صدر عن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانيَّة كتاب “الفقيه والدين والسُّلْطة: جدلية الفكر السياسي الشيعي بين المرجعيتين العربية والإيرانيَّة”، للدكتور محمد بن صقر السلمي، والباحث محمد الصياد.
يتناول الكتاب العلاقة المعقدة والمتشابكة بين المرجعيتين العربية والإيرانيَّة، ويسعى لتفكيكها، ويركز على واقع الفقه السياسي الشيعي قبل ظهور الخميني، وكيف تمّ تحويره لصالح القراءة الخمينية التي انتبذت الميراث الشيعي والموروثات الحوزوية المستقرة، ورسخت للقراءة الخمينية عبر مأسستها في بنية النِّظام السياسي، ثم عبر تأميمها للحوزة الدينية المستقلة تاريخيًّا. ويتناول الكتاب بالشرح والتفكيك كيف رسَّخ الخميني نظرية “الفقيه السلطان والسلطان الفقيه” وأنهى ثنائية “الفقيه والسلطان” التي رسَّخها الكركي من قبل، ومدى تأثير نظرية الخميني المُحْدَثة على خريطة الفكر السياسي الشيعي برمته، وعلى صُلب الدرس الفقهي وصناعة الاستنباط داخل الحوزة.
كذلك يعتني الكتاب بالتأسيسيات الفلسفية والأصولية والفقهية التي انطلق منها الخمينيّ في مشروعه الفكري، ومدى تلائم هذا المشروع مع الميراث الحوزوي الشيعي عمومًا قبل ظهور الخميني. ولم يقف الكتابُ كثيرًا عند الظواهر والأحداث السياسية التي تنتهي بانتهاء التفاعلات السياسية بطبيعة الحال، لكنه ركَّز أكثر على المنطلقات والمرتكزات الفكرية والفلسفية (الآيديولوجيا)، لأنها المحرِّك الرئيسي للسياسة الإيرانيَّة في دولة الوليّ الفقيه.
ويبيِّن الكتاب موقع الخمينيّ في الحوزة الشيعية قبل الثورة، ومكانته التراتبية في هرم الحوزة، وكيف انقلب هذا الهرم بعد نجاح الثورة فتغيرت خارطة الحوزة حتى اليوم، ونشأ صراع قم والنجف الذي لم يكُن موجودًا من قبل لعدم اعتراف النجف والمرجعية العربية عمومًا بهذا الانقلاب على المستقرات الحوزوية وبديهيات التراتبية الهرمية، ناهيك بالمتغيرات الطارئة على منظومة الدرس الفقهي والفلسفي التي أدخلها الخميني.
وأخيرًا يتناول الكتاب مستقبل العلاقات بين حوزتي قم والنجف أو الحوزتين الإيرانيَّة والعربيَّة، لا سيَّما في ظلّ تدخُّل قم المستمرّ لتدجين النجف وضمّها تحت ظلالها، بفعل القوتين السياسيتين الخشنة والناعمة للنظام الإيرانيّ، ويعد هذا الكتاب الأول من نوعه في دراسة جدلية الفكر السياسي الشيعي بين المرجعيتين العربية والإيرانية.