عرضت وكالات الأنباء الإيرانيَّة صورًا لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وهي فرقة خاصَّة تابعة للحرس الثوري الإيرانيّ، إلى جانب أعضاء الكتائب الفاطمية والجيش السوري، في موقع على الحدود العراقية السورية.
وهم يستشهدون بهذه الصور على نجاح خطة إيرانيَّة-سورية لربط الميليشيات الشيعية على جانبَي الحدود كجزء من خطة طهران الكبرى لإنشاء ممرّ أرضي من طهران عبر العراق وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط.
في المقابل فإن القوات الأمريكيَّة على الأرض في سوريا تعرقل هذا المخطَّط، وقد شنّت هذه القوات المتمركزة في التنف بالقرب من الحدود العراقية والأردنية ثلاث هجمات على الوحدات التابعة لإيران، بدأت في 18 مايو، كما حصّن الأمريكيّون دائرة محيطها 55 كيلومترًا حول هذه النقطة في عملية إنشاء منطقة منعزلة.
لكن التطوُّرات في الميدان تشير إلى أن إيران نجحت في التحايل على حصن الأمن الأمريكيّ في هذه النقطة المحصنة، في حين أعلن النِّظام السوري أنه سيطر على خُمس منطقة البادية في البلاد.
كما زعمت وكالة “ميزان” الإيرانيَّة أن صور سليماني تعود إلى يوم الإثنين الماضي، قبل أسبوع من إعلان وكالة الأنباء، وأضافت أن وحدات من قوات الحشد الشعبي العراقية، خصوصًا كتائب الإمام علي وقوات أبو الفضل العباس وكتائب حزب الله العراقية، شاركت في الحركات ووصلت إلى معبر التنف الحدودي في الجانب العراقي من اتجاه سنجار غرب نينوى.
وأشارت القيادة العسكرية الروسية في سوريا إلى أن طريق بغداد إلى دمشق عبر التنف الذي تعمل طهران على تأمينه سيُلغَى لصالح طريق بديل يمر إلى الجنوب من تدمر ونحو 20 كم بعيدًا عن الطريق السابق. هذا يعني أن الروس يراقبون هذه التطورات مِن كَثَب، لكنهم لم يعطوا أي إشارة ما إذا كانوا يتغاضون عن المخطَّط الإيرانيّ أم لا.
وقد تباينت التصريحات الروسية حول هذه المسألة بسبب تأثيرها على العلاقات الروسية-الأمريكيَّة في سوريا، مِمَّا جعل من الصعب القول إن كانت موسكو مع أو ضدّ الخطط الإيرانيَّة. وقد نقلت روسيا تحذيرات أمريكيَّة تحذّر إيران من السماح لقواتها بالاقتراب من معبر التنف، وهو ما أخفقت إيران في مواجهته في استمرار تكتيكاتها في التحايل على طوق التنف.
ثم جاء البيان العسكري الروسي بأن مشروع الممر سيستمر ولكن ليس عبر التنف، بمعنى أن المشكلة تكمن في التركيز العسكري الأمريكيّ لا في المشروع الإيرانيّ في حدّ ذاته.
مع ذلك، قد لا يكون الموقف الروسي نهائيًّا، بخاصَّة في ضوء المفاوضات الأمريكيَّة الروسية السرية حول “مناطق التصعيد” في سوريا، والمحادثات التي بدأت بسبب التعهُّدات الأمريكيَّة الأخيرة ضدّ الميليشيات المتحالفة مع النِّظام السوري. وقد يشير هذا إلى تحوُّلات محتمَلة في المواقف، فمن غير المرجَّح أن تقدِّم الولايات المتَّحدة تنازلات على الأرض لأنها تعرف أن ذلك سيضرّ حلفاءها المحليين والإقليميين.
في الوقت نفسه، إذا حدثت تحوُّلات روسية فإنها قد لا تنعكس على المواقف الإيرانيَّة، كما تعتبر طهران الممر المتصوَّر كمشروع خاصّ بها وكشكل من أشكال المكافأة لدورها في سوريا.
وقد اقترح بعض المحللين أن الولايات المتَّحدة، التي تعهدت بعرقلة وصول إيران إلى بلاد الشام، بخاصَّة في منطقة تقربها من الحدود الإسرائيلية التي تهيئ الظروف لحرب محتمَلة، قد تغضّ الطرف عن المشروع الإيرانيّ مؤقَّتًا في سوريا مقابل سيناريو يؤدِّي إلى تقسيم البلاد.
ويؤكّد رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن، أن مخطَّط هذا السيناريو يوضَع على الأرض، أما الولايات المتَّحدة التي تهدف إلى ردع الرئيس السوري بشار الأسد، فإن هذا لا يزال احتمالًا ضعيفًا. وتزامنت الضربة الأولى ضد التنف مع مقترحات في قانون حماية المدنيين في الولايات المتَّحدة لمحاسبة الأسد على جرائم ضدّ الإنسانية ارتُكبت في سجن صيدنايا في سوريا.
لكن حتى مع فرض عقوبات على الأسد، فإن الوقت قد لا يحابي أيًّا من الأطراف في ضوء الوضع الذي تفرضه إيران على طول الحدود العراقية السورية.
في التحليل النهائي، تدرك الولايات المتَّحدة أن إيران تعمل على توسيع نطاق نشاطها ووجودها على أرض الواقع في سوريا وَفْقًا لجدول أعمالها الخاص. إيران، من جانبها، لا تزال مصممة على النجاح، حتى لو كان هذا يتطلب المناورة مع روسيا، التي هي الجهة المنظَّمة الرئيسية للتطوُّرات على أرض الواقع في سوريا.
ومع ظهور علامات التقارب بين الولايات المتَّحدة وروسيا مؤخَّرًا في إطار التنسيق بما يخص القضية السورية، بدأت طهران تخشى أن يؤدي هذا التنسيق إلى تهديد مشروعها الذي تراه الآن في متناول يدها في ضوء اقتراب إنهاء سيطرة تنظيم داعش على الموصل وأماكن أخرى في العراق. وهذا سيحرر مزيدًا من قوات الدفاع الشعبي في العراق وسوريا لتكون بمثابة جسر تحتاج إليه طهران لاستكمال المشروع.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت إيران استوعبت تمامًا الرسائل الأمريكيَّة التي عبَّرَت عنها الهجمات الثلاث ضدّ القوات الإيرانيَّة المنتسبة بالقرب من التنف، وقياسًا على ردود فعلها السابقة فإن إيران ستستعرض تكتيكات جديدة في الوقت الذي تحاول فيه تطوير خططها. وسوف يعتمد استمرارها إلى حدّ كبير على قدرة الولايات المتَّحدة على دعم وتعزيز تكتيكاتها الرادعة وإثبات مصداقية الإنذارات الموجهة إلى طهران. وعلى الرغم من كل المكاسب التي حقَّقَتها إيران وحلفاؤها في سوريا لتحقيق مشروعات طهران الإقليمية، فإن الفصل الأخير من هذه الملحمة المتعددة الأحزاب لا يزال غير واضح.
إن الطموحات الإيرانيَّة يمكن التعامل معها بكل حزم، بغَضّ النظر عما وصلت إليه من نجاحات حتى الآن على أرض الواقع.
مادة مترجمة عن موقع الأهرام الأسبوعي
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز