ادّعى رئيس إيران السابق محمود أحمدي نجاد، خلال الحوار الذي نُشر الثلاثاء الماضي عبر موقع “دولت بهار”، أنه حينما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي العقوبات ضدّ إيران خارج منظَّمة الأمم المتحدة، (أعلن) هو ومن معه أن العقوبات خطيرة للغاية. أحمدي نجاد خلال هذا الحوار أيضًا اتهم البرلمان والسلطة القضائية والإذاعة والتليفزيون وديوان المحاسبات وسياسيين، بالتعاون مع الغرب في هذا الجانب، واعتبر ملف اختلاس 3 آلاف مليار تومان، والتصدي لمساعد البنك المركزي، وصدمة العملات في صيف 2011، واستجواب رئيس الجمهورية، وملف فساد محمد رضا رحيمي، والسيطرة على السفارة البريطانية، مجرَّد “اختلافات داخلية”!
وقال في جزء آخر من الحوار في ما يتعلق بتعامله مع العقوبات الأمريكية والأوربية: “أعددنا 5-6 مشروعات قوانين، لنتمكن من إحباط العقوبات، ونخفض آثارها السلبية، وحين جئنا لننفِّذ قالوا لنا لن ندعمكم، نفس رؤساء البرلمان لم يدعمونا، فقلنا لهم إن صلاحيات الحكومة تخصُّكم، فعليكم اتخاذ القرار، ونحن سندعمكم، وأي عمل تأمرون به فسنقوم به، قالوا لا، قلنا دعونا نقُم بعملنا إذًا، فرفضوا مرةً أخرى”.
وأعلن أيضًا في الحوار ذاته عن مشاوراته مع المرشد علي خامنئي في هذا الجانب بقوله: “ذهبنا وعِدَّة أشخاص أولًا عند المرشد، واتضح أن القائد يعي أن هذه العقوبات يجب أن تُؤخذ بجِدّ، وأخبرنا بضرورة أن ننقل ذلك إلى الخبراء و(صيانة الدستور) والبرلمان وإلى العلماء، وأن نقوم بتوجيهاتهم أيضًا”. إلا أن أوامره كانت بلا جدوى، مشيرًا إلى ذلك بقوله: “قلنا للجميع إن المرشد يفرق بين هذه العقوبات وعقوبات الأمم المتحدة… عقوبات البنك المركزي والنفط ليست مزحة أخرى… كانوا يسخرون، كانوا يقولون لا، إنهم يرغبون في منح كأس السم للسيد، ثم يرون بعد ذلك ماذا يفعلون”.
وبناء على ما ورد في حواره مع موقع “دولت بهار” فيبدو أن مقصده من “أعلنَّا”، أنه خلال المفاوضات والتقارير السرية إلى قادة النظام ومؤسَّسات اتخاذ القرار كانوا قد أشاروا إلى خطورة العقوبات، ولكن لم يأخذ أحد كلامهم على محمل الجد، وعلى أساس هذا الحوار فمن الممكن القول إن المقصِّر الرئيسي في عدم قبول استدلالات أحمدي نجاد كان شخص خامنئي، الذي يتمتَّع بالقوة والسلطة الكافية لإقناع المؤسسات كافة، إلا أنه لم يهتم، بل سمح بأن يسير معارضو أحمدي نجاد في مخططاتهم المهمَّة والمعادية للحكومة آنذاك، ويُضعِفوها بشدة أمام العقوبات!
إن ادِّعاء نجاد عدم الاهتمام بالعقوبات لا يمكن أن يكون صحيحًا، إذ هيأ انحناء وسط الاقتصاد الإيراني آنذاك تحت وطأة العقوبات للمفاوضات السرية بين إيران وأمريكا عام 2012، لذلك فمن المحتمَل أن يكون مقصد نجاد هو أن خامنئي والمؤسَّسات كافة أخذت العقوبات بجدية في وقت متأخر للغاية. لكن كيف؟ للتوصل إلى الإجابة يتعين علينا البحث في مواقف نجاد تلك الفترة، فعلى سبيل المثال قال في اجتماع المساجد في أغسطس 2010، إن “إيران تسعى للاستفادة من فرصة العقوبات كفرصةٍ لعالمية المنتجات الإيرانية، وقرَّرنا الاستفادة من نفس هذه العقوبات لتأسيس نظام جديد في الاقتصاد الإيراني”، أي يوجهون ضربة إلى العدو من نفس الطريق، بحيث يسقط العدو! إلا أن نجاد لم يحدد مخططه للنظام العالَمي الجديد، وإن كان قال قبل اجتماع المساجد: “إن عقوبات إيران بمثابة إنهاء سيطرة الدولار على العالَم”.
في نفس تلك الأجواء قال خلال حوار مع قناة “إن بي سي” في 16 سبتمبر 2010: “حتى إذا زادت الولايات المتحدة العقوبات ضدّ إيران، وضاعفتها 100 ضعف، وحتى إذا انضمَّت أوربا إلى أمريكا في فرض عقوبات أشد، فنحن هنا في إيران نصنع احتياجاتنا بأنفسنا”.
أحمدي نجاد أيضًا في مؤتمر تأبين شهداء المرأة في 27 سبتمبر 2010 قال: “الغرب يعلمون أن لا أثر للعقوبات، ولكن بعض من في الداخل يهلِّل بأن العقوبات خطيرة، ليخلق صدمات في المجتمع. إنهم يُصِرُّون على أن يقولوا إن للعقوبات أثرًا”. في الواقع لم يكُن نجاد خلال هذه الفترة موهومًا فقط، بل كان أيضًا يتَّهم الآخرين بإيجاد الاضطرابات النفسية بسبب فهمهم الصحيح.
بجانب ما سبق ردّ أحمدي نجاد خلال مؤتمر صحفي في إسطنبول في 24 ديسمبر 2010، على سؤال صحفي أجنبي حول تأثير العقوبات بقوله: “العقوبات؟ إنها لم تبقَ من الأساس؟”، زاعمًا أيضًا في ديسمبر 2011 أنه “لا تأثير لعقوبات إيران”، وفي 2012: “يجب أن نرى العقوبات فرصة، وأن نستفيد من النفط كسلاح للعقوبات من أجل الخروج الدائم من قبضة العدو”، وكذلك في 2012 خلال حوار مع فريد زكريا مع قناة “سي إن إن” قال: “العقوبات التي كانوا يدّعون أنها شالّة، أخلّت فقط بـ10% من الاقتصاد الإيراني المرتبط بالتجارة الخارجية”، مضيفًا: “وبعد 5 سنوات على العقوبات ضدّ إيران، يتداعى حاليًّا اقتصاد الاتحاد الأوربي، ولكن اقتصاد إيران يسير على النموّ والتأسيس”.
من الممكن أن يدّعي داعمو أحمدي نجاد أن هذه التصريحات جاءت تحت إطار الحرب النفسية، وأن المصلحة كانت تقضي أن يطرح مثل هذه الخطابات في المجامع العامة، بخاصة لدى الإعلام الغربي، حتى لا يُعتبر فشلًا لإيران! -بالمناسبة أغلب هذه الخطابات لم تكن في المجاميع الدولية- ولكن على أي حال فالواضح جدًّا أنه طوال تلك السنوات الأربعة نفسها التي كانت أمريكا وأوروبا تهيِّئان وتُعمِلان عقوبات أحادية ضدّ إيران، كان رئيس إيران آنذاك يكذب بشأن تأثير العقوبات.
في تلك الفترة لم يكُن هناك مجرد كذب، بل كانت هناك أيضًا حسابات خاطئة، ونموذج ذلك ما أعلنه كلٌّ من محمود بهمني وكمال سيد علي رئيس ومساعد شؤون العملات آنذاك للبنك المركزي، إذ كانوا يقولون بشكل مرتَّب: “إن البنك المركزي لم يُفرض عليه أي عقوبات”، ولكن ما حدث علميًّا هو العكس.
نموذج آخر للحسابات الخاطئة كان بشأن سعر النفط، ففي عام 2011 صرّح وزير النفط آنذاك رستم قاسمي، في حوار مع مجلة “آسمان”، قائًلا: “عقوبات النفط الإيراني ستجعل سعر النفط 200 دولار على الأقل”. هذه التصريحات لم تتحقق قط، فسعر النفط سقط بعد 3 سنوات من عقوبات إيران النفطية إلى 50 دولارًا، وأقل من ذلك.
لم يحدِّد أحمدي نجاد في حواره هل مخطَّطات مكافحة العقوبات التي يتحدث عنها أُعِدَّت وَفْقًا لحسابات خبراء نفس المسؤولين، أم تَلقَّاها من مصدر خاصّ؟ ولربما إذا أعلن ذات يوم عن ماهية تلك المخططات الخمسة أو الستة الموجهة ضدّ العقوبات الخاصة به، فمن الممكن بشكل أفضل كشف عمق توهمه وكذبه هو ومن معه من حكومته.
مادة مترجمة عن موقع إيران واير
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز