اكتسبت القمة العربية الإسلامية الطارئة، التي استضافتها الدوحة مؤخرًا أهمية استثنائية؛ إذ جمعت تحت مظلتها جامعة «الدول العربية» ومنظمة «التعاون الإسلامي» في اجتماع عاجل أعقب الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية. يُمثل هذا العدوان الإسرائيلي على الدوحة نقطة تحول غير مسبوقة، تُنذر بتداعيات خطيرة وبعيدة المدى على أمن المنطقة. وقد عكست سُرعة استجابة قادة العالمين العربي والإسلامي لعقد القمة حجم الخطر الداهم والإجماع الواسع على ضرورة صياغة موقف موحّد حيال التصعيد الإسرائيلي، مؤكدةً بذلك محورية دورها في مواجهة التحديات الإقليمية الجديدة.
في 09 سبتمبر 2025م، شنّت إسرائيل غارة جوية، استهدفت قيادات من حركة «حماس» في الدوحة، أسفرت عن مقتل خمسة من أعضاء الحركة وضابط أمن قطري. أثار الهجوم موجة إدانات دولية واسعة بوصفه «انتهاكًا صارخًا» لسيادة قطر وتصعيدًا خطيرًا للتوترات الإقليمية، لاسيّما أنه جاء في خضم مفاوضات لوقف إطلاق النار؛ مما عُدّ تقويضًا مباشرًا لمحاولات التهدئة. قطر، الحليف الرئيس غير العضو في حلف «الناتو» للولايات المتحدة، وصفت الهجوم بأنه «إرهاب دولة»، واتهمت إسرائيل بتعمّد إفشال مُحادثات السلام وتبادل الأسرى الجارية. وردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مُهدّدًا بأن على قطر طرد أو محاكمة مسؤولي «حماس»، وإلا فستواجه «عواقب أخرى». وتُشير التقارير إلى أن سياسات نتنياهو عمّقت الخلافات بين حكومته والمؤسسة العسكرية، وأثارت انتقادات داخلية واسعة، فضلًا عن تململ حلفاء إسرائيل التقليديين.
وقد أعرب قادة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي عن تضامنهم الكامل مع قطر، وندّدوا بالهجوم باعتباره جزءًا من العدوان الإسرائيلي الأوسع في المنطقة. وكان البيان الختامي للقمة حاسمًا، حيث أكد على ما يلي:
- – دعم قيام الدولة الفلسطينية، ورفض التوسع الاستيطاني، والتهجير القسري.
- -التحذير من التهديدات الإسرائيلية المستمرة لأمن المنطقة واستقرارها.
- -التشديد على أن الاعتداء على قطر، لجهودها الإنسانية والوساطة، يُمثّل تصعيدًا خطيرًا يقوّض جهود السلام والوساطة الدولية.
كما رحّب البيان بإدانة مجلس الأمن الدولي للهجوم باعتباره «انتهاكًا للسلم والأمن الدوليين»، ودعا إلى فرض عقوبات على إسرائيل ومساءلتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة. وأعاد البيان التأكيد على «الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة»، القائمة على الأمن الجماعي والوحدة واحترام القانون الدولي والسيادة الوطنية، ورفض استخدام القوة أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
كما أكد البيان أن إسرائيل بأفعالها هذه تقوض السلام والاستقرار في المنطقة، مُشددًا على ضرورة تفعيل الأُطر الأمنية المشتركة على وجه السرعة. وعقب القمة، عقد وزراء الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعًا حاسمًا في الدوحة، جرى خلاله الاتفاق على تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية، وتسريع تنفيذ نظام إقليمي جديد للإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية، إلى جانب الإعلان عن خطط لمناورات عسكرية مُشتركة قادمة. وقد عكست هذه الخطوات اتجاهًا متصاعدًا نحو ترسيخ منظومة أمن جماعي عربي-إسلامي، تعبيرًا عن القلق العميق إزاء الوضع الراهن، وتداعياته المحتملة على استقرار المنطقة.
وفي كلمته خلال القمة، عبر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن استنكاره الشديد، قائلًا: «يستحيل التعامل مع هذا القدر من الخبث والغدر… من يعمل على نحو مُثابر ومنهجي لاغتيال الطرف الذي يفاوضه، يقصد إفشال المفاوضات. وحين يدعي أن هدفه منها هو تحرير محتجزيه، فهذا يعني أن ادعاءه كاذب». من جهته، دعا الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، الولايات المتحدة إلى استخدام نفوذها، قائلًا: «نتوقع من شركائنا الإستراتيجيين في أمريكا أن يستخدموا نفوذهم على إسرائيل لوقف هذا السلوك». أما رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، فحذّر من أن بيانات الشجب المتكررة فقدت معناها، ودعا إلى إجراءات ملموسة وحازمة مثل قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وفرض عقوبات لمحاسبة إسرائيل على أفعالها. وقد عبّرت كلمات القادة من مختلف أنحاء العالمين العربي والإسلامي عن غضب جماعي، وقلق عميق إزاء التطورات الأخيرة.
شكّل الهجوم الإسرائيلي على الدوحة وما أعقبه من قمة طارئة، نقطة تحوّل في مسار التعاون الأمني الإقليمي. فقد رأت غالبية الدول في هذه الخطوة تصعيدًا خطيرًا سيؤثر مباشرة على مسار جهود «التطبيع» في المنطقة، ويزيد من الضغوط للرد على التهديدات الإسرائيلية. الدول التي كانت تنظُر بتريّث إلى إمكانية التطبيع بدأت تُعيد تقييم مواقفها، بعد أن باتت ترى في التصرفات الإسرائيلية نمطًا متكررًا من العدوان بلا رادع. وإذا استمر هذا النهج، فإن دور الولايات المتحدة كضامن للأمن الإقليمي سيخضع هو الآخر لإعادة تقييم. فعلى الرغم من مُسارعة واشنطن إلى التواصل مع حلفائها الخليجيين بعد الغارة، فإن القلق الذي أثارته الأحداث الأخيرة دفع القادة الإقليميين إلى إعادة النظر في حساباتهم الأمنية. وعلى المدى المتوسط والبعيد، قد يُعجّل ذلك باتجاه تنويع الشراكات الدفاعية، وتعزيز القدرات الذاتية والجماعية للأمن الإقليمي.
وتواجه دول المنطقة كذلك تحديًا في كيفية استعادة شرعية النظام الدولي الذي فشل، بنظر كثيرين، في مساءلة إسرائيل على انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي. دول كالمملكة العربية السعودية تُسخّر نفوذها الدبلوماسي والسياسي لحشد الضغط الدولي، والدفع نحو قرارات أكثر صرامة في الأمم المتحدة، وإحياء عملية سلام جادة. كما تُتابع دول خارج المنطقة عن كثب ما يجري في الشرق الأوسط؛ إذ إن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والأعراف الدولية يُهدد بتقويض النظام الدولي القائم على القواعد، ويبعث برسالة خطيرة مفادها التساهل مع التصعيد والعنف؛ مما يفتح الباب لاحتمالات نشوب أزمات مماثلة في مناطق أخرى من العالم. وسيُشكّل ردّ العالمين العربي والإسلامي على أفعال إسرائيل سابقة مهمة فيما يتصل بالتعامل الجماعي مع انتهاكات السيادة، وهو ما يمنح هذه القمة أهمية خاصة تتجاوز حدود الشرق الأوسط، إذ تختبر قدرة التضامن الإقليمي على التحوّل إلى ردع فعلي يُعيد الاعتبار للقانون الدولي ويصون احترامه.
وعلى الرغم من الخلافات السياسية والأيديولوجية القديمة، حضرت جميع الدول العربية والإسلامية القمة، واتفقت على إدانة العدوان الإسرائيلي، في موقف نادر من الإجماع، يؤكد أن إسرائيل تجاوزت حدود الاحتمال بالنسبة إلى كثير من الحكومات. وبالنسبة لقطر، التي لعبت طويلًا دور الوسيط، شكّل هذا الدعم الجماعي لحظة حاسمة. أما الدول التي اعتادت الاضطلاع بأدوار وساطة في النزاعات، فستُعيد هي الأخرى حساباتها بعدما أصبحت الوساطة نفسها هدفًا للعدوان. وقد عكست لهجة القمة هذا التحول، إذ وصف الرئيس المصري إسرائيل صراحة بأنها «عدو»، في تطور لافت يُعبّر عن تآكل الثقة وتصاعد النفور الإقليمي.
ولقد بات واضحًا للمجتمع الدولي أن إسرائيل تنتهج سياسة توسعية وهيمنة لا تُهدد الحقوق الفلسطينية فحسب، بل تمس سيادة الدول المجاورة أيضًا. ورغم حرص دول المنطقة على ضبط النفس لتجنّب الانزلاق نحو مواجهة شاملة، فإن القلق يتصاعد من أن تستغل إسرائيل هذا التريّث لصالحها. وهذا يضع الدول الإقليمية أمام معادلة دقيقة: الرد بما يُحقق الردع ويحافظ في الوقت نفسه على الاستقرار، دون الانزلاق إلى صراع أوسع يُهدد السلام الإقليمي والعالمي معًا.
وطُرحت بالفعل مقترحات لاتخاذ خطوات أكثر صرامة، منها احتمال فرض مقاطعة شاملة على إسرائيل، إذا استمرت سياساتها العدوانية. وعكست نبرة القمة ليس فقط الإدانة، بل أيضًا التحذير من أن إسرائيل تسير نحو عُزلة متزايدة، وأنها إن لم تُغيّر نهجها فستجد نفسها منبوذة على المستويين الإقليمي والدولي. هذا الاتجاه الآخذ في التبلور قد يدفع دول المنطقة، بدعم أوروبي مُحتمل، إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل، في ظل تصاعد القلق الدولي من انهيار النظام العالمي القائم على القواعد، نتيجة العدوان الإسرائيلي المتكرر.