الحزمة الثامنة عشر من عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا.. شرح وتحليل

https://rasanah-iiis.org/?p=37931

أصدر الاتحاد الأوروبي الحزمة الثامنة عشر من العقوبات على روسيا، في إطار تكثيف الضغوط على قطاعات اقتصادية روسية رئيسة. وتأتي هذه الخُطوة ردًا على استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهدف إلى تقويض قُدرة روسيا الاقتصادية وتقليص عائداتها النفطية وإضعاف قدراتها الدفاعية وتعطيل شبكاتها للتهرُّب من العقوبات الدولية.

ويلخّص جدول رقم 1 أهم الإجراءات الأوروبية المُتخذة.

(جدول 1: أهم الإجراءات في الحزمة الثامنة عشر)

الإجراءالوصف
تعديل سقف سعر النفطخفَّض الاتحاد الأوروبي سقف سعر النفط الخام الروسي من 60 دولارًا إلى 47.6 دولارًا للبرميل، أي أقل من متوسط السعر العالمي بنسبة 15%. وينطبق القرار على شركات الشحن والتأمين الأوروبية التي تنقل النفط الروسي إلى دول ثالثة.
حظر خَطي الأنابيب «نورد ستريم»فرض حظر كامل على جميع المعاملات المتعلقة بخطي أنابيب الغاز «نورد ستريم 1 و2»، بما يشمل الصيانة والتشغيل والاستخدام المستقبلي.
قيود على «الأسطول الخفي»أُضيفت 105 سفينة جديدة إلى قائمة العقوبات، ليصل العدد الإجمالي إلى 444 سفينة. ويشمل الحظر دخول الموانئ وخدمات النقل البحري. كما شهدت هذه الحزمة لأول مرة إدراج قبطان سفينة وجهة تسجيل إعلام بحرية على قائمة العقوبات.
حظر المنتجات النفطية المكررةحُظر استيراد المنتجات النفطية المكررة المصنّعة من النفط الروسي في دول ثالثة (مثل الهند وتركيا) إلى الاتحاد الأوروبي. ويُستثنى من الحظر كندا والنرويج وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
عقوبات على القطاع الماليفُرض حظر كامل على المعاملات مع 22 بنكًا روسيًا، والصندوق الروسي للاستثمار المباشر والشركات التابعة له. كما استهدفت العقوبات بنوكًا صينية وكيانات أخرى تُسهّل التهرب من العقوبات.
قيود على التصدير ومنع التحايلفُرضت عقوبات جديدة على التقنيات مزدوجة الاستخدام والقطع عالية التقنية والمواد الكيميائية المرتبطة بالتصنيع العسكري. كما شملت قائمة العقوبات 91 كيانًا و14 شخصًا في الصين وهونغ كونغ وتركيا والهند لتورطهم في دعم جهود الحرب الروسية وفي التواطؤ مع شبكات الالتفاف على العقوبات.

وقد يُلحق خفض سقف أسعار النفط من 60 دولارًا إلى 47.6 دولارًا للبرميل ضررًا بالغًا بقدرة روسيا المالية على مواصلة جهودها الحربية، خاصًة أن قطاع النفط والغاز يُشكّل نحو ثلث ميزانية الحكومية الروسية. وكانت عائدات روسيا من النفط والغاز قد تراجعت إلى 750 مليار روبل في عام 2025م، مقارنًة بـ 1750 مليار روبل في عام 2022م (انظر الشكل 1 أدناه). ويعكس هذا الانخفاض الكبير في العائدات فعالية العقوبات السابقة. ومع أن السقف الجديد لأسعار النفط قد يُخفض العائدات أكثر، إلا أنه من غير المُرجح أن يَشلّ آلة الحرب الروسية بالكامل، إذ نجحت روسيا في توجيه صادراتها النفطية إلى أسواق بديلة، مثل الهند والصين. وبناءً عليه، فإن فعالية هذا السقف السعري تعتمد في جوهرها على مدى الالتزام الدولي بتنفيذه خارج نطاق الاتحاد الأوروبي.

الشكل 1: عائدات روسيا من النفط والغاز (أبريل 2022-يناير 2025م)

الإيرادات الفيدرالية الروسية من النفط والغاز

(المصدر: وزارة المالية للاتحاد الروسي CEICDATA.COM)

ويُعد الحظر الكامل على خطي أنابيب «نورد ستريم» إجراءً رمزيًا، إذ أنهما متوقفان عن العمل منذ عام 2022م. وصحيح أن الحظر يُغلق الباب أمام أي احتمال لإعادة تشغيلهما مستقبلًا، إلا أن أثره الفعلي على العمليات الروسية الراهنة محدود. وتكمن قيمته الحقيقية في تأكيد التزام الاتحاد الأوروبي بقطع أي تبعية مُستقبلية للبنية التحتية للطاقة الروسية. كما أُضيفت 105 سفينة إلى قائمة العقوبات، ضمن استهداف ما يُعرف بـ «أسطول الظل» الروسي، ليتجاوز مجموع السفن المحظورة 444 سفينة. ويهدف هذا الإجراء إلى إعاقة قُدرة روسيا على نقل النفط بسرية والتحايل على العقوبات الدولية. وفي تصعيد واضح، أُدرج قبطان سفينة وجهة تسجيل إعلام بحرية على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي لأول مرة. غير أن هذا الاستهداف ما يزال محدودًا، نظرًا لتقديرات تُشير إلى أن «أسطول الظل» الروسي يضم حوالي 1400 سفينة أغلبها غير خاضع للعقوبات. كما أن تطبيق هذا النوع من العقوبات خارج المياه الأوروبية يواجه عقبات كبيرة، مما يؤثر بالسلب على التأثير الكلي للعقوبات.

أما الحظر المتعلق باستيراد المنتجات المكررة المصنّعة من النفط الروسي، فيستهدف ثغرة رئيسة، إذ كانت دول مثل الهند وتركيا تستورد النفط الخام الروسي وتكرّره ثم تصدّر النفط المكرر إلى الاتحاد الأوروبي، بما كان يسمح بدخول النفط الروسي إلى السوق الأوروبية عبر قنوات غير مباشرة. ويُغلق الإجراء الجديد ذلك المنفذ، رغم أن الاستثناءات الممنوحة لدول مثل كندا والنرويج وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، قد تُضعف من فعاليته. وكما أثبتت الإجراءات السابقة، ستظل كفاءة التنفيذ -لا سيما تتبّع منشأ المنتجات النفطية المكررة- عاملًا حاسمًا في تحديد فاعلية إجراء الحظر.

وتشمل حزمة العقوبات قيودًا جديدة على التصدير، فقد وسّع الاتحاد الأوروبي قائمة السلع المحظورة لتشمل التقنيات مزدوجة الاستخدام والقطع عالية التقنية والمواد الكيميائية المرتبطة بالتصنيع العسكري الروسي. ومع ذلك، أظهرت روسيا قُدرة على التكيف مع هذا النوع من الإجراءات، لا سيما بعد تعيين أندريه بيلوسوف -وهو اقتصادي وتكنوقراطي- في منصب وزير الدفاع، إذ تبنّى نهجًا جديدًا يرُكّز على مفهوم «السيادة التقنية»، ويمنح الأولوية للتصنيع المحلي في قطاع الدفاع. ولأن الاستغناء الكامل عن المكونات المستوردة ليس مُمكنًا، فإن دور دول مثل (الصين وإيران وكوريا الشمالية) في تزويد روسيا بالتقنيات يظل محوريًا للحِفاظ على قُدرتها الحربية. وفي المرحلة القادمة، فإن عقوبات ثانوية أمريكية مُرتقبة قد تكون عامل يوقِع تأثيرًا أكبر، إذ يُتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في سبتمبر أو قبله، وفقًا للتقارير. ووجّه الرئيس دونالد ترامب إنذارًا لروسيا يحثها فيه على التعامل بجدية أكبر مع مفاوضات السلام. ولم تُكشف تفاصيل العقوبات الأمريكية حتى الآن، لكن يُتوقع أن تكون صارمًة للغاية. وإذا ما طُبّقت بتنسيق دولي وبآليات تنفيذ فعّالة، فقد تُلحق ضررًا أكبر بالاقتصاد الحربي الروسي مقارنًة بالحزمة الأوروبية الأخيرة.

وفي الختام؛ يمكن القول إن الحزمة الثامنة عشرة من عقوبات الاتحاد الأوروبي تعكس تصعيدًا استراتيجيًا يستهدف إيرادات النفط وسلاسل الإمداد واللوجستيات، وتسعى لسد ثغرات رئيسة في منظومة العقوبات. وهي تتجاوز الطابع الرمزي نحو فرض آليات التنفيذ وردع روسيا، ومع ذلك سيظل أثرها الكُلي محدودًا بفعل تحديات تطبيقها على المستوى العالمي، واعتماد روسيا المتزايد على شبكات بديلة للتجارة والتمويل. وبالتالي، لن تكون هذه الإجراءات حاسمًة بمفردها، وترتبط فاعليتها بتوافر ضغط متعدد الأطراف، لا سيما عبر العقوبات الأمريكية المنتظرة، التي قد تُشكّل في نهاية المطاف المعيار الحقيقي لنجاح الرد الاقتصادي الغربي على الحرب الروسية الدائرة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير