أهمية زيارة الرئيس الإيراني لباكستان

https://rasanah-iiis.org/?p=34956

سيطرت رحلة الرئيس الإيراني الرسمية إلى باكستان على المشهد الإعلامي في البلاد، بسبب تركيزها الطاغي على الدبلوماسية العامَّة ورمزيتها. ولم يقتصر الأمر على لقاء الرئيس الإيراني مع القادة السياسيين ومخاطبة المثقفين والطُلّاب فحسب، بل حصل أيضًا على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة كراتشي، وهي إحدى أقدم الجامعات في البلاد. وقد أسمت إسلام أباد طريقًا مهمًّا بــ «شارع إيران»، في خطوة لردّ اللفتة حول تسمية الطريق السريع باسم «محمد علي جناح» بطهران، الذي يعود تاريخه إلى حقبة ما قبل عام 1979م.

وعلى خلفية الهجوم الإسرائيلي المضادّ «الرمزي المزعوم»، حوَّلت إقامة الرئيس الإيراني في باكستان، الانتقادات في الداخل إلى خطاب تحدٍّ مواتٍ، أشاد به الشعب الباكستاني، خلال تفاعلاته المتكرِّرة في إسلام أباد ولاهور وكراتشي. وبعد وضْع الزهور على ضريح الدكتور علامة إقبال، هدَّد رئيسي إسرائيل أثناء حديثه إلى النُخبة في البنجاب، قائلًا: «إذا ارتكب الكيان الصهيوني خطئًا آخر وقام بانتهاك سيادة الأراضي الإيرانية المقدَّسة، فسيكون الوضع مختلفًا، وليس من الواضح أنَّه سيبقى من هذا الكيان أيّ شيء»، وبتجاهله قاعدة الدولة المضيفة، لم يتوانَ في انتقاد واشنطن، بقوله: «إنَّ الأمريكيين والغربيين هُم أكبر منتهكي حقوق الإنسان، وادّعاءاتهم بالدفاع عن حقوق الإنسان فارغة».

وبقدر ما تعارض باكستان الأعمال الإسرائيلية في غزة، فإنَّها لا تؤيِّد بالكامل سياسة إيران والإستراتيجية، التي تتّبِعها بتوظيف الميليشيات المسلَّحة. ومن المثير للاهتمام، أنَّه قبل أقلّ من أسبوعين من الزيارة، أعلنت إسلام أباد عن أنَّ «أتباع لواء زينب» منظَّمةً إرهابية. ويلقي التوقيت الغريب للقرار، الضوء على محاولات إسلام أباد للحدِّ من توقُّعات طهران من الزيارة الرئاسية، التي تجري بعد ثماني سنوات، والأولى لأيّ رئيس حكومة أو دولة أجنبية إلى باكستان منذ تولِّي الحكومة المُنتخَبة السُلطة في مارس. لم يستقبل رئيس الوزراء بنفسه المسؤول الإيراني الرفيع، بل أناب عنه وزيرًا اتحاديًا، بينما لم يحضر الرئيس إبراهيم رئيسي حفل الحاصلين على  نيشان باكستان (وسام باكستان العظيم )، وهو أعلى وسام مدني في البلاد.

في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الباكستاني، لم يتطرَّق الرئيس رئيسي إلى جامو وكشمير المُتنازَع عليهما مع الهند، لكنَّه أشار مِرارًا وتكرارًا إلى غزة وفلسطين. وقال رئيسي إنَّ إيران تدعم «جميع قرارات مجلس الأمن الدولي، وتقِف ضدّ كل الممارسات القمعية». ومن المفارقات، أنَّ الفقرة 13 من البيان المشترك تُشير إلى قضية كشمير، التي يجب حلّها من خلال الحوار والوسائل السِلْمية، التي تعتمد على إرادة شعوب تلك المنطقة، ووفقًا للقانون الدولي. وأبرم الجانبان ثماني مذكرات تفاهم، واتّفقا من حيث المبدأ على إقامة نظام تشاوري على مستوى وزراء الخارجية؛ لوضع إستراتيجية مشتركة لمكافحة تهريب الأسلحة والإرهاب عبر الحدود. وفي أثناء لقائه مع الرئيس الإيراني، وصَفَ رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير الحدود الباكستانية-الإيرانية، بأنَّها «حدود سلام وصداقة». وتعهَّد الرئيس رئيسي بتعزيز التعاون بين القوَّتين المسلَّحتين، لتحقيق السلام والاستقرار. يُثير وجود الهند على الجانب الإيراني من ساحل مكران غضب باكستان، وفي الوقت نفسه تعتقد طهران أنَّ أعدائها يأوون مسلَّحين بلوش سُنِّيين على الجانب الباكستاني. ومع ذلك، يُشير البيان المشترك إلى تشابهار وجوادر، على أنَّهما موانئ شقيقة، حيث تعَّهدت كلتا الجارتين «بتوسيع نطاق الروابط ذات المنفعة المتبادلة والدائمة بينهما».

وعلى الرغم من هذه التناقضات، تعهَّدت الدولتان بتوسيع تجارتهما السنوية من 2 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار، لكن دون إعلان إطار زمني. ويُعَدُّ إنشاء أسواق على طول الحدود والاعتماد على تجارة المقايضة، هدفًا غير واقعي. وعلى الرغم من أنَّ الاقتصادات الموازية ساعدت إلى حدٍّ كبير على «التعجيل بالانتهاء» بوضع اتفاقية التجارة الحُرَّة، تجدُر الإشارة هُنا إلى أنَّ إسلام أباد وأنقرة احتاجتا إلى أكثر من عقْد من الزمن للتوصُّل إلى اتفاقية تجارة تفضيلية. ووافقت طهران وإسلام أباد على مسوَّدة اتفاقية التجارة الحُرَّة الأولية في عام 2016م؛ الأمر الذي بعث آمالًا مماثلة، لكنَّها لم تتحقَّق.

ويُعَدُّ ما يُسمَّى بمشروع خط أنابيب السلام مشكلةً كبيرة؛ بسبب شروطه المثيرة للسخط، والتي وافق عليها الرئيس الحالي والسابق آصف علي زرداري وبموافقة رئيس أركان الجيش الجنرال أشفق برويز كياني، حيث ترافق ذلك المشروع مع العقوبات الأمريكية المستمِرَّة. والتزمت إيران بضخِّ 750 مليون قدم مكعَّب من الغاز إلى باكستان يوميًا، بحلول منتصف عام 2015م، وذلك بموجب اتفاق أُبرِم في عام 2010م، وكان من المقرَّر أن ينتهي منه في ديسمبر 2014م بتكلفة بلغت 7.6 مليار دولار. ووافق زرداري على أن تدفع إسلام أباد غرامة قدرها 3 ملايين دولار يوميًا، حتى الانتهاء من خط الأنابيب، بعد أن فشلت في بناء الجزء الخاص بها من المشروع بحلول 30 ديسمبر 2014م. وقد قامت طهران على عجلٍ ببناء خط الأنابيب من جانبها، حيث بلغ طوله 1100 كيلومتر، بتكلفة بلغت ما يقرُب من 1 مليار دولار. ومع ذلك، لم تُبدي (البنوك الرائدة) رغبتها في تمويل المشروع؛ بسبب العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة، بينما حذَّر البيت الأبيض إسلام أباد مِرارًا وتكرارًا من شراء البتروكيماويات الإيرانية. ونتيجة لتقييم أزمة الطاقة المتفاقِمة في باكستان، وفي خِضَمّ ارتفاع عدد السُكّان وعدم وجود خط أنابيب بديل من دول الخليج، مدَّدت طهران الموعد النهائي لمدَّة العقد حتى مارس 2024م، لكنها لم تخرق بند العقوبة اليومي. وفي حال تراجعت باكستان عن الاتفاقية، فسيتعيَّن عليها دفْع ما يقرُب من 18 مليار دولار كغرامات فقط. وبسبب عدم وجود خط أنابيب بديل من أيٍّ من شُركائها الخليجيين المُحتمَلين، تكمُن المعضلة المحيِّرة لباكستان في تلبية احتياجات الطاقة لـ 240 مليون شخص، حيث شهِدَت ارتفاع 40 مليون نسمة منذ عام 2010م. وتزيد سياسات إيران الخارجية والأمنية المتهوِّرة، من حدَّة مخاوف باكستان بشأن الاعتماد على مثل هذا الجار في أمن الطاقة الحيوي على المدى الطويل.

وعلى الرغم من تزايُد الحديث عن إحياء خط أنابيب السلام في الأسابيع الأخيرة، إلّا أنَّ إسلام أباد لم تطلب بعد إعفاءات من العقوبات من واشنطن. في فبراير، وافقت باكستان على بناء المرحلة الأولى بطول 80 كيلومترًا من خط أنابيب الغاز من الحدود الإيرانية إلى جوادر. وفي الوقت نفسه، حذَّرت وزارة الخارجية الأمريكية باكستان من خطر فرْض قيود ثانوية. وقال ماثيو ميلر؛ المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: »نُوصي الجميع دائمًا بأنَّ التعامل مع إيران ينطوي على خطر التعرُّض والارتباط بصورةٍ مباشرة من عقوباتنا، وننصح الجميع بالتفكير في ذلك بعناية شديدة«. في حال التوصُّل إلى اتفاق على برنامج جديد لصندوق النقد الدولي، فسيتعيَّن على إسلام أباد تعليق الخطط لبناء خط الأنابيب. ولن يمضي وقت طويل، قبل أن تلجأ باكستان إلى التحكيم الدولي، بشأن الشروط المثيرة للسخط لمشروع خط أنابيب الغاز.

وفازت إيران بمعركة التصوُّرات، على الرغم من هجومها المتهوِّر على الحدود الباكستانية قبل أربعة أشهر. ووافقت إسلام أباد على زيارة رئيسي، التي استمرَّت ثلاثة أيام لمراكزها الثلاث، حيث حاول الرئيس رئيسي تبييض أفعال طهران السيِّئة ضدّ باكستان والدول العربية. لكن الحكومة الباكستانية فشلت في قراءة سعي الحكومة الإيرانية الحثيث بتغليب مصلحتها الوطنية، على حساب مصلحة باكستان. ويمكن القول إنَّ الرئيس رئيسي تلاعب بنجاح بعواطف الأُمَّة الباكستانية، في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المهينة، إذ وجدت الحكومة الإيرانية من خلال زيارة رئيسي إلهاءً ذكيًا للشعب الإيراني. وفي الوقت الذي تواجه فيه باكستان أزمة طاقة متفاقِمة، يمكن لإيران أن تعرض أمام الشعب الحاجة المُلِحَّة لبناء خط أنابيب الغاز لتحدِّي الترهيب الأمريكي. وقد تتمكَّن إيران أيضًا من مضاعفة التجارة الثنائية مع باكستان، خلال عقْد من الزمان.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير