافات والانشقاقات بينهم، وهذا ينسف عقيدة المهديّ، لأن العقائد لا تُبنى إلا على اليقينيات والقطعيات، حتى على مذهب متكلمي وفقهاء الشِّيعَة أنفسهم.
هل وُلد المهديّ أصلًا؟
هنا يتجلى سؤال مهمّ طرحه كثير من مفكري وعقلاء الشِّيعَة: هل وُلد المهديّ أصلًا؟ هل أنجب الحسن العسكري أم مات دون أن ينجب؟ كثيرٌ من فقهاء الشِّيعَة يرون أنّ المهديّ لم يُولد في الأساس، وأجْرَوا تفنيدًا علميًّا وتاريخيًّا للشبهات حول ولادته من الأساس، فالمفكر الشيعي أحمد الكاتب ألّف كتابًا كبيرًا في إنكار ولادة ابن للحسن العسكريّ بعنوان “حوارات مع المراجع والعلماء والمفكرين حول وجود الإمام الثاني عشر”، أثبت فيه أنّ الأدلَّة التي استدلّ بها الإمامية على المهديّ تنحصر في: أدلَّة تاريخية، وأدلَّة عقلانية. وقال إنّ الأدلَّة التاريخية كلها ضعيفة لا تنهض أبدًا لإثبات المهديّ تاريخيًّا، والأدلَّة العقلية وحدها لا تنهض لإثبات عقيدة من العقائد[14]، أما الأدلَّة الروائية فكلها ضعيفة لا تنهض لدرجة مفهوم الدليل، وحقّقها وفندها كلها آية الله البرقعي وغيره[15].