أهمية اجتماع بزشكيان والسيسي على هامش قمة الثماني النامية للتعاون الاقتصادي

https://rasanah-iiis.org/?p=37120

شَكَّلَ اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش قمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي في القاهرة 19 ديسمبر 2024م، لحظًة فارقًة في الدبلوماسية الإقليمية، وعكس جهودًا أوسع نِطاقًا لإعادة تقييم العلاقات بين لاعبان محوريان في العالم الإسلامي هما: طهران والقاهرة. ويجري هذا التقييم على خلفية التحديات المشتركة والديناميات الجيوسياسية المتطورة في المنطقة، والجدير بالذكر هنا أن منظمة مجموعة الثماني للتعاون الاقتصادي تضم ثماني دول نامية إسلامية هي: (بنغلاديش ومصر وإندونيسيا وإيران وماليزيا ونيجيريا وباكستان وتركيا).

كان هذا اللقاء هو أول لقاء يجمع رئيسي البلدين منذ 12 عامًا، إذ كان آخر لقاء جمع رئيس إيراني ورئيس مصري في 30 أغسطس 2012م، بين محمود أحمدي نجاد ونظيره المصري محمد مرسي، على هامش قمة حركة عدم الانحياز في طهران، حينها لم تُوضع أي خِطط لفتح السفارات أو استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، وكانت هذه المرة الأولى التي تطأ فيها قدم رئيس مصري إيران منذ أن قطعت البلدان علاقتهما الدبلوماسية في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979م، ومنذ ذلك الحين، احتفظت الدولتان بـ«بعثة رعاية مصالح» في كِلا العاصمتين. 

مما لا شك فيه أن العِلاقات بين إيران ومصر مَرت بعقودٍ من انعِدام الثِقة والاختلافات الأيديولوجية ومحاولات المصالحة المتقطعة، وتعمقت التوترات بين البلدين عندما منح الرئيس المصري أنور السادات الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي، والذي أطاحت به الثورة اللجوء في مصر، حيث توفي ودُفن في عام 1980م. وتدهورت العلاقات أكثر عندما أطلقت إيران اسم «خالد الإسلامبولي»، المُلازم في الجيش المصري المتورط في اغتيال السادات في عام 1981م على أحد شوارع عاصمتها، واستمرت التوترات طوال فترة الثمانينيات، بسبب دعم مصر للعراق خلال الحرب العراقية-الإيرانية. وفي التسعينيات، اتفقت الدولتان على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإن كانت محدودة بمستوى القائم بالأعمال. وفي ديسمبر 2003م، عُقِدَ اجتماع هام بين الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، ونظيره الإيراني محمد خاتمي، وكان أول لقاء بين رؤساء مصر وإيران بعد ثورة 1979م. وكثيرًا ما اصطدمت العلاقات الودية بين مصر ودول الخليج واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بالأيديولوجية الثورية الإيرانية ودعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة، لكن فتحت التحولات الإقليمية الأخيرة، على رأسها اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وإيران، وجهود مصر لتنويع علاقاتها الدبلوماسية، آفاقًا للحوار.

ولقد وفرت هذه القمة أرضيًة مُحايدة لطهران والقاهرة لدخول في حوارٍ بناءٍ، حيث أكدت تصريحات بزشكيان قبل مغادرته مطار القاهرة، على رؤية إيران لتعزيز الوحدة بين الدول الإسلامية لمواجهة الضغوطات الخارجية وتهديدات الغرب وإسرائيل، قائلًا: «سنعمل على تعزيز علاقاتنا الودية مع الدول الاسلامية لإحباط مؤامرة الاعداء». وقد عكست مشاركته هنا التزام إيران بالتعددية داخل العالم الإسلامي، على الرغم من التوترات المستمرة مع الدول العربية الرئيسية في سياق سوريا ما بعد «الأسد».

ويُشير هذا الاجتماع إلى احتمالية تحسُن العلاقات بين بلدين كانا على خِلاف لفترة طويلة جدًا، قد يفضي هذا التحسُن إلى تحول أوسع نِطاقًا نحو العمل للحد من التوترات في المنطقة. وعلى جانب آخر، تُواجه كل من إيران ومصر تحديات اقتصادية تفاقمت بسبب العقوبات والتضخم وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، لذا قد يؤدي تعزيز التعاون الثنائي، وخاصًة في إطار مجموعة الثماني، إلى تيسير فُرص التجارة والاستثمار، مما يوفر فوائد اقتصادية متبادلة.

وفي ظل الصراعات الدائرة في غزة وسوريا، لدى طهران والقاهرة مصلحةٌ مشتركةٌ في احتواء حالة عدم الاستقرار التي تهدد الأمن الإقليمي، وفي ظل اختلاف مقارباتهما لهذه الأزمات قد يُمهد الحوار الطريق لتنسيق الجهود لتتعامل مع التوترات والحَد من التدخُل الخارجي. وفي هذا الصدد، أعرب الزعيمان عن مخاوفهما بشأن الجهات الفاعلة الخارجية التي تُقوض السِيادة الإقليمية؛ وندد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في الاجتماع الوزاري لمجموعة الدول الثماني بالسياسات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، قائلًا: «الكيان الصهيوني يجب أن يخرج فورًا من الأراضي المحتلة في غزة ولبنان وسوريا». وفي 18 ديسمبر، التقى وزير الخارجية الإيراني نظيريه الباكستاني والمصري، كما عُقد اجتماع بين عراقجي ونظيره المصري بدر عبد العاطي على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة الدول الثماني.

وتُعَدُ هذه الاجتماعات بين مسؤولي مصر وإيران خطوًة إيجابيًة، لكن ثمَة عقباتٌ تحول دون التقدم في العلاقات بين البلدين؛ فقد يُعقد دعمُ إيران للجهات الفاعلة غير الحكومية في الصراعات الإقليمية علاقاتِها مع مصر، لاسيما أن القاهرة دائمًا ما كانت داعمةً لسيادة الدول ومعارضةً للجماعات الإسلامية والطائفية. وفي ظل تنامي النفوذ التركي في سوريا وما يحملهُ من مخاوف مشتركة بشأن مستقبل سوريا، يمكن أن تُعزز طهران والقاهرة تعاونهما الإقليمي في هذا الصدد، ومع كل هذا فإن آفاق التعاون المستقبلي في سوريا قد تُعرقلها استراتيجية إيران المتمثلة في استغلال التوترات الطائفية في البلاد التي مزقتها الحرب.

 وبناءً على ما سبق، يحمل اللقاء بين بزشكيان والسيسي في قمة مجموعة الثماني أهميًة رمزيًة واستراتيجيًة؛ فهو يُمثل نقطة تحول مُحتملة نحو تعاون أكبر بين إيران ومصر، مما يعكس توجهًا أوسع نِطاقًا لخفض التصعيد الإقليمي، وفي ظل استمرار التحديات، يمكن أن يُشكل الحوار الذي بدأ في القاهرة أساسًا تعتمد عليه البلدان لمعالجة مخاوفهما المشتركة وتعزيز الوحدة داخل العالم الإسلامي.

وعلى هامش قمة مجموعة الثماني للتنمية، شارك الرئيس المصري أيضًا في مناقشات مع نظرائه حول سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، ولم يتعهد البيان الختامي للقمة بتعميق مستويات التعاون القائمة فحسب، بل أكدَّ أيضًا على خِطط لتوسيع عضوية المجموعة. وقد اجتذبت مجموعة الثماني للتنمية، التي تأسست في عام 1997م لتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، اهتمام أذربيجان، الحليف الوثيق لتركيا، التي أعربت عن نيتها الانضمام إليها. وبالتالي، قد تُصبح مجموعة الثماني للتنمية أرضيًة جامعًة للمُضي قُدمًا في تحقيق هذه الأهداف، وهذا يدل على أهمية التعددية في التعامل مع المشهد الجيوسياسي المعقد، كما يُمكن أن تُساهم هذه المنظمة الإقليمية في تهدئة التوترات ليس فقط بين إيران ومصر، بل أيضًا بين إيران ودولًا عربيًة أخرى، لاسيما على خلفية التطورات المتسارعة في سوريا.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير