أقر مجلس النواب الأمريكي مساء يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يوليو مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات جديدة على كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، وقد صوت لصالح المشروع 419 نائباً مقابل اعتراض 3 نواب، وكان مجلس الشيوخ قد صوت قبل شهر تقريباً لصالح هذا المشروع بغالبية 98 صوتا مقابل صوتين، مع اختلافات بسيطة، وهذا المشروع حسب العادة يجب أن يمرّ من خلال المرحلتين القانونيتين التاليتين في أمريكا، أي العودة إلى مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس، دون أي معوقات.
ثقب العقوبات الأسود
نتطرق هنا فقط إلى الحالة الإيرانية، ما هو جدير بالاهتمام في هذا المشروع، ويمكن أن يعود بتبعات ثقيلة على السياسة والاقتصاد الإيراني في حال تبديله إلى قانون، هو كيفية التعامل مع الحرس الثوري الإيراني والمجموعة التابعة له على الساحة الاقتصادية.
يصف هذا المشروع فيلق القدس التابع للحرس الثوري على أنه الذراع الأصلية للحكومة الإيرانية في تنفيذ سياساتها في دعم الإرهاب والجماعات المتمرّدة، ويضيف:” الحرس الثوري الإيراني، وليس فقط فيلق القدس، مسؤول عن تنفيذ برنامج النشاطات المسببة لعدم الاستقرار، ودعم إجراءات الإرهاب الدولي وبرنامج الصواريخ البالستية الإيراني”.
إذا بقيت هذه العبارات على ما هي عليه حتى النهاية، وحتى تبديل المشروع إلى قانون، فإن الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس سيُعتبران عملياً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، على الرغم من أن اسميهما لا يشاهدان ضمن قائمة المنظمات الإرهابية حسب المعايير التي تراها أمريكا.
هذا التطوّر الكبير والذي سيوجد قضايا معقدة للغاية على الصعيد الداخلي لإيران وعلى صعيد علاقاتها الخارجية لم يُغفله مسؤولو الحرس رفيعي الدرجة والإعلام المقرب منهم، فقبل بضعة أيام حذّر محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري من هذا التوجّه، وأنه في حال قامت واشنطن بفرض عقوبات على الحرس “يجب حينها على أمريكا أن تسحب قواعدها الإقليمية الموجودة ضمن مسافة 1000 كيلومتر من إيران”.
وذهبت صحيفة “كيهان”، التي تُنشر في طهران، إلى أبعد من ذلك في تقييمها للمخاطر المحتملة لوضع الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية، ووصفت هذا المشروع في عددها الصادر يوم الأربعاء 26 يوليو بـ “ثقب العقوبات الأسود”. حول أسباب اختيارها لهذا المصطلح تقول كيهان:
” الثقب الأسود هو الشيء الذي يجذب جميع الأشياء القريبة منه ويبتلعها، وهذا ما يمكن أن يوصَفَ به الوضع بالنسبة للمشروع المذكور، ففي حال وضع الحرس على قائمة المنظمات الإرهابية، وبالنظر إلى أن الحرس مؤسسة رسمية وله علاقات منظمة مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، فهذا سيؤدي إلى انضمام جزء كبير من النظام سواء الحكومة أو غيرها من السلطات والمؤسسات إلى قائمة العقوبات، وهذا الأمر يعمل مثل ثقب أسود، وستُفرض عقوبات على عدد كبير من المؤسسات التي لا يمكن حتى توقّعها، حتى يمكن أن يعود البنك المركزي الذي خرج من دائرة العقوبات بعد توقيع الاتفاق النووي إلى قائمة العقوبات ثانية”.
ضرورة “العقوبات الذاتية”
الشركات الأجنبية التي تقدم إلى إيران من أجل الاستثمار يمكنها بصعوبة أن تبقى في أمان بعيداً عن الاتّصال مع الشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري، وفي الوقت الحالي هناك عدد كبير من هذه المؤسسات والشركات تخضع للعقوبات الأمريكية، وهذا أحد أسباب الحذر الشديد التي تبديه المؤسسات المالية الأوروبية في علاقتها مع إيران.
نعلم أن أياً من البنوك الأوروبية الكبرى لم يشارك في تأمين الموارد المالية للاستثمار في إيران، والسبب أنها لا تريد بأي شكل من الأشكال أن تنجرّ للتعامل مع الشركات التي طالتها العقوبات، والآن إذا تقرّر أن يعتبر الحرس الثوري منظمة إرهابية فعلاقة الأوروبيين مع إيران بطبيعة الحال سوف تنحو منحى أكثر حذراً.
في مساء يوم الثلاثاء، وبعد إقرار مشروع قانون العقوبات من جانب مجلس النواب الأمريكي، نُشرت مباشرة في وسائل الإعلام الفرنسي قائمة بأسماء الشركات الفرنسية التي يمكن أن تواجه موجة جديدة من الصعوبات في إيران، ويمكن من بينها مشاهدة أسماء شركات مثل سيتروين وبيجو ورينو لصناعة السيارات، وشركة ألستوم للنقل بالسكك الحديدية، وبوينغ ومطارات باريس التي تعمل في مجال البناء والبنى التحتية للمطارات، وشركة فينسي للبناء، وشركة إيرباص لصناعة الطائرات، وغيرها.
إذا أُدرج الحرس الثوري رسمياً على قائمة المنظمات الإرهابية، أو وُصف في مشروع العقوبات الأمريكية على أنه الذراع الإيرانية لتنفيذ العمليات الإرهابية، فإن البنوك الإيرانية ستكون مُجبرة على قطع علاقاتها مع المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالحرس، وصحيفة “كيهان” ليست مخطئة في هذا الأمر عندما كتبت تقول أن أحد أهداف مشروع العقوبات هو تقوية ظاهرة “العقوبات الذاتية” داخل إيران:” أي أن أمريكا تريد إضعاف علاقات المؤسسات الداخلية، مثل المؤسسات المصرفية مع الحرس من خلال إيجاد أجواء من الخوف حول المؤسسات الثورية كالحرس الثوري”.
“العقوبات الذاتية” التي أشارت إليها صحيفة كيهان حدثت من قبل، فإذا كانت البنوك الإيرانية ترغب بتنظيم شؤونها، وحلّ مشاكلها بخصوص العلاقات مع البنوك الأجنبية، فهي مجبورة على تطبيق القوانين الدولية المتعلقة بالقطاع المصرفيّ، ومن ضمنها محاربة غسيل الأموال وتأمين الإرهاب مالياً، ولهذا السبب قام كلّ من بنك “سبه” و “ملت” بمقاطعة “مقر خاتم الأنبياء”، لكن في ما لو وضع الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية فهل ستتمكن البنوك الإيرانية من الحفاظ على علاقاتها مع هذه المؤسسة؟ وإذا فعلت ذلك، هل ستتمكن من التعامل مع بنوك العالم المهمّة؟
ما قيل حتى الآن يجرّ موضوع مصير “الاتفاق النووي” الذي مضى على توقيعه حتى اليوم ما يقارب عامين، والتساؤلات التي تُطرح اليوم، حول هذا الاتفاق الدولي الذي أنهى الأزمة المتعلقة بالملف النووي الإيراني، هي: ألا يحوّل تشديد العقوبات غير النووية، من قبيل مشروع العقوبات الذي أقرّه مجلس النواب الأمريكي يوم الثلاثاء، الاتفاق النووي إلى كائن مشوّه؟ أليست إيران في حالة عودة إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي؟
الجواب على التساؤل الأخير هو كلا، فسبب نجاح العقوبات المفروضة على إيران هو التقارب الشديد الذي حصل بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا في تطبيقها، وفي الوقت الحالي ليس هناك وجود لمثل هذا التقارب، فالأوروبيون، على العكس من الأمريكيين، ملتزمون بالاتفاق النووي، ويرحبون بعودة إيران إلى المجتمع الدولي، وهم على العكس من أمريكا لا يعتبرون إيران قائدة الإرهابيين في العالم، وهم ينظمون علاقاتهم مع إيران على أساس التفريق بين التيار الإصلاحي والتيارات الشمولية.
في مثل هذه الظروف تخلت واشنطن عن نظرية الإلقاء بالاتفاق النووي بعيداً وتمزيقه التي كانت محط اهتمام دونالد ترمب ورفقاؤه في وقت ما، وبدلاً من ذلك تطرح أمريكا قضية عدم التزام إيران بـ “جوهر الاتفاق النووي”، ودليلها على ذلك هو أن إيران بعد توقيع الاتفاق مازالت مستمرة في سياساتها السابقة ضد مصالح الغرب في المناطق المحيطة بها.
في الحقيقة يعلم البيت الأبيض أن أعضاء الاتحاد الأوروبي المهمين ليسوا على استعداد للتشكيك بالاتفاق النووي، لكنهم يحتجون على دور إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، الأمر الذي بإمكانه أن يكون حجر الأساس في عودة تقاربهم مع أمريكا ضد سياسات إيران الإقليمية، وهو الهدف من وراء توجيه ضربة للحرس الثوري وإضعافه.
مادة مترجمة عن إذاعة “فردا”
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز