بعد عقود من سياسة حسن الجوار وإقامة الحجة من قبل الكويت على إيران، جاء هروب المدانين من خلية العبدلي الإرهابية المدعومين من إيران ليضع نهاية لادعاءات إيران بصداقة الكويت، وبداية التصدي للاعتداءات الإيرانية المتكررة على أمن وسلامة دولة الكويت.
أصدرت الخارجية الكويتية اليوم الخميس 20 يوليو 2017م قرارًا بتخفيض عدد البعثة الديبلوماسية الإيرانية إلى4 وإمهال الديبلوماسيين الإيرانيين المطرودين من الكويت مدة 45 يوماً لمغادرة الأراضي الكويتية، مع إغلاق مكتب الملحقية الثقافية الإيرانية ومكتب الملحقية العسكرية، على إثر هروب المدانين من خلية العبدلي الإرهابية إلى الأراضي الإيرانية. ترجع بداية أحداث القضية إلى أغسطس 2015م عندما كشفت أجهزة الأمن الكويتية عن جماعة إرهابية مكونة من 26 فرداً أحدهم إيراني الجنسية والأخرين يحملون الجنسية الكويتية تتمركز في منطقة العبدلي الحدودية، تحوز وتخزن 20 طناً من الأسلحة ومواد متفجرة وأجهزة اتصال وتصنت بقصد استخدامها في أعمال إرهابية داخل الأراضي الكويتية وتتلقي دعماً من السلطات الإيرانية وعناصر حزب الله اللبناني، ضمن مخطط لزعزعة الأمن بالكويت، وفي يناير 2016م أصدرت محكمة الجنايات الكويتية حكماً بإعدام اثنين من المتهمين أحدهما إيراني الجنسية هو عبد الرضا حيدر دهقان والسجن 25 عاماً لأحد المتهمين و15 عاماً لخمسة عشر متهماً و10 سنوات لأحد المتهمين و5 سنوات لـ 3 متهمين وبالغرامة على أحدهم، وتبرئة ثلاثة. هذا الحكم تم استئنافه، وتم الإفراج عن المتهمين لحين صدور قرار محكمة التمييز، وقبل اصدار حكم محكمة التمييز بيوم واحد والذي صدر بالإدانة فر المتهمين، في 18 يونيو 2017م، ومع توافر معلومات عن هروب 16 متهما وهم من الشيعة الكويتيين عبر الخليج العربي بزوارق إيرانية إلى الساحل الإيراني، قامت الحكومة الكويتية باتخاذ الإجراءات الديبلوماسية سالفة الذكر.
آليات التغلغل الإيراني في المجتمع الكويتي:
مع تحقق الهيمنة الفعلية لإيران على العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه، أصبحت إيران تجاور دولة الكويت برياً من الناحية العملية كما تجاورها بحرياً، ومن خلال رغبة دولة الكويت في إقامة علاقات طبيعية مع إيران، أقامت معها علاقات ديبلوماسية كاملة، وحرصت إيران على افتتاح ملحقيات ثقافية وعسكرية وتجارية بدولة الكويت، ومعروف أن الملحقيات الثقافية الإيرانية هي إحدى أدوات القوة الناعمة الإيرانية ونافذة النشاطات الاستخباراتية الإيرانية.
الملحقية الثقافية الإيرانية في الكويت “وكر للتجسس أم إحدى أدوات القوة الناعمة الإيرانية”
تنشط الملحقيات الثقافية الإيرانية في أكثر من 68 دولة حول العالم، وأبرزها في العالم العربي الملحقيات الثقافية الإيرانية بكل من لبنان والعراق وسوريا ولبنان والكويت وقطر وتونس، وعادة ما يكون افتتاح تلك الملحقيات بإلحاح إيراني موجه للدول التي تقيم علاقات ديبلوماسية كاملة مع إيران، نظراً لأن نشاطات تلك الملحقيات يتيح حرية حركة كبيرة لأعضاء السفارة الإيرانية بالدولة المضيفة، ويعطي مبررا لاختلاطهم بمجتمع الدولة المضيفة والنخبة الثقافية والمجتمعية، ومن ثم إحداث تأثير على المجتمع، وفي نفس الوقت اختيار وتجنيد العملاء، الأمر الذي يعد انحرافاً عن الدور المنوطة به الملحقيات الثقافية.
تتبع الملحقيات الثقافية منظمة الثقافة والروابط الإسلامية وليست وزارة الخارجية الإيرانية، وهي منظمة ثقافية موازية لوزارة الثقافة وتخضع بشكل مباشر للمرشد الإيراني، وتلك المنظمة تتمتع بميزانية شديدة الضخامة، ويتبعها عدد من الهيئات التي تهدف على نشر التشيع مثل المجمع العالمي لأهل البيت، وهيئة متابعة الإيرانيين المقيمين بالخارج، وغيرها من الهيئات ذات الطبيعة الاستخباراتية المستترة وراء العمل الثقافي.
ومن اللافت أن الملحق الثقافي الإيراني بالكويت بعد انتهاء فترة عمله بالكويت قد تولى منصب معاون رئيس منظمة الثقافة والروابط الإسلامية للشئون الدولية، وهو المنصب الذي يجعله بشكل عملي يرأس جميع الملحقين الثقافيين بالسفارات الإيرانية حول العالم، وهو أمر يعكس مدى الأهمية التي كانت توليها إيران لملحقيتها الثقافية بدولة الكويت، من ناحية خدمة أهدافها وأطماعها بالمنطقة.
النشاطات المعلنة للملحقية الثقافية الإيرانية بالكويت:
تحرص الملحقية الثقافية الإيرانية بالكويت على الاحتفال بجميع المناسبات الإيرانية سواء كانت مذهبية أو ثورية وتدعو إليها عددا كبيرا من الكويتيين وغيرهم ، ومن تلك المناسبات ذكرى وفاة الخميني ، وقد أقيمت الذكرى السنوية الثامنة والعشرون لوفاة الخميني الشهر الماضي في الكويت عبر تعاون الملحقية الثقافية، وشارك في هذه المراسم العديد من الشخصيات الدينية، والسياسية، والثقافية والاجتماعية، وعدد من نواب البرلمان، وأعضاء جمعية الصداقة الإيرانية-الكويتية والإيرانيين المقيمين في الكويت. كما تحدث في هذا اللقاء إمام الجمعة بمسجد المهدي، عبد الله دشتي، وهو من رجال الدين البارزين في الكويت، الذي وصف الخميني بأنه مؤسس مرحلة مضيئة ومتلألئة في تاريخ البشرية، لافتاً إلى أن صيحة الخميني يتردد صداها في آذان المسلمين حتى تتحرر الأمة من سلطة وسيطرة الاستكبار.
كما قرأ المهندس مصطفى غلوم رئيس جمعية الصداقة الكويتية الإيرانية رسالة الجمعية ، وعلاوة على هذا فقد شارك في هذه المراسم عدد من الشعراء والمداحين الإيرانيين والكويتيين عبر قراءة أشعار في مدح ورثاء الخميني، ولاقت هذه الاحتفالية أصداء واسعة في وسائل الإعلام والصحافة الكويتية وكتبت الأنباء تقريراً مفصلا عن هذه المراسم.
ومع إقامة يوم القدس بالملحقية الثقافية عقدت ندوة في الكويت تحت عنوان “عاشوراء امتداد للرسالة النبوية، وفي أواخر سبتمبر عام 2016م أصدرت الملحقية كتاباً بعنوان أيام في إيران ضم مذكرات الكتاب الكويتيين الذين دعتهم الحكومة الإيرانية لزيارة إيران، حكوا فيه عن تفاصيل لقائهم بالمرشد الإيراني.
عباس خامه يار الملحق الثقافي الإيراني بالكويت:
ترأس الملحقية الثقافية الإيرانية بالكويت الدكتور عباس خامه يار، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بيروت، ولعله ليس من قبيل المصادفة أن يتولى رئاسة الملحقيات الثقافية الإيرانية في ثلاث دول عربية على التوالي وهي من أهم الملحقيات بالنسبة لإيران، وهي الملحقية الثقافية الإيرانية في كل من بيروت والدوحة والكويت.
وقد ألف خامه يار كتابا عن الإخوان المسلمين تحت عنوان” إيران والإخوان المسلمين عوامل الالتقاء والافتراق” كما عمل رئيساً لدائرة الشؤون الأفريقية في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وعمل مديراً لإذاعة “صوت المستضعفين” في لبنان ، وعمل مساعدا لرئيس رابطة جرحى الحرب لشؤون العلاقات الثقافية.
تاريخ طويل لخلايا التجسس الإيرانية في الكويت
لم تكن خلية العبدلي هي الأولى في محاولات إيران للنيل من أمن وسلامة الكويت شعباً ودولة ، فقد تمكنت السلطات الكويتية من كشف تسع خلايا تجسسية (بعضها مسلحة) تعمل لصالح إيران، تضم كويتيين وعددا من الدبلوماسيين الإيرانيين الذين يعملون في سفارة طهران في الكويت، وكذلك بعض السوريين واللبنانيين والدومينيكانيين الذين يقيمون في البلاد بشكل دائم وكان بعض أعضاء هذه الشبكات التجسسية يقومون منذ 2003 بجمع المعلومات، وتصوير بعض المواقع والأهداف العسكرية والأمنية الحساسة على الأراضي الكويتية، والقواعد العسكرية الأمريكية.
ويعود تاريخ أول شبكة تجسس إيرانية يتم تفكيكها في الكويت إلى شهر مايو 2010، حيث نجحت الأجهزة الأمنية الكويتية في تفكيك شبكة تخابر وتجسس لمصلحة الحرس الثوري الإيراني تعمل على رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية، ومواقع القوات الأمريكية في البلاد، وأن سبعة أشخاص على الأقل اعتقلوا في حين نجح ستة أو سبعة آخرون في الهرب وقد اعترف السبعة المقبوض عليهم بأنهم كانوا يترددون على إيران بشكل مستمر، وتحت حجج متعددة، منها تلقي العلاج أو السياحة أو زيارة الأماكن الدينية هناك ، يذكر أن بعض أعضاء هذه الخلية تم الحكم عليهم بالإعدام، بينما تمت تبرئة آخرين (بعض أحكام الإعدام تم تخفيفها لاحقا إلى المؤبد) وقد ذكرت مصادر كويتية أن اثنتين من الشبكات التجسسية التي تم تفكيكها كانتا مسلحتين، وأن الملحق السياحي في السفارة الإيرانية، علي ظهراني، كان المسؤول الاستخباراتي للحرس الثوري الإيراني في الكويت ومنطقة الخليج العربي.
وفي سبتمبر 2012، تحدثت بعض وسائل الإعلام الكويتية عن تمكن أجهزة الأمن الكويتية من تفكيك خلية تجسسية إيرانية أخرى، في إحدى الحسينيات في منطقة بنيد القار، وتم إلقاء القبض على أكبر تشكيل جاسوسي عرفته الكويت، عدد أعضائه 39 من ضباط الحرس الثوري الإيراني، و58 آخرون من رتب مختلفة، كما تم ضبط أجهزة تنصت وتجسس عالية الجودة، مع أجهزة كمبيوتر محمولة (لاب توب) للتواصل مع الاستخبارات الإيرانية، وعدد كبير من الأسلحة والقنابل العنقودية في السرداب الملحق بالحسينية.
وقد قامت إيران بعمليات تجسس بحري، الذي يشكل أحد صور التهديدات الإيرانية وأعمالها التجسسية في الدول الخليجية، ويعد التجسس البحري أحد وسائلها إذ ضبطت أجهزة لاسلكية على متن قوارب إيرانية، يمكنها اختراق الاتصالات العسكرية اللاسلكية، وتسجيل تفاصيلها.
وتعد خلية التجسس التي كشف عنها في عام 2010م بالإضافة إلى خلية العبدلي هما أبرز عمليات التجسس الإيراني ضد دولة الكويت، وقد اكتشفت قوات الأمن الكويتية في 2011 شبكة تجسس للتخابر مع إيران، بحيث أكدت تحريات مباحث أمن الدولة الكويتية المرفوعة إلى النيابة العامة أن متهمين سبعة وآخرين يقومون باتصالات مع السفارة الإيرانية في الكويت عن طريق أحد الدبلوماسيين فيها، ونقلوا العديد من الأخبار عن الكويت وجيشها إلى ذلك الدبلوماسي، مما أصاب العلاقات بين البلدين بالتوتر، وقد كشف عن ارتباط هذه الخلية بشكل مباشر بإيران وتحديداً بالحرس الثوري الإيراني، وصدرت أحكام تصل إلى حد الإعدام، كما طرد ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين، وتم استدعاء السفير الكويتي في إيران للتشاور، واستدعاء القائم بالأعمال الإيرانية محمد شهابي، وإبلاغه احتجاج الكويت ورفضها.
هذه الاختراقات الإيرانية المتكررة لأمن وسلامة الكويت والتي أوحى بعضها بتغلغل النفوذ الإيراني أوجدت رفضاً شعبياً قوياً داخل المجتمع الكويتي لتدخلات إيران في الكويت والمنطقة بشكل عام، حتى أن القليل من النخب الكويتية التي كانت ترى إمكانية حدوث حد أدنى من التفاهم بين دول الخليج العربي وإيران، أصبحت الآن بعد أن رأت أنياب إيران تغرز في جسد العراق وسوريا واليمن وتسعى لتقويض الأمن في دول الخليج أدركت تماماً أن إيران أصبحت عدواً ويجب التصدي لأطماعها بكل الحزم.
وعلى نفس مسار الحكومة الكويتية جاء موقف البرلمان الكويتي الرافض لتدخلات إيران وانتهاكها لسيادة دولة الكويت، وقد عبر نوابه عن يقظة تامة في الدفاع عن أمن وسلامة بلادهم، وغيرة وطنية في الدفاع عن وطنهم مع الحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع الكويتي بجميع طوائفه ضد الأطماع الإيرانية.
الموقف الذي اتخذته حكومة الكويت بتخفيض عدد الديبلوماسيين الإيرانيين على أراضيها وغلق الملحقية الثقافية والملحقية العسكرية، يدعو مجلس التعاون الخليجي باتخاذ موقف موحد ضد التدخلات الإيرانية والسعي لإصدار إدانة دولية لتلك الاعتداءات، والعمل على اتخاذ إجراءات عقابية ضدها.