واجه محمد خاتمي، الشخصيَّة الأولى في معسكر الإصلاحيين في إيران، حكمًا من قِبَل مدَّعي عامّ المحكمة الخاصَّة برجال الدين إبراهيم رئيسي، يقضي بفرض قيود جديدة عليه ابتداء من 23 سبتمبر الماضي، ويمكن فهم هذا الحكم في الظاهر على أنه جاء بعد الضوضاء التي أثارها السلطويون بسبب جلوس رئيس البرلمان علي لاريجاني ورئيس هيئة الإذاعة والتليفزيون علي عسكري، إلى جانب محمد خاتمي خلال أحد مراسم العزاء.
للوهلة الأولى يبدو أن الشموليين يسعون، من خلال تجاهل أساس القضية، والحيلولة دون لقاء الشخصيات الحقيقية والاعتبارية بمحمد خاتمي، إلى تقليص حجم شعبية ومكانة خاتمي السياسية والاجتماعية وتهميشها على حدّ زعمهم، وإرسال رسالة إلى القاعدة الاجتماعية الداعمة لنواة القدرة الأساسية مفادها أنهم ما زالوا يتمتعون بالقدرة التي تمكِّنهم من القمع والسيطرة على الأمور.
من زاوية أخرى، لا يُعتبر ما حدث غريبًا وخارجًا عن خطّ وتوجّه اليمين المتطرّف، فماهية التيَّار المذكور تقوم على الشمولية والتسلّط، ولا يعرف معنى الصلح والتعاطف، إن فرض اليمين المتطرّف القيود المشددة بهذا الشكل على محمد خاتمي كان أمرًا متوقَّعًا، وهو نتيجة للنظرة القمعية لديهم.
لكن القضية لا تنحصر في هذين المستويين، فهناك ما يكمن وراء ردود أفعال الشموليين على الصور التي أظهرت خاتمي وإلى جانبه علي لاريجاني، ومحاولة تحجيم وزن خاتمي ومكانته السياسية، فبالإضافة إلى أنها انتقام من خاتمي بسبب دوره المؤثّر في انتخابات مايو الماضي الرئاسية فإنهم يريدون إيصال رسالة إلى الإصلاحيين مفادها أنهم ما زالوا يسيطرون على ميدان السياسة.
يريد اليمين المتطرف من إصدار أحكام على سبعة من النشطاء الإصلاحيين وفرض قيود جديدة على خاتمي أن يحذّر الإصلاحيين من أن لا يكونوا متفائلين حول التنمية السياسية خلال حكومة روحاني الثانية، بل هو تنبيه جادّ حول نيّتهم تقييد الإصلاحيين داخل المجتمع المدني والحيلولة دون نشاطهم المتزايد خلال مرحلة استقرار حكومة روحاني الثانية، وعلى مستوى آخر، فاليمين المتطرف، من خلال إجراءاته المؤذية وتهديداته الأخيرة، سيُجبر الإصلاحيين والمعتدلين على تخفيض سقف مطالبهم.
في الوقت الذي تنتشر فيه بعض الأخبار التي تفيد بالتغيير التدريجي على أوضاع قادة الحركة الخضراء، وفي حين أن البعض يبذل الجهود لتخفيض القيود المفروضة على مير حسين موسوي ومهدي كروبي وزهرا رهنورد (قادة الحركة الخضراء المقيمين قيد الإقامة الجبرية)، فجأة يجد الإصلاحيون أنفسهم مُجبَرين على حل قضية فرض الإقامة الجبرية غير الرسميّ على محمد خاتمي، في حين كان من المتوقّع أن يُلغَى حُكم الحظر الإعلامي الصادر بحق الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في زمن حكومة روحاني الثانية.
بعبارة أخرى، وكغيرها من الحالات، فإن غرف الفكر لليمين المتطرف تنشط في التخطيط من أجل بسط سيطرة ونجاح الشمولية، وتقوم بتنفيذ هذه المخططات مستخدمة قدراتها المؤسَّسية.
يحدث هذا في حين أن الطرف الآخر، معسكر الإصلاحيين، يأمل إلى حدّ ما في استقرار حكومة الاعتدال، وفرِحٌ بالنجاحات التي حقَّقها في انتخابات مجالس المدن، ويفكّر في نفس الوقت بتكتيكات الانتخابات ومراحلها الحساسة، كما أن جزءًا لا يُستهان به من النشطاء الموالين لهذا المعسكر قد اندمجوا في مؤسَّسات الدولة والسُّلْطة التنفيذية أو البلديات، وما يبدو أنه مفقود هنا هو العمل في المجتمع المدني.
بالإضافة إلى ما ذُكر فإن اليمين المتطرف، من خلال إجرائه الأخير، سيسبِّب موجة جديدة من اليأس حول مدى نجاح حكومة روحاني، في حين أن جزءًا لا بأس به من الذين صوَّتوا لروحاني مستاؤون ويشعرون باليأس بسبب تجاهله للنساء ولأهل السُّنَّة والشباب، وفشله في إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على قادة الحركة الخضراء، والآن يُستهدف خاتمي كذلك.
إذا لم يواجَه هذا الوضع بردود أفعال جادَّة من روحاني ونائبه الأول جهانغيري، وحكومة الاعتدال وكتلة “أميد” الإصلاحية في البرلمان، فسيزداد سلبية، أمَّا أول ردّ فعل للرئيس روحاني (في خطابه خلال مراسم بداية العام الدراسي الجديد للجامعات الذي ألقاه في جامعة طهران) فلم يكُن مُؤمِّلًا، فقد تجنّب روحاني حتى الإتيان على ذكر اسم خاتمي.
إذا لم يتَّخذ رئيس السُّلْطة التنفيذية إجراءً جادًّا وفوريًّا بهذا الخصوص، فإن هدف اليمين المتطرف (زيادة التراجع في أصوات القاعدة الاجتماعية الداعمة لحكومة الاعتدال) سيتحقق بشكل أكبر، وهذا الوضع سيعود على السُّلْطة التنفيذية بتبعات مريرة داخل البنية السياسية، وسيزعزع مكانتها أكثر من ذي قبل في ظلّ الظروف الخاصَّة لمرحلة ما بعد الاتِّفاق النووي.
لكن وراء هذا كلّه، في باعتقادي، يجب تقييم الإجراء الأخير، بخصوص فرض قيود جديدة على محمد خاتمي، ضمن مستوى أهمّ، أي المستوى الذي تحدث فيه المنافسات والنزاعات الجادَّة بين التيَّارات الأساسية داخل البنية السياسية للسُّلْطة، ويبدو أن التحدِّي المذكور يرتبط بمستقبل إيران أكثر مما يرتبط بحاضرها، تحدٍّ يرتبط ارتباطًا وثيقًا باليوم الذي سيلي موت القائد الثاني لإيران علي خامنئي.
إن موضوعات من قَبِيل طرح قضية تغيير النِّظام من رئاسي إلى برلماني، وتَصدُّر إبراهيم رئيسي الدائم لأخبار الوكالات الأمنية، والدّعاية الواسعة لرئيس السُّلْطة القضائيَّة، ومواقف الحرس الثوري المتشددة، وانتقاد علي لاريجاني (رئيس البرلمان) بشدة من منابر اليمين المتطرّف، وإصدار الأحكام بحق سبعة من الإصلاحيين، وتشكيل الملفات القضائيَّة بذريعة مواجهة الفساد الاقتصادي، وفرض قيود جديدة على خاتمي وغيرها، بالإضافة إلى مدلولها الواضح والخاصّ، تستدعي التأمّل في ظلّ النزاعات المذكورة سابقًا.
بعبارة أخرى، قد تكون الأحداث المذكورة فوهات بركان يُستدلّ من خلالها على حالة الغليان والأفعال والانفعالات الجارية على نطاق واسع ومهمّ للغاية في مخازن النِّظام والبنية السياسية للسُّلْطة.
إذا لم يُقدِم الحريصون على الديمقراطية وفاعلو المجتمع المدني على خطوة تتجاوز الصبر غير المجدي أو ردود الأفعال المنتقدة على الشبكات الاجتماعية في زمن القمع والتخويف، وإذا لم يفكّروا في حلّ جادّ للمرحلة الحساسة المقبلة، فسوف يصبح اليمين المتطرف أكثر جرأة على زيادة حالة الانسداد والقمع السياسي في المرحلة الحالية لتحقيق مبتغاه.
مادة مترجمة عن موقع زيتون
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز